أ. العنود الهلالي
الخليفة الراشد هشام بن عبد الملك رحمه الله
استخلف هشام سنة ١٠٥هـ، وله من العمر أربع وثلاثين سنة ونصف، وفرح الناس باستخلافه؛ لما عُرِفَ عنه من عقل وحكمة. فقد أحسن أبوه تربيته فنشأ رجلًا عاقلًا حليمًا عفيفًا مدبرًا سائسًا، حتى شُبِّه بمعاوية وعبد الملك، وذكر المسعودي أن المنصور العباسي كان يقتدي به في أكثر أموره وفي سياساته وتدبيره للدولة، وفي إصلاحاته وتعميره للأرض والدولة واصطناع الرجال[3].
بالعودة إلى الضوابط التأصيلية في قراءة التاريخ وكتابته التي بينها الدكتور طه الدليمي في كتابه “هكذا نقرأ التاريخ وهكذا نكتبه” وكنت قد ركزت في المقالات السابقة على ضابطين مهمين من تلك الضوابط وهي: اعتماد الانجازات الاجتماعية، لا السير الشخصية في التقييم التاريخي، وعدم الانحيازية والانتقائية في تطبيق الضوابط العلمية، وأضيف لهما في هذا المقال ضابطا آخر وهو: الحذر من القصاصين.
أولا: اعتماد الانجازات الاجتماعية، لا السير الشخصية في التقييم التاريخي
ثانيا: عدم الانحيازية والانتقائية في تطبيق الضوابط العلمية
ينحاز كثير من المؤرخين المتقدمين منهم والمتأخرين إلى حركات المعارضة المسلحة التي قامت ضد الدولة الأموية، ويعتبرون مواجهة بني أمية لها بحزم وقوة لحماية وحدة الدولة الاسلامية ظلما واستبدادا سياسيا!
وعند النظر في ثورة زيد بن علي بن الحسين الذي حدَّثته نفسه بالخلافة، ورأى أنه أهل لها، وعرف أهل «الكوفة» منه ذلك، فزيَّنوا له الثورة على هشام بن عبد الملك نجد أن ثورته هذه مخالفة للشرع وخروج على إمام المسلمين وتفريق لوحدة الدولة المسلمة، ورغم ذلك يمجد بعض المؤرخين هذا الخروج ويحاول التماس المعاذير له بزعم أن زيداً صاحب شخصية فذة، لا تقبل الذل مما جعلته شامخاً كالطود، فقد اتصف بالغيرة على الحق ومحبة العدل ومحاربة الظلم.. أي أن ثورته ثورة إصلاحية!! وهذا لمز صريح لحكم هشام الذي فرح الناس يوم استخلافه لما عرف عنه من عقل وحكمة. وليس من سبب لهذا التأويل البارد إلا الرهاب السني من تخطئة شخص ينتمي لـ (آل البيت)[6] وزيد بن علي من “آل البيت” إذن هو على صواب وبنو أمية على خطأ!
ولا أعلم هنا أأعجب من تمجيدهم المطلق لحركات المعارضة للأمويين أم من تجريمهم مواجهة الأمويين الحازمة لهذه الحركات المزعزعة للسلم والأمن المجتمعي.!
ثالثا: الحذر من القصاصين
القارئ لسيرة هشام رحمه الله سيعجب من الطريقة التي كتبت بها هذه السيرة والتي سيراها تتكرر في كل كتاب يتناول شيئا من سيرة هذا الخليفة: فهو يعد من رجال بني أمية الأفذاذ لولا (بخله).. كان حليمًا عفيفًا مدبرًا، ولولا (بخله) لكان من رجال الطبقة الأولى في بني أمية. ولا ينفك هذا الاستثناء يتكرر مع سيل من القصص والروايات التي تؤيد وتؤكد هذه الصفة القبيحة.
بينما الحقيقة التي تكشفها تلك القصص الملفقة بسذاجة وغباء؛ تثبت أن هشام بن عبد الملك كان شديد المراقبة للمال العام، شديد المحاسبة للمشرفين على الديوان، وحريصًا على مال المسلمين، كما مر بنا عند الحديث عن انجازاته الادارية. لكن الشعوبية كما يقول د. عبد العزيز الدوري: (كلما لاحظوا عملا رائعا حاولوا تقليل شأنه بنسبته إلى أمور تافهة). وكان الاسلوب القصصي من أدواتهم الناجعة التي مرروا من خلاله الكثير من أكاذيبهم التي شوهوا بها سير خلفاء دولة الإسلام.
2022/10/17
__________________________________________________________
[1] د. طه حامد الدليمي، كتاب الملك الراشد خلافة على منهاج النبوة
[2] د. طه حامد الدليمي، مقال ثلاثة عشر قرناً من الخلافة الراشدة
[3] محمد أسعد طلس، كتاب عصر الاتساق
[4] ترجم مولاه سالم بعض كتب أرسطو إلى العربية، كما ورث ابنه جبلة بن سالم عن أبيه كثيرًا من معارفه وعلومه
[5] يوليوس فلهاوزن، تاريخ الدولة العربية
[6] هذا المصطلح دخيل على لغة العرب بالمعنى الذي شاع في ثقافتنا السنية وقد بيَن الدكتور طه الدليمي في مقال له بعنوان الأهل وأهل البيت ، والآل وآل البيت .. بين الأصيل والدخيل دخالة هذا المصطلح على معاجم اللغة