لماذا استهدف الشيعة قضاء المحمودية جنوبي العاصمة بغداد (2)
حملات التشييع على قضاء المحمودية قديماً وحديثاً
على أحد المواقع الإلكترونية وجدت مقالة قيمة في هذا الشأن، لا أراها تحتاج إلى مزيد، لكاتب عراقي من بغداد اسمه (رائد منصف). واضح أن الكاتب قد بذل جهداً كبيراً فكرياً وميدانياً يشكر عليه. فارتأيت أن أكتفي بها، وأنقلها هنا بنصها، سوى بعض الاختصارات، أو التصحيحات، والإضافات الضرورية، التي لن تخل بالنص والمقصد الأصلي للمقالة. مع تحليتها بالعناوين التي تسهل على القارئ مهمة القراءة.
محاولات تاريخية متكررة
إن ما يحصل في بغداد الآن من محاولة لتغيير طبيعتها السكانية ومسخ أصالتها السُنّية ليس بجديد. فقد عانت بغداد من محاولات عديدة لتحويلها إلى بؤرة للتشيع. وحصلت معارك عنيفة بين أهلها الأصلاء وبين مَن حاول تغيير وجهها المشرق الوضّاء. فقد مرت بسبع محاولات كبيرة في هذا الاتجاه. بدأت مع دخول الدولة البويهية في القرن الرابع الهجري. ثم تواصلت إلى أن أنهى العثمانيون هذا الطموح الأهوج للفرس بقضائهم على الصفويين في معركة جالديران في داخل إيران، ثم التوجه بعدها إلى بغداد لتحريرها منهم سنة (1534) بعد احتلال مدمر دام قرابة ربع قرن من الزمان. ومن أجل المحافظة على هوية بغداد بصورة دائمة شجّع العثمانيون استقرار العشائر السُنّية التي كانت موجودة في محيط بغداد، فأصبحت مركز العاصمة (بغداد الصغرى) كنقطة في وسط بحر مترامي الأطراف من العشائر السُنّية من الجنوب والشمال والشرق والغرب، شمل مناطق (الطارمية والراشدية والتاجي وأبو غريب والرضوانية والمحمودية وعرب جبور والمدائن والوحدة) وغيرها من مناطق الطوق. ومساحة مدينة (بغداد الصغرى) هي عُشر مساحة محافظة بغداد الكلية. ويقطن هذه الأعشار التسعة عشائر سُنّية كبيرة ذات عمق وامتداد واسع يدخل ضمن المحافظات المجاورة.
مسلسل (التطهير الطائفي) خطوة خطوة
معضلة الطوق الأمني السني لبغداد
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وبمباركة إيرانية شيعية، بدأت المحاولة الثامنة لتغيير وجه بغداد، وقد استفادت هذه المحاولة مما فعله رئيس الوزراء السابق عبد الكريم قاسم من إسكان أهل الجنوب – من سكان الأهوار ومن الطبقات المعدمة المتخلفة – في بغداد بتوزيع الأراضي عليهم. فقاموا – من حيث يعلمون أو لا يعلمون – بخنق مدينة (بغداد الصغرى) بحزام شيعي يشمل الثورة (مدينة الصدر حاليا) والشُعلة وأبو دشير، إضافة إلى الحسينية وبغداد الجديدة وأجزاء من حي العامل.
واستفادت الحملة أيضاً من تركيز هجمات القوات الأمريكية على المناطق السُنّية ومناطق الطوق بصورة خاصة، بسبب المقاومة العنيفة التي واجهوها هناك، كما حصل ويحصل في اللطيفية واليوسفية والطارمية والبوعيثة وغيرها. واستفادوا كذلك من سيطرتهم المطلقة على الجيش والشرطة والأمن الوطني .
إن المحاولة الثامنة – وعلى الرغم من هذه التيسيرات – اصطدمت بالطوق السُنّي الهائل الذي يحيط ببغداد، فعملت على المحاولة الجادة والمتكررة لكسره ولو من منطقة واحدة أو منطقتين (وبالأخص من الجنوب والجنوب الشرقي)؛ من أجل التواصل مع التكتل الشيعي في الجنوب.. (الذي جئناعلى ذكره في آخر المقالة السابقة).
ومن أجل رسم صورة واضحة لما يحصل في المحمودية، كان لزاماً التعريف بالقضاء من جوانبه المختلفة:
جنوب بغداد
يضم قضاء المحمودية ثلاث نواحي، إضافة إلى مركز المدينة، وهي: اللطيفية واليوسفية والرشيد. يبلغ عدد السكان في المركز (116606) نسمة (مدينة وريف). أما في كل القضاء فيبلغ (444886) نسمة وفق إحصائية (2004) (لوزارة التخطيط). ونسبة السُنّة (85٪) (انتخابات كانون الأول 2005 أنموذجاً). والعشائر البارزة في المنطقة هي: الجنابيون والغرير والسعيدات والجبور والعبيديون والحمير والدليم والعيثاويون. وكلها عشائر سُنّية، أما المساحة فهي تبلغ (1349) كم2، وهو ما يعادل مساحة مدينة (بغداد الصغرى).
يمر طريق السياحة الدينية الشيعية (الزيارة) بالقرب من كل هذه النواحي. إلا أنه لا يخترق سوى المركز؛ ولذا فإن تأمينه في النواحي يكون من خلال فرض سيطرة مكثفة عليه. أما المركز، فالسيطرة لوحدها لا تكفي، لأن الطريق يخترق المدينة، وهذا يستلزم تغيير شكل المدينة أصلاً، وقد تم هذا التغيير حسب خطوات واسعة وكثيرة، يمكن تلخيصها وفق التسلسل التاريخي بالآتي:
في بداية الاحتلال
1- إظهار الشعائر الشيعية بصورة كبيرة جداً لا تتناسب مع حجم وجودهم الحقيقي داخل المدينة، وشملت هذه الشعائر تغيير أسماء الأحياء والشوارع والمدارس، إضافة لنشر اللافتات بصورة (شبه إلزامية) على معظم محلات السوق، وكذلك فتح مكبرات الصوت في حسينياتهم بالمقاتل أو النواح أو المحاضرات الاستفزازية. إضافة إلى فتح العديد من الحسينيات الجديدة ومكاتب للصدر والدعوة والمجلس الأعلى.
هذا ما حصل في بداية الاحتلال وفي الأيام العادية (الخالية من المناسبات). أما في محرم فتغلق الطرق، ويبدأ عرض المقاتل (الشعائر الحسينية) في الشوارع، وتعلق الرايات الملوّنة في كل مكان.
2- التهديد والوعيد لرموز أهل السُنّة وشيوخ المساجد. فقد هدروا دم بعض المشايخ وجعلوا مكافآت مقابل ذلك، وخرجوا في مظاهرات للمطالبة بقتل بعض رموز السُنّة واتهموهم بأنهم إرهابيون وصداميون، كما حصلت بعض المضايقات لمرتادي المساجد في المدينة.
3- السيطرة على مؤسسات الدولة في المنطقة، فقد فرضوا سيطرتهم على المستشفى العام (فأصبحت تُدار من قبل السيد المعمم الحوزوي). وجاءت بعض الشخصيات ممن كانوا موجودين في إيران منذ عشرات السنين، وأصبحوا يمثلون المجلس البلدي ودوائر الدولة ومراكز الأحزاب الشيعية الموجودة في المدينة، وكانت هذه المرحلة تتم من قبل كوادر فيلق بدر.
ردة فعل لأهل السنة
كل هذه التطورات السريعة، والتي لم تستغرق عدّة أشهر اضطرت الجانب السُنّي إلى ترتيب أوراقه ومحاولة إعادة التوازن داخل المدينة، وبالفعل حصلت بعض المواجهات والاغتيالات وردود الفعل العنيفة، مما أرجع الحال إلى وضعه الطبيعي وسيطر السُنّة على المنطقة بصورة كاملة، ودخل ممثلوهم في المجلس البلدي ودوائر الدولة المختلفة، وهرب الغرباء من المدينة وحدث هدوء نسبي لمدة سنة كاملة تقريباً (قبل حرب الفلوجة الأولى وحتى تسلم الجعفري للحكم).
الجعفري يشن حملته الهمجية
4- بعد تسلم الجعفري بدأت مرحلة جديدة من محاولات السيطرة على المدينة، وذلك عبر الاعتقالات الواسعة لأهل السُنّة من قبل القوات الأمريكية، إضافة إلى قطع الصلة بين نواحي القضاء ومركزه، مما أضعف التواصل السُنّي بين الريف والمدينة، ولم يكن هناك في بادئ الأمر وجود حقيقي للحرس الوطني على الرغم من وجود مقر لوائهم هناك، ولكنه كان لا يقوى على الظهور بشكل واضح.
5- ثم بدأت (حملة البرق) من قبل مغاوير الداخلية بداية صيف (2005) باعتقال أكثر من ثلاثمائة شخص من أهل السُنّة في المدينة، تلتها حملات عديدة استهدفت روّاد المساجد والأسر السُنّية المتدينة، مما فتح الضوء لأول مرة لموجات من هجرة الأفراد أو الأسر السُنّية من داخل المدينة، ثم بدأت حملات اعتقال قوات الداخلية وفرق الموت. وعلى سبيل المثال، فإن إحدى الحملات اعتقل فيها (12) شخصاً من مجمع القادسية، ومن ضمنهم العديد من طاقم إذاعة دار السلام ولم يعرف مكانهم إلى الآن.
هذه الحملات لوحدها لم تكن كافية لتغيير وجه المنطقة؛ لأنها متقطعة ولا تستطيع السيطرة على الأرض، مما فتح صراعا واسعا داخل منطقة المحمودية.
تسلم في هذه الفترة الحرجة آمرية الفوج الثاني من اللواء الرابع (المسؤول عن حماية مركز المدينة) أحد الضباط السُنّة من ذوي السمعة الجيدة في أوساط المقاومة (العقيد حسين شياع). استطاع هذا الضابط إبرام اتفاقية مع بعض العشائر وفصائل المقاومة، بالسماح للجيش أن ينتشر بأمان داخل المدينة، مقابل حماية أهل السُنّة داخل المدينة، ومحاولة إرجاع التوازن في معظم مؤسسات الدولة فيها.
وقد ظهر ذلك جلياً في الانتخابات الأخيرة، حيث كان هناك تنافس كبير بين قائمتي (618) السنية و (555) الشيعية، ودارت عملية الانتخابات دون حصول أي مواجهة أو مُشادة بين الطرفين، وكان الفوز داخل المدينة لجبهة التوافق بنسبة ضئيلة، أما في النواحي الأخرى فقد حققوا فوزاً ساحقاً من دون وجود يذكر لقائمة الائتلاف.
التطهير الطائفي في الدوائر العسكرية والمدنية
تم انتخاب مجلس بلدي جديد بغالبية سنية حسب الاستحقاق العددي للسكان، وعُيّن قائممقام جديد من أهل السُنّة (محمود حسين الجبوري)، وكان معروفاً بتدينه.
6- بعدها كانت الخطة الخبيثة في السيطرة التامة على المنطقة بعد إنهاكها. ابتدأت بخطف القائممقام من مقر المجلس البلدي عند حضوره اجتماعاً رسمياً، من قبل مسلحين يرتدون الزي الرسمي بعد يومين من تعيينه. ولم يُعثر عليه إلى الآن.
وبعد أن سيطر الجيش على المدينة، بدأت التغييرات السريعة داخل اللواء. اغتيل آمر الفوج السني (حسين شياع) وضابط استخباراته. وبعد هذا الحادث بدأ التدهور يحل بالمنطقة بصورة دراماتيكية.
7- تم خنق المحمودية بأكثر من عشرة منافذ للسيطرة، قطعت الصلات بكل الأرياف المحيطة، ثم بدأ الأمن الوطني بالكشف عن هويته الحقيقية (صورة رسمية لمليشيات جيش المهدي)، وتحول المجلس البلدي بصورة كاملة للشيعة، وتم تغيير مسؤول الشرطة بآخر شيعي، وجيء بقائمقام شيعي أيضاً، وأصبحت مؤسسات الحكومة بصورة كاملة بيد الشيعة، وتم تصفية كل الإدارات المدنية والعسكرية لأهل السُنّة خلال عدّة أشهر عن طريق النقل أو الاعتقال أو الاغتيال .
8- وظهر جيش المهدي بصورته المنظمة والعدائية للسُنّة بشكل فاضح بعد الانتخابات بفترة ليست بالطويلة، على عكس ظهوره في بغداد، والذي لم ينضج إلا بعد أحداث تفجيرات سامراء.
وكم حاول البعض إقناع القيادات السُنّية بحقيقة ما يرونه من هذه المليشيات إلا أن معظمهم لم يكن يعي حقيقتها.
التغييرات الميدانية
9- رافق هذا التطور الرسمي تطور ميداني؛ إذ تشكلت مجاميع في معظم أحياء المحمودية باسم جيش المهدي، وفتحوا مكاتب للصدر في معظم هذه الأحياء، وبدأت حملة الاغتيالات الموسّعة لمعظم خطباء وأئمة المساجد، إضافة إلى قتل العشرات من المصلين، ثم تحولت الاغتيالات إلى أصحاب المحلات السُنّية لجعل السوق منطقة شيعية حصراً.
وما كان لهذا الأمر أن يتم لولا عدّة أمور ساعدت على ذلك، منها:
الأول: مجيء أفواج عديدة من جيش المهدي من محافظتي الديوانية والعمارة، بلغ عددهم المئات وكانوا تحت قيادة ميدانية حضرت إلى المنطقة بأمر مباشر من قيادة جيش المهدي، وهؤلاء معروفون بصلتهم المباشرة مع إيران، وقد تم اختيارهم بدقة للمحمودية، لأهميتها في المشروع الشيعي في العراق، وتم إسكان هؤلاء الأشخاص في مجمع القادسية ومجمع القعقاع وحي الجزائر وحي القادسية في الحسينيات وبيوت بعض الشيعة في بادئ الأمر، ثم بدؤوا يستولون على منازل السُنّة المهاجرين، وبالأخص في مجمع القعقاع والقادسية السكني.
الثاني: قلّة الوعي السُنّي بجناحيه السياسي والعسكري بأهمية هذه المنطقة، فإنه على مدار أكثر من سنة من التغييرات الهائلة، التي تحدث في هذه المنطقة، لم تكن هناك تحركات (على قدر خطورة الموقف) لا من قبل فصائل المقاومة التي تملأ كل نواحي القضاء، ولا من الجهات السياسية السُنّية التي حازت على معظم أصوات هذه المناطق.
ثالثاً: الاهتمام الكبير الذي نالته المنطقة من سياسيي الشيعة وحركاتها وإعلامها، والسيطرة شبه الكاملة على الأجهزة الأمنية هناك.
رابعاً: الدعم الأمريكي المتواصل لهذه الحركة التغييرية في القضاء من أجل إيقاف ضربات المقاومة، وهذا ما حصل بالفعل، فلم تسجل أي إصابات للجيش الأمريكي في هذه المنطقة منذ سيطرة الشيعة عليها.
أحداث سامراء تزيد الوضع سوءاً
10- وبعد أحداث سامراء، بدأت مرحلة جديدة أشد خطورة، بمهاجمة بعض مساجد المحمودية خصوصاً (الأمين ومائدة الرحمن والجهاد والمصطفى). كما بدأت عمليات التهجير الموسّعة، وتحرك مسلسل الاغتيالات اليومي، فلا يكاد يمر يوم إلا ويستشهد شخص أو شخصان من أهل السُنّة، وهُجّرت أسرة أو أكثر من أهل السُنّة، والجيش يؤمِّن كل المداخل والمخارج، فلا أحد يستطيع الحراك أو إنقاذ أهله.
أدّت هذه الجرائم إلى احتقان طائفي هائل داخل المدينة، عانى منه الجميع.
هجوم مسلح سني على مركز المدينة
حرّك القتل الطائفي بعض العشائر السُنّية لحماية نفسها ولأخذ الثأر لرجالاتها المقتولين في المدينة، فحدث في يوم (17/7/2006) هجوم قامت به بعض فصائل المقاومة بإسناد من بعض العشائر السُنّية على سوق المحمودية، قتل فيه أكثر من خمسين شخصاً، معظمهم من الناشطين في جيش المهدي وفيلق بدر. وبعد يوم فقط حدث رد فعل مريع من قبل مليشيات جيش المهدي، شمل الدخول على منازل أهل السُنّة وقتل أبنائهم أمام أعين أهاليهم، والجيش والأمن الوطني يؤمِن لهم المنطقة بمساندة أمريكية.
وظهرت أهمية هذه المنطقة بالنسبة للتيارات الشيعية وتوحدهم تجاهها في يوم الهجوم، إذ قاطع بعض أعضاء الائتلاف جلسة البرلمان (وهي سابقة لم تحدث من قبل)، وتكلّم جلال الدين الصغير وهادي العامري وكل رموز الشيعة وبأعلى المستويات عن هذه الحادثة. بل إن الصدر أرسل أبرز رجاله (حازم الأعرجي) مع مئات من جيش المهدي إلى مدينة المحمودية في اليوم التالي، وقاموا بتأليب الوضع على أهل السُنّة وأعطوا الأموال لأسر القتلى من جيش المهدي، واستغلّ الجيش هذه الوضعية، فقام بإسناد كل أعمال القتل واعتبرها ردود فعل طبيعية. (تأمل الفرق بينهم وبيننا)!
السيطرة الكاملة على الأجهزة الأمنية من قبل جيش المهدي
وأصبحت الأجهزة الأمنية في المحمودية تعمل بصورة متناسقة، وتحت قيادة التيار الصدري، وتحول العقيد علي (آمر اللواء) ومعاونوه إلى عناصر تابعة لجيش المهدي يخططون معهم ويقتلون، ويبررون أفعالهم.
وتشتد المحنة بأهل السنة
11- امتازت هذه المرحلة بهجران المساجد من روّادها، والاكتفاء بخطب موجزة بسيطة يلقيها أحد الحاضرين يوم الجمعة من أجل إتمام الفرض ليس إلا، وأصبح حرّاس المساجد هم أهم المطلوبين… وغدا خروجهم من المسجد يشكل خطورة كبيرة عليهم، فترى أحدهم يبقى داخل المسجد لأسبوع أو أكثر دون الخروج ليرى أهله أو يقضي بعض حوائجه.
وأيضاً بدأت هجرة واسعة جداً شملت الكثير من بيوت السُنّة وبعض الشيعة؛ خوفاً من تفجّر واسع للوضع لا يُعرف حدوده.
وبدأت العمليات الموسعة في اختطاف أهل السُنّة والقتل على الهوية وحواجز وهمية داخل المدينة لاعتقال وقتل أي شخص سُنّي، خاصة إن كان من أهل المساجد أو أبناء العشائر. مع عمليات التعذيب والتمثيل بالقتلى. ونضرب لذلك مثلاً واحداً من مئات الأمثلة المتكررة يوميا. حدث في حسينية المصطفى في مجمع القعقاع – وهي المركز الرئيس لجيش المهدي، وفيها أماكن خاصة للتعذيب – بعد أن اعتقل العديد من أهل الريف، بدؤوا يعذبونهم. حاول أحدهم الهرب فضربوه في قدمه، ثم أخذوه إلى ساحة الملعب أمام الناس، وهم يمسكون رشاشاتهم، وقالوا له: اهرب والدم ينزف من قدميه، ولم يكن له سوى أن ينفذ ما قالوه له. فصار يركض، وصاروا يطلقون عليه الرصاص، يتبارون بينهم أيّهم أدقّ تصويباً، وهم يضحكون! حتى سقط قتيلاً أمام الناس، وعشرات الرصاصات قد اخترقت جسده!!!
الأمريكان.. لا أرى لا أسمع لا أتكلم
والعجيب في كل هذه الأحداث هو الدور الأمريكي الخبيث، فعلى الرغم من كل الشكاوى التي وصلت إليهم لم يحركوا ساكناً، حتى إن بعض الأهالي أوصل لهم كل المعلومات التفصيلية عن أسماء وأماكن جيش المهدي وأسلحته ومقرات تعذيبه، لكنهم لم يفعلوا شيئاً. وقد اقتحموا في أحد الأيام شقق التعذيب وصوروها، وانتهى دورهم عند هذا الحد، فلم يقوموا بأي إجراء فعلي لوقف هذه الانتهاكات. بل اعتقلوا بعض حراس المساجد السنية وسلموهم للحرس الوطني (الشيعي)، وهجموا على الريف بالطائرات والمدرعات في اليوم الذي شنّ فيه أهل السنة هجومهم على جيش المهدي.
ولقد رفعت عشائر المنطقة وبعض رجالها شكاوى لوزارة الدفاع ومجلس الوزراء وأعضاء البرلمان، وعقدوا لقاءات ببعض المسئولين، لكن هذا لم يسفر عن أي نتائج فعلية.
والأدهى من ذلك، أرسلت العشائر أحد ممثليها، وهو الشيخ كريم غثوان (من عشيرة الغرير) إلى قائممقام المحمودية من أجل التوصل إلى اتفاق لتهدئة الوضع، إلا أنه اختطف مع ابنه عند خروجه من باب القائمقامية من أمام بناية الدائرة! ليجدوه في اليوم التالي ميتاً، وقد أحرقت جثته في داخل إطار (عجلة) سيارة!
ومن الجرائم البشعة التي ارتكبوها قيام الزوار الشيعة أثناء مسيرتهم الراجلة لأداء طقوس (الزيارة الشعبانية)/1427هـ، بقتل اثنين وسبعين سُنّياً في المحمودية واليوسفية واللطيفية.
إن الوضع في مدينة المحمودية لم يُحسم بصورة نهائية إلى يومنا هذا، والى الآن هناك فرص حقيقية في استدراك الوضع عن طريق الضغط السياسي والإعلامي والعسكري من أجل استبدال اللواء الرابع (لواء جنوب بغداد) بلواء آخر كما حصل في الدورة، أو تكوين أفواج من أهل المنطقة كما حصل في الطارمية وغيرها. ولكن مثل هذه الخطوات تحتاج إلى تدخل واسع لكل مَن يهمه مستقبل بغداد.
إن الحرب في المحمودية الآن غير متكافئة تماماً، فقادة المشروع الشيعي بكل إمكانياتهم المادية والمعنوية يعملون بجد لإنهاء ملف المحمودية لصالحهم، ولا يُقابل هذا المسعى، تحرك بالمستوى نفسه من قادة المشروع السُنّي، أو حتى المشروع الوطني، بل ترك أهل المحمودية لوحدهم في هذه المواجهة العنيفة.
المحمودية والمدائن هما بوابة الزحف الشعوبي نحو المنطقة أو مصيدة القضاء عليه
إن موضوع بغداد، وحماية طوقها، وحزامها الجنوبي، والمحافظة على هويتها لا يهم العراقيين فحسب. بل يهم الأمن العربي كله، لا سيما دول الجوار. فإن المحمودية والمدائن تمثلان بيضة القبان في المعادلة الأمنية في المنطقة كلها. إن إجهاض المشروع الإيراني الشعوبي يبدأ من هنا، ومسيرته نحو التهام المنطقة لتحقيق الحلم الفارسي في إقامة (الهلال الشيعي) تمر من هنا أيضاً. ولله الأمر من قبل ومن بعد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.