د. طه حامد الدليمي
يتصور الجمهور السني داخل العراق وخارجه أن الشيعة قسمان: قسم يوالي إيران، فهذا الذي راود الاحتلال حتى أدخله أرضه، ثم اصطف معه ضد المقاومة. أما القسم الأعظم فوطني موالٍ للعراق.
اسمعِ الشعبَ (دُيُونُ) كيف يُوحون إليه
ملأ الجوَّ هُتافًا بحياتَيْ قاتليْه
أثَّر البهتانُ فيه وانطلى الزور عليه
يا له من بَبَّغاء عقله في أذنيه
فيجيبه (ديون) :
حابي، سمعتُ كما سمعتَ وراعني أن الرَّميَّة تحتفي بالرامي
هتفوا بمن شرب الطِّلا في تاجهم وأصار عرشَهُمُ فراشَ غرام
ومشى على تاريخِهم مستهزئًا ولو استطاع مشى على الأهرام
أليس قول (حابي) يمثل جمهور أهل السنة، على الأقل في بداية الاحتلال؟ وقول (ديون) يمثل مقتدى وشيعته وأمثاله لا أستثني منهم أحداً؟!
سلوك الشيعي حاكماً ومحكوماً
لا نستطيع أن نسلب الشيعي صدق العاطفة في الحنين إلى الوطن وهو بعيد، ولا ننكر ما يبدر عنه من عبارات الاعتزاز والفخر به وهو قريب؛ فحنين الغربة إلى مكان الألفة حتى لو لم يكن ذلك المكان من الوطن، شيء فطري غريزي. وأشعارهم تنم عن شعورهم هذا.
لكن واقعهم المنظور وتاريخهم المقروء يشهد على أن مرجعياتهم الدينية والسياسية – حين يكون الحاكم سنياً – تعمل جاهدة على مراودة الأجني وتسهيل احتلاله لـ(أوطانهم)، سواء كان الأجنبي إيرانياً أم مغولياً، أم أمريكياً أم إسرائيلياً، أم غير ذلك من بقية أصناف المحتلين الذين غزوا بلداننا على مر التاريخ الغابر والواقع الراهن! والجمهور يسير مغمضاً عينيه خلف تلك المرجعيات وهو يصفق ويهتف حتى إذا دخل المحتل قابلوه بالورود والرياحين. هذا وهم إلى وقت قريب يُسبّحون باسم الحاكم السني.
وشهدنا بأعيننا كيف أن أشعار الحب والأغاني والهوسات والرقص والدبك و(البزخ) انقلبت، وبالقوة نفسها، باتجاه المحتل، بعد أن كانت إلى وقت قريب هُياماً بالوطن ورئيسه القائد؛ وارتفعت صورة بوش (المحرر) بدل (الطاغية) صدام، الذي وضعوا الحبل في رقبته ونحروه مصحوباً باللعنة، في أول يوم من عيد (النحر) سنة 1427هـ، وآخر يوم من سنة 2006م، وكأنهم لم يهتفوا يوماً بحياة (الرئيس)!
الانتماء الغريزي
من خلال التجربة والرصد والتحليل النفسي والتاريخي والنظر في قوانين علم النفس والاجتماع وصلتُ إلى تحديد لوصف العلاقة الرابطة بين الشيعي والوطن، وهو: إن الشيعة ما لم يحكمهم شيعي يفقدون الشعور الأصيل بالانتماء إلى الوطن، وهو الشعور القائم على الهوية الوطنية والإيمان بالمواطنة أساساً للتعايش بين المكونات المتعددة، والمعبر عنه بأداء الحقوق تجاه الوطن ككيان، وتجاه الشريك كإنسان مهما كان دينه وعرقه ولونه. سوى ذلك الانتماء الغريزي لمكان الألفة لا أكثر! لذلك تراهم إذا هدد (وطنهم) غازٍ أجنبي يتعاملون مع الحالة بحسابات الربح والخسارة! لا بحسابات المبدأ وحقوق المواطنة.
مثلهم كمثل مقيم في بلد أجنبي اكتسب جنسيته. ما هو حقيقة انتمائه إلى هذا البلد؟ ما شعوره اللازم لهذا الانتماء؟ ولو حدث أن تعرض للغزو من دولة أخرى ما موقفه من الغزو؟ وكيف يحسب الأمور لديه؟ سيما إذا كان يرى أنه مظلوم مضطهد من قبل الدولة: حكومة ومواطنين. بل الأمر أشد وأشد؛ فإن المتجنس غير الشيعي عادة ما تدفعه أخلاقه إلى أن يقوم بواجبه تجاه بلد الإقامة. أما الشيعي فيمنعه – ما لم يكن مضغوطاً – من مراسيم الولاء للوطن الذي لا يحكمه شيعي مانعان خطيران هما: أن دينه يوجب (نعم يوجب) عليه إلحاق الأذى بالبلد: أرضاً وبشراً. وفتاوى علمائهم شاهدة. والثاني: أن هذا التدين الزائف تحول في داخله المبرمج إلى عقدة غائرة في أعماق النفس متشابكة مع اللحم والعظم والشرايين.
جذور الانتماء الغريزي لدى الشيعي
يعود الأمر في جذوره إلى أن الشخصية الشيعية نسخة عن الشخصية الفارسية، وحتى الإيرانية غير الفارسية بشرط أن يكون الإيراني غير الفارسي تشيع واستسلم عقلياً وفكرياً لمكونات الشخصية الفارسية وأولها التشيع، الذي هو في حقيقته مجوسية وفارسية مبرقعة بنقاب (أهل البيت). وخلاصته أربعة مكونات تحولت إلى عقدة نفسية جمعية مغلفة بالعقيدة. فالتشيع عقدة قبل أن يكون عقيدة؛ لذا يصعب علاجه فكرياً أو عقائدياً بعيداً عن دائرة قوانين علم النفس والاجتماع.
والمكونات الأربعة هي:
- تكفير المخالف. 2. استحلال دمه وعرضه وماله وأرضه.
- تقليد المرجع. 4. الولاء لإيران.
يقول أبو القاسم الخوئي (مصباح الفقاهة: 1/323-324): (الناصب لنا أهل البيت شر من اليهود والنصارى، وأهون من الكلب، وأنه تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب، وأن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه). والناصب لفظ مخفف للتعبير عمن أنكر إمامة واحد من الأئمة ومنهم السني. وهذا باتفاق علماء الشيعة([1]). وأما استحلال الدم فتفيض بها المصادر المعتمدة لديهم. يقول الشيخ يوسف البحراني تحت عنوان: حل دم الناصب وماله: أعلم أنه قد استفاضت الأخبار عنهم – سلام الله عليهم – بحل دماء أولئك المخالفين وحل أموالهم([2]).
لذا لا يمكن أن يوالي الشيعة حاكماً غير شيعي، ويشكلون في أي بلد لا يحكمه غيرهم دولة داخل دولة، يحكم (دولتهم العميقة) خفياً مرجع يسمونه حوزوياً (الحاكم الأعلى أو المطلق). ويعملون جاهدين على إزاحة الحاكم (الأدنى) بأي سبيل خصوصاً الاستعانة بأي محتل، ويفضلونه إيرانياً، فإن لم تسنح الفرصة العاجلة لذلك استعانوا بغيره ريثما يمهدون الأمور للإيراني، أو وكيله البلدي. وعادة ما يكون الأخير في أصله إيرانياً. وإلا فشيعياً، ولا فرق. وما إن يتمكنوا من بلد حتى يميلوا على سُنته مستبيحين دمهم وعرضهم ومالهم وأرضهم.
يقول الشيخ محمد المظفر في كتابه (عقائد الشيعة: ص10،9) المعتمد في حوزة النجف وقم: (عقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط أنه نائب للإمام عليه السلام في حال غيبته. وهو الحاكم والرئيس المطلق. له ما للإمام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس. والراد عليه راد على الإمام. والراد على الإمام راد على الله تعالى. وهو على حد الشرك بالله تعالى. كما جاء في الحديث عن صادق آل البيت عليهم السلام).
هل أدركنا الآن لمَ لا يدافع الشيعي عن بلد – ما لم يكن تحت ضغط القوة – ما دام حاكمه غير شيعي، ولا يتعايشون مع أي مكون غير شيعي سواء كانوا محكومين أم كانوا هم الحاكمين.
29/ تشرين2/ 2021
______________________________________________________
([1]) الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب، ص99 الشيخ يوسف البحراني. طبعة قم – 1419هـ. وفي الكتاب بيان صريح بأن من أحب أبا بكر وعمر ناصبي.