مقالات

لقد استدار الفلك فأين تذهبون؟! (1)

 

صصصث

عندما دخل الغزاة العراق، وقام بوجههم أصلاء أهل السنة، كان الشيعة يصفقون فرحاً. وقد عبر عن مشاعرهم هذه أصدق تعبير، وصورها أدق تصوير كنعان مكية حينما صرح على وسائل الإعلام في اليوم الأول لبداية العدوان أثناء قصف مدينة بغداد بعبارته الشهيرة: “الله الله الله! وكأني أسمع سيمفونية جميلة”! وتبعه كثيرون، لا يحصون كثرة بمثل قوله، وشبهه، منهم هاشم العقابي (غراب قناة الفيحاء) بعد احتلال بغداد بشهور يوم أن قال من خلال قناة (المستقلة): “وأنا أمشي في بغداد اليوم أشعر كأنني طاووس”([1]).

في تلك الأيام كان العقل الجمعي لأهل السنة لا يزال مبرمجاً طبقاً للتثقيف الوطني للحكومة، والثقافة المنبرية للمؤسسة الدينية. فكانوا يطمعون – وفي ذلك الوقت المبكر! – أن يدخل الشيعة ساحة المقاومة. تصور..!!! ويعتقدون إمكانية ذلك، يوم أن كان العقل الجمعي للشيعة مخدراً بالتثقيف الحوزوي الديني، ومهووساً بالضخ السياسي والإعلامي الذي يهتف: “الكافر العادل خير من المسلم الجائر”، ويصرح بلا مواربة ولا حياء أن الغزاة حرروهم من صدام حسين، وخلصوهم من الحكم السني، وسلموهم مقاليد الحكم الذي حرموا لذته، ولم يجربوا شهوته طيلة (14) قرناً! رغم مخالفة هذه الدعوى للحقيقة التاريخية. فقد حكم البويهيون بغداد أكثر من مائة عام، واحتل الصفويون العراق مرتين حكموا العراق فيهما عشرات السنين. ودامت دولة الفاطميين في المغرب ومصر قرابة ثلاثة قرون. إضافة إلى دول عديدة أخرى في المشرق والمغرب، كالقرامطة، والخوارزميين، والحمدانيين. ناهيك عن تحكمهم في مقاليد الأمور عن طريق الوزارات التي تعاقبوا عليها، كالبرامكة على عهد الرشيد وغيرهم في عهود كثيرة، كوزارة ابن العلقمي الذي سلم بغداد للمغول. واستمر في سلك الوزارة في عهدهم هو وابنه.

محاولات سنية ساذجة لجر الشيعة إلى قتال المحتل

وحاولت المقاومة بشتى الطرق استدراج الشيعة، وخبطت بيدها عبثاً هنا وهناك لجر أرجلهم إلى ساحة الحرب . وكنت أرى فداحة الخطأ في ذلك التصور، وهذا التصرف؛ وأبني رؤيتي هذه على عدة أسباب، أهمها أربعة:

1. أن هذا شرف لا يستحقه هؤلاء الخونة.

2. أننا قادرون على إلحاق الهزيمة بالعدو دون إسناد منهم؛ إذ ليس شرطاً أن تضرب خصمك على طول جسمه، إنما يكفي أن توجه إليه لكمات قوية في المفاصل الحيوية منه فإذا هو ساقط يخور. نعم لو نهض الجميع لقتال المحتل لتغير الموقف بصورة أسرع. ولكن هذه أمنية لا واقع لها؛ فمن العبث أن نشغل أنفسنا بالأحلام، ونستهلك طاقتنا بالأوهام.

3. أنهم لن ينجروا إلى مقاتلة المحتل مهما بذلتم من محاولات؛ فالسكرة عميقة، ولن يصحوا منها مهما كانت المنبهات، إلا بعد حين.

4. أنه سيأتي اليوم الذي يقاتل فيه الشيعة الأمريكان، دونما حاجة إلى دفع خارجي. يوم أن تختلف المصالح، وتتعارض الإرادات. وهذا كائن لا محالة. حتى إنني كنت أقول: “إن أهل الحق يختلفون.. ويقتتلون، فكيف بأهل الباطل”؟! وكثيراً ما أستشهد بقول ابن قيم الجوزية رحمه الله: (قضى الله قضاءً لا يرد أنه من أحب أحداً دون الله عذب به ولا بد، ومن توكل على أحد دون الله خذله ولا بد، ومن خاف أحداً دون الله سلط عليه ولا بد). وأتلو قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأنعام:129). وغيره من الآيات العظيمة…. وهكذا كان..

نعم هكذا كان..! بعد أقل من خمس سنين.

تغير استراتيجي في المعادلة العراقية…….!!!

إن المعادلة السياسية والعسكرية في الساحة العراقية اليوم تشبه من بعض وجوهها المعادلة التي ابتدأت بها الأحداث قبل خمس سنين، ولكن مع تبادل المواقع بين عنصري الصراع الرئيسين: السنة والشيعة.

دخل الأمريكان العراق بمعاونة الشيعة، الذين قرروا عن سابق وعي وعمد وإصرار أن يقفوا معه ضد السنة، الذين اختاروا طريق المقاومة، ويدفعوهم وحدهم للوقوف بوجه المحتل كي يقضي عليهم، ويستنزفوا قوى الطرفين للفوز بداية ونهاية بحكم البلد، وإفراغه من أهله. حتى إنهم صاروا يقولون: لن نكرر خطأ ارتكبناه قبل ثمانين عاماً يوم احتل البريطانيون العراق، لن نطلق طلقة واحدة ضد الأمريكان. قاتلوا أنتم يا أهل السنة حتى يقضى عليكم. لنا الوطن فخذوا ما شئتم من الوطنية. وقال نوري المالكي في مجالسه الخاصة: “لأجعلن السنة لا يرون بغداد إلا بالدربيل (الناظور). ولأجعلنهم ثلاثة أقسام: قسم تحت الأرض، وقسم خارج الأرض، وقسم فوقها أذلاء تحت حكمنا”. خاب وخسئ وخسر.

المعادلة هي المعادلة اليوم، والنوايا والمقاصد هي هي. ولكن الشيعة الذين وقفوا مع المحتل أولاً، انقلبوا عليه، وانقلب عليهم آخراً، وصاروا يحلون تلقائياً محل السنة؛ للأسباب التي ذكرتها، بغض النظر عن المداخلات الأخرى: إيران ودورها في الصراع، وما إلى ذلك.

حماقات الشيعة

لقد ارتكب الشيعة الحماقة الكبرى بأن سدوا الأبواب بوجه أهل السنة، ولم يدعوا لهم أي أمل في أي خيار وطني يمكن أن يضع فيه الشعب يده بيد بعضه، ويوحد صفوفه باتجاه واحد. وألجأوا سوادهم إلى أن يحسبوا حساباتهم وفق الرؤية التالية: أهل السنة بين عدوين لا عدو واحد: 1. العدو الشيعي بخطوطه الثلاثة (إيران، والحكومة، والمليشيات). وهذا العدو عازم على تحقيق غايته في تصفيتهم بالشكل الذي ذكرته عن المالكي آنفاً، ولا يمكن التفاهم معه على مصلحة البلد وفق منظومة علائقية منصفة. 2. العدو الأمريكي. وقد بات كل واحد فيهم يعلم أن هذا العدو أهون شراً، وأقل خطراً من ذاك العدو. ويمكن التفاهم معه طبقاً للمصالح المشتركة، ويمكن بوجوده إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبناء البلد دون اجتثاث لهم، أو تغيير هويتهم. نعم القسمة ضيزى. ولكنها على أية حال قسمة، يمكن بها عبور المرحلة نحو مستقبل يعد بشيء.

وارتكب الشيعة حماقتهم الكبرى أيضاً يوم انساقوا عمياً بكماً صماً وراء إيران، التي بدأت أمريكا تأخذها الهواجس تجاهها، وتتقاطع مصالحها معها. وصاروا شيئاً فشيئاً ينجرون إلى دخول معركة ليست في صالحهم – طبقاً لمنظورهم الطائفي – وإنما هي في صالح إيران، التي أخذها هاجس الخوف وشبق الانتقام، فباتت أسلحتها المصدرة إلى حلفائها من شيعة العراق وغيرهم تحت أنظار الفضائيات، وبالأطنان، والعلامة المسجلة! وعناصر مخابراتها ومسلحيها يمسك بهم في أوكار كردستان، وبيوت بغداد، وشوارع البصرة، وبالجملة! وصار الأمريكان اليوم على حافة الاقتناع بأن الشيعة صديق لا يوثق به. وفي هذا درس لن يُقرأ لكل التنظيمات الفلسطينية، وغيرها، التي اختارت – كشيعة العراق ولبنان – أن تربط مصيرها بإيران، رغم ما في هذا من فضيحة ولؤم ستدفع ثمنه غالياً في المستقبل القريب. وعندها لن تجد – كالشيعة اليوم – من يسكب قطرة دمع عليهم.

حلفاء الأمس يقتتلون اليوم.. الشيعة صديق لا يوثق به

وجاءت الحقيقة على لسان هارولد مايرسون (كاتب ومحلل سياسي أمريكي) في صحيفة (الواشنطن بوست) إذ صرح أخيراً يقول: “في الوقت الحاضر، وطبقاً لشهادة الجنرال ديفيد بتريوس والسفير ريان كروكر امام الكونغرس في الاسبوع الماضي، فإن اعداءنا الرئيسيين في العراق هم القوات الشيعية التي تتلقى مساعدة من ايران، القوة الشيعية المجاورة… حربنا في العراق مختلفة عن كل الحروب السابقة لاننا نحتل بلدا في حرب مع نفسه، حيث ترفع جماعات فيه السلاح ضدنا لاننا ندافع عن حكومة لم يتصالحوا معها، حكومة ربما هي نفسها تشكل تهديدا استراتيجيا لمصالحنا. في بلد مثل العراق ، نحن نجمع اعداءنا ببساطة من خلال استمرار تواجدنا.

اذا كان مصدر قلقنا الرئيسي، كما نؤكد عليه الآن، هو انتشار النفوذ الايراني، فإن ما نحتاجه هو حكومة بقيادة سنية، لا تستطيع بلوغ او تولي السلطة عن طريق القوة في عراق غالبية سكانه من الشيعة. لذلك، نحن بحاجة الى صدام حسين آخر أقل عداء للولايات المتحدة، هذه المرة فقط. لكن هذا سوف يكون قرارا ليس بمقدورنا دعمه، لانه سيكون بمثابة سخرية من مصيبتنا الكاملة في العراق”[2].

لقد قلناها منذ زمن بعيد

على أننا لسنا في حاجة أن نقعد ننتظر حتى يأتينا هارولد الأمريكي ليعرفنا بما ستسفر عنه المعادلة العراقية. نحن أبناء العراق أقرأ لقرآننا، وأعرف بتاريخنا، وأخبر بجغرافيتنا.

وتذكرت عبارات كتبتها في شتاء (2006) في كتاب لي أسميته (قالت لي الحياة) تحت عنوان (العراق):

  • الشيعة نظرهم إلى الشرق ، والكرد إلى العرق . ونحن أهل الإشراق والعراق
  • الشيعة همهم طائفتهم ، والكرد همهم قوميتهم ؛ لن يتوحد العراق إلا بالسنة العرب . والأيام بيننا
  • من قاد أهل السنة قاد العراق . وما عدا سدى
  • الديمقراطية في العراق عبوة تفجر أركانه ، وتهدم بنيانه ، وتمسح كيانه
  • لو صلحت الديمقراطية في كل الأرض ، ما صلحت في العراق
  • لا عراق بلا حاكم قوي
  • يحيص العراق .. ويحيص ، ولن يرجع بغير (صدام) ! وإلا لم يكن عراق . اللهم اجعله عادلاً رحيماً ، يا الله

أيها العرب..! يا أهل السنة!

انتبهوا جيداً إلى تغير عناصر المعادلة!!! إن أمامكم اليوم فرصة تاريخية نادرة لإعادة التاريخ الذي بدأه الشيخ عبد الرحمن النقيب قبل تسعين سنة. شيخ الدين العجوز، الذي حافظ على هوية العراق، بعيداً عن هيمنة إيران، وحكم الثيران.

لا تدعوا الفرصة تفلت من أيديكم. أنتم أمام لحظة تاريخية على مفترق طريق، لن تنتظركم القافلة طويلاً لتقرروا أي الطرق تسلكون.

أيها الشيعة..! أيها الشعوبيون..!

لقد استدار الفلك كيوم احتل العراق أول مرة، ولكن بمعادلة في غير صالحكم. ودارت الأيام عليكم؛ فابكوا ما شئتم لن نرحمكم، واشكوا ما رغبتم، لن نصغي إليكم. وولولوا، وأعولوا، وتظلموا. اشكرونا كثيراً على هذا يوم نعيدكم إلى سابق عهدكم، وأصل صنعتكم. هزوا كرابيلكم، وحضروا زناجيلكم، ولهاماتكم سكاكينكم. لن تجيدوا غير هذا، ولستم أهلاً لشيء سواه. لم يخلق الكرسي لكم، ولا تعرفون كيف تجلسون عليه. كل شيء في النهاية يعود إلى أصله.

أيها المجرمون..!

جاءكم (صدام) فأين تذهبون؟!!! وماذا أنتم فاعلون؟!!!

  1. – كانت أطروحته لنيل الماجستير في علم النفس التربوي من كلية التربية بجامعة بغداد تحمل عنوان )القيم الخالدة في أحاديث القائد صدام حسين) . جاء في إهدائها العبارات التالية: “إليك سيدي القائد، يا أرقّ من قنينة العطر، وأنظر من ورد الجوري, وأدقّ من حدّ السيف, أهدي ثمرة جهدي هذا” . سافر إلى بريطانيا للحصول على شهادة الدكتوراه في بعثة دراسية عام (1983) وبخط يد صدام حسين ! وكانت أطروحته تحمل عنوان (الفكر التربوي في خطب الرئيس القائد صدام حسين). في (29/6/2004) خرج على قناة الجزيرة – برنامج (الاتجاه المعاكس) ليصف احتلال العراق بالعبارة التالية: “عرس العراق هو رحيل الطاغية” ! انظر شبكة أخبار العراق ، وشبكة البصرة .
  2. – صحيفة الدستور الأردنية، 27/4/2008.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى