مقالات

ضرورة الفصل بين الولاء الديني والموقف السياسي في العلاقة مع الآخر

يتصور الكثيرون من المتكلمين في الدين والسياسة، أن الاختلاف في الدين أو الفكر أو الطائفة يستلزم الصراع بين المختلفين حلاً شرعياً وحيداً لهذا الاختلاف، وعدم جواز الالتقاء شرعاً على المصلحة التي تضم جميع المتساكنين في بلد واحد.

ثم إن أصحاب هذا التصور ينقسمون فريقين:

1. فريق ينظر إلى طرف الدين، فيحرم الالتقاء أو يتحرج منه. بل قد يجيز أو يستبيح حرمة المخالف دون اعتبار للمصلحة الجامعة.

2. وفريق ينظر إلى الطرف الآخر من المعادلة المتعلق بالمصلحة فيرى أنه مضطر إلى القول بعدم وجود اختلاف، أو يهون منه مردداً مقولة: “إن الدين واحد، والإله واحد..”. أو يقول: “لا اختلاف في الأصول وإنما هي مسائل فرعية”! حتى رأيت وسمعت من يشهد للصابئة – فضلاً عن الشيعة – بصحة الدين! فيميع القضية دون اعتبار للحق وحرمة الدين. إنه يتطير من الاعتراف بوجود اختلاف حقيقي أو جوهري؛ لأنه يتصور أن هذا يهدر الالتقاء والتعاون على تحقيق المصلحة الوطنية.

لو تم التفريق الذهني بين ما هو ديني وما هو سياسي من المواقف، لانحل الإشكال.

كان الرسول واضحاً في ذلك كل الوضوح. وكان الفصل بين الأمرين كذلك لدى الأمة الناشئة. من الخطوة الأولى أعلن عن الدين الحق والعقيدة الصحيحة، وأن ذلك معه وحده، وما عداه باطل غير معترف به: من حيث اعتباره شرعاً كدين مقبول عند الله، ينجي صاحبه في الآخرة. أما في الدنيا فالقاعدة العامة التي تحكم العلاقة بين المختلفين هي: التعامل مع الناس حسب الموقف. من نصرنا نصرناه، ومن اعتزلنا، فلم يبسط يده ولسانه إلينا بأذى تركناه. ولكن الكل كان يعلم أن هذا لا يعني التزكية، أو التسوية بين الدينين. (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85).

ومن تأمل آيات الله تعالى، وتتبع سيرة نبيه ، عرف أن أصناف الخلق ستة:

  1. صنف صح دينه، وتمحض انتماؤه. فمن كان كذلك واليناه، وكان منا وكنا منه: ديناً وموقفاً. أما ديناً؛ فلصحة عقيدته. وأما موقفاً؛ فلموقفه وانتمائه.

2. وبعكسه صنف لم يصح دينه، ولا كف عنا شره. فهذا هو العدو الذي ننابذه ونعاديه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

3. وثمة صنف: صح دينه، لكن خذلنا موقفه. فهذا نقر بدينه، ولا نصرة بيننا وبينه.

4. وبعكسه صنف: دينه باطل، لكنه معنا بموقفه. فهذا ننكر دينه، ونعرف له موقفه: ينصرنا وننصره طبقاً للمواثيق المعقودة بيننا وبينه. كما نصر النبي خزاعة؛ فكان فتح مكة.

5. وهناك صنف: ينتمي للإسلام ، لكن هو مع أعدائه على أهله : فهذا حكمه حكم أعدائه، بلا فرق (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (المائدة:51).

6. وبعكسه صنف دينه باطل، لكنه مسالم: فهذا نتركه ونسالمه ما تركنا، وسالمنا. كما قال تعالى: (إِلا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) (النساء:90).

يقول تعالى عن الأصناف الأربعة الأولى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الأنفال:72).

فقسمة الخلق سداسية يبينها الجدول التالي:

الصنف الدين موقفه منا موقفنا منه
1. الأول صحيح ولاء ولاء تام
2. الثاني باطل عداء عداء تام
3. الثالث صحيح لا لنا ولا علينا نصر مقيد
4. الرابع باطل بيننا ميثاق نصرة ننصره وننكر دينه
5. الخامس صحيح موال لعدونا علينا عداء تام
6. السادس باطل لا لنا ولا علينا لا له ولا عليه

هذا البيان ينبغي أن يكون واضحاً لدى جمهور الأمة (أهل السنة) – وهذه وظيفة العلماء – وأن يكون حاضراً لدى الجميع في موقفهم من الناس جميعاً: مسلمهم وكافرهم.

كما ينبغي أن نميز بوضوح تام بين من صح دينه، ومن كان دينه باطلاً. وأن نميز بين من خذلنا، أو كان علينا، ومن نصرنا. فالعلاقة مبنية على أساسين اثنين هما:

1. الدين

2. والموقف.

ولكل استحقاقه: الولاء للدين، والنصرة للموقف، والتمييز بينهما واجب. لا يجوز بحال أن نخلط بين استحقاق هذا وهذا. فمن صح موقفه مدحناه لموقفه، وكفى. لا نتعدى بالمدح والتزكية هذا الحد إلى ساحة الدين. ومن تركنا تركناه. لكن لا سواء بين مسلم وكافر. ومن كان من أهل السنة، ومن هو من أهل البدعة.

موقفنا من الشيعة:

الشيعة أصحاب دين باطل. يختلف عما ندين به من حيث الأصول والفروع. وما يهمنا في التقييم هو الأصول. فعلينا أن نكون واضحين من هذه الناحية: لا نصحح لهم ديناً، بل ننكر دينهم، ونبين حقيقته.

(لكن للشيعة خصوصية، تقوم على ما يلي([1]):

1. كون التشيع ديناً كاملاً قائماً بذاته، ليس له من الإسلام حظ سوى الاشتراك ببعض الأسماء والمصطلحات، المفرغة من محتواها الأصلي، والمملوءة بما يناقضه عن قصد وعمد.

2. يريد الشيعة لهذا الدين (التشيع) أن يكون بديلاً عن الإسلام، متهمين (أهل السنة) بأنهم كفار، ودينهم باطل. ويستندون على هذا في استباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم.

إنهم طائفة ممتنعة عن فرائض الدين باسم الدين، وهم شر من كل طائفة ممتنعة؛ للسببين المذكورين. ولكونها ممتنعة بالسلاح أيضاً؛ فيشن الشيعة اليوم – بسبب امتلاكهم المنعة – على أهل السنة حرب إبادة شاملة. ودينهم شر من كل دين معروف كاليهودية والنصرانية؛ لأن هذه الأديان معروفة باستقلالها عن دين الإسلام؛ فليس هناك من انخداع أو تغرير بمسلم لينتمي إليها أو يفسح لأتباعها المجال للتغلغل في جسم الوجود السني (أو الإسلامي).

ولعلماء الإسلام إجماع معروف من الطوائف الممتنعة عن الفرائض. ونحن معهم في هذا الإجماع. ولكن التكليف – بعد العلم – مرتبط بالقدرة).

أما الموقف في المرحلة الحاضرة فيقتضي منا – نحن سنة العراق – الآتي: إن سالمونا سالمناهم. لكن ينبغي أن نكون يقظين من انسحاب هذا الموقف السياسي على الدين، حتى لا يتصور العوام أو جمهور أهل السنة صحة دينهم. وعلينا أن نبين لهم الفرق بين ما هو ديني وما هو سياسي. فلا يصح شرعاً أن نصف قادتهم بالمجاهدين، أو عملهم بالجهاد، وقتلاهم بالشهداء. كيف وهم يجاهرون بتكفير الصحابة، والطعن بأعراض أمهات المؤمنين زوجات النبي ؟! وهذا أقل ما يقال عن عقيدتهم. أما إذا أبدوا لنا صفحة عداوتهم فليس لهم منا إلا مثلها، والبادئ أظلم، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

  1. – ما بين القوسين من كلام لم يكن من ضمن المقال عند نشره في موقع (قاوم) في التاريخ المذكور فيه. اقتضت الأمانة العلمية – بعد علمي بما لم أكن أعلم – أن أضيفه من بعد للمنشور آنذاك.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى