مقالاتمقالات أخرى

أولئك لهم الأمن

جار الله الملَّا خضر/ منظومة الفقيه القائد / التَّيَّار السُّني في العراق

كلَّما تجوَّل فكري في دوحة سورة الأنعام تنسَّمتُ عطرات المعاني، وها أنا ذا أصلُ الآية التي أصَّلت للأمن الشخصي والمجتمعي، الدنيوي والآخروي[1].

إنَّني أمام آية تُنشئ صرحًا منيعًا وقلعة حصينة يأمن فيها الفرد والمجتمع: {والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} الأنعام: 82.

وسياق التصوير القرآني لعلم المجادلة يُبرِّز من شخصية سيدنا إبراهيم – عليه وعلى نبينا الصلاة والسَّلام – قوَّة الحجة وطلاقة اللسان والثقة بالنفس ووصف العلاج الآمِن.

والمقال لا يسع آيات المحاججة بينه وبين الفريق الآخر، ولكن عُد أيُّها القارئ السُّني الكريم وأنعم نظرك متدبِّرًا هذه المحاجة.

دافعية المقال

منذ ثلاثين سنة أو أكثر لي أحبَّة وأصدقاء ورفقاء طريق المسجد وضرب الأقدام إلى حِلق العلم، تكلَّمت معهم في السنوات الأخيرة عن قضيتنا السُّنية وهويتها، وعن تَيه أهلها وهوانهم على الناس.

أمَّا الصنف الأوَّل فكان مهتمًّا بتزكية النفس والتصوف غير الغالي، وهذا الصنف كأرض قيعان لا يتشرَّب ولا يُنبت، وبعد جهد معه أجابني فقال: أنا ربَّيتُ جيلًا ربَّانيًا ذاكرًا عفيفًا.

فقلت له: وهذا جهد محمود، ولكن قل لي: أين الأمن المجتمعي المحصِّن لهؤلاء؟ وما هويتهم وقضيتهم؟

الذكر… الإكثار من صلاة الليل والاغترار بها… صوم الإثنين والخميس؟!

كلُّ هذا لا يعذركم أمام الله مع اجتياح الشِّيعة لكم، فلا أمن لك على هذا الجيل الذي تدعي تربيته، ولا على نفسك.

أمَّا الصنف الثاني فكان مهتمًّا بنقاء العقيدة وعدم الوقوع في التشبيه والتكييف والتمثيل والتعطيل، ولحدِّ اليوم هو يردُّ على القدرية والجبرية وتاركًا الشيعة يقتحمون عليه دينه وعقيدته وبيته وهو غارق في شبر ماءٍ.

قلتُ له: أين فاعلية عقيدتك في إثبات سُنيَّتك وتمسكك بعقيدتك مع احتلال الدين الشيعي لمدينتك، لقد قضيتَ أكثر من ثلاثين سنة وأنتَ بين الواسطية والتدمرية والسفارينية، ولَّما جاءك الدين الشيعي إذا بك تَلزَمُ موضعك وتقول: كن حِلس بيتك!

إنَّك تستحقُّ أربعًا من غير ركوع ولا سجود… لقد أهدرت نفسك وتيك السنين.

ثم وحَّدتُ رسالة كتبتها لهما: أنتما ضائعان وضيَّعتما نفسيكما، بينما أنا موجود لأنَّني استبصرت الطريق ووجدت في نهايته ضوءًا: (المشروع).

بل … للإضراب[2]

بل قد وجدتُ نفسيَ متوهِّمةً معهما، فنشطت لأبحث عن معنى أصيغه خارج الصندوق، ولا أعلم كيف أسعفتني ذاكرتي – بُعيد صلاة الفجر – ببيت طَرَفة بن العبد

نحن في المشتاة ندعو الجَفَلى لا ترى الآدب فينا ينتقر

فقلت: هذه ضالَّتي وضالَّتنا في المشروع، فلنقلب الأطراف لتصحَُ المعادلة. كيف؟

نحن في المشروع ننتقر، ولا ترانا ندعو الجَفَلى.

نعم… نعم هكذا تصِّح المعادلة.

المحقِّقون للأمن

C:\Users\USER\Desktop\زقورة.jpg تُلبس الآيات وشاح الأمن على المجتمع الذي نشده إبراهيم عليه السَّلام: المجتمع الموحِّد لا المشرك، المجتمع المؤمن بأركان واجبةٍ معلومةٍ من الدِّين بالضرورة، لا المجتمع الكافر الذي جمع بين شرك وإلحاد، وهذا حقيقة ما وصل إليه المجتمع الشِيعي، فلاقى أمرًا هو من قوانين القدر: الإشراك والكفر والإلحاد والفساد والنفاق مهلكات الشعوب.

وهم كما نرى، يخربون بيوتهم بأيديهم ويفضحون بعضهم بفضائياتهم، ويلعن بعضهم بعضًا

فمن أحقُّ بالأمن آلمشاريع الربانية التي تنشد التوحيد والاستقامة والخلق السامق، أم أولئك؟!

فلا أمان في العراق ولا لبنان واليمن وسوريا إلا لمن فهم ما عليه فأخذ يعمل للتمكين موحِّدًا في مشروعٍ ربانيٍ، وهذا كفرد وهؤلاء كمشروع لهم الأمن وهم المهتدون.

فسيدنا إبراهيم هو مشروع في فرد، أنتج – ولو بعد حين من الدهر – أمةً لها مشروع.

دعني أصارحك بصوت عالٍ أيُّها السُّني

1. لا ولن تكون حتى تعيَ أنَّ التمكين ليس قطارًا تنتظره، إنَّ التمكين عمل ينتظرك.

2. إنَّ العامل للأمن لزامًا أن يقتفي أثر إبراهيم فيعمل ولو لوحده[3].

3. نقِّر فليس مشروعُنا رخيصًا.

4. تفاعل مع كلِّ أخوتك في المشروع، ولا تكن نقابيًا، انتقائيًّا في المشروع.

5. الأمن الذي نعمل عليه كلُّنا أمنان: أمن للمشروع وأمن للسُّنة.

6. العقيدة الصحيحة (الإيمان) هي أوَّل موجِب وسبب وشرط للأمن والاهتداء، ولن ينال مشروعٌ الأمنَ والتمكينَ بغيرها، ولو انفرد بالعقول والتنظيرات والتحليلات والسبق الفكري، كلُّ هذا يسبقه توحيد ويقين وتحقيق لشروط لا إله إلا الله.

……………………………………………………………………………………………….

  1. . لعلَّ معترضًا يعترض على أسلوبي هنا فيقول فيه وعظيات وروحانيات!

    وما يضرُّ هذا، وما يضرُّ أن أجمع بين المعاني والأساليب؟! فأنا أعوم في معاني كتاب الله، كذلك ومن غير إبعاد لزامًا عليَّ أن أذكر هذه المعاني وهي من صلب فهم كتاب الله. على أنَّ المقال فكري مشَّرب بالروحانيات.

  2. . هو الإعراض عن الشيء بعد الإقبال عليه، بمعنى آخر هو: الانتقال. انظر: معاني النحو للدكتور فاضل إبراهيم السَّامرائي3/263.
  3. . مع أسف قارح أقول: وجدت منَّا ومعنا شخوصًا يعقِّون السَّهل، ويضعون العقبات ولا عقبات، ويفترضون الصعب ولا صعب، كيف لهؤلاء أن ينضجوا قدراتهم؟!

 

اظهر المزيد

‫6 تعليقات

  1. تسورت للعقول بالتفكير وغلوت باللغة العالية لرفع الهمم وحركت هواجس القلوب وبينت بين العبادة والقضية ربط لا يمكن الفسخ بيتهما والا اختل التوازن وحصل الخوف والعقوبة واجمل ما فيه هو ذلك الوعظ الهادف والنقاط التي لابد ان تكون نصب اعين اهل التيار السني وهي :-
    دعني أصارحك بصوت عالٍ أيُّها السُّني

    1. لا ولن تكون حتى تعيَ أنَّ التمكين ليس قطارًا تنتظره، إنَّ التمكين عمل ينتظرك.

    2. إنَّ العامل للأمن لزامًا أن يقتفي أثر إبراهيم فيعمل ولو لوحده[3].

    3. نقِّر فليس مشروعُنا رخيصًا.

    4. تفاعل مع كلِّ أخوتك في المشروع، ولا تكن نقابيًا، انتقائيًّا في المشروع.

    5. الأمن الذي نعمل عليه كلُّنا أمنان: أمن للمشروع وأمن للسُّنة.

    6. العقيدة الصحيحة (الإيمان) هي أوَّل موجِب وسبب وشرط للأمن والاهتداء، ولن ينال مشروعٌ الأمنَ والتمكينَ بغيرها، ولو انفرد بالعقول والتنظيرات والتحليلات والسبق الفكري، كلُّ هذا يسبقه توحيد ويقين وتحقيق لشروط لا إله إلا الله.
    فجزاك الله خير ولك دعوة سيدنا عمر رضي الله عنه (رحم الله امرء اهدى الي ً عيوبي .

  2. بارك الله فيك أخي الفاضل وأن تسطر كلماتك إنطلاقا من آي الكتاب الذي ينير لنا الطريق ليكون نوراً وزادا ولكل سائر إلى الله تعالى

  3. الايمان .. ومنه التوحيد، قول وعمل
    القول .. هوية
    والعمل .. مشروع
    والشرك .. قضية
    وتحقيق الهداية لا يكون الا بهذه الثلاثية التي بها يتحقق الأمن والسلام الداخلي للفرد والمجتمع ..
    بارك الله بك ملّاتي .. ونفعنا الله بعطر تأملاتك القرآنية

  4. مقال قيم ومحفز فيه معاني عظيمه لنهضة الفرد والمجتمع السني
    فالدين أيمان ونصرة
    عبادة وقضية
    جزآك آلله خير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى