مقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

الإخوان المسلمون .. رحلة نحو القاع

الحلقة الرابعة / زهد السياسيين بالعمل الجهادي

د. طه حامد الدليمي

C:\Users\DR\Desktop\ججج.bmp مرحلة بعد مرحلة.. وسنة بعد سنة.. ويوماً بعد يوم، تطفو على السطح علامات مريبة لسلوك جماعة (الإخوان المسلمين)، ومنها علاقة الجماعة بإيران! في كل مرحلة نكتشف شيئاً أعمق.. وشيئاً أعمق، وباستمرار! ويلح سؤال: ما السر؟ في البدء كنت أراها انحرافاً في المنهج. ثم توالت الأحداث لتنفرج عن أمور تُجبرك على أن تنزل في البحث إلى ما تحت السطح. رياضية السر تفصح عن خطأ في النتيجة لا يكفي الانحراف وحده لتفسيره. المعادلة في حاجة إلى عامل آخر لكي تستقيم. ترى! ما هذا العامل؟ أو ربما كانت هناك عوامل أَخرى، من يدري؟ في خريف 2008 كتب الأستاذ محمد أحمد الراشد – وهو من كبار إخوان العراق – كتابه (نقض المنطق السلمي) في انتقاد من أسماهم (مجموعة العمل السياسي) في (الحزب الإسلامي). قرأت الكتاب فوجدته في حاجة إلى نقد هو أقرب للنقض منه إلى النقد. فكان كتاب أسميته (المنطق السليم) انتهيت منه مطلع 2009. هو محاولة أو رحلة للغوص نحو القاع. في عشر السنوات اللاحقة وقعت أحداث محلية وعالمية وحصلت لي تجارب صادمة جعلتني أنظر إلى كتابي على أنه مسافة انتقالية تمهد للوصول إلى حافة الغوص إلى هناك. لكنها مسافة مهمة لا يستغنى عنها للذين يستهويهم الغوص الهادئ إلى الأعماق. إليكم حصيلتها كما كتبت آنذاك. على شكل مقالات نصف أسبوعية. ومن الله نستمد السداد والتوفيق.

زهد السياسيين بالعمل الجهادي

توصل الراشد إلى أن الحل هو العمل الجهادي، حين يتكامل ويتواصل مع جناحه الآخر: العمل السياسي. والاثنان ينطلقان من عمل دعوي تقوده جماعة راشدة، هي التي تحرك الجناحين وتتحكم بهما. وهذا جيد، لكنه ليس سراً يعيي الحلماء والحكماء أن يعرفوه أو يدركوه. بل هو كما عبّر الراشد فقال (ص3): “مُفاد البديهة، وتجربة الحياة”. إنما المشكل:

1. في المنهج المتبع، الذي هو أساس الخلل.

2. وفي تحديد آلية واضحة لتنفيذ الفكرة، ولقد ظلت غائبة عن الكتاب كله، سوى بعض الإشارات.

3. وفي تطبيقها وظهورها على أرض الواقع.

  • لاحظت منذ الأيام الأولى أن (الحزب الإسلامي) اختار العمل السياسي بعيداً عن العمل الجهادي؛ كانوا يقولون: إن العمل العسكري خطأ جسيم سيفوّت علينا مكاسب العمل السياسي. وهذا رأي لا بأس به لو بقي على أصله. فبعضهم كان يهاجم المجاهدين ويشكك في هويتهم وتدينهم. وكان أمثلهم طريقة (وهو صديقي الغالي الشهيد إياد العزي رحمه الله) من يقول: ننتظر سنتين فإن لم ينسحب الأمريكان – كما وعدوا – بدأنا بقتالهم.
  • لكن ما إن بدأت علامات النجاح تظهر على الخيار المقاوم، وذلك قبيل انتهاء السنة الأولى حتى أخذ الحزب بتكوين فصيل مقاتل له أسماه (الجهة الإسلامية للمقاومة العراقية/جامع)، وحملت إحدى كتائبه اسم (حسن البنا). وصار يعلل نفسه بأن حصاد المقاومة سيقع في سلته؛ على اعتبار أنها تفتقر إلى المشروع أو الجناح السياسي المعلن. حتى إن أحد أخيارهم قال – كما روي لي – في محاضرة له في شعبة المحمودية للحزب الإسلامي: “إن مَثل المقاومة ومثلنا ومثل نتائج عملها كمثل صياد يرمي طيراً بينه وبينه نهر عريض لا يستطيع عبوره فيأتي آخر فيحتازه دونه”. وتوزيع المثل على الجهات الثلاث لا يحتاج إلى بيان. وهذا وهم وأمنيات لا تليق بمثله من العاملين الصادقين، فكيف بغيره؟!

يسنده وهم آخر يتراءى لهم عند الإحراج إذ يقولون: “لماذا لا نكون نحن الجناح السياسي للمقاومة”؟ وهذا لا يمكن ما لم يكن تنسيق سابق، وانطلاقة للجناحين أو الخيارين من جسم واحد أصلاً هو الذي يقود ويوجه ويحصد الثمار. وهو ما صرح به الأستاذ الراشد في بداية كتابه، وكنا نقوله منذ الأيام الأولى. وليس هو بخاف على أحد، ولكن ثقلة تكلفة الجهاد تقود إلى مثل هذه التعلات والأماني السائبة. التي يلخصها الراشد في (ص63) بقوله عن (المجموعة السياسية): “وفي أواخر حُججهم: أن المشروع الجهادي ينبغي أن يكون تابعاً للمشروع السياسي، وليس العكس، وأن ذلك هو عُرْف العالم والحركات التحررية. وذلك صواب وقول صحيح، ولكن متى ما كان المشروع السياسي وفياً للهدف، حريصاً على التزام حكم الشرع في الجهاد، صلباً لا يبدي اللين، آخذاً بالعزائم لا يميل إلى الرُخَص ولا يُسارع إلى أحكام الضرورات الاستثنائية زاعماً حصول الحرج”.

  • أما الجماعة الدعوية فوجدناها في البدء تبنت جهاد الكلمة، ورفعت شعار الدعوة، واكتفت به. بينما يرى المجاهدون أن واجب الوقت هو دفع الكافر الغازي وليس الدعوة. وهكذا تمزقت الجهات الثلاث وتناحرت فيما بينها؛ فانطبقت عليها سنة الله سبحانه التي لا تحابي مسلماً ولا غيره، في قوله: (فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) (المائدة:14)، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
  • لكن كلام الراشد بمجمله يوحي بأن ثمة انقساماً في جماعة (الإخوان المسلمين) في العراق على مستوى الجماعة بين مجموعة تؤمن بالمنطق السلمي وأخرى تنتهج المنطق الجهادي، وأن هذا الانقسام كان من بداية الاحتلال. يسند هذا الفهم بعض العبارات التي تخللت سطوره، مثل ما جاء في (ص42): “إن ظروف التحول الكبير والسريع في الواقع العراقي أدى بالحركة الإسلامية (يقصد الجماعة) إلى ترجيح السكوت وبلع القضية حرصاً على وحدة الموقف الإسلامي”. وهذا مغاير للحقيقة التي لم نكن بعيدين عنها، ولتسلسل الأحداث وسيرها التاريخي وتطورها شيئاً فشيئاً حتى وصولها إلى إقرار خيار المقاومة.
  • أما من اختار حمل السلاح من الإخوان فقد فعل ذلك في حالة من الحالات الثلاث التالية:
  1. إما فعل ذلك بقرار فردي خارجاً على توجيهات الجماعة. وقد حصل لهم بعد ذلك ما حصل من الإقصاء والتهميش. والأستاذ الراشد نفسه صرح بأن الجماعة لم تتبنَّ هذا الخيار يوم انطلقت حركة المقاومة، وذلك بفتوى صادرة، وقال في محاضرة له مطولة في (20/9/2003) في مركز الكرخ الجنوبي للحزب الإسلامي، كنت أحد حضورها: “تبين خطأ هذه الفتوى، والفتوى إذا تبين خطأها ليست ملزمة”. وأقول: من الذي تبين له خطأ الفتوى بعد هذه المدة: هو كفرد؟ أم الجماعة كجماعة؟ وكم مر من الوقت بعدها لتتدارك الجماعة ذلك الخطأ؟ إن معلوماتي تفيد بأن الراشد نفسه كان في البدء يرى ما يرى الحزب والجماعة من عدم جدوى المقاومة. لكنه ربما كان أسرعهم إفاقة ورجوعاً إلى الصواب.
  2. وإما كان ذلك عند ولادة الأزمات الكبرى التي تتوحد فيها مشاعر الناس بصورة جمعية، ويندفعون إلى الهدف بفعل المجموع لا بفعل الفرد ولا الجماعة الخاصة، مثل معركة الفلوجة الأولى، وربما الثانية؛ فالناس يتوحدون عند الأزمات العامة في مشاعرهم وسلوكهم توحداً يعلو على الفوارق الخاصة ذاتية كانت أم فئوية؛ فالتصرف الكائن في هذه الحالة لا يعبر عن موقف جماعة بقدر ما يعبر عن موقف جمعي له علاقة بالجمهور أو المجموع الأوسع. فإذا انتهت الأزمة الموحِّدة عاد كل عنصر من العناصر التي توحدت فيها إلى وضعه الخاص، المعبر عن جماعته أو مجموعته أو عشيرته أو ذاته.
  3. وإما جاء الفعل متأخراً بعد ثبات المقاومة ونجاحها وظهورها على ساحة الأحداث كعامل رئيس من عوامل الصراع، وعنصر فاعل من عناصر الحسابات في أي معادلة مؤثرة. فالجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية (جامع) ظهرت بعد حوالي عام من الاحتلال. وأما (حماس العراق) فهي عبارة عن جماعة هجرت الفصيل الأم (كتائب ثورة العشرين) في أواخر سنة (2006)، أي بعد سنتين ونصف من الاحتلال. وهؤلاء مجموعة إخوانية حملت السلاح في بداية الأمر دون موافقة الجماعة، بل خروجاً على أمرها. هذا ما رأيناه ولمسناه بالمشاهدة المعززة بالمعلومة المباشرة منهم. والله أعلم بالسرائر.
  • وكلامي تؤيده عبارات أخرى في كتاب الراشد نفسه، كالتي وردت في ص (8): “ومن خطورة العملية السياسية الحاضرة: أن أصحابها أخذوها بنوع حماسةٍ زائدة واسترسال سريع في العمل السلمي وصل إلى حد زعمهم أنه الأفضل والأولى والأنفذ، وأنه هو وحده الذي يتكفل بتحصيل نتائج ملموسة ذات أثر، ويبنون على ذلك دعوى وجوب احتكار العملية السياسية لجهود الدعاة ومَن يواليهم، وتعطيل الجهاد. وهذا تصور خاطئ وباطل فيه نقضٌ لمبدأ التكامل بين العملين، ولذلك اضطروا لصياغة منطقٍ يؤيده فيه التفافٌ على الحقائق وظنونٌ تتكلف نسبة صفاتٍ سلبية للممارسة الجهادية. من ذلك إثارتهم لسؤال: مَن يستثمر الجهاد؟ وزعمهم أن الإسلاميين يبذلون ويحصد العلماني والعميل والمنحرف”.
  • ثمة إعلان يتكرر على قناة (الشرقية)، رأيته على قناة (بغداد) الناطقة بلسان (الحزب الإسلامي)، يقول الإعلان: (حماة للأبرياء، سند للضعفاء، مجاهدون): قد تتعدد الأسماء، ولكن لا يستحق من حمل السلاح خارج القانون غير اسم واحد هو (مجرم). وما من شك أن المقاومة أو المجاهدين في العراق كلهم من حملة السلاح (خارج القانون). والنتيجة أنهم لا يستحقون غير اسم واحد هو (مجرمون)! هذه هي النتيجة الوحيدة، التي يريد أن يقولها الإعلان على القناة الناطقة باسم الحزب الإسلامي! فأين الجهاد من مشروعهم في زمن الاحتلال؟! ولا أدري ما جواب الراشد عن هذا؟
  • في 13/10/2009 نشرت جريدة (دار السلام) التي يصدرها الحزب الإسلامي إعلاناً يقول: (الجماعات المسلحة سموم تهدد كل العراق)! مع قنينة ترمز إلى السم وخريطة للعراق مكتوب عليها شعار (يداً بيد لا سلاح باليد)([1])!

وهكذا خسر الإخوان فرصتهم التاريخية في العراق، وإلى الأبد!

19 كانون الثاني (1) 2021

……………………………………………………………

  1. – تجدون صورة الإعلان في صدر المقال.
اظهر المزيد

‫6 تعليقات

  1. حقيقة دكتور اكثر ما اعجبني هو عنوان المقالة، فمن عاش التطورات والاحداث التي رافقت الاخوان على الاقل منذ 2003 الى الان فسيفهم من العنوان ماذا تريد، كيف وقد فصلت بما لا يجعل مجالاً للشك رحلتهم هذه.

  2. وفقت والله يا دكتور حين عنونت هذه السلسلة بـ رحلة نحو القاع ..
    فهذه الجماعة ما كانت إلا وبالاً وبلاء على مجتمعاتنا ومن يتدبر هذه السلسلة بحلقاتها الأربع سيدرك جيدا حقيقة هذه الجماعة وخطرها على الأمة التي طالما تغنت بالانتماء لها والتباكي على جراحها..

    1. شكرا يادكتور على الأيضاح والأجابه في هذه المقاله على كثير من التسأولات عن سلوك الاخوان وتصرفاتهم التي نبغضها ولانعرف حقيقتها!!
      فهم أقرب للتميع والتسلط والانتهازيه وتغليب المصلحه الخاصه بجماعتهم عن عامه المسلمين
      بوركت

  3. تحليل واضح البيان حركة الإخوان والاختلاف الذي لايقبل الشك في مابينهم بين خيار السياسة والجهد العسكري أدى إلى الانحراف في الحركة شيئاً فشيئاً حتى أنكشف كل شيء وبانت الحقيقة الغامضه ، ومن ضل طريق الصواب أبتلعته خفافيش ظلام بنوا شيعون،
    اليوم الإخوان في أحضان إيران ينادون بالمقاومة الإسلامية الإيرانية ، بوركة جهودكم شيخنا الفاضل لبيان الحقائق الخفية.

  4. كلما قرأت أو سمعت لك ياشيخنا أجد شيئاً جديداً
    صادما بمحتواه في أول الأمر، لكن – مع الأسف- هذا هو الواقع.
    كلام عميق جداً يعيدنا إلى تذكر مدى دهاء ومكر الفرس وكيف انهم استغلوا اليهود للوصول إلى مآربهم،
    وهنا نجد استحمار الجماعة وكيف أصبحوا – من حيث يقصدون أو لا يقصدون- الحمار الذي استغله الفرس للوصول إلى أهدافهم.
    ارجو أن يكون هذا الموضوع كتاباً.

  5. الإخوان المسلمون لا يصنعون الفرص لكن يحسنون ركوب الموجة، فإن نجحت المقاومة قالوا نحن من قياداتها، وإن خرجت المظاهرات السنية قالوا نحن من قمنا بها وهكذا!
    لقد كانت أمامهم فرصة ذهبية لقيادة السنة في العراق لكنهم كانوا أصغر شأناً من أن يقوموا بهذا الدور فأنتهى دورهم في قيادة السنة لأنهم ظهروا على حقيقتهم بأنهم يدورون في فلك إيران.

اترك رداً على عائشة محمد إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى