سياسةمقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

مشكلة الطائفية واتجاهات الحل

الجزء الأول : المشكلة

د.طه حامد الدليمي 

لا يبدأ الطبيب بتوصيف العلاج (الحل) قبل دراسة الحالة المرضية (المشكلة). دراسة المشكلة تتقدم التفكير بحلها. وهذا مما اتفق عليه العقلاء حتى إن ثقافتنا الشعبية تنتقد من (يحضر العطبة “الضماد” قبل الفشخة “الجرح”). ويعبر آينشتاين عن هذا تعبيراً واضحاً دقيقاً فيقول: ” لو كان لديّ ساعة لحل مشكلة، فسأرصد خمساً وخمسين دقيقة للتفكير في المشكلة وخمس دقائق فقط للتفكير فى حلها”.

هل درس أصحاب الفكر الوطني من القوميين والاسلاميين والليبراليين المشكلة من طرفيها: الشيعي والسني؟ أم بادروا فوضعوا الحل قبل ذلك؟ هل درسوا الحالة قبل توصيف العلاج؟ أم وصفوا العلاج بناء على أعراض سطحية كالمضمد؟

الصراع الديني – أو الطائفية كما يسميه البعض – هو المشكلة التي على محورها تدور رحى الحرب بين السنة والشيعة. وإذا كان هذا حقاً، فهل الحل يكون بالاتجاه أولاً إلى علاج الطائفية، أي العمل على إزالتها من بين الطرفين المحتربين قبل إزالة أسبابها؟ يرى هذا الرأي اليوم جمهور المنتسبين إلى السنة. وهي رؤية سطحية لا تغوص في عمق المشكلة.

إن الفكر السني له رؤية تقوم على التسلسل العلمي في حل المشكلة: بدراستها أولاً. ثم بوضع الحل لها بعد ذلك.

 مشكلة الشيعة

التشيع مفهوم له معنيان متشابكان حد الامتزاج والذوبان التام، هما:

  1. دين الشيعة: ويقوم على العقيدة الشيعية.
  2. الشخصية الشيعية: ويقوم على شبكة من العقد النفسية.

ولا يكمل مفهومنا وفهمنا للتشيع ما لم نستحضر هذين المعنيين. كما لا تتم معالجتنا للتشيع ما لم نتوجه بالعلاج إلى هذين المرضين كليهما، وفي وقت واحد.

إن الطائفية التي نحن بصددها:

  1. نابعة من العقيدة كجزء لا يتجزأ من الدين.
  2. ونابعة من العقدة، وجذورها تمتد عميقاً في نسيج الشخصية الشيعية بحيث تحولت إلى عقدة جمعية تحكم نظرة الشيعة إلى السنة وتوجه جميع تصرفاتهم نحوهم.

لهذا مهما أحسن السنة إلى الشيعة يظل الشيعة يتصرفون تجاه السنة طبقاً لدافع الطائفية؛ وذلك لسببين: الأول ديني عقائدي. والثاني: نفسي عقدوي.

أما الأول فإن من صميم عقيدة الشيعة، هذا الرابوع الخطير:

  1. تكفير السنة
  2. سفك دمائهم
  3. إباحة أموالهم
  4. استباحة أعراضهم

وكل ذلك واجب في دين الشيعة وجوباً تواطأ عليه علماؤهم إجماعاً، وشاع لدى عوامهم فلا يجهله أحد منهم إطلاقاً، إلا النادر الذي لا حكم له.

وأما الثاني فإن الشيعة في كل بلد مهما أحسن إليهم السنة يظلون يشعرون بأن السنة ظالمون لهم شعوراً جارفاً تنفجر له عيونهم عند ذكر أول حروف (المظلومية) التي طبعت عليها نفوسهم وأشربت في قلوبهم. الظلم عند الشيعة فكرة ذهنية مجردة لا حركة فعلية مجسدة، والمظلومية عندهم شعور غائر في أعماق النفس لا رد فعل على تصرف صادر ضدهم من قبل الغير.

على هذه العقيدة وهذه العقدة انبنت طائفية الشيعة. العقيدة والعقدة هي العلة، والطائفية هي العرض الحتمي لهذه العلة. وسؤالي للأطباء: هل يمكن علاج العرض قبل زوال علته؟ وسؤالي لعلماء الدين والنفس والاجتماع: هل يمكن علاج هذه الطائفية قبل إزالة علتها المركبة: العقيدة الدينية والعقدة الجمعية؟

هل يمكن تحقيق هذه الإزالة؟ والسؤال الأهم: كيف؟ ومتى؟

هل أنت معي في أن علاج الطائفية الشيعية مع وجود العلة المانعة شيء بعيد المنال؟ إذن لا يصلح أن يكون ذلك هدفاً أولوياً نسعى إلى تحقيقه قبل اقتلاع جذوره. فالقول بأن الخلاص من الطائفية بعلاجها بناء على أنها هي المشكلة، قول سطحي لا يقوم على جهد من البحث والتحليل والاستنتاج العلمي. وهو قول من لا يدري ما يقول، ولا يتصوره.

تزداد السطحية جلاءً حين تكتشف أن العلاج الذي يقدمه هؤلاء مواعظ ونصائح، ثم أقوال يرشوهم بها شيعة لا يتجاوز أثرها تراقيهم طبقاً إلى لعبتهم المعتادة (تعدد أدوار ووحدة هدف). بعدها يطالبون أبناء السنة بالكف عن الطائفية المضادة فيغضوا الطرف ويخيطوا الفم عن ماكنة السحق الشيعية التي امتدت من بلوشستان حتى أقصى الشام، ودار هلالها بخنجره ليمسح اليمن والبحرين حتى أطراف نجد وأعماق الحجاز!

مشكلة السنة

إذا كانت مشكلة الشيعة في طائفيتهم، فمشكلة السنة في وطنيتهم.

ومشكلة العراق وأمثاله من الأقطار المبتلاة بالشيعة في التخادم القائم بين الطائفية الشيعية والوطنية السنية، وعدم وضع حل على هذا الأساس!

لم تكن مشكلة الشيعة في ظل الدولة الوطنية (1921-2003) في طائفية السنة. وليست هذه هي مشكلتنا – نحن السنة – بل مشكلتنا في وطنيتنا. لو كنا طائفيين ما سقط العراق بيد الشيعة في سنة 2003.

وطنية السنة هي التي سمحت للشيعة بالتمدد لينتشروا في العاصمة بغداد وفي الميناء البصرة حتى وصلت نسبتهم في الأولى إلى 35%، وفي الثانية قريباً من 65% في سنة 2003، بعد أن كانت لا تتجاوز 5% في كلتا المدينتين سنة 1921! وهذا مجرد مثال.

ووطنية السنة هي التي سمحت للشيعة بأن يتمددوا في كل دوائر الدولة بلا استثناء، منطلقة من نسب صفرية أو تقرب من الصفر عند بدء الدولة الوطنية سنة 1921 إلى نسب متفوقة بعد ذلك. ففي الجيش كانت نسبتهم 0% سنة 1921. لكن بعد ثمانين سنة وصلت النسبة في الدوائر العسكرية والمدنية والأمنية والحزبية في العراق إلى أكثر من 60%!

أما سبب ضعف هذه النسبة عند بدء تأسيس الدولة فعدم وجود كفاءات شيعية يمكنها شغل الوظائف المنوطة بها؛ لقد كان الشيعة يحرّمون الدراسة في الجامعات العثمانية: عسكرية ومدنية، فليس لهم من تحصيل دراسي سوى العلوم الدينية في حوزاتهم المعروفة. وهذه بعيدة جداً عن قيادة الحياة. وقد عمل الملك فيصل الأول بشتى السبل لردم هذه الهوة تجنباً لتذمر الشيعة واتهامهم الدولة بالانحياز الطائفي. وكان متعجلاً جداً.

يقول توفيق السويدي([1]) في كتابه (وجوه عراقية): (ومن أسباب ضعف فيصل اعتقاده بصحة بعض الأقوال: أن الجعفريين مغموطو الحقوق. واذا فرض أنه موجود – الاعتقاد – فإنه لم يوفق لمعالجته بالطريق المعقول. إذ كان يريد الطفرة ليوصل العناصر الجعفرية إلى الحكم بدون اشتراط كفاءة. وقد كان عمله هذا مناقضا لمبادئه التي بشر بها في احترام القانون والعدل المتكافئ بين الرعية. وقد أقدم علـى تنفيذ نظريته فلم تزد من شأنه بل زادت في النقمة عليه)([2]).

واتبع الملك فيصل لذلك طرقاً غاية في التخلف منها أن رجلاً شيعياً يعمل (روزخزوناً) في حسينية ببغداد اسمه (ملا شكر) منح صلاحية تزويد أي شاب شيعي بورقة تشهد له بأنه تخرج على يده لكي تعتمد كوثيقة تؤهله لدخول كلية الحقوق، ثم بعد التخرج يرسل في بعثة للتخصص[3]. بمثل هذه الأساليب المتخلفة تسلق الشيعة دوائر الدولة كما يتسلق النمل جثة عنكبوت جريح حتى قضوا عليها. ألم أقل لكم إن الظلم والمظلومية عند الشيعة فكرة ذهنية وشعور نفسي لا رصيد له من الواقع يستند إليه!

وتأمل كيف أن طائفية الشيعة في ظل الوطنية السنية الساذَجة بعد سنة 2003 هي التي أقصت أبناء السنة وسحقتهم حتى تحولت هذه دوائر الدولة إلى يد الشيعة بنسب تقرب من الكلية. وحولت بغداد والمدن المختلطة إلى مدن شبه شيعية. ولو كان الشيعة وطنيين كالسنة ما حصل هذا في بضع سنين. ولو كان السنة طائفيين كالشيعة لتمكنوا من فعل مثل هذا بالشيعة على أتم وجه بين سنتي 1921 و2003؛ فثمانية عقود ونيف تكفي وزيادة لذلك.

 

____________________________

[1]- توفيق السويدي ولد سنة 1891. سياسي عراقي تولى منصب رئاسة الوزراء في العهد الملكي في العراق في أربع حكومات في السنوات 1929، 1930، 1946، 1950. توفي سنة 1968.

[2]-  الشيعة والدولة القومية في العراق 1914-1990، ص360/الهامش، حسن العلوي، دار الثقافة للطباعة والنشر، إيران – قم.

[3]- الرسالة العراقية في السياسة والدين والاجتماع، ص93، معروف الرصافي، منشورات الجمل، الطبعة الأولى، بغداد 2007.

اظهر المزيد

‫14 تعليقات

  1. بارك الله حروفك وسلم قلمك
    العاطفية الدينية لدى السُنة و الطائفية العقدوية لدى الشيعة شيئان يمثلان واقعاً مرير إبادة السُنة بسبب عاطفتهم ،، و تمكن الشيعة بسبب طائفيتهم ،، ولو نظرنا إلى الأكراد نرا أنهم فرضوا أنفسهم واقيعاً وتمكنوا إقليمياً بهويتهم الكردية ومذهب سني فيجب علينا نحن سُنة العراق أن نرفع شعار
    #هوية_سُنية_إقليم_سُني

    1. أهل السنة (العراقيين خاصة) هم أكثر الناس تأثرا بالبيئة المحيطة بيهم
      الي يروح للجنوب منهم يصير شيعي
      الي يروح لأوروبا منهم يصير مثل أهل أوربا
      وهكذا

      طيب
      هل الحل هو عزل أهل السنة عن العالم حتى نتجنب هذا التأثير؟ مثلا كلنا نعرف إنو العالم حاليا مفسد ف هل الحل هو منع الأبناء من الخروج لكي نضمن بقائهم كما نريد؟ طبعا لا لكن يتم تربية الابناء تربية صالحة وتتم متابعتهم لكي نضمن بقائهم على ما نريد رغم الفتن المحيطة بهم لأن العزل لن يولد سوى جيل جاهل لا يعرف التعامل مع العالم الخارجي

      اني ب رأيي الشخصي إنو تثقيف أهل السنة هو أول خطوة لازم نقوم بيهه حاليا بعيدا عن الاصطدام مع الشيعة أو غيرهم

      الخطر الكبير الذي نواجهه الآن هو ليس الشيعة ولا امريكا ولا اي عدو
      الخطر هو نحن بسبب السذاجة التي انتشرت بشكل مخيف بين جميع أهل السنة
      نحن ببساطة جيل غير مثقف دينيا ولا يعرف التعامل مع الفتن والمؤثرات الخارجية

      موضوع الأقاليم الفدرالية هي ليست حل لتطوير الفكر الديني
      وأقرب مثال هم الأكراد حاليا
      لديهم اقليم ولكن هذا لم يمنع العرب من الدخول بينهم والسكن وحتى امتلاك اراضي وبيوت في ارضهم لأنهم اقتصاديا معتمدين على العرب

      طيب لو انفصلنا عن الشيعة … على من سيكون اعتمادنا لتامين الوضع الإقتصادي في الإقليم السني

      الجواب هو أن اعتمادنا سيكون على أمريكا للحماية وضمان اقصادنا في الاقليم السني كما هو الحال مع دول الخليج

      هل تعتقد أن أمريكا ستترك زمام الأمور بيدنا لكي ندعو اهل السنة لدينهم كما نشاء ونغير تفكيرهم كما نشاء أم انها ستحول الاقليم السني لمنطقة علمانية بعيدة كل البعد عن الدين كما هو الحال في كردستان

      أنا معك في أن الانعزال هو الحل
      لكن كيف سنتمكن من جبر الشيعة على عدم دخول الاراضي السنية او جبر السنة على عدم دخول الاراضي الشيعية ومن سيطبق هذا القانون

      المشروع ناجح انا لست ضده لكن تطبيقه على أرض الواقع ممكن أن يكون من صالح اهل السنة لانه سيوفر الأمان ويمنع المليشيات من دخول الاراضي السنية ولكن لن يكون من صالح الدين
      لأن المسؤولين على الإقليم سيكونون سياسيين لا علاقة لهم بالدين لا من قريب ولا من بعيد

      يجب أن نحسب حساب كل هذه الأمور قبل البدأ

  2. أعظم الجهاد اليوم الجهاد الفكري التغييري
    تثقيف أهل السنة عن طريق المفاهيم التي طرحها الدكتور طه الدليمي حفظه الله من خلال القرآن والسنة في زمن غياب أهل السنة من خطر التشيع الذي أقتحم سنة العرب وخاصةً العراق عن طريق الفكر الوطني الترضوي الذي سمح بالتمدد الشيعي داخل أراضيها

  3. نعم شيخنا المجدد لو أستخدم أهل السُنة طائفيتهم
    بدل وطنيتهم مع الشيعة لما أصبح هذا حالهم !
    مهمشين يقتلون ويسجنون بإسم الوطنية والدين .

  4. شخصت الداء وبينت الدواء، ولو أن أهل السنة اتبعوا الخطوات التي ذكرتها لما وصلوا لما وصلوا إليه.

  5. جزاك الله الله كل خير.. أستاذنا ع. تحليل المشكلة واعطاء الحل..
    ولقد اقتبسمت بعض ماورد في المقال لما وجدت فيه علاج العلة وعدم الاكتفاء بذكر الأعراض…قول الدكتور. :
    الظلم عند الشيعة فكرة ذهنية مجردة لا حركة فعلية مجسمة، والمظلومية عندهم شعور غائر في أعماق النفس لا رد فعل على تصرف صادر ضدهم من قبل الغير.
    على هذه العقيدة وهذه العقدة انبنت طائفية الشيعة. العقيدة والعقدة هي العلة، والطائفية هي العرض الحتمي لهذه العلة.
    وسؤالي للأطباء: هل يمكن علاج العرض قبل زوال علته؟ وسؤالي لعلماء الدين والنفس والاجتماع: هل يمكن علاج هذه الطائفية قبل إزالة علتها المركبة: العقيدة الدينية والعقدة الجمعية؟
    إذا كانت مشكلة الشيعة في طائفيتهم، فمشكلة السنة في وطنيتهم.
    ومشكلة العراق وأمثاله من الأقطار المبتلاة بالشيعة في التخادم القائم بين الطائفية الشيعية والوطنية السنية، وعدم وضع حل على هذا الأساس!
    انتهى الاقتباس..أقول :
    لابد لطلاب العلم والباحثين في حل عقدة وعقيدة التشيع من الاستفادة من الخريطة التحليلية للمقال وكذلك التشخيص لمشكلة الوطنية عند السنة التي لاتعي مايحاك لها وبها وقليل هم الواعون.

  6. (الظلم عند الشيعة فكرة ذهنية مجردة لا حركة فعلية مجسمة) نعم صدقت دكتور ،
    هذه العقدة نبتت جذورها عند تولي الخليفة الراشد ابو بكر الصديق (رضي الله عنه) الخلافة ولم يكن لعلي (رضي الله عنه) نصيبا فيها فإعتبروها مؤامرة (سقيفة بني ساعدة) ثم نمت بعد مقتل الحسين واستغلها الفرس وحولوها من خلاف سياسي الى عقيدة دينية فمشهد القتل لعمر وعثمان (رضي الله عنهما) شاهد على ما قاموا به من تحريض وهكذا بقى الشعور بالظلم والمظلومية عند الشيعة حتى صار العامل الاساسي في الدعوة الى دينهم رافعين هذا الشعار في كل منتدى لهم فكان دينهم عبارة عن تأجيج عاطفة لا غير.

  7. عندما ننظر لمشكلة الشيعة نجدها مشكلة معقدة جدا جدا
    لأن دينهم يقوم على قتل الطائفة الأخرى
    ومن المستحيل التعايش مع شخص دينه وأصول دينه وكل عقائده تنص على أن نهايتك هي السبيل الوحيد لنجاتهم ولدخولهم الجنة!
    بالمقابل نجد مشكلة السنه أكثر تعقيد بسبب شخصيتهم الأبوية التي تحمل نفسها فوق طاقتها في سبيل الحفاظ على بلد منهار ومفكك من الأصل.
    ليت هناك من يقرأ ويسمع كلامك شيخنا فإنك شخصت الداء ووصفت الدواء جزاك الله عنا كل خير

  8. تشخيص دقيق وكلام في الصميم!!!
    وأكثر ما أعجبني في المقاله هوقولك :
    سطحيه التفكير لدى السنه وعدم الغوص في أعماق المشكله لمعرفه الحل.
    فتح الله عليك يادكتور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى