الحدث
تناقلت وسائل الإعلام يوم الأربعاء الماضي (13/2/2008) خبر مقتل أحد قياديي (حزب الله) اللبناني، المدعو عماد مغنية، في حي كفر سوسة شرقي دمشق. واتفقت الأخبار على أنه مطلوب الرأس منذ عشرين عاماً لعدة دول، ووكالات استخبارات. منها أمريكا وإسرائيل والكويت. وأن أمريكا خصصت مكافأة بمقدار (25.000.000) دولار لمن يقتله أو يلقي القبض عليه. قيل إن مقتله كان على إثر تفجير سيارته، ربما بلغم مزروع فيها. وقد اتهم حزبه كيان إسرائيل بتدبير الحادث.
هذا.. وقد شارك الآلاف من مناصري الحزب الموالي لإيران والمعارضة اللبنانية إضافة إلى وفد إيراني رفيع المستوى تقدمه وزير الخارجية الإيرانية منوشهر متكي في مراسم التشييع.
وقد وجه المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي رسالة تعزية إلى الأمين العام للحزب قائلاً: “إن شهادة المجاهدين مثل مغنية قدر سعيد ويجب أن يجعل الشعب اللبناني فخورا بأنه أعطى العالم مثل هذا الرجل العظيم في النضال من أجل الحرية”.
وفي العراق، أعلن التيار الصدري في بيان له يوم الخميس الحداد ثلاثة أيام.
سيرة حياة القتيل
هو عماد فايز مغنية. ويلقب بالحاج. قيادي في (حزب الله) من مواليد (7 ديسمبر 1962) لبناني. يقال: من أصل فلسطيني. وحين قلبت ملفات القتيل الشخصية؛ لأتعرف عليه أكثر من خلال صفحات شبكة المعلومات، وعلى أكثر من موقع ألكتروني: مثل موقع (الرابطة العراقية)، وموقع جريدة (الوطن) الكويتية)، وموقع (المختصر) الإخباري، وبعض المواقع الفلسطينية، وغيرها – وجدته يتمتع بسجل حافل بالجرائم. أقتطف منها ما له علاقة ماسة بنا نحن العراقيين:
- فهو من أبرز القياديين العسكريين لـ(حزب الله) اللبناني المرتبط بإيران.
- كان سفره الاول الى ايران اوائل الثمانينات في القرن الماضي، وهو شاب لا يتجاوز عمره (20) عاما. اذ انه – وبعد تدريبات أولية استغرقت اقل من ثلاثة شهور – توجه برفقة عدد من الشبان الشيعة اللبنانيين، الى جبهة القتال مع العراق، ووفقا لما رواه فيما بعد قائد المنطقة الشمالية الايرانية، قضى عماد مغنية أربعين يوما في عمليات قتالية ضد القوات العراقية. وشارك في تفجير السفارة العراقية في بيروت.
- له سجل عريض في الخطف والاغتيال والتفجير.
- تحدثت تقارير حديثة عن دوره الفاعل في تدريب عناصر (جيش المهدي) وتسليحه. وأنه العقل المدبر له، واليد الضاربة للمجلس الاعلى ولايران داخل العراق. بل تولى استهداف الكفاءات العراقية، وتصفيات الرموز الوطنية والاساتذة والعلماء. وسمي بقاتل الطيارين والضباط العراقيين. ويتنكر بلباس رجل دين ويدعم ويموّل العمليات. كما أكد مستشار أمني سابق في وزارة الداخلية العراقية – حسبما جاء على موقع المختصر نقلاً عن وكالة يقين – “أن مغنية كان على علاقة وثيقة بالتيار الصدري في العراق، وهو الذي اشرف على تدريب جماعات من مليشيا جيش المهدي في معسكر ايراني يقع قرب الحدود العراقية في منطقة ديزفول، كما كان قد التقى قيادات في مليشيا جيش المهدي جنوب لبنان، وتحت اشراف حزب الله اللبناني، الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع التيار الصدري وقيادات جيش المهدي”. واضاف المصدر – الذي رفض نشر اسمه لاسباب امنية – قائلاً: “المعلومات المتوفرة لدينا ان مغنية درب مجموعة من مليشيا جيش المهدي تعدادها (500) شخص، وعلى دفعات، في معسكر في ديزفول كان تابعا لتدريبات مليشيا بدر التابعة للمجلس الاعلى في العراق قبل (2003)، وبعد ذلك خصصت بعض معسكرات التدريب لقوات جيش المهدي” .وقال المصدر: “ان مغنية كان يدرب مجموعات محدودة على التخطيط لعمليات الاغتيال وتنفيذها داخل العراق”. وقال أيضاً: “إن معلوماتنا تؤكد ان مغنية كان قد دخل العراق بجواز سفر ايراني وعن الطريق البري الذي يربط بين ايران والعراق، وزار كربلاء والنجف مرتين – على الأقل – خلال المناسبات الدينية الشيعية”.
- وقد ذكرت صحيفة الشرق الأوسط يوم الجمعـة (17/رجـب/1427 الموافق لـ 11/أغسطس/2006) في العدد (10118) أنه في عام (2005) عُهدت إلى (عماد مغنية) مسؤولية تنظيم العلاقات ما بين فصائل الشيعة المسلحة في جنوب العراق، ومن ثم تسلم مهمة المشرف الميداني على مراكز استخبارات الحرس الثوري في جنوب العراق. وفي العام نفسه (2005) توجه عماد إلى لبنان، برفقة بعض المسؤولين الإيرانيين. وكان هذه المرة تحت اسم (سيد مهدي هاشمي)، ايراني الجنسية حامل جواز سفر دبلوماسي. بعد ان خضع لعمليتين جراحيتين لتغيير ملامح وجهه في إيران.
- وفي أوائل عام (2006) شوهد في البصرة بالعراق، وكان مسؤولاً عن تنظيم سفر مقاتلي «جيش المهدي» إلى إيران، للمشاركة في دورات التدريب. وفي ابريل (2007)، تردد أن مغنية عاد إلى لبنان حيث تسلم مهمة رفيعة في جهاز استخبارات (حزب الله).
- اختطف – بأمر من وزير الداخلية الإيراني (علي أكبر محتشمي)([1]) – طائرة الخطوط الجوية الكويتية (الجابرية) القادمة من بانكوك في (5/4/1988)، وتوجه بها إلى مطار «مشهد» الإيراني. ثم حاول الهبوط في بيروت، ولكن رُفضت مطالبهم، فانطلقوا إلى مطار لارنكا في قبرص، وتمَّ قتل الكويتيين عبدالله الخالدي وخالد أيوب بإطلاق الرصاص على رأسيهما، ثم رميهما من الطائرة. وأخيراً توجهت الطائرة إلى الجزائر حيث أطلق سراح الخاطفين.
- خطط مع الياس صعب ومجموعة اخرى لعمليات التفجير والتخريب التي جرت في الكويت في العام (1983) بواسطة منظمة تابعة لـ(حزب الله) تدعى «الجهاد الإسلامي». وقد طالت التفجيرات – وفي يوم واحد – محطة الكهرباء الرئيسة، ومطار الكويت الدولي، والسفارتين الأميركية والفرنسية، ومجمعاً صناعياً نفطياً، ومجمعاً سكنياً، وبلغ عدد القتلى (7) أشخاص و (62) جريحاً. جميعهم من المدنيين والفنيين العاملين في المواقع النفطية والسكنية. وقد طلب (حزب الله) من الحكومة الكويتية – فيما بعد – إطلاق بضعة عشر سجيناً – منهم مصطفى نسيب مغنية – شاركوا في هذه الجرائم، ينفذون أحكاماً مختلفة. فلما رفض الطلب اختطفوا الطائرة المذكورة.
موقف (الإسلاميين) في فلسطين من الحادث
هذه جولة مختصرة في صفحات الملف الشخصي لهذا الرجل. وحين بحثت عن موقف القيادات الفلسطينية (الإسلامية) من اغتياله لم أفاجأ أبداً ببيانات النعي والأسف والشجب والاستنكار، والشهادة لهذا المجرم الخطير – ذي العقيدة الغالية الفاسدة، التي من أقل غلوها سب الشيخين، والطعن في عرض أمهات المؤمنين – بحسن الخاتمة، ونيل الشهادة. وإليكم – على سبيل المثال – بيان منظمة (حماس):
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلا)
ببالغ الحزب والأسى، وبقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، تلقت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خبر استشهاد القائد الكبير في حزب الله/ عماد مغنية في جريمة استهدفته مساء أمس، بعد تعقّب وملاحقة طويلة من قبل الأجهزة الاستخبارية المعادية وفي مقدمتها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد). إننا في حركة حماس ندين جريمة اغتيال الشهيد مغنية، ونرى فيها حلقة جديدة في مسلسل الجرائم الدموية التي ينفّذها الاحتلال الصهيوني بحق شرفاء هذه الأمة ومقاوميها ومجاهديها، وإننا على يقين بأن اغتيال الشهيد مغنية لن يزيد المقاومة الإسلامية في لبنان إلا ثباتاً على طريق المقاومة وصموداً في مواجهة العدوان الصهيوني. رحم الله الشهيد رحمة واسعة، سائلين المولى عزّ وجلّ له الفردوس الأعلى، ولأهله وإخوانه في حزب الله الصبر والسّلوان، وعوّضه خيراً. إنا لله وإنا إليه راجعون.
المكتب الإعلامي
الأربعاء 6 صفر 1429هـ
الموافق 13 شباط (فبراير) 2008م
وأنا لا أدري كيف تصف جماعة إسلامية – جعلت أسمى أهدافها إقامة شرع الله في دولة الإسلام الموعودة – شخصاً أقل جرائمه مقاتلتنا مع إيران، وتدريبه لعناصر (جيش المهدي) التي عاثت في أرض العراق فساداً، وتسليحه، وأنه العقل المدبر له، واليد الضاربة للمجلس الاعلى، ولايران داخل العراق. بل تولى استهداف الكفاءات العراقية، وتصفيات الرموز الوطنية والاساتذة والعلماء. وسمي بقاتل الطيارين والضباط العراقيين. إضافة إلى جرائمه الأخرى التي لا تحصى – كيف يوصف مثل هذا المجرم بأنه (قائد كبير، وشهيد، ومجاهد، ومقاوم، وشريف من شرفاء الأمة)؟ ثم يختم البيان بالدعاء له بالرحمة الواسعة، وسؤال الفردوس الأعلى؟ وقد ابتدأ بآية نزلت في (مصعب بن عمير)، و(أنس بن النضر)، و(سعد بن معاذ) وأمثالهم من شهداء الصحابة، لتوضع تاجاً على رأس هذا المجرم، المتلطخ بإزهاق نفوس الأبرياء والمجاهدين في العراق، وغيره؟!
سرادق عزاء
ولا أريد الخوض فيما قاله قادة (حركة الجهاد الإسلامي) بالمناسبة؛ وغيرهم حتى لا يطول بنا المقام كثيراً. لكن بقي أن نقول: نقلت بعض المواقع الفلسطينية أن القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية فتحت في قطاع غزة سرادق عزاء لاستقبال المعزين الفلسطينيين بمقتل عماد مغنية. وقد تكلم ممثلون عن هذه القوى يؤبنون القتيل. منهم محمد الهندي القيادي البارز في حركة الجهاد الإسلامي، الذي قال: “إن مغنية عاش مجاهدا بطلا، وأذاق الاحتلال الإسرائيلي البأس وارتقى شهيداً. وإن دمائه ودماء الشهداء لن توقف مسيرة المقاومة وإنما تزيدها قوة وثباتاً”. بينما وصف فوزي برهوم الناطق باسم حركة حماس مغنية بأنه “مدرسة من مدارس المجاهدين”. وقال:” إننا فقدنا قائدا كبيرا تمسك بتحرير الأرض من العبودية، والذي سطر حياته في صفحات من ذهب”.
الإسلاميون هل ما زالوا إسلاميين؟ أم زالوا
ما معنى كون المسلم (إسلامياً) إلا أنه يرجع إلى شرع الله تعالى في أفعاله وأقواله، وتصرفاته، ويقيم شرع الله ودولته على نفسه أولاً لتقوم على أرضه؟ كما قال مرشد (الإخوان المسلمين) الأستاذ (حسن الهضيبي) رحمه الله تعالى يوماً: “أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تقم على أرضكم”.
ما حكم الشرع في رجل فاسد العقيدة فساداً مغلظاً، يكفر جملة الصحابة، ويستحل دماء أهل السنة في العراق وغيره، وقد أوغل في قتلهم والإعانة عليهم؟ هذا بعض جرائمه! ونتوجه بالسؤال إلى قادة (حركة المقاومة الإسلامية)؟
سيقولون: إن له عملاً بطولياً ضد أمريكا واليهود. ونقول: لا بأس أن يكون المرء شجاعاً بطلاً، ويستخدم ذلك في أذى من يستحق الأذى. ولكن يوصف بما هو عليه من صفات دون افتئات على حق الله تعالى، وشرعه، وعلى حقوق الآخرين. (جيفارا) – مثلاً – كان بطلاً. أيقال عنه شرعاً: شهيد وندعو له بالفردوس الأعلى؟! أيجوز هذا شرعاً؟! وأنا لا أتوجه بالسؤال إلى حزب يساري، أو علماني، إنما إلى جماعات جهادية إسلامية تريد إقامة دولة للإسلام تطبق فيها شرع الله! أحببناها من كل قلوبنا، ودعونا لها بالسر والعلن. وانتظرنا أن تأتينا بالربيع في زمن الخريف. وذرفنا الدموع – ولا زلنا – على مآسيها، ومآسي إخواننا الآخرين في فلسطين. ولم نكتف بالدموع، بل بذلنا ما قدرنا عليه من واجب تجاههم في أيام الصعاب، بلا منة؛ فهم أهلنا، وفلسطين دارنا، والقدس الشريف مسرى حبيبنا. (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم). ووالله ما كنت أصور أنني سأخط يوماً مثل هذا في حق بعضهم.
فكيف إذا كان ما فعله من (بطولات) هو في خدمة مشروع عدو من أعدائنا؟ إن مشروع (حزب الله) ليس مشروعاً عربياً ولا إسلامياً. إنه مشروع قومي فارسي. وتاريخ إيران يشهد أنها لم تكن في يوم إلا خنجراً في خاصرة الأمة. حتى وهي تحت الحكم العربي الإسلامي. فإن مؤامراتها لم تهدأ في يوم من الأيام. من اغتال ابن الخطاب؟ ومن قلب نظام الحكم وقتل ابن عفان؟ ومن اغتال ابن أبي طالب؟ واستدرج ريحانة النبي صلى الله عليه وسلم؟ ومن دمر دولة الأمويين؟ وثنى بالعباسيين؟ ومن أوقف الفتح الإسلامي العثماني في أوربا؟ ومن اخترع التشيع الغالي؟ وأخرج الشعوبية التي تلعن العرب؟ ومن قاتلنا ثماني سنين؟ ومن ساعد على احتلال أفغانستان والعراق؟
وإذا كان ثمة خلاف أو صراع بينهم وبين أمريكا أو يهود، فهو صراع مصالح، لا مبادئ. فهم مختلفون – ظاهراً وأحياناً – في لبنان، ومتفقون في العراق وأفغانستان! فأين المبادئ؟ وأين الإسلام؟ إن من يقتل العرب والمسلمين والأبرياء في العراق، لا يمكن أن يكون نصيراً لهم في لبنان أو فلسطين. وأما إذا كان يساعد بعضهم مادياً، ويجعجع لهم إعلامياً فهو من أجل التبرقع بهم، والركوب في زورقهم للعبور إلى الضفة التي يريدها، تحقيقاً لمشروعه التوسعي الخطير. فإيران مستفيدة من اللعبة أكثر، ولا تخسر في مقابل ذلك إلا فتاتاً لا يقارن بالهبر الذي تغدق به على صنيعتها وذراعها (حزب الله)! كم تعطي إيران لـ(حماس) و(الجهاد)؟ وكم تمنح لـ(حزب الله)؟ هل هي حريصة على فلسطين؟ أم على لبنان؟
فكيف إذا كان هذا (البطل) قد ارتكب بحقنا – نحن العراقيين – وغيرنا من إخواننا في الكويت ودول الخليج وغيرها من جرائم أدناها القتل؟!
هل هناك شر من إنسان خرب العقيدة، فاسد الدين، قاتل سفاح، متلوث بدماء الأبرياء، والغ في التآمر ضد الأمة، يخدم مشروع أعدائها؟!!!
أيترحم على هذا؟ ويوصف بـ(الشهيد)؟ ويجعل من خلَّص المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه؟ عاهدوه على ماذا؟ على قتل الأبرياء والمجاهدين والذين يأمرون بالقسط من الناس؟! ويسأل له الفردوس، الذي يقول فيه الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أعلى الجنة، وأوسطها، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة)! بخٍ بخٍ والله! إذا كانت الجنة لمثل هذا فعلام العمل؟ وعلام الخوف من النار ونحن لم نعمل أدنى ما عمل هذا؟!
على أي فقرة من فقرات أحكام الشريعة كتب هذا البيان؟ والله تعالى يقول: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة:4) أي إيمان عند مثل هذا؟! لقد بحثنا – وأطلنا البحث – في حكم من كفّر جمهور الصحابة عند علماء الأمة وأئمتها، وأصحاب المذاهب الأربعة، وغيرهم، فلم نجد أحداً خالف في نفي الإيمان عنه البتة. وبسط هذا له موضع آخر. ألم يقرأ من أصدر البيان قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة:113)؟
ثمة من يريد الدفاع عن هذا الانزلاق الديني والسياسي الخطير فيقول: إن هؤلاء مضطرون لمجاراة إيران بعد أن ضاقت بهم السبل، فلم يجدوا غيرها؛ فهم يجاملونها سياسةً اضطرتهم الظروف إليها، لا تديناً. وأقل ما أقول جواباً على هذا: إن الاضطرار في شرعنا ليس مفتوحاً على مصراعيه. وإنما مقيد بقيود لا بد من مراعاتها ليحل المحظور لمن اضطر إليه. يقول تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) (البقرة:173). قال ابن كثير: “أي أبحنا تناول الميتة للمضطر بشرط أن يكون غير باغ ولا متعد“. وقال رحمه الله: “قال سعيد في رواية عنه ومقاتل بن حيان: غير باغ يعني غير مستحله, وقال السدي: غير باغ, يبتغي فيه شهوته, وقال آدم بن أبي إياس: حدثنا ضمرة عن عثمان بن عطاء وهو الخراساني, عن أبيه, في قوله (غير باغ) قال: لا يشوي من الميتة ليشتهيه, ولا يطبخه, ولا يأكل إلا العلقة, ويحمل معه ما يبلغه الحلال, فإذا بلغه ألقاه, وهو قوله (ولا عاد) ويقول لا يعدو به الحلال، وعن ابن عباس: لا يشبع منها“.
صدقوني.. لم أعد أفرق.. لم أعد أفهم..!
___________________________________________________________________________________________
- المؤسس الحقيقي لـ(حزب الله). ↑