اختلفوا.. ولا تقتتلوا
اقترب موعد انتخابات مجالس المحافظات، وترى جميع العراقيين على اختلاف توجهاتهم يتسابقون للحصول على أكبر حصة في هذه المجالس. حق مشروع، وتصرف طبيعي لا اعتراض عليه. ستحدث خلافات ومنازعات، لن نقول لكم: ” لا تختلفوا “. لسنا من مشجعي الاختلاف، ولكننا واقعيون. الاختلاف سيقع حتماً؛ فلا داعي لهذه المواعظ الخرساء. ولكن لنا كلمة نظن أن أهلنا قادرون عليها. والله تعالى يقول: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذريات:55)، ويقول: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (قّ:45).
في آذار الماضي وقع الاحتراب بين الشيعة، وقتل بعضهم بعضاً في فضيحة تناقلتها الفضائيات والألسن والصحف والجوالات! وقيل يومها في تحليل الأسباب الدافعة وراء الحدث: إنه تنافس على المناصب للفوز بأكثرية المقاعد في الانتخابات المذكورة آنفاً.
الشيء نفسه من الممكن أن يتكرر في مناطقنا نحن أهل السنة، وإن كنا بطبيعتنا وثقافتنا الدينية والاجتماعية أبعد عن مثل هذا. ولكن لا شيء مضمون في بلد أمره ليس بيده، في ظل أقسى احتلال وأخطره، من قبل أكثر الأعداء حقداً ودموية: فارس ويهود والروم!
أيها الإخوة..!
لا بأس أن تختلفوا، ويمكن أن تتنازعوا. لكن أذكركم فأقول: اللهَ اللهَ في أنفسكم أن يصل التنازع بكم حد ارتكاب كارثة القتل وجريمة إزهاق النفس التي حرم الله إلا بالحق، وليس من الحق أن تقتل أخاك الإنسان – فضلاً عن أخيك المسلم – من أجل أن تحُل محله في منصب زائل، ربما لو كان هو مكانك لكان أكفأ منك.
لا أريد أن أطيل عليكم بالنصيحة.. غير أني أطمع أن يكون نصب أعينكم آية كريمة واحدة، وحديث شريف واحد.
أما الآية فوالله إن القلوب لتنخلع ، وإن العقول لتزيغ حين يتخيل المرء نفسه واقعاً تحت حكم قوله تعالى:
(ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤهُ جهنمُ خالداً فيها وغضبَ اللهُ عليهِ ولعنَهُ وأعدَّ لهُ عذاباً عظيماً) (النساء: 93).
لن أشرح الآية، لن أفسر شيئاً منها. اقرأها أنت، تمعن في كلماتها، واحكم بنفسك، التي أقول لك من أجلها: الله الله فيها! ماذا ينفعك المنصب؟ إذا كانت هذه هي النهاية!
وأما الحديث الشريف فهو مما رواه الإمام البخاري رحمه الله؛ فهو حديث صحيح، لا احتمال فيه، ولا التواء. يقول شفيعك الحبيب صلى الله عليه وسلم فيه:
(لا يزالُ العبدُ في فسحةٍ من دينِهِ ما لم يُصِبْ دَماَ حراماً).
بمعنى أنك مهما عملت من ذنب دون القتل فالأمل بالمغفرة كبير، والفرصة متاحة، والمسافة إلى رضى الله تعالى ونيل عفوه ومغفرته قريبة. أما إذا وصل المرء إلى أن تقتل شخصاً معصوم الدم فهنا الكارثة! وهنا المصيبة الطامة.
تذكر أخي المسلم تلك الآية وهذا الحديث، واعمل بتوجيههما. وافعل من بعد ما شئت؛ فلست بخائف عليك، حتى وإن اختلفت مع أخيك.
أخيراً أدعوك إلى أن تجلس دقائق معدودة.. وتستمع بتدبر وخشوع إلى جبار السماوات والأرض سبحانه وهو يقول:
(واتلُ عليهِمْ نبأَ ابنَي آدمَ بالحقِّ إِذ قَرَّبَا قُرباناً فَتُقُبِّلَ منْ أحدِهما ولمْ يُتَقبلْ منَ الآخرِ قالَ لأقتلنَّكَ قالَ إنما يتقبّلُ اللهُ من المتقينَ * لئنْ بسطتَ إليّ يدَكَ لتقتلَني ما أنا بباسطٍ يديَ إليكَ لأقتلَك إني أخافُ اللهَ ربَّ العالمينَ * إني أُريدُ أن تبوءَ بإثمي وإثمِكَ فتكونَ من أصحابِ النارِ وذلكَ جزاءُ الظالمينَ * فطوّعتْ لهُ نفسُهُ قتلَ أخيهِ فقتلَهُ فأصبحَ من الخاسرينَ * فبعثَ اللهُ غراباً يبحثُ في الأرضِ ليريَهُ كيفَ يواري سوءةَ أخيهِ قالَ يوَيلتَى أعجَزتُ أن أكونَ مثلَ هذا الغرابِ فأواريَ سوءةَ أخي فأصبحَ من النادمينَ * منْ أجلِ ذلكَ كتبْنا على بنِي إسرائيلَ أنَّهُ مَنْ قتلَ نفساً بغيرِ نفسٍ أو فسادٍ في الأرضِ فكأنما قتلَ النّاسَ جميعاً ومَنْ أحياها فكأنَّما أحيا الناسَ جميعاً ولقدْ جاءتْهم رسلُهمْ بالبيناتِ ثمَّ إنَّ كثيراً منهم بعدَ ذلكَ في الأرضِ لَمسرفونَ) (المائدة:27-32).
لا يفوتنك أخي القارئ أن حبنا لك ولأهلنا وبني قومنا هو دافعنا لأن نتوجه إليك بهذه الكلمات؛ إيماناً منا بأن مستقبل العراق مرهون بك، وأن العراق أمانة في عنقك، وأنك موقوف فمسؤول عن هذه الأمانة. ولا تنس أن إيران وذيولها يراهنون على ضعفك، وتفرق صفك، يبغون افتراس بلدك، وتغيير دينك ومذهبك، وطمس هويتك. فهل تدعهم يعبرون من صوبك؟ ويمرقون من الثغرة التي بجانبك؟
ما هكذا الظن بك! والله نسأل أن لا يخيب فيك ظن المحبين الصادقين.