مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

نحن والفرس .. من يتجنى على من ؟

 

د.طه حامد الدليمي

 

يرى بعض الفضلاء تهجماً منا بغير حق، وتجنياً على الفرس يستدعي المراجعة، طارحاً أمام نقدي لهم جملة اعتراضات تتلخص في أن الفرس أمة كبيرة منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، وكان لهم تاريخ عظيم في خدمة الإسلام لا سيما في مجال العلم. وما يزال كثير منهم سنة في أفغانستان وطاجاكستان وبعض مناطق إيران. وليس من مصلحة المسلمين إضاعة إخوانهم وتركهم للرافضة، بل السعي لهدايتم ونصحهم هو المطلوب.

ويضيف بعضٌ آخر من الإخوة جملة ملاحظات تتلخص في:

  • أن نسبة التشيع إلى الفرس تعني أن التشيع أصلاً خرج من الرحم الفارسي، بينما هو يرى أن أصل التشيع مأخوذ من اليهود على أساس أن أول من ابتدعه عبد الله بن سبا اليهودي.
  • أن إيران كانت قبل مجيء الصفويين سنية على مذهب الشافعي، وأن إسماعيل الصفوي لم يكن فارسي الأصل، ومع هذا كان من أشد الناس فتكاً بأهل السنة.
  • أن لدينا بعداً قومياً في الطرح، وأننا بذلك نحول الصراع مع الشيعة إلى صراع قومي ضد الفرس فقط دون بقية القوميات.

وأنا إذ أشكر لأصحاب هذه الآراء نصحهم وغيرتهم، وحرصهم على الحق، وتوخيهم الحقيقة، أقول: لقد عايشت الشخصية الشيعية ميدانياً، ودرست أمها الشخصية الفارسية بعمق، وتوصلت إلى نتائج خطيرة، بل هي غاية في الخطورة والأهمية، لا أرى إمكانية لعلاج معضلة التشيع من دون معرفتها أو وضعها على طاولة التشريح والتشخيص. تتلخص هذه النتائج في أن النفسية الجمعية للشخصية الشيعية الفارسية تعاني من تركيبة متشابكة من العقد لم تجتمع كماً ونوعاً في شخصية أخرى كما اجتمعت في هذه الشخصية. وسجلت ذلك في دراستي هذه (التشيع عقدة نفسية لا عقيدة دينية). فأنا صاحب اختصاص في موضوع التشيع، وصاحب الاختصاص يرى في موضوع اختصاصه ما لا يراه غيره ممن لم يتفرغ له كتفرغه، وهو فرق جوهري بينه وبين الآخرين. ورؤيتي المختلفة هذه هي أحد الفروق الاختصاصية، ولا أريد في مقابلها إلا الوقوف عند هذه الحقيقة قبل التسرع بردها؛ حتى لا يغمط صاحب الاختصاص حقه، أو نظلم العلم مستحقه.

وجوابي عن الإشكالات المثارة ألخصه في النقاط التالية:

 

  1. لكل شعب خصائصه وأخلاقه .. والاستثناء للبعض من أفراده وارد

إننا إزاء أخلاق شعوب وصفات أقوام وخصائص أمم. إن لكل شعب خصائص وصفات لا تجتمع في سواه. على أن هذه الأخلاق – وإن توفرت في المجموع – قد تفوت أفراداً من المجموع  قلوا أو كثروا. فمن المؤكد جزماً أن في كل أمة أفراداً يخرجون عن الوصف العام للأمة. فرب انجليزي في أصله تجده عربياً في خلقه، وعربي في أرومته تجده عجمياً في سلوكه. والله تعالى حين ذم أهل الكتاب استثنى فقال: (لَيْسُوا سَوَاءً) (آل عمران:113). وهكذا الحال مع الفرس، فليس كل الفرس فرساً في أخلاقهم، ولا كل العرب عرباً. فعندما نقول: الفرس كذا وكذا، فإن هذا من العام المخصوص.

 

  1. صعوبة تغيير أخلاق الشعوب

إن أخلاق الشعوب وخصائصهم تمتاز بالثبات، وعدم الاستجابة السريعة للمؤثرات الخارجية التي تضغط باتجاه تغييرها، سواء كانت هذه المؤثرات ديناً أم مادة أم إعلاماً أم احتلالاً. فالشعب العربي مسلم، وكذلك الشعب التركي، والأفغاني أيضاً. وكل هؤلاء يقرأون كتاباً واحداً، ومصادر التشريع لديهم واحدة. ولكن هل استطاع الدين الواحد أن يغير من خصائص وأخلاق كل شعب من هذه الشعوب الثلاثة بما يزيل الفوارق بينها ويصهرها بحيث تبدو كأنها شعب واحد لا يمكن أن تقول من خلال السلوك الخاص: هذا عربي وهذا تركي وهذا أفغاني؟ أبداً، فقد ظل العربي عربياً في صفاته زينها وشينها، والتركي تركياً، وكذلك الأفغاني، وهكذا الشعوب جميعاً.

الدين لا يغير خصائص الشعوب، إنما يحسن منها بحسب استعدادها.

لقد دخل الإسلام إفريقيا فلم ينسلخ الزنوج من زنجيتهم وإن طرأ عليها بعض التغيير. بل لم يتمكن شعب كالشعب السوداني مثلاً – وهو شعب معظمه عربي – من التخلص من ميله الطبعي كإفريقي للرقص، على العكس فقد طوع الشعب الدين ليتلاءم مع هذه الخصيصة فكانت الطرق الصوفية أفضل حل للمواءمة بين الشرع والطبع. والرئيس السوداني، وإن كان عربياً، لا يمنعه منصب الرئاسة، بما له من مكانة ويقتضيه من هيبة من ممارسة الرقص بملابس وزيادات مضحكة بالنسبة لنا؛ لأن الطبيعة الإفريقية المحبة للرقص تفرض نفسها، والأهم من ذلك لا يمكن قيادة الشعوب إلا بما يتوافق وتقاليدها، ويتناسب وأخلاقها، ويساير طبائعها.

العربي يمتاز بالكرم، والأوربي بالبخل والحرص: فهل الانجليزي أو الأسباني المسلم تمكن الدين من نقله إلى مستوى العربي في كرمه؟ بل العربي الذي يعايش هذه المجتمعات يبدأ بالتأقلم معها ويحاول تغيير طبيعته العربية بما يمكن شرعاً ويتناسب وأخلاقها. ما الذي يمكن أن يفعل الدين للكردي في عناده، والمصري في لينه، والبدوي في شدته، والعراقي في حدته؟ بل إن الشعب الواحد تتعدد أخلاق مكوناته من منطقة إلى أخرى. فكرم ابن الضلوعية لا يدانيه كرم ابن نينوى وإن كان كلاهما مسلمين. وتحضر الموصلي وانضباطه وطاعته للقانون لا يشبهه فيه الفلوجي. ولا تنس أنني أتكلم على مستوى العموم لا الأفراد. فالاستثناء الفردي وارد. نعم الدين يهذب ويصلح ويدفع باتجاه الخير، ولكن لا يغير خصائص الشعوب والأمم إلا بمقدار. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) رواه مسلم. وإذن تحول الفرس من المجوسية إلى الإسلام لا يلزم منه تحولهم عن أخلاقهم وخصائصهم كشعب. سيما وأن التاريخ يحدثنا أن هذا التحول لم يمر بفترة حضانة واختمار مناسبة تسمح لكثير من هذه الأخلاق أن تتغير على الصعيد الجمعي، على العكس من العرب الذين احتضنت بيئتهم بذرة الإسلام قرابة ربع قرن حتى نما وترعرع واستوى على سوقه، واستقر بينهم ليكون جزءاً من حياتهم.

إن تغيير أخلاق الشعوب وسلوكياتهم وعاداتهم أصعب من تغيير أفكارهم وأديانهم، بل تغيير أشكال لباس شعب من الشعوب أصعب من تغيير دينه ومعتقده! فكيف بأخلاقه؟! إن الأخلاق أعمق غوراً وتغلغلاً في دخيلة النفس من الفكر والمعتقد، هذا على المستوى الفردي، فالأمر على المستوى الجمعي أعمق وأثبت وأصعب على التغيير. وقد جربنا ميدانياً تغيير عقائد الناس، فلما خبرنا أخلاقهم وجدناها لم تتغير إلا في ظاهرها بما يتناسب والتغيير العقائدي، أما في الباطن فما زالت على حالها الذي تكونت عليه بما يتناسب والمجتمع الذي نمت فيه وتغذت على مؤثراته ودوافعه.

 

  1. الشعب الفارسي أكثر الشعوب استعصاء على التغيير

أضف إلى ذلك أن الشعب الفارسي هو أكثر الشعوب استعصاءً على التغيير، وأن كل الأمم التي غزت بلاد فارس واستوطنتها تغيرت بما يتوافق وطبيعة أهلها، وليس العكس! وإليك هذا الشاهد ملخصاً من كلام باحث فرنسي متخصص في شؤون الساحة الإيرانية. كان صديقاً للشاه والدكتور مصدق، هو أدور سابيليه في كتابه (إيران مستودع البارود) تحت عنوان (إيران من الجانب الآخر):

تكملة البحث على الرابط التالي:

نحن والفرس .. من يتجنى على من ؟

اظهر المزيد

‫9 تعليقات

  1. دراسة تحليلية وصفية ممتازة لواقع الشعوب.
    نعم هناك طبائع واخلاق عميقة تعبر عن هوية الامم تكون عصية على قوانين التغيير وينسحب هذا على الهوية الجمعية لا الهوية الفردية فالفرد في المجتمع غير الفرد منفرداً فلا يمكن ان نحكم على المجتمع من فرد بل نحكم على المجتمع من الجمع.
    وهذا قمة في الديمقراطية ههه
    جزى الله الدكتور الهمام خيراً

  2. شيخنا الجليل ،،عندما تكلمت عن الفرس وطباعهم وسلوكياتهم وأعمالهم الرذيلة
    وعن تاريخهم الأسود في انتهاك حقوق الإنسان وكيف يسرقون الحضارة
    من غيرهم وينسبوها أليهم وهناك أمور كثيرة فيها أبشع الجرائم والقصص
    كتبها المؤرخين لتاريخ والثقافة الفرس..
    وآخر ما فعلوه لحتلال العرب صناعتهم لدين التشيع بإسم أهل البيت لتدمير الإسلام وأهله وتدمير العرب وتمكينهم منا
    كل هذه حقائق كانت مخفية عن الأمة العربية
    كشفت عنها الستار لفضح هذا العدو الخبيث الماكر
    ووضعت العلاج لكي نتخلص منهم ومن غزوهم لنا فكريا وجغرافيا
    جزاك الله خيرا على هذه الجهود لتحرير آلامه الإسلامية من خطر الفرس ومكرهم

  3. اول ما قرأت هذه السلسلة مع أخ لي كان يعملها لي مطويات وانا اتولى نشرها قرأتها ولا ادري حين قراءتها تسللت الى عقلي أبيات للشاعر عمر ابو ريشة وهو يقول :-
    أمتي كم صنم مجدته *** لم يكن يحمل طهر الصنم
    لا يلام الذئب في عدوانه *** إن يك الراعي عدو الغنم
    فاحبسي الشكوى فلولاك لما *** كان في الحكم عبيد الدرهم
    ثم يثني علي ً شاعر الفلوجة محمد بن سعيد الجميلي في قصدته يا ابن الصحابة وهو يقول :-
    هبت سراعاً وسلت سيف بلوانا

    ريح أقلت من الأرزاء ألوانا

    ريح أتاحت لها الصحراء مرحلة

    فسخرت من جمال البدو قطعانا

    وحركت من جحور الشرق ما أدخرت

    لفتنة حاصرت بالأمس عثمانا

    وجرعت قبله الفاروق كأس ردى

    وطال خنجرها الكرار إمعانا

    ريح نحرنا مرارا في ملاعبها

    فمل تيارها الدامي ضحايانا

    ساقت سفائننا في بحر هلكتها

    وصنعت من زبى الأمواج سفانا

    لفرط ما غالت الأقفال أفئدة

    صرنا نخر على الآيات عميانا

    ننسى بما جد من أوجاعنا وجعا

    بالأمس من وطأة آهات أبكانا

    حوصرت بين صنوف النائبات فلم

    تستذكري من سجل المجد عنوانا

    يا أمة الموكب المشهود ما طويت

    أعلامك البيض إلا من خطايانا
    مابين هاتين القصيدتين تكمن الهزيمة النفسية في ولولة بلا مشروع ولما قرأت هذه السلسة وكأنها رقية تخرج منا عوامل الانهزام والتسلل الشيعي الى عقليتنا وقلوبنا فقلت الان بدأنا نعرف المسار وحدنا الهدف فهم المجتمعات قبل ان تفكر في مواجهتها او تغييرها .

  4. ان طرح الأخوة الفضلاء شيء طبيعي بالنسبة للشخصية العربية التي دائما ماتكون شخصية ابوية متسامحة.
    ولذلك نجد العرب من أكثر الناس الذي لايتعضون مما يصيبهم ونجدد سياط القدر دائماً ما تتكرر عليهم!
    عدم الاتعاض من دروس الزمن لاينجي صاحبه وتعد هذه سذاجة!
    ونستند بذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين )
    وما حصدنا من الاخوة ومحاولة احتواء الشيعة الا الويلات والمآسي
    والزمن لايحتمل مزيدا من التجارب الفاشلة، وعندما نجد بحثاً مفصلا عن الشيعة وعقدهم وطبيعتهم من شخص عاشرهم وعرفهم، فأنه يقدم لنا خدمة على طبق من ذهب ولايطلب بالمقابل الا الاتعاض وعدم تكرار ماوقع فيه اسلافنا.

  5. جزاك الله خيرا ؛ ذكرتنا بنبلائنا.. الشهيد محمد سعيد الجميلي رحمه الله.

  6. أن الأوان أن تنشر مثل هذه المقالات التي يخطها القلم الشريف والعقل النضيف في مفهوم تحليل ، نفوس الشعوب قبل التعامل معها واتخاذ القرار في امرها
    ، ولو كانت هذه الدراسة التحليلية العميقة في نفسية الشعوب والطبائع المتجذره في ذاتها، عند العرب ، لما اتخذ سيدنا سعد (( قرار التوطين للفرس)) في بلاد الرافدين ، بدل التطويق والاختراق، نعم انتصر سعد رضي الله عنه عسكرياً ولكن تمكن الفرس فكرياً ؟
    أن الأوان أن يكون هذا التحليل النفسي لمفهوم الشعوب منهجاً مترسخاً ثابتاً نشهده وتشهدهُ للأجيال القادمة
    كي لاُنظلم ولانظلم .( يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا …..).
    الله الله على هذه العدالة الربانية
    (( الدينية والاجتماعية. ))

    بورك العقل وليد ولقلم .

  7. كما تفضلت دكتور حفظك الله أن الأنسان لا يمكن أن ينزع جلده ليلبس جلدا جديدا.
    لذلك يبقى الموروث الذي نشأ عليه يحرك دوافعه النفسية والسلوكية تجاه الآخرين وذلك بما تعلمه وما تربى عليه، ولو كان التعليم والدين يكفي لكفى الله بني إسرائيل بالعلم والدين ولم يكتب عليهم التيه، والتيه هو تبديل للبشر بالجملة كون الموجودين من بني إسرائيل لا يصلحون لحمل الرسالة لما فيهم من أمراض وعقد وعبودية متأصلة في نفوسهم لذلك احتاجو لأربعين عاما كي تتبدل الجلود وحتى العظام لينشأ جيل داود وطالوت عليهم السلام جيل تربى على الحرية والدين والخلق القويم.
    نعم يا شيخنا الفاضل الفرس هم الفرس عصيون عن التغيير وكذلك الترك مثلهم ما فعلته بنا تلك الأمتين البغيتين عظيم فهم من نشر البدع والضلالات وإلى اليوم المؤامرة قائمة وهم متعاونون على المنطقة العربية لأنهم يشعرون بالنقص والدونية تجاه العرب لذلك لا تخمد لهم نار تجاهنا…
    فمن أراد أن يلتمس العذر للفرس والترك على حد سواء فهذا شأنه أما نحن فلنا وقفة أخرى مع القوم
    🌹 🌹 🌹

  8. كل المجتمعات يمكن التعايش معها والتعامل في أمور الحياة ولذلك كان التعايش والتعامل والانسجام في العمل الواحد مع عدم خلط إلاوراق في الدين مع المشركين والمسلمين واليهود في المدينة دولة رسول الله صلى الله عليه وسلم .قال تعالى ((لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ )) ولكن النفسية الفارسية المعقدة التي تأصلت بها جذور الكبرياء والحقد والطغيان والإجرام والقتل والتهجير الأخرين كيف تتعامل معها و تحذير المجتمعا ت منها هل بالمداهنات والمجاملات وهذا أ سلوب الترضوي يرفضه القرآن ويفضح سبيل المجرمين قال تعالى (( وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ )) وهذه عدالة شرع الله التي منحها الله لنا و جزاك آلله خيرا شيخنا الفاضل على هذا التوضيح والبيان

  9. في هذا البحث بين شيخنا الفاضل الدكتور طه حامد الدليمي من الجاني حقيقة ومن المجني عليه، ووضع الأمور في نصابها فلا يأتي أحد ذا عينين ليقول بعد هذا الكلام ما يخالفه إلا إن كانت عيناه مغطاة بأذنيه.

اترك رداً على احمد المهدي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى