مقالاتمقالات أخرى

مشروعنا بين الجهاد والإجهاد.. تحليل هندسي لهيكل السنة المتداعي

المهندس حسن القزاز

عندما تتعرض أي عتبة او عنصر في أي مبنى او مُنشأ الى حمل خارجي (External Load) فان هذا الحمل ينتقل فيولد احمالا داخل كل عنصر من عناصر العتبة نفسها (Internal Load) مما يسبب اجهادا داخليا (Stress)([1]) ينتج على اثره انفعال وتغير في شكل العتبة (Strain).

وعندما يبلغ الاجهاد قيمة لا يمكن للمادة المصنوعة منها العتبة تحملها تنهار وتفشل .. فالمهندس المصمم يجب عليه معرفة (الحمل الخارجي) المسلط بشكل دقيق وكذلك حدود (الاجهادات الداخلية) لعناصر مشروعه الانشائي لكي يصبح المبنى آمنا وسالماً من العيوب والتشوهات.

أحمال الامة وإجهاداتها

اذا نظرنا الى ما جرى ويجري على عتبة الامة الاسلامية السنية من تحديات ومؤامرات يمكننا ان نصطلح على تسميته بـ( الاحمال الخارجية ) والتي كان من الطبيعي ان تولد ضغوط واجهادات داخل تركيبة كل فرد من افراد هذه الامة , وكان للخطاب الديني التقليدي الاثر الاكبر في صياغة وترتيب وتوزيع ردود الافعال.

منذ ان كنت صغيرا تولد لدي عبر خطب الجمعة والمحاضرات اقتران شرطي بين الجهاد والموت.. عزز ذلك معظم بل كل التجارب الجهادية التي قامت في عالمنا الاسلامي بعد زوال الدولة العثمانية .. حيث الجهود مشتتة والعجلات منفلتة والثمار مسروقة والخسائر فادحة في ارواح واموال البلدان والعواصم . ومن كان يميز بين هذه الحركات ليصنفها في خانات الاعتدال او التطرف بات اليوم لا يفرق بين بعضها البعض بعدما تداخل لحن (جحيم الروس) مع ايقاع (صليل الصوارم) .. ولم اهتد الى توصيف واضح في ذهني لتطبيق عملي لفريضة الجهاد بعد ان استحوذ على حقوق تملكها الجماعات المسلحة والابواق الزاعقة على حين غفلة من اهل السنة .

عندما يتحول الجهاد الى رماد

يمكن ان اشبه ما حدث للامة من ويلات وفشل بالرغم من امتلاكها لكل عوامل النجاح من ثروات مادية وموارد بشرية وغيرها من العوامل… بمشروع هندسي ضخم يمتلك كل المقومات من ارض ورأس مال وكادر متكامل من عمال ومواد اولية ومعدات عمل وآليات باستثناء وجود مهندس فيه .. نعم علينا ان نعترف بأننا سلمنا عهدة مشروع امة بيد من لا يحسن التخطيط والتصميم والاشراف .. فبات كل من هب ودب من عامل جاهل او مقاول غشاش يرتأي ما يناسبه من عمل في اكمال المشروع لينجزه بابشع واخطر صورة , فكان التداعي سيد الموقف وتحولت اموال المشروع وجهوده الى انقاض ورماد.

الان جاء دورنا

لم اجد مشروعا كالمشروع السني ينطبق في معناه ويتشابه في مدلولاته، وتحاكي آليات تنفيذه آليات المشروع الهندسي. فكما ان اي مشروع هندسي انشائي يتطلب انجازه قيام المهندس بعملية دراسة لموقع المشروع ومشاكله ورفع مناسيبه واعداد المخططات المعمارية والمدنية لجميع عناصر المبنى وفق طبيعة الاحمال التي يحتويها المنشأ ومن ثم الاشراف على تنفيذه وانجازه , كذلك فان المشروع السني استخدم هذه الاليات والاساليب للتناغم مع السنن الربانية والقوانين الكونية.

لا يختلف اثنان على ان الجهاد بمفهومه العسكري المسلح هو جزء من الجهاد بمفهومه الاعم والاشمل. ولكن مع اهمال ذلك واقتصار الافهام على المعنى العسكري البحت، واكتفاءً بظاهر النصوص من ايات واحاديث حضت على الجهاد ابتغاء ثواب الاستشهاد في احسن الاحوال , دون الاخذ بنظر الاعتبار مآلات خوض هذه الحروب والمعارك الكارثية .. فان هناك مشكلة اخرى تكمن في توقيت استخدام هذا الاسلوب .. والواقع شاهد على النتائج الكارثية التي كان سببها تلك المعضلة المركبة بين خطورة الفهم وخطيئة التوقيت.

لقد عالج الفكر السني هذه الاشكاليات بصورة علمية وشرعية دقيقة ووضع يده على الجرح وحدد التوقيت المناسب للعمل العسكري وحتى السياسي منه بعد تكوين الجسم المدني ضمن برنامج متكامل منشور ومعلن. واذا اخذنا حجم وعظم المسؤوليات والمهام التي هي بانتظار حملة هذا التيار نراها لا تقل صعوبة عن اي عمل جهادي اخر. لا بل هي الجهاد الحقيقي وغيرها سكب للقدرات في فراغ، وحرق للطاقات في فضاء.. فأمامنا امة ذات لوثة شعوبية وهي اسيرة تاريخ مزيف.. لكي نوقظها وتعي هويتنا الحقيقية نحتاج الى جهود جبارة , ولا بد بعدها من صناعة قيادات تحمل قضية هي اسمى القضايا غاب من يحملها لقرون وقرون , وينتظرنا مشروع وعمل مجتمعي لابد تطيبقه على ارض الواقع.

بهذا الشكل استطاع التيار السني بفكره التجديدي ان يعيد توزيع التحديات الخارجية على عناصر الامة الداخلية للتتناسب مع قوة التحمل والموقع الزمني لكل مرحلة بدون ان يقود ذلك الى نتائج عكسية وفشل ودمار. فكان قوانين برنامجه متناغمة مع سنن وقوانين الطب والهندسة والكون كله.

نعم انه دورنا ودورنا فقط .. الارض موجودة .. والطاقات متوفرة .. والمهندس قد اعد التصاميم والمخططات ومستعد للاشراف .. فهيا أيها العاملون؟

(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).

………………………………………………..

(1) ويعرف الاجهاد (Stress) هندسيا بانه مقدار لكثافة القوى الداخلية الكلية العاملة داخل جسم ما عبر مساحة المقطع العرضي فهو قوة مقسومة على مساحة المقطع الانشائي.

 

اظهر المزيد

‫5 تعليقات

  1. لقد شخص الكاتب سر خلل منهجيا لا زالت الامة تقع فيه ذلك هو حمل الاسفار دون معرفة ما فيها وماذا تريد وانما تتحرك بزعيق الراعي و سياطه وهذا شأن قراءة العبيد للسنن الكونية والشرعية لما العباد الربانيين فشأنهم التفكر والتأمل والنظر لعواقب المتقين فلا بد من اشغلب بوصلة الصواب مع الاخلاص فان النوايا الحسنة لا تاتي ثمارها ان لم يكن الطريق صوابا .

  2. بسم الله الرحمن الرحيم
    الاخ المهندس المبدع
    اقول لكم باللهجة المصرية ( أيوه يا هندسة )
    لقد ابدعت الهندسة في الفكرة والتعبير
    أوجزت فلم تطل، وتحدثت فلم تزل، ونصحت فأسمعت، وعلى من سمع العمل

  3. ويا له من مهندس عظيم الذي أسس هذا المشروع السني الرباني وفق منهج قرآني عظيم ليجمع شتات الأمه التي مزق الفرس كيانها واساسها العظيم
    مقال قيم وله معاني جميلة لمن ينصر دينه وقضيته السنية
    جزاك الله خيرا وبارك الله في سعيكم

  4. ويا له من مهندس عظيم الذي أسس هذا المشروع السني الرباني وفق منهج قرآني عظيم ليجمع شتات الأمه التي مزق الفرس كيانها واساسها العظيم
    مقال قيم وله معاني جميلة لمن ينصر دينه وقضيته السنية
    جزاك الله خيرا وبارك الله في سعيكم

  5. كل المشاريع التي فشلت أمام التحديات في المنطقة هي مشاريع بتراء جوفاء فارغة عن محتواها الأنها استنتاج بشري أجتهادي وآراء متشتتة منهم من أخذه الجانب القتالي فقط ومنهم من أخذه الجانب السياسي وكتفا ومنهم من أخذه الجانب الوطني وترك الدين مشاريع متقطع مبعثرة .ونحن اليوم والحمد الله نمتلك المشروع الرباني مبني على شرع الله ويمتلك الهوية والقضية السنية أمام تحديات المشروع الإيراني الشيعي المتهور . لتكوين دول مدنية ربانية تحكم بكتاب الله وسنة رسول الله ولها الجناح السياسي والجناح العسكري .هذا المشروع بقيادة المفكر والمهندس والمجدد الدكتور طه الدليمي حفظه الله الإنقاذ الأمة من التية وهذا مانسعوا له ومن الله التوفيق .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى