د.طه حامد الدليمي
إليكم قصة أحد الجوامع التي استولى شيعة المجوس عليها، وهي بالمئات. إنه (جامع الحسن بن علي) في كربلاء، شاهداً على ما أقول.
جامع الحسن بن علي
تسلم وظيفة الإمامة والخطابة فيه الشيخ سفر أحمد الحمداني. وهو من الموصل. عمل في حقل الدعوة بالمنطقة الجنوبية منذ تسعينيات القرن الماضي.
في البدء كان مقتدى
أول من حاول اقتحام المسجد جماعة من مقلدي محمد صادق الصدر، أي أتباع ابنه مقتدى. كان ذلك في الأيام الأولى للاحتلال. لكنهم ردوا خائبين. بعد أقل من ثلاثة أسابيع، تحديداً في يوم (28/4/2003) دخلت المسجد جماعة مسلحة كانت تستقل سيارة حكومية مسروقة. صلوا صلاة الظهر فيه، بعد أن عرفوا أنفسهم إلى المؤذن بأنهم من “حركة الوفاق الإسلامي”، أي من أتباع الشيرازي المتوفى في إيران عام (2000)([1]). تأمل الاسم.. الوفاق!) لتدرك كيف يستغل الشيعة هذه الأسماء كشعارات لمخادعة مغفلي السنة. هي في حقيقتها نفاق لا وفاق! كانت تلك إشارة البدء لسلسلة من الاستفزازات ضد مؤذن المسجد والمصلين، ثم شيخ المسجد بعد عودته من أهله في الموصل.
خطوات الشيطان
تقدم الشيعة خطوة فطلبوا – من باب الوحدة الإسلامية.. حسب قولهم – أن يكون في الجامع أذانان وصلاتان. ولم يمانع الشيخ، على أن لا يكون ذلك جهراً في السماعات الخارجية. فأبدوا امتعاظهم من هذا الشرط. وصاروا يؤذنون أذانهم الخاص بين جدران الجامع، ويصلون جماعةً وحدهم خلف الجماعة الراتبة، فتكون صلاتان في وقت واحد! أما يوم الجمعة فكانوا يتعمدون أداء صلاة (الظهر والعصر) جمعاً أثناء الخطبة، وبصوت مرتفع؛ ليشوشوا على المسلمين صلاتهم!
كان التقدم يجري على قاعدة في كل يوم خطوة. واستمرت جماعة الشيعة في تقدمها لتنتقل من مؤخرة الحرم إلى جوار جماعة السنة ليكون في المسجد جماعتان متجاورتان كجوار إيران للعراق! كل جماعة لها صلاتها وقراءتها الخاصة بها! الشيعة إلى يمين المحراب والسنة عن شماله (أليسوا إخوة؟). ثم تقدموا فطلبوا من الشيخ الرجوع بالمصلين إلى الخلف؛ وحجتهم في ذلك أن الشيعة هم أصحاب الجامع لا أهل السنة. واستجاب الشيخ فرجع بالمصلين إلى ما وراء صف (الإخوة)! ولكي يكثر الشيعة من عددهم أخذوا يأتون بالمصلين من الشارع. كان بعض أولئك معروفين بانحلالهم الخلقي!
لم يطل بهم العهد حتى طالبوا الشيخ بمفاتيح المنبر ليتمكنوا من استخدامها في أذانهم وأنشطتهم الأخرى متى ما شاءوا، إذ كانت الأجهزة الصوتية توضع في تكوين خاص يشبه الصندوق تحت المنبر. لكن الشيخ رد طلبهم. فجلبوا في اليوم التالي ثلاثة أجهزة نوع (توي/ ياباني) مع عدة لاقطات، فتحول المسجد إلى ساحة للضجيج.
في الأسبوع نفسه، علّق الشيخ سفر لافتة على جدار الجامع فيها شعار للحزب الإسلامي، وفي أسفلها عبارة (إدارة جامع الحسن بن علي عليهما السلام). اعترض مسؤولهم (سيد عارف) على كلمة (الحزب) قائلاً : “لا نريد حزب طواغيت آخر في هذا الجامع”. واتهموا الشيخ سفر بأنه كان بعثياً صدامياً، وأنه كان يتقاضى راتباً من سيد صاحب نصر الله (سادن ما يسمى بالحضرة الحسينية أيام النظام السابق). علماً أن الشيخ سفر كان على خلاف دائم مع هذا الشخص! واعترضوا على مصطلح (إدارة الجامع) أيضاً، وعقدوا جلسة خاصة لهذا الشأن، زعموا فيها أن الإدارة لهم، وأجبروا الشيخ على حذف هذه العبارة. ثم لم يكتفوا حتى رفعوا اللافتة كلها عن الجدار ورموا بها في بيت الشيخ.
في الجمعة التالية زاد ضجيجهم أثناء الخطبة أكثر من ذي قبل. المؤلم أنهم كانوا يفتعلون ذلك لمجرد التشويش. وانتظروا حتى إذا فرغ المصلون من صلاتهم قاموا بتوزيع سندات عليهم يدّعون فيها أن أرض الجامع لهم، وأن صلاة أهل السنة في الجامع – بناءً على ذلك – باطلة؛ لأنها في أرض مغتصبة. وكان لهذه الحركات الاستفزازية أثرها في تناقص عدد المصلين؛ خوفاً من سوء العاقبة.
بعث الشيخ سفر رسولاً إلى (هيئة علماء المسلمين) في بغداد لمناقشة الأمر. أرسلت الهيئة على أثره وفداً بتاريخ (6/5/2003)، أي بعد أقل من شهر على احتلال العراق؛ من أجل التفاوض مع مسؤولي “حركة الوفاق”. ضم الوفد ثلاثة شيوخ أحدهم شيعي، يرأسهم الشيخ حازم الزيدي (قُتل بعد ذلك على يد الشيعة). لم يسفر التفاوض عن شيء، لينتهي بالفشل الذريع.
بعدها ارتفع سقف التدخل في شؤون الجامع. حولوا اسمه من (جامع الإمام الحسن) إلى (حسينية الإمام الحسن).
علقوا لافتات داخل الحرم تدعو إلى التشيع، وتسيء للصحابة رضي الله عنهم. بل ومزقوا ما كان على الجدران من نشرات فيها ذكر للصحابة. لا تنسوا إنها (حركة الوفاق الإسلامي)!.
وأقاموا مجلس عزاء ولطم وطبخ لمدة ثلاثة أيام يعقد بعد صلاة المغرب إلى ما بعد صلاة العشاء مع إلقاء محاضرات من خلال مكبرات الصوت يلعنون فيها الخلفاء الثلاثة. أدى هذا – بطبيعة الحال – إلى تعطيل صلاة العشاء في تلك الأيام الثلاثة. ثم زادوا فحولوا المنبر من مكانه في الوسط إلى طرف الجامع على عادتهم في مخالفة المسلمين.
الهجوم الشامل
وحل يوم الخميس (21 ربيع الأول 1424، 22/5/2003).. في ذلك اليوم الأسود حدث ما كنا نتوقعه أن يكون!
كان المؤذن يرفع أذان الظهر. قام أحد الشيعة واقترب منه. ثم مد يده وبحركة خفيفة انتشل مفاتيح المنبر من جيبه! التفت المؤذن إليه فقال له: “أكمل أذانك ثم نتفاهم”. وسلم المفاتيح لإمام جماعته، فتلقاها منه بلهفة وهو يشكره ويشجعه.
بعد أن أكمل الأذان، طلب الشيخ سفر ممن نشل المفاتيح إعادتها، كان طلبه مهذباً وهادئاً. لكن رد الطرف الآخر كان غاضباً متشنجاً مشحوناً بكل ما يؤزم الموقف. وتجرأ أحدهم فسب الصحابة! أثار ذلك فتى عمره خمسة عشر عاماً. فخرج ثم عاد وفي يده حربة عسكرية يريد أن ينقض بها على من قام بالسب. لكن والده منعه، وأخذ الحربة منه وزاد فضربه. استغل الشيرازيون هذا الموقف، فجعلوا من والد الفتى هدفاً لهجومهم مطالبين إياه بتسليم ابنه. تمكن الشيخ سفر من إدخال الفتى داخل بيته المجاور للحرم، خوفاً عليه من القتل! وتحرك الجمع نحو البيت مطالبين الشيخ بإخراجه وتسليمه. وظل الشيخ يماطل ويحاول حتى حصل له على أمان من مسؤولهم المباشر سيد عارف. فخرج الرجل مع ابنه وذهبا إلى بيتهم على وجل.
لم ينصرف الشيعة من المسجد بعدما أنهوا صلاتهم – كما هو المعتاد في كل مرة – بل بقي بعضهم إلى أن حان وقت صلاة المغرب. فكان أول شيء فعلوه أن قطعوا السلك الخارجي لهاتف الشيخ الأرضي، ثم عقدوا اجتماعاً مغلقاً داخل الحرم!
ثمت أمر خطير إذن!
بعد أن صلى الشيخ صلاة العشاء مع سبعة من المصلين فقط غادر ثلاثة منهم، وبقي مع الشيخ أربعة. ودون سابق إشارة هجم ما لا يقل عن ستين شخصاً كانوا مختبئين في حدائق الجامع ليحاصروا الشيخ. يريدون منه ترك المسجد والانصراف حالاً. لم يجد الشيخ أمامه سوى أن يقوم بمحاورتهم من أجل كسب الوقت، والتقدم خطوة خطوة ريثما يتمكن من الوصول إلى البيت. كان كلامه يدور حول إمهاله حتى الصباح؛ فالخروج في الليل غير ممكن، والظرف خطير. لكنهم أصروا على أن يغادر فوراً ومن دون تأخير.
وصل الشيخ قريباً من باب الدار فإذا أحد المحاصرين يقفز عليه وينزع عمامته من رأسه ويلقيها إلى الأرض، ثم هجموا على الشيخ وأسقطوه أرضاً وانهالوا عليه ضرباً بالأيدي والعصي الغليظة. لم يكن لدى الشيخ من حيلة للخلاص – ويبدو أنه أيقن بالنهاية – سوى أن يرفع كفه مؤشراً بسبابته وهو يردد: (لا إله إلا الله، لا إله إلا الله). وهنا احتضنه المؤذن في حركة مؤثرة، فتخالفت عليه الأيدي والعصي وأخذ نصيبه الوافي من الضرب المبرّح. وتقدم ليدافع عنهما شاب ثالث فوضعوا مسدساً في رأسه مهددين أياه بالقتل، وضربوه ثم كسروا دراجته الهوائية. ولم يتوقف الضرب إلا بتدخل أحد جيران المسجد كانت بينه وبين الشيخ علاقة طيبة. قاده من يده وأخذه وابناً له فتى صغيراً، كان يقبع خائفاً في البيت، وذهب بهما إلى بيته.
في هذه الأثناء اقتربت دورية أمريكية فسمعت آخر أصوات العراك. فأقبلوا إلى المسجد، يستطلعون جلية الأمر. قال لهم المهاجمون: إن زمرة من البعثيين والوهابيين هاجموا الجامع فقمنا بمطارتهم فولوا هاربين؛ فعاد الجنود أدراجهم.
بعد ساعة نقل الشيخ سفر إلى بيت آخر في حي بعيد خوفاً على حياته. وفي الصباح خرج – مع ابنه – خائفاً يترقب ليعود أخيراً من حيث أتى. لم يكتف الشيعة بما فعلوا، حتى ختموا المشهد بمحاضرتين للطعن في الشيخ والتشكيك بنزاهته أمام المجتمع الكربلائي.
وهكذا ضاع مسجد آخر من مساجد أهل السنة والجماعة! وتحول إلى حسينية باسم (حسينية الإمام الحسن)، على يد (إخواننا) الشيعة (العرب) كما يسمهيم الوطنيون، وكما يسميهم الشيخ سفر أحمد الحمداني من قبل ومن بعد! ومن سُلّط عليه أخوه فما ظُلِم!
21 آذار (3) 2021
________________________
[1]. الشيرازيون أو الشيرازية: فئة متفرعة من الشيعة الاثني عشرية يُشكّلون تياراً دينياً في العراق والكويت والبحرين وغيرها ممن البلدان التي يوجد فيها الشيعة. يعودون في التأسيس إلى مرجعهم محمدد الحسيني الشيرازي. وبعد وفاته انتقلت المرجعية إلى أخيه الأصغر صادق الحسيني الشيرازي. لا يؤمنون بولاية الفقيه وعلى خلاف كبير مع طائفتهم الأصلية الشيعة الاثني عشرية. لهم معبد كبير في كربلاء بالقرب من جامع الحسن الذي نحن بصدد الحديث عنه، وآخر – ربما أكبر منه – في البصرة باثنتي عشرة قبة.