مقالات

ليس بعشك فادرجي .. شيعي يدعو لإعادة كتابة التأريخ ..! (2)

هل السيد الحسن كانت تحركه ألاعيب السياسة ؟!!!

قال المتكلم: “ان الامام عليه السلام اجل المعركة مع الانحراف الى وقت آخر لحين ازالة الاسباب القاهرة التي فرضت عليه هذا الموقف، وبالفعل فلقد اجل الامام المعركة الفاصلة مع الباطل ليقودها اخيه السبط سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين بن علي عليهما السلام في كربلاء”.

ومن حقنا أن نسأل عن هذه الأسباب القاهرة، التي جعلت الحسن الخليفة المبايع وتحت إمرته خمسون ألفاً من المقاتلين يؤجل معركة وجبت عليه، لكنه مقهور، ليقوم بخوضها بدلاً عنه أخوه الذي لم يكن معه سوى عشرات من الأفراد لا يتجاوزون الثمانين! من هو أكثر عجزاً وقهراً يا من تدعي الحيادية والإنصاف وكتابة التأريخ بضمير حي؟!

بعدها: “لقد كان (صلح) الامام بمثابة محاولة سياسية من الامام للالتفاف على الباطل، باقل ثمن وازهد تضحية، ومن ثم اعادة الحق الى نصابه، بعد ان لمس تاثير وسائل الباطل على فهم الامة ووعيها، وتاليا موقفها”.

إذا كانت هذه نية الحسن – كما تدعي – فلقد (التف على الباطل) بثمن باهض وتضحية غالية، ثم لم يصل إلى شيء! إن المعركة التي أجلها الحسن ليخوضها الحسين كلفته غالياً أيها المتذاكي الأبدعي والمتأرخ اللوذعي! وأنتم إلى اليوم تنوحون على خسارتكم فيها، وتندبون حظكم ونصيبكم منها! فأي ثمن أكبر، وتضحية أغلى وأفدح؟!

بعدها مباشرة: “كما انها مسعى ذكيا من قبل الامام لفضح الباطل وممارساته المنحرفة، خاصة على صعيد القيادة السياسية، وهذا ما تشير اليه نصوص الاتفاقية، الا ان عدم وعي الامة بالاعيب الباطل ودهائه ومكره افشل المشروع، على قاعدة قول الامام امير المؤمنين عليه السلام { لا راي لمن لا يطاع} وهذا ما ابتلي به الامام الحسن عليه السلام وقبله ابيه الامام علي بن ابي طالب عليه السلام”.

هذا أوضح اتهام للحسن بعكس ما وصف به من ذكاء! فإن الذي يخطط لهدف لا تخدمه الظروف الموضوعية، ويتنازل لأجله عن أعظم المبادئ، ويترك لمن بعده أثقل التركات، لا يكون كما وصف. ولا شك أنه لو كانت الأمة على الوصف المذكور، لكان السيد الحسن يعلم أنها كذلك، فعلام كل هذه التضحيات والمغامرات مع مشروع محكوم عليه بالفشل – وباعتراف المتكلم – مسبقاً؟ ثم أليس الحسن– حسب اعتقاد الشيعة – يعلم الغيب ويعلم ما كان وما يكون، فما هذا مع كل هذا؟! أهكذا تريدون أن يكتب التأريخ؟ أم هكذا يكون التفسير؟! بالظنون السيئة، والتخرصات والهوى؟!

ثم ذكر خطبة سماها “هاشمية محمدية علوية طويلة” يصور فيها الحسن نفسه مسكيناً مظلوماً مغلوباً على أمره.. فمن ظلمه واضطره للرضوخ وقد كان لديه الجيوش الجرارة، وتحت حكمه الأصقاع الشاسعة. هل يقدر المتكلم أن يثبت لنا هذه الخطبة بسند صحيح؟ فضلاً عن أن يسوقها بمضمون متناسق غير متناقض. أم هكذا يريد للتأريخ أن يكتب، ويريد لنا أن نسلم، وإلا فهو تاريخ مزور.

هل كتب معاوية تأريخاً ؟

ثم ادعى قائلاً: “لان معاوية بن ابي سفيان، المتضرر الاكبر من وجود الامام عليه السلام، هو الذي كتب تاريخ الامام السبط، وباقلام من اشتراهم من الماجورين الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم. لقد سخر معاوية جيش من (المؤرخين) وفقهاء البلاط وأئمة الجور، واشترى جيشاً من أصحاب الأقلام المأجورة والضمائر الميتة ليكتبوا تاريخ الامام الحسن عليه السلام، فاشاعوا عنه ما يقراه المسلمون اليوم.. ان معاوية نجح، وبدرجة كبيرة، في تشويه تاريخ الامام عليه السلام، بمؤامرة دنيئة انطلت على الامة، جهلا او خوفا او دعة”.

ونحن نسأل هذا المدعي: أين هذا الكتاب الذي كتبه معاوية في تأريخ الحسن؟ ما اسمه؟ ومن هم أولئك الكتاب، أو الكاتب المأجور الذي يعود تاريخ حياته إلى زمن معاوية وضع اسمه على غلاف ذلك الكتاب؟ ومن هم أصحاب تلك الأقلام؟ سمهم لنا؟ واذكر ماذا كتبوا من تشويه لتاريخ الحسن؟ إن الحقيقة الموضوعية تقول: ليس بين أيدينا من كتاب في التأريخ كتب في زمن معاوية، أو زمن الأمويين. على العكس لقد كتب تاريخ الأمويين وشوه بيد الشعوبيين في زمن العباسيين. وإن أهم راوٍ من رواة الطبري عن الأحداث التي جرت في زمن عثمان وإلى نهاية عصر الأمويين شيعي شعوبي محترق هو لوط بن يحيى المعروف بـ(أبي مخنف). والطبري كتب كتابه في زمن العباسيين، وقد توفي سنة (310 هـ)، وروى عن هذا الكذاب (600) رواية غطت تلك الفترة. أما تأريخنا المكتوب فلا يحفظ للسيد الحسن إلا ما هو جميل وقعه، طيب ذكره. ولم ترو دواوين حديث أهل السنة إلا المدح والثناء لهذا الرجل العظيم. والإمام البخاري هو الذي روى فيه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين). ولم ترو هذه الكتب التأريخية والدواوين الحديثية لمعاوية من الفضل مثل هذا ولا ما يدانيه. ولم يستطع ذلك الجيش الذي سخره معاوية – كما يتخيل المتكلم – من (المؤرخين) وفقهاء البلاط وأئمة الجور، ولا من اشتراهم من أصحاب الأقلام المأجورة والضمائر الميتة الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم ليشوهوا تأريخ الحسن، أن يحسنوا تأريخ معاوية ببضعة أحاديث يروونها عن النبي صلى الله عليه وسلم. وإلا فليدلنا عليها. على العكس لقد روى محدثونا من فضائل علي ما لم يرووه من حيث الكثرة عن غيره من الصحابة؛ وذلك أن علياً كثر الطعن فيه، فاحتاجوا إلى كثرة الدفاع عنه. ورغم أن معاوية تعرض كما تعرض علي – وفي الوقت نفسه، ثم انفرد من بعده دونه – للطعن لكن لن تجد في كتب حديثنا في مدحه إلا أحاديث ربما لا تتعدى أصابع اليد الواحدة! وهذا يدل على أمانتهم وموضوعيتهم، وأنهم لم يكتبوا بمقاسات خاصة خدمة لأهدافهم وتلبية لأهوائهم. فأين هذا مما يهرف به من لا يعرف سوى الادعاء ورواية الأحداث وتفسيرها حسب المقاس؟ ثم هو يتهم غيره بما هو واقع فيه، و(يسقط) ما بنفسه عليه!

معاوية : القاتل الأثيم .. أم الخليفة العادل الرحيم ؟

وتختم تلك الكلمة الآثمة بهذه الافتراءات الخاطئة: “ان الحكم الاموي كان يخشى كثيرا الامام الحسن عليه السلام، ولذلك حاول معاوية تمزيق بنود الاتفاقية باي شكل من اشكال المراوعة، فقتل من قتل وطارد من طارد، حتى دس السم للامام الحسن المجتبى عليه السلام، لانه كان يدبر لتحويل الخلافة (الاسلامية) الى ملك عضوض، وان الامام الحسن وبنود (الصلح) كانت عقبة في وجهه، ولذلك لم يعلن نيته بتوريث الحكم الا بعد ان اغتال الامام الحسن عليه السلام”.

وأنا أسأل من هم أولئك الذين قتلهم معاوية وطاردهم؟ ليذكرهم لنا. لن يجد غير قصة حجر بن عدي وأصحابه الستة؟ وحجر رحمه الله اختلف فيه: هل هو صحابي أم تابعي؟ وعلى فرض كونه تابعياً فهذا لا يزري به، ولا يمنعه حقه، أو يبرر ظلمه. كما أنه لو كان صحابياً فهذا لا يمنحه حصانة ضد حدود الله تعالى أن تقام في حقه. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). وقد أقام الحد على بعض الصحابة قتلاً وجلداً وتعزيراً. لكن الذي لا حظته من أمر حجر أن الشعوبيين قد عظموا من شأنه وشأن مصيبته كثيراً، كعادتهم في الغلو بالشخصيات: لا حباً به، وإنما ليظهروا عظم جريرة معاوية في قتله. أي “كتبوا قصته بمقاسات خاصة خدمة لأهدافهم”. والأمر الآخر أن معاوية لم يقتله إلا بناء على حكم شرعي أصدره القاضي شريح. وشريح القاضي ليس لأحد أن يطعن في نزاهته وعدالته لا من أهل السنة ولا من الشيعة؛ فقد تولى القضاء لخمسة من خيرة الخلفاء على التوالي، هم (عمر وعثمان وعلي والحسن ومعاوية). ولا يمكن للشيعة أن يطعنوا فيه بحال بعد أن أقره علي والحسن على القضاء في عهدهما. والمتأمل في سيرة حجر بن عدي رحمه الله والبحث عن السبب الذي من أجله صدر بحقه مثل هذا الحكم يمكن أن يتوصل إلى أن حجراً كان يشاغب على الوالي، ويدعو الناس إلى طلب ثاراتهم، وإلى إثارة غبار المعارك من جديد، وينكأ جراحاً لا زالت خضراء رطبة، ينبغي أن تمسح، لا أن تنكأ؛ فالأمة للتو قد خرجت من أتون حرب أهلية استمرت قرابة خمس سنين، تنازل السيد الحسن من أجل إطفائها عن أعظم ما تتعلق به النفوس، وتتقاتل عليه الجيوش. وبعد أن لم تنفع مع حجر كل النصائح والتحذيرات حكم فيه القاضي شريح حكمه درءً للفتنة التي يقول الله تعالى فيها: (والفتنةُ أكبرُ منَ القتلِ) (البقرة:217). كما إنه يقول: (من قتلَ نفساً بغيرِ نفسٍ أو فسادٍ في الأرضِ فكأنّما قتلَ الناسَ جميعاً) (المائدة:32). فالنفس تقتل بالنفس، وتقتل بإثارة الفتنة، التي هي من أكبر الفساد في الأرض. وواجبنا تجاه ذلك الجيل أن نستغفر لهم، ونعتذر لهفواتهم. ولولا شعوري بهذا الواجب لما كتبت ما كتبت. رحم الله حجراً وغفر له ولمعاوية ورضي عنهم أجمعين (إخواناً على سرر متقابلين).

لقد تولى معاوية الحكم أربعين سنة: عشرين سنة أميراً وعشرين أخرى خليفة، ولم يؤثر عنه أنه قتل في عهده سوى سبعة، وقد حكم إمبراطورية امتدت من المحيط إلى المحيط. فلنفترض أنه قتلهم خطأ أو ظلماً، فحاكم امتد حكمه في الزمان والمكان هذا الامتداد، ولم يقتل إلا هذا العدد أعتقد جازماً أن الأرض تبكي اليوم على مثله رحمة وعدلاً، ولا يبعد من قال فيه: إنه المهدي الموعود. وينكس إزاءه المتكلم وقومه رؤوسهم حتى تبلغ أحذيتهم، ولا يرفعونها أبداً خجلاً وعاراً. ألا يرون ما فعلوا بالعراق، ومنذ خمس سنين؟! ثم لم تكتف نفوسهم العليلة إلا بـ(إسقاط) مظالمهم ومخازيهم على أُسد الشرى وتيجان رؤوس الورى!

ويتوالى سقوط الحجج

وهكذا تتساقط حججهم، وتتهافت شبههم كأنها الهشيم تحطمه نار الغضى! ويتبين أنها ليست أكثر من دعاوى فارغة لم تحكمها أدلة بينة، ولم يقف في وجهها ضمائر حية. ومنها فرية موت الحسن بالسم بأمر من معاوية، فهي دعوى بلا سند صحيح، ولا تثبت عند النقد. وتعليله الأمر بأن الحسن كان عقبة في وجهه، ولذلك لم يعلن نيته بتوريث الحكم إلا بعد أن اغتاله بالسم، ليس أكثر من تعبيرات إنشائية مفككة، نابعة من نفسية عليلة متشككة، لا قيمة لها أمام البحث العلمي، الذي لبس المتكلم ثوبي زوره عند بداية كلامه. ويكفي بعد ذلك أن نسأل: والحسين رضي الله عنه أين كان؟ ألم يكن هو الآخر عقبة في وجه معاوية؟ أم لم يكن معاوية – وهو السياسي المحنك والداهية العليم – يراه كذلك؟ لم لم يدس له السم أيضاً، ويتخلص منه كما تخلص من أخيه، ويحل المشكلة من جذورها؟ ويسد مجاري المياه من صدورها؟ أم لم يكن له من الخطر والدربة ما كان للحسن؟ علماً أن الحسن ذو شخصية مسالمة، والحسين ذو شخصية معارضة ثائرة؛ فالخطر من جانب الثاني أشد وأكبر. فالحذر منه أولى، والتخلص منه أحرى.

تلاعبوا بالقرآن أفلا يزورون التأريخ ؟!!!

هذا وقد خاض المتكلم في بعض الآيات المتشابهة، وجاء ببعض الروايات الكاذبة مثل (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا). وادعى أن الحسن منصوص على عصمته بقوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً). ولست أراني في مقام محاججة عقائدية لأرد عليه افتراءه هذا. ولكن هذا يقودني إلى القول: إن القرآن الكريم نصوص محفوظة، ليس فيها زيادة أو نقصان، ومع هذه الخصيصة العظيمة لم ينتفع بها المتكلم ولا قومه، حتى أولوها وفسروها حسب مقاساتهم الخاصة، خدمة لأهدافهم المقصودة. وإن الأذان الذي يرفع خمس مرات وكلماته معدودة محدودة تمكنوا من تغييره حسب مقاساتهم وأهدافهم، وإدخال ما لم يأذن به الله فيه، وباعترافهم؛ إذ لا أحد من علمائهم يقول: إن ما يسمونه بـ(الشهادة الثالثة) كانت في الأذان طيلة عهد النبي، ولا زمن سيدنا علي. فما بالك بـ(التاريخ)، الذي هو بحر لا ساحل له، وعلم لا ضابط له؟؟؟؟!!!!!!! ثم بعد كل هذا يأتي مثل هذا القزم “ليدعو المسلمين، وخاصة المؤرخين والكتاب والباحثين والمهتمين، إلى إعادة قراءة التاريخ الإسلامي بضمير المنصف”.

أيتها البومة العمياء! والصعوة العرجاء! “ليس بعشك فادرجي”. ولست بدارك فاخرجي.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى