ديوان القادسيةقصص وخواطرمقالاتمقالات الدكتور طه الدليمي

شيعة علي بابا – قصة قصيرة

د.طه حامد الدليمي 

ست صفحات من اليوم الأول للاحتلال بمناسبة الذكرى العشرين لغزو العراق

( 1 )

عندما فرضت أمريكا حصارها على البلد، لجأ كثير من أهل المدينة إلى تربية الدجاج في بيوتهم. وكانت تصنع لها الأقنان فوق السطوح، وفي زوايا الأسيجة. فرصة هيأها القدر لم يكن يحلم بها (فاضل الديك) ولا في اليقظة!

كان حصار الرئيس الأمريكي في كفة وحصار (فاضل الديك) في كفة! بل كان الحصار الجديد أشد وأنكى، اضطر العوائل إلى سهر الليالي لا لقيام الليل بالتهجد والدعاء، إنما لحراسة دجاجهم من (فاضل الديك). ولم تستطع الشرطة الإمساك به لخفة حركته ومكره. وأُعلنت حالة الطوارئ في الحي، وكذلك الأحياء القريبة.

تعب الناس لكثرة السهر فاتفقوا على أن يرسلوا وفداً (رفيع المستوى) إلى أبيه الذي كان يُعلِّمُه: “كل الذنوب مع الولَاية مغفورة”. وطرحت التهم أثناء الجلسة وأصر هو على الإنكار بلباقة أعجبت أحد (الحكماء)، الذين تذكرني حكمتهم، ولكن بصورة معكوسة، بذلك الحكيم النجدي الذي أشار على قريش بأن تنتخب من كل قبيلة فتى جلداً ليتفرق دم المطلوب بين القبائل.

قال (حكيم الحي):

  • ما رأيكم في إرساله إلى (الحوزة)؟

وتغيرت الوجوه من حوله، وحدجته النظرات من كل جانب! لكن (الحكيم) استمر يقول:

  • إني أرى له عقلاً وألحظ منه ذكاء وموهبة. هكذا نكسب عصفورين بحجر: الخلاص من شره، وحيازة علم أهل بيت النبوة.

رحب الجميع بالفكرة (الحكيمة). يومين وكان والده في النجف بعد أن استحصل له كتاب تزكية من ممثل الصدر في المدينة. وهناك اكتشف (الديك) لذة سادسة وسابعة و… عاشرة.. باسم الدين هذه المرة. واستمر على حبه للديكة في محيط (الحوزة)، بل زاد حبه لها هناك أضعافاً بعد أن اكتشف أن الديكة أجناس وأصناف، لا صنف واحد فقط!

( 2 )

ليلةً طويلةً كانت تلك التي سهرها رحيم مع المذياع..

آهات .. شعور جارف بالضياع.. أدعية وتضرع.. و…… قلب يقاوم جاهداً كي لا يستسلم لنداء العيون!

أصابعه تعبث تائهة بين أرقام الموجات تبحث عن خبر يمكن أن تتشبث به النفس أو يعلق به الفؤاد.. فلقد انتهى كل شيء.. كل شيء!

وفجأة …!

عثر بها! نعم إنها هي!.. صوتها يأتي خافتاً من بعيد.. بعيد! ورغم ذلك عرفها! صوتها المثقل بالجراح، ونبرتها التي تقاوم الحزن، وتكابر الهزيمة، وتحاول تكذيب الواقع الذي يكشر بأنياب ذئب.. دليلان لا يخطئان.

وتسلل إلى نفسه ذلك الصوت المنيف: “منصورةْ يا بغداد”…! وكأنه قادم من دهليز مغرق في غور الزمان. ويخفت.. يختفي.. ويختفي. لا، ها هو قد عاد. وتتدفق الكلمات ثم تأخذ بالتقطع. ثم تتصل لتنفث آخر نفخة أو نفحة لها “منصورةْ يا بغداد”.. ثم… ثم… كان هذا آخر ما سمعه منها قبل أن تختفي وإلى الأبد.

للأبد؟ لا بل إلى حين إن شاء الله.

وفجأة.. قفزت إلى صفحة ذاكرته صورة حسن، زميله في الأسر بإيران، الذي مات تحت التعذيب وكان يردد (منصورة يا بغداد، منصورة يا بغداد).

كانت تهويمة حزينة مرت بسرعة البرق، وعادت أصابعه تفحص بين الإذاعات، حتى إذا أيس تماماً أطلق لعينيه المدى. وفي أعماقه يتردد ذلك النشيد أو النشيج، ما عاد يفرق!

“أبالبكاء نودعك يا بغداد؟! كلا.. بل بالبارود والدماء حتى تعودي إلينا كما في كل مرة تعودين. بثوبك الأبيض الطويل، وأكمامك الفضفاضة، وأساورك الذهبية المنمنمة باللؤلؤ، وعلى رأسك أكليل بنفسج وعيناك تنثران البسمات فوق الحقول وبين البساتين”.

لم تنقطع أصوات الانفجارات وأزير الرصاص ونعيب الطائرات طوال الليل. وبين لحظة وأخرى تومض السماء ثم يتبعها انفجار. وفتح الشباك آخر الليل فعبرت إلى جسده نسمات نيسان عليلة متثائبة تسأله: “بأي حق هذا الدخان يقتحم حماي بلا استئذان؟”.

وفي الصباح خرج إلى الشارع. الدبابات تجوب الأزقة.. تطوف كالسلاحف الكريهة بين الأحياء.. يمتطيها جنود حمر الوجوه، وبعضها صفر وسود و.. و.. ألوان أولاد الكلبة! والطائرات كأنها الغربان، وبين فترة وأخرى يُدكّ بناء وتنبعث موجة أخرى من دخان. وعلى الجدران شعارات لبعض المنظمات التي قدمت من إيران. رأى بعضَ أفرادها بوجوههم الكالحة رغم ابتساماتهم وضحكاتهم التي تتفجر من الأعماق! وضحك هو أيضاً قبل أن يقول: “أولاد الكلبة.. سبحان الله! نفس الأشكال”!

– رحيم رحيم!

التفت إلى الخلف؛ إنه صديقه عامر. اقترب منه. عيناه منتفختان ينسدل منهما على خديه خطان أحمران عريضان! وسأله عامر:

– ما بال عينيك منتفختين وخدودك حمراً!

– أضحكتني يا عامر.

– وهل هناك أحد يضحك في مثل هذا اليوم؟!

– ماذا أفعل؟ هذه طبيعتي، في كل شيء أرى شيئاً مضحكاً.

– أضحكنا معك (قالها بألم، وربما سخرية).

– ذكرني كلامك ووجهك بالمثل الذي يقول: “غراب يقول لغراب: أشو وجهك أسود؟!”.

– مضحكة حقاً، لكن اعذرني لا أستطيع.. لا أستطيع… .

وظل يكرر “لا أستطيع…” وانقطع صوته. ثم لم يستطع. شيء في صدره يهتز، يجتاح كيانه ينفجر به.. وألقى برأسه على صدر صاحبه. وكأنما جلجل في الفضاء صوت يقول:

الدِّنيا كُلْها بـِﭽَــتْ مو بسْ دمِعْــتي اْسقَطتْ
وبالدمّْ بـِﭽاها الجفنْ بغدادْ يومِ اْسقطـتْ
بلدانْ كُلِّ العرب يا صاحْ هِيَّ اْسْقطــتْ
 
يومِ اتركوها وْجفَوا في يومْ تسعةْ اْربعــةْ
وبغدادْ بالدمْ شِفتْـها اتْنوحْ مِتْــرَبّعَـــــةْ
العجمْ بيها اغدرَواْ ، فرحانةْ وِاْمْرَبّــعـَـــةْ
صَدِّﮔني إلْــنا النصرْ ما غيرْ ( قمّ ) اْسْــقطـتْ

وقال رحيم: المسجدَ يا عامر!

– ما به؟

– أخشى عليه منهم.

– وهل ترى يفعلونها؟

– هذا يومهم الذي يعدوننا به!

– لا أظن الوقاحة والحقد يبلغ بهم هذا المبلغ. الكلام شيء والفعل شيء يا رحيم!

– لو كنت معي في معتقلات إيران لما قلت ما قلت. أم لم تعد تذكر ما فعلوا في سنة إحدى وتسعين؟! دعك من هذا، وليجلب كلٌّ منا سلاحه ونتوجه إلى المسجد.

لم يكن عامر الوحيد الذي يرى هذا. مساكين.. معظم السنة هكذا!

( 3 )

قال عامر:

– ساعة وأكون عندك. أريد أن أذهب إلى وسط البلد لأرى ماذا هناك.

عن طريق كربلاء كانت القوات الأمريكية بدباباتها ومدرعاتها وطائراتها تتدفق على المدينة التي تقطنها نسبة لا بأس بها من السنة، كانوا يتطلعون من الشبابيك وشرفات البيوت متوجسين. قلوب يملؤها الأسى والحزن البالغ على ضياع البلد بأيدي الغزاة. ولم يكن الخوف من المجهول بعيداً من هناك.

وتفاجأ عامر بما رأى! وقال يخاطب نفسه: “كم كنتَ مغفلاً يا عامر! صدق رحيم.. هذا يومهم الذي يعدوننا به! لم نأخذ العبرة مما فعلوا بنا من قبل”! الناس قد خرجوا أفواجاً أفواجاً على وجوههم يطفح البشر، وعلى ألسنتهم عبارات الشكر، يستقبلون الجنود الحمر بالتصفيق والصفير.

أمام (سينما الخيام) توقفت القوات الزاحفة خائفة تترقب.

كانت فوهات أسلحتهم مصوبة تجاه الجموع الغفيرة. وانهالت على رؤوسهم الأزهار من كل صوب، ونساء تزغرد بعضهن يحملن أطفالاً يلوحن بهم فوق رؤوسهن. وتقدم أحد الشيوخ الطاعنين في السن وفي يده باقة ورد أعدت على عجل نحو أحد الجنود واقترب من دبابته وهو يلوّح بيده الأخرى ويهتف. لم يتبين عامر ما يقول. لكن لفت انتباهه ثرمة عريضة تطل وتختفي من فوق شفته السفلى، كان لسانه يندلع منها ثم يعود إلى داخل بحركة متلاحقة كأنه لسان سحلية. لكن الجندي أشار إليه بالابتعاد، وتوجه إلى رأسه بفوهة سلاحه. ورغم كل شيء أبى الشيخ إلا أن يصل إليه، ويسلمه الباقة يداً بيد! كان يتحسس يد الجندي كأنه يريد دليل إثبات على وجوده، ثم أهوى عليها وقبلها. وتعالى التصفيق والصفير.

كان عامر يشق الصفوف بصعوبة متجهاً نحو الجسر في عمق المدينة. رأى هناك رتلاً من المدرعات المتوقفة وعليها جنود يلوحون للناس بأيديهم مبتهجين، والناس من حولهم يتحلقون بالمئات بل بالآلاف، وهم يصيحون بأعلى أصواتهم وفق نغم متسق معروف:

“صل على محمد.. والوالي محمد”..!

وبين لحظة وأخرى ينطلق هتاف ترحيب، وآخر يندد بالحكومة البائدة، وثالث يلعن الرئيس. وجندي يترجم كلماتهم، ويعطي الإرشادات عبر مكبر الصوت، تقول سحنته ولهجته المميزة إنه من إحدى دول الخليج. وأسف عامر في نفسه وقال: “كلكم علينا؟! يا ويلكم من سخط الله! …”.

وقطع تمتماته شاب يضرب بمطرقة كبيرة قفل أحد المحال! وانكسر القفل فدخل ثم خرج بعد دقيقتين حاملاً صندوقاً مليئاً بقناني البيرة، طفق يوزعها على الجنود تحت هتاف الجماهير الذي يصك الآذان:

“صل على محمد.. والوالي محمد”..!

( 4 )

لم يحتمل عامر أكثر فغادر المكان إلى بيت صديقه مصطفى في (حي الإمام). وجده واقفاً أمام داره، وتذكر قصة الغراب فهمّ أن يبتسم لكن وجهه لم يسعفه. وحرك صديقه يده إلى فوق بإشارة تكونت منها بين ساعده وعضده زاوية منفرجة.

– طائرات تحوم، ما بها؟

– لا لا، انظر إلى السطوح!

ولم يمهله حتى سحبه من يده وقال:

– تعال نرتقي سطح بيتنا لنرى المنظر من فوق بوضوح!

نساء يذهبن ويجئن على أسطح المنازل وقد نزعن حجابهن، ونثرن شعورهن، يلوحن بخمرهن للطائرات، يزغردن ويرقصن بغنج ودلال. وقال مصطفى:

– دخلت علينا جارتنا أم عثمان، وقالت وعلى وجهها أمارات هي مزيج من غضب ودهشة وقرف: اصعدوا إلى سطح المنزل وانظروا ما يحدث من مهازل! ولما سألناها عن قصدها قالت: لا أقدر على وصف المنظر؛ اصعدوا أنتم لتروا بأنفسكم ما يجري!

وقال عامر:

– لقد عبّرن عن الحقيقة دون أن يدرين! كما عبر ذلك الشاب الذي كان يوزع الخمر على الجنود. لقد جاء الغزاة من أجل هذا! جاءوا لإشاعة الفجور والخمور.

– وهذا هو دين القوم (إياهم). شبيه الشيء منجذب إليه. أتدري ما فعلت بعدها والدتي وجارتنا أم عثمان؟

– أدري أدري، جلستا تنحبان.

– من أدراك؟

لم يجبه، كان ينظر حواليه كأنه يبحث عن شيء!

– عامر، ماذا دهاك يا عامر، هل أنت صاحٍ!

– وهل يوجد في هذا اليوم أحد صاحٍ يا مصطفى؟

وجلس عامر ينحب أيضاً.

( 5 )

كنا نتصور أن المحتل الأمريكي هو الذي سيتولى المهمة، وليس أخونا وجارنا وصهرنا الشيعي! الذي كنا نظن أنه ردء لنا يواسينا.. يحمي ظهورنا، ويحفظ لنا حرماتنا وحريمنا. فإذا هو يلتف علينا من ورائنا ليستبيح كل شيء! وأغلى شيء! لقد كان غاية ما كنا نتوقعه أن يقوم بعض السفلة والغوغاء – ربما – بسرقة المسجد، فكنا نقوم  على حراسته من أمثال هؤلاء. وفي صبيحة يوم قريب تركنا المسجد كل إلى أهله لتناول الفطور. وما إن عـدنا للـحراسة حـتـى سـمعنا لغطاً وأصـواتاً غـريبـة تنبعث من خـلال مكـبـرات الصوت! اقتربنا أكثر فإذا شتم ولعن موجه إلى السنة، وأنهم أخذوا المسجد من هؤلاء (الكفرة) الطائفيين (أعداء أهل البيت).

هكذا وقع المسجد في أيديهم أسيراً!

هذا ما قاله عامر بعد أيام. وبينما نحن في الطريق عائدين نفكر ونتناقش فيما ينبغي أن نفعل إزاء هذا الحدث الجلل، رأينا أحد المعممين قادماً في اتجاهنا، اقترب قليلاً فصاح رحيم مبهوتاً:

– هذا فاضل! فاضل الديك! سارق الدجاج!

وأردف آخر:

– عجيب؛ لابسٌ عمامة!

وقال ثالث وقد بقي محافظاً على هدوئه:

– كلهم (فاضل الديك)، من الكاشاني إلى الكشواني؛ فما الداعي للعجب؟

وكانت كلمة صادقة كل الصدق.

لم تسلم دائرة حكومية، ولا مخازن وزارة التجارة، ولا مصارف أهلية أو حكومية أو معسكر للجيش أو مركز للشرطة، إلا وسرقوا بضائعه ومحتوياته وأسلحته وأثاثه! وبدأوا  يكدسون البضائع والأسلحة والأعتدة في مسجدنا الذي هجموا عليه بالأسلحة واغتصبوه في غفلة منا. وما هي إلا أيام حتى تجاوزوا ذلك إلى ما هو أخطر. لقد انتهوا من هذه الصفحة وانتقلوا إلى صفحة ثانية.

الهجوم على بيوت السنة لتهجيرهم من المدينة. وتعددت حوادث القتل والخطف. ذهب بعضنا إلى الرمادي وإلى جرف الصخر وإلى بغداد فلم يعودوا بشيء. وسمعنا بعض الشيوخ يقول: “كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل”. وأرشدنا أحد الحزبيين الإسلاميين البارزين إلى أن نثبت في مكاننا حتى لا نُخْلي المدينة من السنة، لكنه لم يقدم لنا عوناً أو حلاً. ولم يكلف نفسه عناء المجيء باسم حزبه إلى حكومة المحافظة ليكلمهم بشأننا. وكنا قد حدثناه عن خطورة الوضع فقال: “لا بأس، موتوا شهداء”. وتلملمنا على بعضنا وقررنا شراء قطع من السلاح لضمان أي درجة من الحماية الشخصية.

في ظهيرة أحد الأيام جاءني اثنان من الإخوة وفي يد أحدهم بندقية قلت: ما وراءكما؟ قالا: “إن فاضل الديك وعصابته هجموا على بيت الأخ أبي ياسر وهو الآن محاصر في بيته”!

وكان أبو ياسر جاراً لهم! لأولئك المهاجمين بقيادة (فاضل الديك).

أخرجت بندقيتي وأعطيتها أحدهما، أما أنا فكنت أحمل مسدساً. وقلت: “لا بد لنا من رابع”. وذهبنا إلى الأخ أبي بكر وأخرج بندقيته. ورفعت صوتي قائلاً بقوة: “أشهروا أسلحتكم وأعلنوها حرباً كما أعلنوها هم منذ احتلال البلد، وليكن ما يكون”. أعترف.. كان تصرفاً متهوراً. لكن هذا ما حدث.

صار الهدف منا على مرمى صيحة فأخرجت مسدسي، لوحت به وأطلقت رصاصتين فوق الحشد المتجمع أمام بيت أبي ياسر، وتبعني البقية ففعلوا كما فعلت، فإذا الجمع يتفرق ويولي الأدبار. ونادينا عليهم بأعلى أصواتنا:

–  إن كنتم رجالاً اثبتوا.

ووصلنا البيت. وارتفعت أصواتنا في الزقاق:

– إن كان فيكم رجال فليخرجوا لنا.

خرجت لنا بعض النساء يعذلننا ويترجيننا. وقالت إحداهن:

– نحن نعتب عليكم يا من تربيتم في المساجد كيف تسبون وتشتمون وتفعلون هذا؟!

كانت كلمة مؤثرة انكسرت لها حدة الغضب. بعد قليل خرج إلينا عدة أنفار من الشيبة فكلمونا بهدوء ودعونا للجلوس. حذرناهم من تكرار الفعل، ثم تركناهم وعدنا.

( 6 )

جلس (فاضل الديك) تحوطه من الخلف (حماية) من عدة مسلحين، ومعه بقية اللصوص من صنف (كل الذنوب مع الولاية مغفورة) يتقاسمون الحصص فيما بينهم داخل المسجد! لفت أنظارهم اختفاء أشياء.. أشياء هي أثمن ما استولوا عليه! لا بد أنها سرقت مرة أخرى. وبحساب خفي بسيط ونظرات متبادلة لم يجدوا لها سوى الشيخ فاضل (فاضل الديك) طبعاً. عبثاً حاول لكنهم أصروا على الذهاب إلى بيته فوجدوه – ما شاء الله! – غاصاً بكل ما لذ وطاب مما وضعوه في المسجد أو نهبه هو بنفسه بعيداً عنهم. وتطور البحث فتعدى إلى بيوت رجال (حمايته) فوجدوها – ما شاء الله! – ما شاء الله أيضاً!

– قبل التقسيم يا شيخ فاضل؟!

– هذه أموال الإمام الغائب، وهي أمانة عندي لأحفظها من السراق.

وثارت ثائرتهم وتجادلوا وتشاجروا حتى تضاربوا وخرجوا إلى الشارع والناس يتفرجون! أخيراً هددوا (الشيخ فاضل) – (فاضل الديك) سابقاً – بأن يشكوه لدى الأمريكان. فقال لهم: افعلوا ما بدا لكم؛ أنا لا أخاف منكم ولا من الأمريكان؛ حسبي الأمام؛ سيكون معي ضدكم جميعاً.

الغريب أن (فاضل الديك) أرسل إلى رحيم وعمار ومصطفى وآخرين رسولاً للتفاوض بشأن المسجد. “ما الذي يريد هذا الصعل؟ لكن لا بأس لنذهب ونر”.

كانت حجرة الضيوف قد اختصرت إلى النصف، يفصل بينه وبين النصف الآخر ستر رقيق تكومت فيه أصناف المسروقات. وتبادل الضيوف فيما بينهم نظرات خاصة. وقال (فاضل الديك):

– إن أتباعي قد خرجوا عن طوعي. هم الذين سرقوا وحملوا ما سرقوا إلى المسجد، وأنا بريء منهم.

– طيب، ها نحن لبينا دعوتك فما المطلوب؟

– أعينوني على إخراجهم من المسجد.

– ثم؟

– ثم نجلس نتفاهم بشأنه.

– مثلاً؟

– عندي حل يرضي كل الأطراف..

– وهو؟

– نقسم أوقات الصلاة فيما بيننا، (الظهر والمغرب) لنا، و(الفجر والعصر والعشاء) لكم.

وضحكوا بصوت واحد، وقال رحيم:

– من دون زعل هذا العرض يذكرنا بما عرضه المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعبد إلهك عاماً وتعبد إلهنا عاماً. هل تحفظ سورة (الكافرون)؟

أخيراً قال له رحيم:

– يا (فاضل الديك) ليس لك إلا أن تخرج أنت وعصابتك ومسروقاتكم من المسجد بعد أن تردوا ما يتعلق به منها. لا مساومة في الدين. أتدري لماذا؟

– لماذا؟

– لأن الباطل يقبل الحق، أما الحق فلا يقبل الباطل. أتدري لماذا؟

– شنو هذي فلسفة؟

– الباطل مع الحق لا يخرجه عن وصف الباطل، أما الحق إذا اجتمع مع الباطل فقد خرج عن وصف الحق. الحق لا يجتمع إلا مع الحق يا (فاضل الديك)!

وشدد رحيم على الحرف الأخير حتى قلقله. وقال (فاضل الديك):

– ما تطلبونه مستحيل. ثم أنا اليوم (الشيخ فاضل)، لا كما تصفون.

– سيرتك الشخصية معلومة لدينا، ولن يمحو الشط ما فيها من بيانات اكتسبتَ على أساسها هذا اللقب (العظيم).. (فاضل الديك). لم يتغير شيء بين الأمس واليوم، سوى أنك كنت بالأمس تسرق باسم الجهل، واليوم تسرق باسم المرجعية.

وكثر الكلام وطال الجدال دون نتيجة، فقام الوفد، وقبل أن يخرجوا من الحوش وهم يتعثرون بأكداس المسروقات، التفت إليه عامر وقال:

– أما المسجد فسيعود لنا عاجلاً أم آجلاً. ليس مسجدنا فقط بل جميع مساجد السنة، وإن طال الزمن. ويومها قد يكون للبعض منا مع حسينياتكم حساب آخر. وربما لن يكون في وسعنا الوقوف في وجوههم!

بعد يومين فقط نفذ شركاؤه تهديدهم فأبلغوا الأمريكان بأن بيت (فاضل الديك) أمسى وكراً لـ(الأرهابيين)، وأطالوا وعرضوا. وخرجت مفرزة من الجيش يقودهم عريف أسود. دهمت بيت (فاضل الديك) وقت العصر. شاهدوا بيته وهو يغص بالمسروقات، وعثروا من بينها بأسلحة وأعتدة مختلفة الأصناف ما بين متوسط وخفيف. كان الناس قد تجمعوا على غير هدى في الزقاق يتفرجون لحظة أخرجه الجنود وعلى رأسه عمامته الفارسية. وحين رأى جموع المتجمهرين حاول أن يبدو شجاعاً رابط الجأش فتلّ يده من يد العريف، فما كان من الأخير إلا أن ضربه بجمع كفه على صابره فسقطت عمامته، ثم ثنى بركلة على مؤخرته فسقط على الأرض، وضع العريف قدمه على رأسه وقال له بصوت مسموع:

– أنت (علي بابا)!

فرد عليه (فاضل الديك) بصوت متقطع مبحوح، وعيناه مشبوحتان إلى أعلى:

– لست وحدي علي بابا.. هؤلاء اللي حولك كلهم.. كلهم علي بابا.

2015/12/2

اظهر المزيد

‫7 تعليقات

  1. لازال للاوغاد من يصدقهم ويثق بهم .. وكأن على قلوب اقفالها!!
    صدقا .. هم شيعة علي بابا: نهابة وحرامية

  2. كلهم فاضل الديك ويدعون الفضيلة،
    وكل الويلات التي جرت على بغداد جرتها بسبب هؤلاء الاوغاد وولايتهم المزعومة
    لا ولاهم الله

  3. شيعة علي بابا
    عند دخولهم إلى الأسلام
    سرقوا بيت رسول الله
    سرقوا تاريخنا وطعنوا في رموزنا
    عند تمكينهم من بلاد العرب سرقوها
    وقدموها للفرس الحاقدين وجعلوها
    أسيرة تعاني الخراب والجهل والتخلف
    وسرقتهم للعراق كانت مصيبة كبيرة ذاقها أهل السُنة
    وشعرها بها العرب لما فيها من نقاط سلبية عليهم
    هكذا هام شيعة علي بابا أين ما حلوا استحلوا وسرقوا

  4. كلمة شعية علي بابا تشرح كُل شيء من تلقاء نفسها فلا حاجة لكتابة شيء بعدها ، اطال الله بعمرك ووفقك يا خير نذير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى