مقالات

فلا نامت أعين الخطباء (2)

بدعة شيعية مردودة

مخالفة السلف: إن عبارة الأخ خطيب الجمعة السابقة، التي أهملت ذكر الصحابة، واقتصرت على (أهل البيت) لم تكن في يوم من الأيام في عصور الإسلام ودهوره التي مضت سنة عمل بها العلماء أو المتحدثون أو الخطباء. لا في عصر الصحابة رضي الله عنهم، ولا القرون الثلاثة المفضلة، ولا حتى العهود المظلمة المتأخرة. ولم ترد بسند معتبر على لسان أحد من أئمة (أهل البيت). فالأستاذ هاشم الطائي جاء بها من عند نفسه، لم يتبع فيها: لا الصحابة الذين يلزمه مذهبه الذي ينتمي إليه باتباعهم، ولا (أهل بيت النبي) الذين مدح في خطبته متبعيهم.

كتب الأصول: أما كتب الأصول فذكرت في باب (أدلة الأحكام): (قول الصحابي)، ومتى يكون حجة، و (إجماع الصحابة)، واتفقت على أنه أصل يرجع إليه في استنباط الأحكام الشرعية. دون (قول أهل البيت) أو (إجماع أهل البيت). إنما ذلك من شأن كتب الشيعة، أو بعض شواذ الأقوال – كما سيأتي – وليس هو من شأننا.

عدم وضوح المفهوم: يحتاج المرء من أجل العمل بـ(الأصل) الذي دعاه الخطيب إلى اتباعه، تحديد مفهوم (أهل البيت) من ناحية الدلالة التعريفية، التي لا بد منها لتوظيف المفهوم من الناحية التطبيقية. فأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إن كان المقصود بهم من عاصر النبي (أي الصحابة) منهم، فهؤلاء ليس لهم خصيصة تشريعية، بمعنى أنهم امتازوا عن بقية الصحابة بشيء يجعل منهم مرجعاً في الأحكام الشرعية دونهم. وهذا على رأي أهل السنة والشيعة جميعاً. فالشيعة حصروا مفهوم (الأهل) في أربعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم هم (سيدنا علي وفاطمة والحسن والحسين) رضي الله عنهم. ولم يعدوه إلى بقية أهل بيته من أزواجه وأقاربه، كما هو الشأن عند أهل السنة. وإذا كان أهل السنة يرجعون إلى أهل البيت الذين عاصروا النبي، فليست المرجعية على أساس النسب والقربة، وإنما على أساس الإيمان والعلم والصحبة. فإذا نقص أحد هذه الشروط الثلاثة، انتقضت المرجعية مع وجود شرط القربة. وقد أجمعوا على أن (أبا بكر وعمر وعثمان) – وهم ليسوا من (أهل بيت النبي) – خير من (علي وحمزة وعباس) الذين هم من أهل بيته.

أما إذا افترضنا أن مفهوم (الأهل) يتعدى الصحابة منهم، فيشمل كل ذي نسب بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذا لا جدوى عملية منه؛ لأن العدد خرج عن التحديد، والجمع عن التعيين، وقد كثروا وانتشروا في البلدان، واختلفوا كثيراً. فالاتباع لمن من هؤلاء يكون؟ دعك ممن دخل في النسب من خارجه من الكذابين والمتدسسين، ومن انحرف ممن صح نسبه فكان فاسقاً أو مرتداً، فالدين ليس بالنسب، وإنما بالعمل. الخميني والخوئي والسيستاني والصدر والحكيم مثلاً يدّعون أنهم من (الأهل)!

هل يستطيع الأستاذ الطائي إذن أن يحدد لي المقصود بـ(أهل البيت الطاهرين)، الذين دعاني إلى اتباعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ حتى أتمكن من العمل بما دعا إليه من ذلك؟

مخالفة الكتاب والسنة: أما إذا جئنا إلى الكتاب والسنة، فالأمر أبعد بالنسبة إلى ما دعا إليه الأستاذ الفاضل. فالله تعالى دعا إلى اتباع مجموع الصحابة (المهاجرين والأنصار)، ولم يدع قط إلى اتباع سواهم بصفته أو لقبه الخاص: لا (أهل البيت) ولا غيرهم. فقال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100). وجاء في مدحهم مئات الآيات كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (الأنفال:74)، وغيره من الآيات الدالة على أصل اتباعهم. والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)([1]) وما في معناه من الأحاديث، كحديث افتراق الإمة، وفيه وصف الفرقة الناجية بأنها (ما أنا عليه وأصحابي)([2]). ولم يأت عنه دعوة إلى اتباع (الأهل) لا تخصيصاً، ولا تعميماً، سوى الوصية بهم، واحترامهم. كما في قوله: (أذكركم الله في أهل بيتي) في الحديث الذي رواه مسلم، وفيه أفرد الكتاب بلفظ التمسك دون (الأهل): (فحث على كتاب الله والتمسك به). وإذا تعلق الوهم برواية (كتاب الله وعترتي)، فهي رواية ضعيفة السند والمتن. وإن صححها بعض العلماء. وهي مع هذا تخالف أصلاً ثابتاً بنصوص كثيرة جداً في القرآن الكريم، ألا وهو (اتباع الكتاب والسنة)، وليس (الكتاب والعترة). منها قوله تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (آل عمران:32)، وقوله: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) (النساء:69). والآيات في هذا الأصل كثيرة. ومن صححها أشكل عليه متنها، فراح يلتمس المخارج للتوفيق بينه وبين أصل (اتباع السنة). وبعضهم – كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة عن أبي يعلى وغيره – فسر مجموع العترة بـ(بني هاشم) وقال: لا يجتمعون على ضلالة. وهذا القول (إجماع بني هاشم) من أخطاء العلماء التي يستغفر لها، وتدل على أن العالم – مهما بلغ من العلم – بشر يمكن أن يخطئ مثل هذا الخطأ بحيث يثبت (أصلاً فقهياً) لم تتوقف عليه مسألة واحدة من مسائل الفقه، فاحتجنا فيها إلى شيء اسمه (إجماع بني هاشم). وإذا عرفنا أن شرع الله حكيم، وأنه جاء للعمل، لا للعلم فقط، علمنا أنه لا يأتينا بمعان لا عمل بها، ولا حاجة لها أو فائدة من ورائها. ثم إن هذا القول لا يرجع إلى معنى معقول. فلا ميزة مناسبة للموضوع تجعل من (بني هاشم) دون الآخرين من أمثالهم حجة في معرفة الأحكام الشرعية. فالعلم بالتعلم، لا بالنسب. ولهذا كله أهملته كتب الأصول، وإذا ذكر فيها فإنما يذكر بياناً للأقوال الواردة في المسألة، لا تبنياً له، كما ذكرناه هنا. أضف إليه ما هو أهم منه وأخطر. إن تثبيت أصل كهذا، يمكن أن تبنى عليه مسائل اعتقادية خطيرة، لا سيما إذا أخذنا بقول الشيعة في معنى (أهل البيت الطاهرين)، لا يمكن أن يتم أو يصح بحال برواية ضعيفة، أو مختلف في صحتها. ومتنها مُشكل بالصورة التي بينا. يقول الشاطبي (الموافقات:1/11): (إن الأصل – على كل تقدير – لا بد أن يكون مقطوعاً به لأنه إن كان مظنوناً تطرق اليه احتمال الخلاف ومثل هذا لا يجعل أصلاً في الدين عملاً بالاستقراء).

إن هذا يحتاج أن يثبت بالنص الصريح في القرآن الكريم أولاً. وإذا أثبت بالأحاديث فيثبت بما كان صحيحاً لذاته صحة لا إشكال فيها؛ لأن الأصل سمي (أصلاً) لتوقف بناء كثير من المسائل الفرعية عليه، فلا بد إذن من أن يكون ثابتاً راسخاً يمكن البناء عليه. وما كان دليله ضعيفاً، أو مختلفاً في صحته وضعفه ليس كذلك. فهو غير صالح لأن يثبت به (أصل). وعلى كل حال فلا ينبغي أن يغيب عن بال كل عالم أو طالب علم أن القول بأن التمسك إنما هو بـ(الكتاب والعترة)، وجعله في مقابل (الكتاب والسنة) مفهوم شيعي بعيد عما هو معروف من دين الإسلام، وخطه الثابت. يريدون به تغييب الرسول صلى الله عليه وسلم باسم العترة.

إذن القول بتخصيص (أهل بيت النبي الطاهرين) بالاتباع قول محدث، لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة ولا عن الصحابة ولا علماء (أهل البيت)، ولا القرون المفضلة، ولا المفضولة، ولا العهود المتأخرة. فهي بدعة بكل المقاييس الشرعية المعتبرة. وما كان بدعة محدثة في الدين فهو مردود بنص قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).

___________________________________________________________________________________________

  1. – رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد والدارمي ، ونقل الألباني تصحيحه عن الضياء المقدسي في مختاراته.
  2. – رواه الترمذي وأبو داود والحاكم وابن حبان، وصححوه، عن أبي هريرة . وفي رواية : (هي الجماعة).

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى