مقالات

أذهبت عن عيني النوم..!

خواطر منهجية عن كتاب (سيرة عمر بن عبد العزيز) للصلابي

ضضs

البداية سهرة مزعجة مع كتاب للطرائف

تأخرت كثيراً عن موعد النوم ليلة البارحة؛ فقلت لمضيفي: ناولني كتاباً خفيفاً أدوخ به رأسي لعلني أنام، من غير أن يطول علي تقلبي في الفراش. فناولني كتاباً للطرائف. نظرت في غلافه فعرفت منه أنه لمؤلف شيعي. قلت: لا بأس يجوز قراءة طرائف الشيعة. وحين قلبته وجدته محشواً بالطعن المبطن والصريح برموز تاريخنا وديننا! ولم تسلم منه حتى أمهات المؤمنين! من قبيل هذه التفاهة: (دخلت أم أوفى العبدي على عائشة بعد وقعة الجمل فقالت لها: يا أم المؤمنين ما تقولين في امرأة قتلت ابناً لها صغيراً؟ قالت: وجبت لها النار! قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفاً في صعيد واحد؟ قالت عائشة: خذوا بيد عدوة الله).

وما ترك الكاتب في كتابه أحداً من الأكابر إلا وقتله بلسانه قِتلةً دونها قتل السنان! فمن ذلك: (خطب معاوية يوماً فقال: إن الله تعالى يقول: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) (الحجر:21) فعلام تلومونني؟ فقال الأحنف: إنا والله ما نلومك على ما في خزائن الله، ولكن على ما أنزله من خزائنه فجعلته في خزائنك، وحلت بيننا وبينه).

ومنه: (روي أن أبا حنيفة قال يوماً من الأيام لمؤمن الطاق: إنكم تقولون بالرجعة؟ قال: نعم. قال أبو حنيفة: فأعطني ألف درهم حتى أعطيك ألف دينار إذا رجعنا. قال مؤمن الطاق لأبي حنيفة: فأعطني كفيلاً بأنك ترجع إنساناً ولا ترجع خنزيراً)!

ومنه: (حكي في مقامات أبي سفيان أنه حضر مجلس عثمان بعدما كف بصره وهناك علي عليه السلام. فتذاكر الإمام السير. فقال أبو سفيان لعثمان: هل علينا من عين؟ فقال له عثمان: لا. ولم يمكنه أن يقول نعم لمكانة علي عليه السلام. فقال له أبو سفيان: تلقفوها يا بني أمية، وحق هذه البنية ما ثم جنة ولا نار ولا حساب ولا عقاب.. فقال علي (ع): أسخن الله عينيك يا أبا سفيان. فقال أبو سفيان: بل أسخن الله عين نعثل حيث قال: ما علينا من عين)! ولا أدري كيف لم يعرف أبو سفيان بحضور (الإمام) وقد جاء في الرواية : (فتذاكر الإمام السير)!

ومنه: (قال الحجاج يوماً لرجل: اقرأ شيئاً من القرآن فقرأ: (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يخرجون من دين الله أفواجاً) فقال: ليس كذلك بل هي: (يدخلون في دين الله). قال: ذلك قبل ولايتك، ولكنهم الآن يخرجون بسببك، فضحك وأعطاه). والذي أعلمه أن الناس كانوا في زمن الحجاج رحمه الله يخرجون من دين المجوس، لا من دين الله!

وقد امتلأ الكتاب من أمثال هذا الهذر! ما يشير إلى أنه وضع أصلاً وقصداً لأجل الطعن في تاريخنا وتشويه صورة عظمائنا. ولو ناقضت الرواية صريح العقل، أو صحيح النقل! فمن ذلك هذه: (أوصى معاوية إلى يزيد أن عمر (كذا) بن العاص يلحدني ولا تدعه يخرج من اللحد حتى يبايع. فلما لحد معاوية وأراد أن يطلع قال له يزيد: إما أن تبايعني أو ألحقك به. فقال: هذه ليست منك. هذه من هذا التيس. وأشار بيده إلى معاوية ورفسه برجله وبايع). وقد فات أولاد اللخناء، وأبناء الخنا أن عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه قد مات قبل معاوية رضي الله عنه بأربع عشرة سنة!!

وهكذا ما ترك الشعوبيون أبناء إيران وسيلة إلا اتبعوها للثأر من داحريهم، وتنفيس الحقد من صدورهم. وليس من الصعب على من دقق أن يعرف أصل هؤلاء، وإلى م ينتمون؟ تأمل هذه: (ذكر أحد الظرفاء أنه لا فرق بين الوسادة العالية جداً وبين الرفيق البعثي. وعندما سألوه عن ذلك قال: لأن الوسادة العالية جداً تكسر الرقبة. ولا شك أن البعثي يكسر الرقبة أيضاً). ثم حشى في الهامش حكايته الفارغة بهذه الجملة: (البعثي هو من ينتمي إلى حزب البعث الذي يقوده مجرم الحرب الكافر صدام حسين. الذي اجتمعت فيه طاغوتية الطواغيت فقتل العلماء والشعب والجيران ظلماً وعدواناً). وتأمل كلمة (الجيران) لتعرف من أين ينزحون؟ وإلى من يرتجعون؟! وقد أخبرنا الكاتب (الطريف الظريف) من كان يكسر رقابهم، لكنه لم يذكر لنا من كان – ولا زال – (يكسر عيونهم).

وألقيت بالكتاب جانباً، ثم نمت.

سيرة عمر بن عبد العزيز لمحمد علي الصلابي

وبعد أن صليت الصبح قلت لمضيفي: جد لي كتاباً أفضل. فأعطاني كتاباً للكاتب الفاضل محمد علي الصلابي حفظه الله، عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى بعنوان (الخليفة الراشد والمصلح الكبير عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ومعالم التجديد والإصلاح الراشدي على منهاج النبوة). والصلابي كاتب مكثر رفد المكتبة بالعديد من الكتب النافعة. وله فيها لفتات ذكية وتحليلات عميقة وتحقيقات رصينة، لو بنى منهجه عليها لكان لها شأن آخر. ولكن غلب عليه الجمع والتأليف. وفي كل خير يشكر عليه. تناولت الكتاب ويدي على قلبي – كما يقولون – أن يكون اتبع الكاتب فيه النهج النمطي نفسه، الذي عودنا عليه التقليديون في تناول سيرة ابن عبد العزيز وغيره. وفي بالي أن الشعوبيين قد رفعوا من شأن الرجل كثيراً، وأسرفوا في ذلك؛ لغاية خبيثة في نفوسهم! هي الحط من شأن عظمة الأمويين؛ فكأنه ليس فيهم من رجل رشيد راشد كعمر، وليس في تاريخهم من عظيم سواه! هذا هو المقصود. الذي لم ينتبه له أكثر جماعتنا.

وتلقف أصحابنا الكرة بعد أن دسها الخبثاء بين أرجلهم. وعجت بها المنابر، وكتب الوعظ والعضاضين، والأقاصيص والقصاص والقصاصين، حتى صارت حقائق مسلمة لا يرقى إليها الشك بحال! وتطور الأمر حتى دخلت هذه الحكايات التي لا خطم لأكثرها ولا زمام، دواوين التاريخ! وأمست مصادر يرجع إليها.

الوقوع في الفخ الشعوبي

وقلبت صفحات الكتاب..!

فوجدته يؤكد المقصود الشعوبي دون أن يدري! لم يحسن أن يحسن إلى عمر دون الإساءة إلى أمية! لقد وقع في الفخ الشعوبي! وهذا هو المقصود الذي عرف الشعوبيون كيف يستدرجون إليه الأمة!

لقد تجللت تلك الطرائف والنوادر الشعوبية بثوب التاريخ، ودخلت الكتاب، كما دخلت غيره من الكتب، فصارت وقائع تحكى، و.. تاريخاً يروى!

تقرأ الكتاب – كعادة الكتب التي كتبت عن عمر بن عبد العزيز – فلا تزال عيناك يلوح أمامهما معلمان بارزان لا يحولان ولا يتحولان: عدل عمر وجور بني أمية!! – رغم تحفظي على مصطلح (بني أمية، وبني العباس)؛ فلم نجد مصطلح (بني علي) – وهذا غاية ما ترمي إليه الشعوبية، طعناً في تاريخ الأمويين، توصلاً إلى تشويه صورة معاوية، ومن بعده عثمان، وصولاً إلى تكفير جمهور الصحابة!

كيف فات أصحابنا أن دولة الإسلام على عهد الأمويين قامت في زمن خيرة القرون التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بقوله الشريف المتفق على صحته: (خير القرون قرني الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. ثم يظهر أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته)؟! فظهور مثل هؤلاء الأقوام لم يكن ليكون على عهد بني أمية بنص الحديث الشريف. فكيف ينسب إليهم ما نسب إليهم؟

مكامن العلة

ووجدت العلة في خمسة أمور:

  1. عدم معايشة الشعوبيين، والاكتواء بنيران دسائسهم، ومعاناة مكائدهم وأساليبهم وحيلهم وطرقهم في النيل من الدين ورموزه. أو محاولة التغافل عن ذلك لأسباب شتى.
  2. المنهج اللاعلمي في اعتماد الروايات. فالانتقائية غير المبنية على السند الصحيح، الخالي من العلة، ومن العلة مخالفة الحدث لحيثيات الزمن الذي يقع فيه، منهج فاسد لطالما حذر منه أهل العلم. ولا أرى الأستاذ الصلابي إلا منهم. فكيف وقع في الفخ؟! ونحى منحى يكفي في بيان ضعفه أن توجه إليه ضربة خفيفة ملخصها: أثبت لنا ما ترويه سلباً وإيجاباً، قدحاً ومدحاً، بالسند الصحيح السالم من العوارض؟!! ولقد بحثت في المصادر التي رجع إليها وكيفية الاحتجاج بها، فلم أجد إلا إحالات عاطلة عن التحقيق إلى تلك المصادر. ومنها كتب أشبه بكتابات القصاصين مثل سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي، الذي طرزه بحكايات عن الجن والأفاعي والحيوانات الأخرى كالذئاب تتكلم بلسانها أو حالها عن عمر ومناقبه! فتصور! نعم رجع إلى مثل تاريخ الطبري وابن كثير، ولكن دون تحقيق، وهذا يخالف العلمية. وهذا في جميع نقولاته بلا استثناء! وقد اعتمد أيضاً على مصادر لا علاقة لها بالتاريخ مثل أدب الدنيا والدين للماوردي، والرقة والبكاء لابن أبي الدنيا، والمعارف لابن قتيبة!. وأحال إلى كتب فكرية تقليدية… وهكذا. ولم يبين لنا الأستاذ الصلابي منهجه الذي اعتمده في تقريراته كلها.
  3. التقليدية، وضعف النفس التجديدي الإبداعي. وشيوع الثقافة المنبرية القائمة على الكلام الخطابي، المبني على العاطفة المجردة عن التعمق والتحليل. فيقع الكاتب والقارئ في مطب التكرار.
  4. الدعاية: ففي المكرر الكثير مما هو خطأ، لكنه بالتكرار اكتسب صفة الرسوخ والاستقرار.
  5. كتابة تاريخ الأمويين على يد أعدائهم. وهذه العلة مهمة جداً في تشويه صورتهم في نظر أجيال الأمة. ولك أن تتصور عدواً يكتب تاريخ عدوه: ماذا سيكتب؟! أو يطلب شاهداً عليه: بماذا سيشهد؟! وتصور خصماً حاقداً ظالماً يكون حكماً! وأمامك محاكمة الشعوبيين لصدام حسين. واستحضر ماذا كتب الشيعة عن المقاومة العراقية (وهي سنية)؟ وماذا سيكتبون؟! هذا هو الذي حصل مع الأمويين تماماً..!!! الشيعة الفرس – ورائدهم أبو مخنف – على زمن العباسيين وغيرهم من أعداء الأمويين، هم الذين كتبوا تاريخهم! فماذا تراهم يكتبون؟! أغير الأكاذيب والخزعبلات؟! المشكلة الكبرى والخديعة العظمى أن هذه الأكاذيب دخلت التاريخ من أوسع أبوابه حين تناولها عالم كبير مثل ابن جرير الطبري، ودونها في كتابه؛ فصارت مسلمات لا يرقى إليها الشك. رغم أن الإمام الطبري روى ما دوّن بالسند، ونبه على ضرورة التحقيق حين النقل. على أنه نقل روايات ما كان له أن ينقلها لمخالفتها الحيثيات العلمية جميعاً دون الحاجة إلى التحقيق في السند! مثلاً أقاصيص منسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم تخالف العقيدة قطعاً. ما الفائدة من كتابة مثل هذه وإن ألصق بها سند وأسندت بعمد؟!!! لقد ترك المتصيدون والمغفلون منهج الطبري وصاروا يغرفون ويكرعون فتسممت العقول! وفسدت النقول!! هذا سوى الكتب غير التاريخية! مثل كتاب الأغاني للشعوبي الحاقد المحترق أبي فرج الأصفهاني، وكتاب العقد الفريد لابن عبد ربه، والإمامة والسياسة المنسوب زوراً لابن قتيبة. ناهيك عن كتب الأقاصيص والرقائق والنوادر والفكاهيات، وما حطب الحاطب بليل فارس!

الطُّعم الشعوبي: عدل عمر في مقابل ظلم أمية

تكلم الكاتب عن عدل عمر بن عبد العزيز رحمه الله. لكنه ركز في مقابله على ظلم قومه بني أمية. فدخل في النفق المرسوم! وردد هذا مراراً وتكراراً في عناوين متعددة، تقدمت مضامين منوعة، احتوت على أقاصيص وتقريرات تجعل القارئ يستعيذ من دولة الإسلام في زمن خير قرونها وأجمل عصورها! تأمل كم مرة كرر هذا المعنى وأنت تقرأ هذه العناوين في مواضع عديدة من الكتاب:

العدل في دولة عمر بن عبد العزيز، حث عمر سليمان على رد المظالم، سياسته في رد المظالم، رد مظالم بني أمية، رد الحقوق إلى أصحابها، عزله جميع الولاة والحكام الظالمين، رفع المظالم عن الموالي، رفع المظالم عن أهل الذمة، إقامة العدل لأهل سمرقند، الاكتفاء باليسير من البينات في رد المظالم، وضع المكس، رد المظالم وإخراج زكاتها، إحياؤه مبدأ الأمر بالمعروف وانهي عن المنكر، إعادة توزيع الدخل والثروة بشكل عادل، رد الحقوق لأصحابها، محاسبته لولاة من قبله عن أموال بيت المسلمين، سقيه السم (وهذا أسوأ ما قرأته عنواناً ومضموناً!)! أضف إلى ذلك العناوين الأخرى القريبة، ولا تنس المضامين الظلمية التي انتشرت تحتها وتحت غيرها من العناوين البعيدة!

ليس اعتراضي أن تاريخ الأمويين خلا من المظالم. فهذا لا يمكن: لا لهم ولا لغيرهم. ولا أن بعض العناوين خطأ رسمه. كلا! إنما اعتراضي على هذا التمادي في وصف قوم بالظلم دون تحقيق. ولا أعتقد أن القوم مستثنون من استحقاقهم للعدل الإلهي لهم أو عليهم! فالله تعالى أمرنا بالتثبت ونهى عن الانسياق وراء الأخبار دون تبين في أكثر من موضع في كتابه. منها قوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً) (الإسراء:36). وكذا فعل رسوله صلى الله عليه وسلم. لقد كان يكفي الكاتب عنوان واحد أو عنوانان أو ثلاثة. ويحقق ما روي من ذلك سنداً ومتناً. فيثبت ما صح، ويرمي ما وراءه في مكب الشعوبيين. ولا يقحم نفسه في مدّخل الإساءة إلى قوم سيسأله الله سبحانه عما رماهم به – كما يفعل غيره – دون تثبت أمر به في النص الصريح، والنقل الصحيح.

من أباح لكم أعراض الأمويين ؟!

قلت مرة قبل سنين لأحد الكتاب الذين أوغلوا في الطعن بيزيد: إن عامة ما يروى عن يزيد مثل حريق الكعبة واستباحة المدينة أثبت التحقيق العلمي التاريخي بطلانه؛ فإنه من رواية الشعوبيين الكذابين وعلى رأسهم أبو مخنف. أما شربه الخمر وترخصه في اللهو إلى حد الإسفاف، وغير ذلك من الفحش، فلا يرويه إلا كذبة الفرس ومن نسج على منوالهم. فكان جوابه بعد نقاش علمي لم يثبت في ميدانه كثيراً: يا أخي ! أنا أريد بهذه الأقوال أن أكسب الشيعة. فهم حين يجدونني أطعن في يزيد وأسبه يطمئنون إلي؛ فيسهل عليّ استدراجهم!! قلت له: ومن أباح لك عرض يزيد تلعب به كما تشاء دون رقيب أو حسيب؟! إنك لو قلت عن جورج بوش: ابن زنا، دون بينة، لاقتص الله العدل له منك يوم القيامة. ثم هل ترضى أن يأتي بعد مائة عام من يكتب عنك ويؤلف كتاباً في ذمك، ويصمك بشرب الخمر، وزنا المحارم، وانتهاك الحرمات، إذا وجد ذلك وسيلة لكسب الشيعة واستدراجهم؟ لا أراك ترضاه على نفسك؛ فكيف ترضاه على غيرك؟!

ولكن الأخ اللوذعي رغم كل هذا، استمر على منهجه الكذوب هذا! فأخبرني بالله عليك: هل كسب الشيعة؟ أم هم الذين كسبوه، هو وأبوه؟

اتهامات سيوقف أصحابها ويُسألون..!!!

وانظر إلى هذه: تحت عنوان (رفع المظالم عن الموالي) (ص52) تحدث عن تعرض الموالي إلى أنواع من المظالم الله أعلم بصحة ما يروى منها، وحقيقته التي هو عليها. لكننا نعلم أن هذه شنشنة الشعوبيين، التي بها استغل المتصيدون عواطف الغوغاء، من أجل دفعهم لإثارة القلاقل والمعارك الداخلية، حتى أسقطوا دولة الإسلام. وعجبت كيف يبرر الكاتب خروج ابن الأشعث، وإغراءه الدهماء للقيام معه، بأن ظلم الأمويين للموالي هو الذي دفعهم إلى ذلك؟!

وانظر ماذا كتب الأستاذ الصلابي أيضاً – وهو حبيب إلى قلبي، ولكن الحق أحب إلي – تحت عنوان (سقيه السم: ص291): (اختلفت الروايات عن سبب مرض وموت عمر بن عبد العزيز. فعلى حين تذكر الروايات أن سبب مرضه وموته هو الخوف من الله تعالى والاهتمام بأمر الناس، كما روي عن زوجته فاطمة بنت عبد الملك، وكما ذكر ابن سعد في الطبقات عن ابن لهيعة. إلا أنه قد ذكر سبب آخر لموته وهو أنه سقي السم. وذلك أن بني أمية قد تبرموا وضاقوا ذرعاً من سياسة عمر بن عبد العزيز التي قامت على العدل وحمتهم من ملذاتهم وتمتعهم بميزات لا ينالها غيرهم، بل جعل بني أمية مثل أقصى الناس في أطراف دولة الإسلام ورد المظالم التي كانت في أيديهم (تأمل هذا الإصرار على تكرار هذه العبارة وأمثالها! لا سيما ونحن في آخر الكتاب!)، وحال بينهم وبين ما يشتهون؛ فكاد له بعض بني أمية بوضع السم في شرابه. وهذا ليس من المستبعد أو المستغرب)…(!!). وهكذا راح يرجح هذا السبب على غيره! ثم صار يروي قصصاً هائمة عن خادمه الذي أغراه بعض أقارب عمر بألف دينار لأجل دس السم في طعامه، وأن عمر عرف ذلك، لكنه عفا عنه!… وإلى آخره من هذه القصص الدرامية التي ترسم صورة رومانسية خلابة لشخصية عمر، في مقابل صورة قبيحة بشعة لبني أمية! وهذا هو مقصود الفرس الموتورين، والشعوبيين الحاقدين. صورة هي أجمل ما تكون، في مقابل صورة هي أبشع ما تكون! ليظهر الفرق المصطنع كما يريدون ويشتهون ويحقدون! المصيبة أن أصحابنا ابتلعوا الطعم! ابتلعوه..!! وهم يتلمظون!!!

الكيل بمكيالين

ما الفرق بين أقصوصة موت الحسن بن علي بالسم على يد معاوية، وهذه الأقصوصة؟ لماذا نصدق هذه ونكذب تلك؟! والسند هو السند! كما أن المقصود هو المقصود. لماذا يحقق الكاتب في تلك ويطلب شهود النفي الإثبات، لكنه هنا لا يفعل شيئاً من ذلك قط ! مع أن المنهج العلمي والواجب الشرعي يقتضيان منه التحقيق في الحالتين.

ولا يخفى على المتأمل أن واضع القصتين واحد!

ألا ترى معي أن هذا الكتاب القيم للمؤلف المحترم، قد تساوى من هذه الزاوية مع ذلك الكتاب التافه (كتاب الطرائف)؟ وتلاقى معه في تحقيق المقصود من نيل تاريخنا وتشويه عظمائنا؟!!! وإن كان الأول قطعاً ليس من مقصوده هذا، على عكس الآخر!

لقد أحكم المجرمون الحلقة فكان الله في عون الأمة

كان الله في عون جماهير الأمة: كيف يهتدون إلى الخلاص من فخاخ إيران وشباكها، وهي تلتف من حولهم، وعليهم من كل صوب، وفي كل سبيل!

لقد أحكم المجرمون الحلقة. وما تركوا وسيلة أو جهة أو نافذة يمرقون من خلالها إلا اتبعوها. فإذا سلم العامي من تأثير المنبر المغفل – وقلما يسلم! – استلمته كتب السير والتواريخ، وإذا أفلت من هذه جاءته كتب الرقائق والمواعظ والزهديات! فإذا تجاوزها انهالت عليه كتب القصص والحكايات، ثم الأدب والطرائف والنوادر والمضحكات. ناهيك عن الكتب الصريحة المؤلفة مباشرة للوصول إلى المقصود.

فمتى يسلم جمهورنا من كل هذه المصائد والفخاخ ؟ وكيف؟

هل تلومني إذا قلت لك: هذا الذي سلب النوم من عيني؟ لم أنم ليلاً إلا نحواً من ساعتين. ولم أنم بعد الصلاة إلى الآن! فقد تجاوزت الساعة العاشرة بعشرين دقيقة، ولم أنته من مسودة هذا المقال إلا الساعة.. نعم إلا الساعة وأنا على هذي الحال!

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى