مقالات

رسالة مفتوحة .. إلى هيئة علماء المسلمين

 

9850_1-thumb2

ينعقد هذه الأيام (من 25/7 – 27/7) مؤتمر لـ(هيئة علماء المسلمين)، تحضره أطراف شيعية مثل الشيخ جواد الخالصي، وبعض شيوخ عشائر الجنوب مثل الشيخ كاظم العنيزان، وأمير الطائفة اليزيدية([1]) في العراق أنور معاوية، وممثلون لأحزاب ومنظمات سياسية وطنية. في ختام جلسة الافتتاح جاء في كلمة فضيلة الشيخ الدكتور حارث سليمان الضاري أمين عام الهيئة هذه العبارات عن جيش المهدي، والتيار الصدري، الذي كان حليفاً للهيئة على مدى السنين الأربع الأولى للاحتلال: (يقال إن هذه الحكومة تراجعت عن طائفيتها وذلك بضرب التيار الصدري لتساوي بين ضرب التيار الصدري وضرب السنة في بعض المناطق، ونقول: هذا لذر الرماد في العيون، لا زالت الحكومة هي حكومة المحاصصة الطائفية، وضربها للتيار الصدري لأن التيار الصدري بدأ يشكل عليها ضغطاً، ولأنه أصبح منافساً قوياً لها في الانتخابات القادمة، ولأن رغبة خارجية من هنا أو هناك تريد تقليم أظافر هذا التيار، لأن في هذا التيار وطنيون لا يريدون تقسيم العراق يعارضون قوات الاحتلال وما إلى ذلك. فلذلك ضُرِب التيار الصدري على الرغم مما فعله بعض الخارجين، بعض الذين اشتُروا، بعض الجهلة من هذا التيار بإخوانهم في فترات سابق)….!

إن الهيئة باعتبارها مؤسسة دينية تنطلق من مرجعية إسلامية، مطالبة بإقامة الدليل الشرعي على صحة هذا كله. فهي ليست حزباً سياسياً علمانياً تحكم تصرفاته القولية والفعلية المصلحة المجردة، ولا تجمعاً بأي وصف من الأوصاف، تحكمه الاعتبارات الوطنية غير المنضبطة بالأحكام الشرعية. ولو كانت كذلك لما تكلمنا بهذا الكلام؛ لأن ما يصدر من هذه الجهات لن يحسب على دين الإسلام؛ فلا نخشى لَبساً أو بأساً على مفاهيم الناس من هذه الناحية.

والأمر الآخر هو أن جيش المهدي التابع للتيار الصدري قد ارتكب من الجرائم من أول يوم للاحتلال وإلى أن سلط الله عليه شراراً من جنسه فلجموه عن غيه، ما يضعه في صف عتاة المجرمين، وكبار السفاحين المسرفين. وأقل ما يجب علينا شرعاً في حقهم – لا سيما من قبل هيئة شرعية – المطالبة بتقديمهم إلى المحاكمة، وأول من ينبغي أن يقدم لذلك رؤوسهم وقادتهم. إن هذا التيار المجرم قد ارتكب بحق أهل السنة خصوصاً – والعراقيين عموماً – جرائم الإبادة المنظمة، والتطهير العرقي. وهذا الوصف بالتجريم يشمل التيار كله – قادة وأتباعاً – إلا من لم تثبت إدانته وفق أصول التحقيقات والمحاكمات الجنائية، وليس العكس. لقد قام أتباع هذا التيار بحرق وتدمير مئات المساجد العائدة لأهل السنة، وخطف وقتل وتعذيب عشرات الألوف منهم، وتهجير مئات الألوف من ديارهم والاستيلاء عليها، ولا زال الوضع هذا كما هو عليه إلى الآن. دعك من اغتصابهم أعراض نسائنا، وناهيك عن نهبهم ثروات بلادنا، وعلاقتهم بإيران وتنفيذهم مخططاتها في العراق والمنطقة، حتى إن أحداث بيروت الأخيرة كان جيش المهدي على رأس القائمين بها، وسقط منهم قتلى جاءوا بهم إلى العراق، أحدهم من مدينتي مدينة المحمودية، التي لا زالت جثث آلاف الضحايا التي قتلها جيش المهدي تئن تحت ترابها، تنتظر من يأخذ بحقها، في صمت مريب من قبل الحكومة المشترِكة أساساً فيها، ومن قبل ممثلي أهل السنة في الحكومة والبرلمان، الذين صاروا شهوداً على الجريمة سيُجلبون غداً أمام الله ويسألون عن صمتهم لماذا؟!!! هذه الجرائم ارتكبت – ولا زال بعضها إلى الآن يرتكب – أمام أنظار الأمريكان.. ومراجع الشيعة.. والحكومة.. وقادة التيار.. والحاضنة الاجتماعية الشعبية، دون نكير أو إنكار من أحد منهم! أليس أقل ما يقال في حق هؤلاء جميعاً أنهم راضون بكل هذا؟ فكيف ينزهون عن هذه الجرائم؟! وبأي حق يبرأ التيار الصدري وجيش المهدي منها، لتلصق بحق (بعض الخارجين على التيار والجهلة منه)؟! جرائم بلغت مئات الألوف من القتلى والمهجرين والأرامل والثكالى واليتامى ومليارات الأموال المنهوبة من النفط وغيره، قام بها بعض الخارجين على التيار؟!!! ثم إن من حقنا أن نتساءل: مَن من أهالي الضحايا خول الهيئة، ومنحها صك التنازل عن حقهم؟ ومقابل أي ثمن؟ أم إن دماءنا رخيصة إلى هذا الحد؟ ومساجدنا هينة مهينة إلى هذه الدرجة؟

لقد أجلى الرسول صلى الله عليه وسلم بني قينقاع من المدينة، بعد أن قرر قتالهم بسبب امرأة كشف صائغ جاهل سفيه منهم عن سوءتها، فصاحت منتخية فثأر لها أحد المسلمين سمع صيحتها وقتل اليهودي، فاجتمع يهود السوق على المسلم فقتلوه. ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم يومها: إن بيننا وبينهم معاهدة، وإن هذا من فعل الجهلة والخارجين عن الطائفة. وكذا فعل بإخوانهم بني النضير في قصة سجلها القرآن الكريم: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ * وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الحشر:2-4). نعم اعتبروا يا أولي البصائر والأبصار. وأباد بني قريضة بسبب نقضهم العهد وممالأتهم المشركين، ولم يقل: إن هذا من فعل الجهلة والخارجين عنهم. ألا إن ما فعله التيار الصدري بحق أهل العراق ليتضاءل أمامه ما فعلته يهود بالمسلمين على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فاستحقوا ما استحقوه على يده! فما جواب الهيئة الشرعي على هذا؟

للذكرى فقط

وأنا أذكر (هيئة علماء المسلمين) – وهو مجرد مثال لآلاف الأمثلة – بما نشرته هي يوم (25/9/2006) على موقعها (الهيئة نت) على شبكة الإنترنت، عن جرائم سمتها هي جرائم ارتكبتها مليشيا جيش المهدي، وإن لم تسمها باسمها في مدينة الحرية في بغداد. وهذا نص ما نشرته: “ذكر اهالي منطقة الحرية – وهي حي كبير مختلط، يقع في الجهة الجنوبية الغربية للعاصمة بغداد – أن حملات التهجير والتهديد والقتل مستمرة، ومنذ أشهر عديدة. ففي إحصائية أولية بلغ عدد العوائل المهجرة من هناك (50) عائلة يومياً. إضافة الى مداهمة المنازل التي تحتوي على النساء فقط، بعد خروج الرجال الى أعمالهم، فتبدأ عناصر المليشيا المجرمة بالاعتداء ضرباً على النساء. هذا من جانب، ومن جانب آخر فالاعتداء على مساجد الحرية لم يتوقف. حيث تعرضت هذه المساجد والبالغ عددها أحد عشر (11) مسجداً الى اعتداءات طائفية مقيتة؛ أدت إلى انخفاض عدد المصلين بنسبة كبيرة نتيجة الملاحقة والمضايقة والاعتقال، التي يتعرض لها كل من يداوم على الذهاب الى المساجد. هذا إضافة الى عملية تفجير المساجد! اذ قامت هذه العصابات المجرمة بتفجير جامع (البركة) وجامع (الحرية الاولى)، اضافة الى جامع (القعقاع) حيث تعرض في الساعة الحادية عشرة (11) من مساء ليلة أمس الأحد الى اعتداء أدى الى حدوث اضرار كبيرة في المسجد. أما انتشار الحرس الحكومي في المنطقة، فإن أهالي الحي يقولون: إنها عملية لدعم المليشيات، حيث يبدو التنسيق واضحاً جداً بينهما. فعندما يريد الاهالي صد هجوم المليشيات تقوم القوات الحكومية بملاحقتهم، وسحب اسلحتهم واعتقالهم. والدليل على ذلك هو مقتل حارس جامع النداء على يد هذه المليشيات. وعندما اراد حراس المسجد ملاحقة سيارة الجناة تعرض لهم الحرس الحكومي وقاموا بمصادرة اسلحتهم”.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فأنقل بعض ما حصل لأهل السنة في الحرية تلك الأيام منقولاً بنصه: “وصل عدد العائلات السنية التي تم تهجيرها من منازلها في مدينة الحرية – منذ مساء أمس وصباح اليوم – إلى أكثر من (200) عائلة. وذكر شهود عيان أن محلات (426 و 430) شهدت يوم أمس هجومًا منسقًا من قبل عصابات جيش المهدي الصفوية مدعومة بقوات من الجيش العراقي الموالي للاحتلال، تقوم بتسهيل مهمة العصابات الصفوية، بحسب وصف أهالي المدينة.

يذكر أن المسلحين الصفويين أعلنوا عبر مكبرات الصوت ما يلي: (إلى أبناء معاوية الكافر! وأحفاد عمر اللوطي!! لديكم نصف ساعة فقط لمغادرة منازلكم وإلا سنحرقها فوق رؤوسكم).

وأفاد الأهالي بأن رجال المقاومة تصدوا للمعتدين الصفويين من فوق أسطح المنازل ومن شوارعهم لمدة نصف ساعة. وأدت المواجهات إلى قتل (14) صفوياً. إلا أن قوات الجيش العراقي ساندت تلك العصابات عن طريق الاشتراك معهم في قتال أهل السنة بحجة أنهم “إرهابيون”. كما تمت هذه المساندة عن طريق إمداد المجرمين الصفويين بالسلاح. وشدد أهالي المنطقة على أن نصف الأسلحة التي كان يحملها الصفويون هي من طرز إيرانية الصنع وحديثة. وبعد انقضاء نصف الساعة التي حددها الصفويون – ووسط إطلاق النار المستمر – خرج أخيراً أهل السنة من منازلهم وباتوا في الشوارع بينما أحرقت منازلهم من قبل الصفويين بعد خروج العائلات منها.

جدير بالذكر أن اثني عشر مسجدًا للسنة في الحرية لم يبق منها إلا مسجد واحد. وأما بقيتها: فإما أحرقت، أو اغتصبت وتحولت إلى حسينيات شركية! وعلى الرغم من مطالبات أهل السنة بتدخل الأطراف الرسمية لوقف العدوان، واصلت عصابات جلال الصغير ومقتدى الصدر عدوانها على ما تبقى من منازل السنة، حيث قامت تلك العصابات بقتل (22) مواطنًا بعد أن اشتبكت معهم في معركة غير متكافئة إطلاقًا. فيما تم إحراق مسجد (المهيمن)، وقتل حراسه ومؤذنه الشيخ خالد خليفة. ولا زالت العائلات البالغ تعداد أفرادها أكثر من ألف شخص – بينهم نساء وأطفال وعجزة – مشردة في جامع معروف الكرخي ومدرسة الابتهال، وغيرها من المناطق في منطقة العدل والجامعة والعامرية([2]).

وفي خبر تناقلته عدة مصادر إخبارية، وقنوات فضائية يومها، جاء فيه أن مجاميع من جيش المهدي بعد أن هدموا في مدينة الحرية أربعة مساجد سنية، قامت تلك الوحوش البشرية بحرق ستة من أبناء أهل السنة، بعد ربط أيديهم وأرجلهم ووضعهم في براميل من النفط وإشعال النار فيهم أحياء أمام عوائلهم وأطفالهم.

وفي يوم الخميس الموافق (21/9/2006) قامت ميليشيات طائفية بمداهمة مدينة الحرية، والهجوم على العوائل السنية. وحيث لم يكن في طريقهم أي رجال فقد آثروا أن لا يرجعوا بدون جريمة تقشعر لها الأبدان وهي الهجوم على النساء ، فتصدت لهم اخواتكم:

1. هدية إبراهيم عبد محسن الخليفاوي، من قبيلة الدليم العربية.

2. كريمة داود مطلك الخليفاوي.

وقاتلت كل واحدة منهما – للدفاع عن أنفسهن – قتال الأبطال، وقتال خولة وأُم عمارة، وبكل ماتوفر لديهن من سلاح الى ان نفدت لديهما الذخيرة، فقام الاوباش باقتحام المنزل وأخذ هاتين السيدتين حيث انتهكوا عرضيهما وقتلوهما، وهما الآن في دائرة الطب العدلي([3]).

وفي متابعة لأحداث مدينة الحرية وما تعرضت له من عدوان صفوي مجرم، أقدمت عصابات جيش المهدي على اغتصاب امرأة سنية أمام عينيْ زوجها, بعد أن قامت بربطه على سارية منزله أثناء الهجوم عليه. وجاء في تفاصيل تلك الجريمة البشعة: “إن المنزل الواقع في (محلة 426/ زقاق/ 6 / دار20) هاجمته العصابات الصفوية الإجرامية. وبعد مقاومة شرسة من صاحب المنزل – كما وصفها شهود العيان – أسفرت عن مقتل سبعة منهم، وبعد نفاد عتاد سلاح الرجل اقتحمت هذه العصابات المنزل، وقامت بربطه على أحد أعمدة المنزل المقابلة لحديقة الدار بسلك هاتف. ثم جلبوا زوجته وقاموا باغتصابها أمام عينيه!!! ثم أطلقوا النار على رأسها، فقتلوها. ثم قتلوه. وترك على حاله حتى الصباح مربوطًا على السارية و قربه زوجته ملقاة عارية وقد نُزعت عنها ثيابها([4]).

أفي غير هذا قال الشاعر:

لمثلِ هذا يذوبُ القلبُ من كَمَدٍ إن كانَ في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ

إن هذا بعض ما اقترفته أيدي هذا التيار المجرم، في منطقة واحدة، في فترة قصيرة لا تتعدى أياماً أو ساعات معدودة! فما بالكم بما فعلته في جميع أنحاء العراق، على مدى عشرين شهراً امتدت من شباط/2006 يوم فجر مرقد سامراء وإلى تشرين الأول/2007 بعد أن اختفت تلك العصابات من الشوارع بتأثير الأمريكان والحكومة والصحوات؟!!! فضلاً عما فعلته من قبل، وما زالت تفعله إلى اليوم كلما سنحت لها فرصة.

لا نريد من الهيئة غير أن تقارن بين هذه الجرائم الكبرى وما قاله الشيخ الضاري عن مرتكبيه، وبين ما فعله بنو قينقاع وماذا كان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم منهم، ثم تجيب عن هذه المفارقة الكبيرة إجابة تحكمها الأدلة الشرعية المحكمة، لا التخريجات السياسية المطلقة عن قيد الشرع باسم (الثوابت الوطنية) أو باسم (المصلحة). (وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ).

___________________________________________________________________________________________

  1. – طائفة دينية تقوم ديانتها على عبادة الشيطان ، يتمركزون في قضاء سنجار في الموصل.
  2. – مفكرة الاسلام ، 10/12/2006.
  3. – مفكرة الاسلام.
  4. – مفكرة الاسلام ، 10/12/2006. للاستزادة ، ولا أرى حاجة لمزيد ، يمكن الرجوع إلى ملفات جرائم جيش المهدي في مواقع الشبكة المعلوماتية كالرابطة العراقية، ووكالة حق ، ومفكرة الإسلام، وغيرها . ويمكن مراجعة كتابي (غربان الخراب في وادي الرافدين) المنشور على موقعنا (القادسية).

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى