مقالات

الاتباع للصحابة ..؟ أم لأهل البيت ؟ (1)

 

sahaba1

 

اشتمل القرآن الكريم على كبريات مسائل الدين وأصوله العظيمة. لم يغادر واحداً منها الا وذكره بصريح العبارة نصاً لا يحتاج الى شرح، ولا يقبل اختلافا في التفسير.

1. يقول سبحانه في الآية (44) من سورة النحل: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). (الذكر): هو القرآن الكريم. (لتبين للناس): تبين أي شيء؟ ما نزل إليهم. كل ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم وبينه للأمة فله أصل من (ما نزل). القرآن يؤسس ويؤصل. أما السنة فتبين، وتفرع وتفصل، ولكن لـ(ما نزل). لا شيء من خارج (ما نزل). والرسول صلى الله عليه وسلم بالنسبة للقرآن كالمعلم بالنسبة للكتاب المقرر في المنهج الدراسي، يشرح ما في الكتاب، ولا يخرج عما هو مقرر فيه، أو يأتي بشيء من خارجه ليس له تعلق بما في داخله بوجه من الوجوه.

2. ويقول الرب جل وعلا في سورة النحل، في الآية (89) منها: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).

3. وفي سورة الأنعام الآية (38) يقول تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام:38).

وعند استقراء آيات الكتاب نجد أن الأصول قد ذكرت بنصها تفصيلاً، أما الفروع فبعضها منصوص عليه تفصيلاً، وبعضها إجمالاً. بهذا كان الكتاب مصدراً للهداية، وموئلاً للمهتدين، كما قال سبحانه: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:2).

 

الاتباع في القرآن الكريم

إذا جئنا الى هذا الكتاب العظيم لندرس مسألة من مسائل الدين الكبرى، وأصوله العظمى وهي مسألة (الاتباع)، فما هي النتيجة التي سنخرج بها من حيث الجهة التي امرنا الله تعالى باتباعها؟ وذلك بالنص الصريح المحكم. وليس المشتبه حمال الأوجه المختلفة.

حدد القرآن الكريم في نصوصه الصريحة لنا ثلاث جهات للأتباع. وليس هناك من جهة رابعة.

 

الجهة الأولى: القرآن الكريم

يقول تعالى في حق هذه الجهة:

(وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام:155)

(كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف:2،3)

هذه الجهة الاولى. والنصوص عليها قطعية الدلالة، صريحة المعنى.

الجهة الثانية: الأنبياء عليهم السلام

وأعظمهم وسيدهم وإمامهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. يقول الله تعالى في ذلك:

(اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) (يّـس:20).

(رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران:53).

(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (النساء:125).

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31).

(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)

الجهة الثالثة: الصحابة رضوان الله تعالى عليهم

وقد جاء التنصيص على اتباعهم صراحة في قوله تعالى:

(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100).

وفي سورة (النساء:115) يقول الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً). ولا ينطبق مصداق (المؤمنين) وقت نزول الآية على غير الصحابة.

كذلك وردت في الكتاب مئات الآيات التي تمدحهم وتثني عليهم، وتمجد أعمالهم. وذلك يستلزم الدعوة إلى اتباعهم.

اذن الاتباع للكتاب الكريم.. وللانبياء عليهم السلام.. وللصحابة رضي الله تعالى عنهم.

هل تستطيع أن تجد في القرآن كله – الذي اشتمل على اكثر من (6000) آية – آية واحدة تأمر باتباع جهة رابعة غير هذه الجهات الثلاث؟

ملاحظة:

ثمة جهة أخرى يمكن أن نجعلها رابعة، وهي العلماء. ولكني لم أفردهم بعنوان مستقل لسببين:

السبب الأول: أن الآية جاءت في سياق الحديث عن الأنبياء عليهم السلام، وذلك في سورة (يس:21،20): (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ). ولم يأت للعلماء في باب (الاتباع) ذكر مستقل خاص بهم.

السبب الثاني: لو أخذنا بعموم لفظ الآية لنشمل بحكمها العلماء فإن اتباعهم هنا جاء مقيداً بقيدين: الأول: أن لا يسألوا الناس أجراً أي مالاً. والثاني: أن يكونوا مهتدين أولاً قبل أن يقوموا بنقل الهداية إلى الآخرين. ولا هداية بلا كتاب: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة: 2). بينما جاء ذكر (اتباع) الوحي والأنبياء والصحابة (المهاجرين والأنصار) مطلقاً من كل قيد.

 

ليس لاتباع ( أهل البيت ) ذكر في القرآن

إذن ما يقوله الشيعة من قصر مبدأ (الاتباع) على (أهل البيت) – أو ما يسمونه التمسك بهم – دون غيرهم، دعوى فاقدة للدليل القرآني الصريح، الذي هو شرط أساسي من شروط الدليل الأصولي. فالشيعة أوجبوا على أهل الإسلام أصلاً عظيماً، جعلوه الفارق بين الكفر والايمان هو (اتباع اهل البيت) دون سواهم، من غير استناد إلى آية واحدة محكمة من كتاب الله تعالى البتة. ولو أنهم قالوا: اتبعوا (أهل البيت) لهان الخطب؛ لأن (أهل البيت) يدخلون دخولاً ضمنياً في (الصحابة)، فنحن نتبعهم ونتمسك بهم دون حرج أو إشكال. الشيعة لا يرضون بهذا، انما يريدون منا ان نترك كل الصحابة، وننبذ جميع أهل البيت (من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأقاربه) الا علياً والحسن والحسين وفاطمة).

هذا المعتقد أمر خطير، وأصل عظيم تنبني عليه مسائل وفروع لا تحصى من الدين. إنه أصل يؤسس ديناً جديداً. لا بد إذن أن يكون له ذكر صريح في القرآن. نحن لما قلنا باتباع الصحابة استدللنا عليه بصريح القرآن. الشيعة مطالبون بأن يخرجوا لنا أساس هذا المعتقد الخطير من القرآن بالآيات الصريحة التي لا تحتاج تفسيراً أو توجيهاً من سوى نفسها. وهذا محال. وما بني على المحال محال.

إذن الاتباع للصحابة، وليس لأهل البيت. ولا يفوتنك أن (اتباع الصحابة) أصل يجمع ولا يفرق؛ فالمصطلح يضم كل أتباع النبي صلى الله عليه وسلم: ممن صحبوه من رفاقه، وأزواجه، وأقربائه: من أهل بيت علي ومن غير بيت علي رضي الله عنهم أجمعين. بينما (اتباع أهل البيت) بالمفهوم الشيعي يفرق ولا يجمع، ويمزق ولا يصلح. ومن أين يأتي الصلاح لأمر يكفر جميع هؤلاء سوى أربعة منهم؟! وإن زادوا فعشرة على أعلى تقدير، لا أكثر..!

 

لفظ (الاقتداء) في القرآن الكريم

قد يأتي الأمر بالاتباع بلفظ آخر مقارب هو (الاقتداء). وحين نبحث عنه في القرآن نجد أنه جاء في موضع واحد فقط، في سورة الأنعام الآية (90)، في معرض ذكر الأنبياء عليهم السلام لا (أهل البيت)، يقول تعالى فيه مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ).

لفظ (التمسك) في القرآن الكريم

يستعمل الشيعة لفظ (التمسك) أكثر من لفظ (الاتباع) للتعبير عن هذا المعنى فيقولون: (التمسك بأهل البيت). وحين نأتي إلى هذا اللفظ في القرآن لنتعرف على أي جهة أمر الله تعالى بالتمسك بها نجد أن الله أمر بالتمسك بأمرين اثنين فقط: التوحيد والكتاب. هذان الأمران ورد التنصيص في القرآن على التمسك بهما فقط.

 

  • أما التمسك بالتوحيد، الذي هو أصل الدين فقد ورد في موضعين من القرآن:

1. الأول في سورة البقرة الآية (256): (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256). و(الكفر بالطاغوت والإيمان بالله) هو نص معنى (لا إله إلا الله) ولكن بلفظ آخر. لكن الشيعة يجازفون بلا حجة ليفسروا (العروة الوثقى) بـ(أهل البيت). وهذا من الإفلاس؛ فلو أنهم وجدوا دليلاً من القرآن ينصص على ما يدعون لما لجأوا إلى هذه المجازفات المضحكة. ولا شك في أنهم يتبعون في هذا أهواءهم المجردة، لا غير (ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير).

2. والثاني وفي سورة لقمان الآية (22): إذ يعيد الله تعالى المعنى نفسه بعبارة آخرى فيقول: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (لقمان:22). هذه هي العروة الوثقى.

 

  • وأما التمسك بالكتاب فقد جاء في ثلاثة مواضع من كتاب الله:

1. الأول في سورة الأعراف الآية (170): (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ). اي يتمسكون ويمسكون غيرهم. كما قال في سورة (آل عمران:79): (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ). 2. والثاني في سورة الزخرف الآية (21) يقول تعالى: (أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ).

3. والثالث في الآية (43) من السورة نفسها يعيد المعنى نفسه فيقول: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)

أهل البيت جزء من الصحابة لا مفهوم مستقل بذاته

فأين هم (أهل البيت)؟ لم نجدهم لا في موضوع (الاتباع) ولا (الاقتداء) ولا التمسك أو (الاستمساك).

لم يرد في القرآن آية واحدة تفرد (أهل البيت) بالتمسك تحت عنوان مستقل او اتباعهم او الاقتداء بهم، كما هو الشأن مع الكتاب، والأنبياء، والصحابة. إنما الذي ورد هو (اتباع الصحابة)، ولولا أن (أهل البيت) الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم يدخلون ضمناً تحت هذا العنوان، لما كان ثمة أثر من دليل على اتباعهم؛ فنحن نتبعهم بعنوان (الصحابة)، لا عنوان (أهل البيت). فإن اصر الشيعة على فصلهم عن الصحابة نقول لهم: ليس في القرآن اذن أمر باتباع (أهل البيت) ولا التمسك بهم، ولا الاقتداء بهم. فإذا فصلتموهم عن الصحابة فليس لكم شيء في القرآن بهذا الخصوص. بل ولا غير القرآن. فالسنة تبين وتشرح وتفصل ما ثبت بالقرآن أولاً. فإن كان أصلاً من الأصول – كما هو الشأن مع عقيدة الشيعة في (أهل البيت) – فلا بد أن نجد له أساساً من صريح الآيات دون ظنيها. فإن لم نجد هذا الأساس الصريح دل هذا على كذب الروايات التي يحتجون بها دليلاً عليه.

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى