مقالات

لقد استدار الفلك فأين تذهبون؟! (2)

أمس (27/4) كتبت مقالة (لقد استدار الفلك…). وفي اليوم نفسه والذي بعده تواردت الأنباء عن معطيات جديدة وعديدة على الأرض تؤكد ما قلناه عن استدارة الفلك، وتسارع دورته بما يسوء الشعوبيين حمير المشروع الإيراني في العراق والدول العربية المجاورة. إضافة إلى أن فضائح إيران صارت تشجب على لسان رجال الحكومة الطائفية في العراق، الذين صنعتهم إيران على عينها، وربتهم على مائدتها، وأرضعتهم من ثديها. ولكن يبدو أن طعام المائدة كان فاقداً للملح مضراً بالآكلين، وأن اللبن لم يكن خالصاً سائغاً للشاربين! فموفق الربيعي (كريم شاهبوري) أشد الموالين لموطنه الأصلي (إيران)، ينتقد الحكومة الإيرانية على تدخلاتها في العراق. وظهر الناطق الحكومي باسم خطة فرض القانون اللواء قاسم عطا على الشاشة ليؤكد حصول الأجهزة الأمنية على وثائق تثبت تورط الجانب الإيراني بتمويل الجماعات المسلحة بالقذائف الصاروخية والعبوات الناسفة، والأسلحة الثقيلة والمتوسطة. جاء ذلك في مؤتمر صحفي مشترك له مع الناطق باسم قوات الاحتلال الأدميرال باتريك درسكوال.

آخر أخبار الفلك الدوار

filemanager

ولكن الآتي أسوأ لوجوه أصحاب المشروع :

1. فقد تناقلت وسائل الإعلام المختلفة يوم أمس خبراً عن عرض قوات الاحتلال الأمريكي على عدد كبير من ضباط الجيش العراقي السابق، تشكيل وحدات عسكرية داخل الجيش الحالي مهمتها الوقوف بوجه ما أسمته النفوذ الإيراني والميليشيات في العراق… وقال اللواء الركن أحمد الجبوري في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية: “إن القوات الأمريكية عرضت على ضباط الجيش العراقي السابق في الأنبار والموصل وصلاح الدين بواسطة عدد من أعضاء البرلمان وقيادات الصحوة العودة إلى الجيش العراقي الجديد من خلال تشكيل وحدات خاصة يتم دمجها تدريجياً بالقوات الحالية، مهمتها الرئيسة مواجهة عناصر فيلق القدس الإيراني، الذي تقول القوات الأمريكية: إنهم منتشرون في العديد من مدن العراق بالإضافة إلى وجودهم في القوات الحكومية”. وأوضح الجبوري أن الشيخ أحمد أبو ريشة رئيس مجلس صحوة الأنبار، نقل الرغبة الأمريكية لتجمع الضباط العراقيين في المحافظة داعياً إياهم إلى أن يأخذوا دورهم “الوطني في التصدي للنفوذ الإيراني”. وأوضح الجبوري أن هناك رغبة أمريكية للتعاون مع ضباط الجيش السابق كونهم الأقدر على تولي مهمة الوقوف بوجه “النفوذ الإيراني المتعاظم” في العراق.

2. وهذا الخبر السيء جداً ضمن حسابات الشعوبية، يتعاشق مع ما أعلنه هادي العامري رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب، يوم الخميس الماضي (24/4) عن عزم الدولة على إعادة العمل بقانون الخدمة الإلزامية. وهذا سيعيد الموازنة الطائفية في الجيش إلى سابق عهدها . وإذا طبق عملياً فنتائجه كارثية بالنسبة للمشروع الإيراني!

وحتى نعرف مدى سوء وقع هذا الخبر على أصحاب المشروع، نحتاج إلى تنشيط الذاكرة أربع سنين إلى الوراء، لنعرف كيف طارت قلوب الشيعة شعاعاً، وصاروا يضربون أخماساً بأسداس، ويصرخون منددين بموافقة الأمريكان على تكوين فوج من الجيش العراقي القديم لحماية الفلوجة على هامش معركتها الأولى. ولم يعترف وزير الدفاع الشيعي حازم الشعلان بوضعه القانوني، وظلوا يتآمرون عليه حتى صار في خبر كان!

تأملوا مدى خوفهم من رجوع فوج واحد من الجيش العراقي السابق إلى الخدمة العسكرية، فكيف برجوع ضباط كثيرين من أجل تشكيل وحدات عسكرية داخل الجيش الطائفي الحالي، ومن محافظات (الصداميين والوهابيين والتكفيريين)، وبهدف واضح ومحدد وصريح: (الوقوف بوجه النفوذ الإيراني والميليشيات في العراق)؟!!! فكيف إذا طبق قانون الخدمة الإلزامية الذي يفتح الباب واسعاً أمام التحاق الشباب العراقي كله للدخول في الجيش، ولا يخضع إلا إلى شرط العمر؟!!!

اقرأوا هذه المقالة المعبرة عن ذلك الخوف الهالع، والرعب الخالع، في صحيفة “البينة” الناطقة باسم (حركة حزب الله) في العراق عن ذلك الفوج المرعب، تحت عنوان تهكمي مثير هو: (هل عودة الأشاوس في جمهورية الفلوجة تمهيد لعودة صدام؟!!). استللتها من كتابي (إلى متى نخدع؟ إلى متى نخادع؟) الذي كتبته على هامش الأحداث في تلك الفترة:

(ما الذي تغير في العراق منذ أكثر من عام؟ هاهي النماذج الصدامية تعود من جديد نافخة كروشها ورافعة أكتافها بالبدلة الخاكية التي تذكرنا بالاضطهاد والحروب. هذه النماذج المفزعة المليئة بالحقد والتي عذبت العراقيين واحتقرتهم، تعود بكامل قيافتها بتقاسيمها القديمة التي لا زالت في مخيلتنا: طريقة المشي التي يتميزون بها، الكرش المتدلي للأسفل، العلامات العسكرية القديمة، تقاسيم الوجه الذي ينم عن العنجهية والتكبر والقبلية، والشوارب المنتفخة والعيون التي تزرع الخوف في الآخرين. الضجيج المرافق للآلهة الجديدة هو الضجيج نفسه: الحماية تركض يمينا وشمالا تبعد الناس عن طريق الديمقراطيين الجدد بالهراوات الموروثة المخبأة لهذه المناسبة السعيدة، عودة الآلهة بعد تأهيلهم، نفس الأساليب التي أتقنوها في المدرسة الصدامية تمارس اليوم بشكل سافر.. صدقاً أقول: إنني شعرت بالرعب حين شاهدتهم. ولا أدري لماذا راودني شعور بأن صدام قادم، بل ربما أدري لكنني لا أملك الجرأة للبوح بمرارتي.. لقد نقلت وسائل الإعلام المختلفة نبأ اجتماع الحاكم بريمر بقيادات البعث وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على العجز الواضح لكل القوى السياسية العراقية ولقوى الاحتلال أيضا. ولقد بدأت علائم عودة الأشاوس في الفلوجة، أو لنقل جمهورية الفلوجة، فتلك تنطبق أكثر من أي وقت مضى على هذه المدينة التي أبت إلا أن يحكمها البعثيون، ورجالات المخابرات الصـدامية، وحققوا ذلك رغما عن أنف امريكا. ولنعترف انهم أذكياء وأصحاب مبادئ، ومع خسة هذه المبادئ إلا إنني أحترم فيهم هذا التمسك الشرس بها. ولو كانت القوى العراقية (يقصد الشيعية) تمتلك القدرة نفسها لأصبح حالنا على غير ما نحن عليه الآن. وليس من الفراسة إن قلت: إن هذه المدينة سوف تتولى مع الأمريكان، بعد الإتفاق معهم على تسليمهم الأجانب فيها والاحتفاظ فقط بالعناصر الصدامية المرغوب فيها أقول سوف تتولى هذه المدينة مهام العوجة سابقا وستكون اليد الضاربة للأمريكان في وجه جميع القوى العراقية الأخرى التي لا تنصاع للأجندة أو التي تشق عصا الطاعة، وستتأسس فيها المجموعات السرية الجديدة التي تعتمد على ممارسة أساليب المدرسة الصدامية القديمة لكن بشكل متحضر. وذلك ليس تفلسفا فارغا، إنما هو أمر واقعي اعتاد عليه العراق، بل اعتاد عليه العرب أيضا، وهو إنهم اعتادوا منذ أمد بعيد جدا على أن تحكمهم مدينة أو قبيلة أو عائلة. أما أن يكون الجميع حاكمين ومحكومين في الوقت ذاته فذلك وربي شئ بعيد. لقد كنا محتلين من قبل قرية صغيرة اسمها العوجة ونفر قليل هم آل المجيد، فلمَ لا تكون الفلوجة المدينة القادمة في سلسلة الإرث السلطوي، ولمَ لا يتم تأهيل البعثيين فيها أو في المناطق الأخرى لكي تعود الحياة إلى طبيعتها، (او يا دار ما دخلك شر) أو مادام الأمر كذلك فلم لا يتم تأهيل صدام حسين وذلك بإرساله الى دورة الى الأردن أو أمريكا ولا بأس لو ذهب معه الرفيق عزت فهو ينتظر ذلك في سوريا، وما دام بعض رموز صدام يعاملون من قبل الأمريكان أو من قبل بعض الدول العربية على أنهم أصحاب سلطة فلم لا يدخلوهم دورات تدريبية تعلمهم الدروس التي افتقدوها حين أضاعوا السلطة، وستبدي لنا الأيام ذلك حين نرى الصداميين الجدد يعتلون العرش من جديد مدعين الديمقراطية واللاطائفية، وسيبنون بيتا هنا وبيتا هناك على طريقة قناة الشرقية ثم يسمونها منجزات، وبعد ذلك يبدأ مسلسل الموت من جديد ويبدأ سحق المعارضين فتبدأ رحلة أخرى من الهجرة إلى منافي الله (إن شاء الله). قد أكون متشائما لكن الأمل المفرط يجر الكوارث، والثقة العمياء تجعلك أول الضحايا فضلا عن أن الأمل بدأ شيئا فشيئا بالتآكل، والأحلام بدأت بالذوبان. أعلم أن عددا لا بأس به من قراء مقالتي هذه سوف يتهمونني بالسوداوية أو بالطائفية أو بالتغاضي عن جرائم الاحتلال، ولعمري إن هذا ليس بالجديد، لكني أسأل أعظم المتفائلين عن سبب واحد يدعو للتفاؤل بعيدا عن التنظير الديني الذي يدعونا إلى التسليم لأمر السماء فأنا أعرف ذلك تماما لكن من منا يمتلك على أرض الواقع شيئا واحدا يمكن أن نطمئن إليه؟ هل ما نراه أمامنا من الملايين الهائمة على وجوهها تحمل القذائف يدعو للأمل؟ هل ما نراه أمامنا من ممارسات الساسة العراقيين يدعو للأمل؟ هل ما نراه من ممارسات أمريكية غبية ولا تنم عن وعي دولة عظمى يدعو للأمل؟ هل قام عراقي واحد بزرع شتلة أو زرع نخلة أو نظف شارعا؟ ألم ينشغل العراقيون باستيراد السيارات والستيلايت بينما انشغل الأذكياء متصيدو السلطة باستيراد الوسائل التي تعيد لهم السلطة فآووا الإرهابيين والمرتزقة وكل المجرمين البعثيين؟ أي أمل يستطيع النهوض من هذا الدمار فيجعلنا متفائلين.. أرجو من المتفائلين أن يقنعوني أنا المتشائم بشيء واحد تفوح منه رائحة عراق يمكن أن نعيش فيه من دون أي اضطهاد أم (كذا) تكفير بعد أن عاد الأحبة البعثيون للحكم في الفلوجة، ثم سينتشرون كالسرطان في جسد العراق. صدقوني لا أمل يرجى ولذا فأنا أدعوكم للانضمام إلى تشاؤمي ولنترك للمتفائلين ناصية الأمر فهم أكثر منا قدرة على تحمل ما يجري والصبر عليه.. أما نحن فلن نجعل من الغراب رمزا بل سنجعل من البعثيين والوهابيين والطوطميين عبدة الجهال والطامحين إلى السلطة واللاهثين خلف دعاة الموت والتخلف بدعوى الدين رموزاً لنا.. وسيظل بلد حر آمن سعيد متعلم متحضر من وراء القصد).

أيها المجرمون..! جاءكم (صدام) فأين تذهبون؟!!! وماذا أنتم فاعلون؟!!!

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى