طائفيون أينما كانوا
أرسل إلي أحد الفضلاء على بريدي الإلكتروني رابطاً لمقطع مرئي على شبكة الانترنت([1]) تظهر فيه مذيعة “قناة المستقبل” (سحر الخطيب) في اتصال مع “قناة LBC)، في حالة من الذهول، والاستغراب وهي تتكلم فيه عن مليشيات “حزب الله” الذين هاجموا بناية القناة وكسروا محتوياتها. والجيش، الذي من المفترض أن يكون حيادياً فيمنع الاعتداء ويحمي المعتدى عليه، وقف يتفرج على المشهد، تاركاً كادر القناة العزل لمصيرهم. بمعنى أنه وقف مع المعتدي. وتستذكر بمرارة وحرقة كيف أنهم عند الاجتياح الإسرائيلي، وعند معارك تموز/2006 آووا هؤلاء الذين يعتدون عليهم اليوم، وفتحوا لهم بيوتهم، ودافعوا عنهم، ونعوا (شهداءهم) على الهواء بلوعة وحرقة، وبأسمائهم واحداً واحداً. هل ذكرتم واحداً من شهدائنا؟ سنة ونصف وأنا أدافع عنكم. وبكل موضوعية. لقد جعلتموني أندم على الموضوعية، وأشعر أني ضحية الموضوعية. هذا الحقد علينا لماذا؟! ما عدت أفهم. أنا إنسانة مؤمنة بالله ولكن لا أؤمن بالطوائف، لقد أيقظتم فيّ العصب الطائفي. ثم أجهشت بالبكاء، وانقطع صوتها، وأخفت لذلك وجهها، وانقطع البث.
عادت إلى ذاكرتي، وأنا أراقب المشهد، لعبة المليشيات الشيعية في العراق وتقاسمها الأدوار مع الجيش الطائفي هناك. فقلت في نفسي: “ملة الرفض واحدة”.
أين العلة؟
مسكينة سحر!
كم من أهل السنة مخدوعٍ مثلك؟! بل كم منهم ناجٍ من شرك الخديعة؟ ولم يقع ضحية الموضوعية، وفريسة الابتعاد عن الشعور بالانتماء الطائفي؟! مشكلتنا أننا طيبون إلى حد السذاجة! أتمنى أن تصلي إلى الحقيقة التالية: الشيعة لا يعرفون في الأرض عدواً غير أهل السنة، وأهل السنة مساكين يريدون صنفاً كهذا يجتمع معهم على عداوة أمريكاوإسرائيل!!! ويتصرفون معه بكل (موضوعية)، ويمنحونه من الحب، والولاء، وهم يعيشون أحلاماً هفهافة كهذه واقعاً لا وجود له إلا في أذهانهم الطيبة، ثم في اللحظة الحاسمة حين يرجع كل شيء إلى أصله، ويظهر على حقيقته يتساءلون ببلاهة: “هذا الحقد علينا لماذا؟! ما عدنا نفهم”!
هل أنتم جادون في معرفة الجواب؟ أتريدون الوقوع على حقيقة الداء، ومكمن العلة؟ علتكم – أيها المساكين! – في الموضوعية المجنحة، التي لا أرضية لها تنبت فيها. علتكم في عدم الطائفية بين قوم تنخر الطائفية نخاعهم، ويدمي الحقد أناملهم. علتكم أنكم لا تدركون القانون الاجتماعي العادل: “الاعتدال في وسط التطرف اعوجاج”. اسمعوها مني يرحمكم الله. وإن لم تصدقوا فاقرأوا قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون. ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور. إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط) (آل عمران:117-119). العلة أننا نراهم يموتون غيظاً من ذكر الصحابة ورموز الأمة، ثم نطمع أن يكونوا لنا من المحبين! (تحبونهم ولا يحبونكم)! أي طيبة! بل أي سذاجة! حسن نصر الله يتقرب إلى الله بلعن صلاح الدين، ويعتبره هادم دولة الشيعة الفاطميين، ثم تجد فضيلة مرشد (الإخوان المسلمين) الأستاذ محمد مهدي عاكف في تموز/2006 يشبهه بصلاح الدين، ويمنحه لقب شيخ المجاهدين! أي مفارقة! وأي طيبة!
هكذا فلتكن (الموضوعية)!
وإذا كنا نعذر سحر، الشابة (المودرن) التي ربما لم تعرف من الدين ولا التاريخ إلا الضروريات، وما دونها، فهل يعذر شخص بوزن الأستاذ المرشد؟! سامحه الله تعالى، وبصرنا وإياه حقائق الأمور، وخفايا ما يدور.
يا لها من حقيقة..! لقد أيقظتم فيّ العصب الطائفي!!!
قبل شهور قليلة كنت في بيروت. أثار انتباهي بعض الشعارات الغريبة المكتوبة على الجدران في وسط المدينة. مثل: (يا أبو بكر مدد.. يا عمر مدد.. الإمام صدام حسين…).. لا يفوتنك التركيز على لقب (إمام) الذي ألحق بصدام، لتدرك أن هذه الشعارات إن هي إلا ردة فعل على الشعارات الطائفية التي يرفعها الشيعة، يتحدون بها أهل السنة، ويوقظون بها العرق الطائفي لديهم. ولماذا صدام؟ لأنه رمز الشر والطغيان الذي يلوح به الشيعة، ويستثيرون به الآخر السني؛ فتكون ردة الفعل الاعتزاز بهذا الرمز إغاظة لهم، وتزيينه بلقب (الإمام) الذي هو موروث شيعي، إمعاناً في إغاظتهم. أما أبو بكر وعمر وطلب المدد منهم رغم أن أهل السنة لا يؤمنون بطلب المدد الغيبي إلا من الله، فردة فعل على عقيدة الشيعة في علي وبقية (الأئمة) والاستنصار بهم، والطعن في أبي بكر وعمر وغيرهم من الصحابة. ولأن السني لا يمكن له ديناً التنقيص من سيدنا علي، ويحتفظ باحترام خاص لأهل بيته وذريته، فإنه لا يجد أمامه إلا هذا الأسلوب يلجأ إليه في حرب الشعارات التي يرفعها الشيعة أينما حلوا، مدفوعين بعقدة “النقص”، أو “الشعور بالأقلوية” تجاه الأغلبية السنية التي تحيط بهم. وحتى في الأماكن التي يشكل الشيعة فيها أغلبية فإن هذه العقدة تظل تلازمهم وتفرض استحقاقها عليهم. وحين ذهبت إلى الضاحية الجنوبية لبيروت تجلى هذا التفسير بوضوح، من خلال الشعارات الطائفية المكتوبة على الجدران، والملصقة عليها، وبالألوان، والنصب المبنية، والأعلام والرايات، من مثل (يا لثارات الحسين، كل يوم كربلاء وكل يوم عاشوراء، شعارات أخرى عن عاشوراء، انصرنا يا قائم آل محمد، طلب المدد والنصرة من “الأئمة”، شعارات عديدة مثيرة أخرى لا تحضرني الآن، صور كثيرة لأسطورة الطف و”الأئمة”، ومقاتلهم بالطمغة الفارسية، صور الخميني وخامنئي، علم إيران، اسم “الجمهورية الإسلامية” في كل مكان، في الساحات والميادين وعلى الجسور وواجهات المؤسسات… وغيره، وغيره..!). ناهيك عن المتاجرة الصارخة باسم “المقاومة” واحتكارهم لها وحدهم لا شريك لهم. وأشياء وعلامات أخرى كلها تدل على وعي عميق بالذات، وشعور بـ”الأنا” نتيجة تلك العقدة المريضة.
كيف لا يثير هذه المحفزات المخيفة الشعور نفسه عند الآخر، الذي يجد نفسه مهدداً بمحو هويته، وانعدام وجوده؟! شيء طبيعي إذن أن ينتبه إلى الوعي بذاته، والشعور بـ”أنويته”. ويخرج عن “الموضوعية” التي صار يعتقد أنها تهدد وجوده، وهو ما أشارت إليه المذيعة سحر الخطيب بصراحة.
نعم إنها فتنة.. ولكن …
ويقولون: إنها فتنة. ونقول: نعم.. إنها لفتنة. ولكن شتان بين من أيقظها وأثارها ، وبين من شمر كي يطفئ عن نفسه وقومه أوارها. الأول فاتن مفتون، والثاني مظلوم مغبون، يدفع الظلم عن نفسه، والغبن عن حقه.
نعم إنها فتنة. والفتنة، نعم!، ملعون من أيقظها.
هذا……… إن كانت نائمة. أما إذا استيقظت، واستطالت، وعمت وطمت، فملعون من نام لها، وانبطح لموقدها حتى يعبروا عليه إلى الآخرين.
ملعون ملعون ملعون.
___________________________________________________________________________________________