بيان ؟ أم بهتان ؟ .. قراءة في بيان المفكر الشيعي أحمد الكاتب (1)
أرسل إلي أحد الفضلاء مقالاً مطولاً للكاتب الشيعي المعروف (أحمد الكاتب) صادراً تحت عنوان (البيان الشيعي الجديد)([1]) يريد رأيي فيه. قرأت المقال فوجدت كاتبه خلط فيه عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ولبس حقاً بباطل لينتهي إلى نتيجة ظاهرها الصلاح والهدى، وحقيقتها الفساد والردى. ووجدته أبعد ما يكون عن البيان، وأقرب ما يكون إلى التلبيس والتدليس، وخلط الأوراق والتعمية والبهتان! وما هكذا يكون البيان! يقول تعالى جل في علاه: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:138).
وقد كنت قبل اليوم – ومنذ صدور كتابه “تطور الفكر السياسي الشيعي” – أعتبر الكاتب رجلاً حر التفكير، يبحث عن الحق والحقيقة بموضوعية. وكنت أفسر ما عنده من أباطيل على أنها أغلاط ورواسب وأخلاط قديمة لو اكتشف خطأها تراجع عنها، وهو في طريقه إلى تصحيح جلها أو كلها. حتى إني كنت أخشى في فترة من الفترات أن يعلن قريباً سنيته ويخلع شيعيته وأقول: بقاؤه على تشيعه يمنح أفكاره الجديدة قبولاً أكثر ضمن طائفته؛ فلو متعنا بشيعيته أطول فترة ممكنة! رغم ما كانت تراودني من شكوك أحياناً بحياديته، حتى قرأت مقاله هذا فتبين لي أن الرجل ليس بذاك! إنه منحاز لطائفته، يستعمل التلبيس – كأي شيعي – للوصول إلى غايته؛ والدليل على ما أقول بيانه هذا، الذي استنفر فيه كل طاقته في ترقيعات هي أوهى من خيط العنكبوت، لا يخفى ضعفها وانحيازها وبعدها عن الموضوعية على من هو دونه بمراتب، فكيف لي أن أقتنع أنها خفيت أو التبست عليه؟
مغالطات وتلبيسات
أنكر الكاتب في بيانه العصمة والإمامة والمرجعية الكنيسية لرجال الدين عندهم وخمس المكاسب وغيرها من المبتدعات الشيعية، وقال بوجوب صلاة الجمعة ودفع الزكاة وغيرها من الواجبات الشرعية. كما أنكر دعاء الأئمة والاستغاثة بهم والنذر لهم، وعد ذلك من الإشراك بالله. وهذا من الحق الذي يمدح عليه. ولكنه لبس هذا كله وغيره بسيل من المغالطات والتأويلات الباردة.
خذ مثلاً على ذلك قوله عن هذه العبادات الشركية: (وهو على أي حال عمل لا يقوم به إلا الجهلة والبسطاء من الناس، وأما عامة الشيعة فهم يزورون قبور الأئمة والأولياء ليستغفروا الله لهم ويترحموا عليهم أو يستلهموا العبر من حياتهم وكفاحهم في سبيل الدعوة إلى الله).
وتلفتُّ حولي: هل أنا على كوكب الأرض؟ أم على أرض المريخ؟!
إن ما قاله غير صحيح: فلا هذه الأفعال الشركية مقتصرة على “الجهلة والبسطاء” من الشيعة، بل هذا المنكر هو ما يأتونه في ناديهم جميعاً عالمهم وجاهلهم، ولا عامة الشيعة (يزورون قبور الأئمة والأولياء ليستغفروا الله لهم ويترحموا عليهم أو يستلهموا العبر من حياتهم وكفاحهم في سبيل الدعوة إلى الله): بل هؤلاء يزورون القبور لدعاء أصحابها والاستغاثة بهم والطلب المباشر منهم، ويعتقدون بأنهم يسمعونهم ويبصرونهم، ويضرون وينفعون ويغيثون ويمنعون. نعم قال في البداية حقاً، لكنه لم يلبث حتى لبسه بباطل؛ فأبطل حقه!
الشيء نفسه فعله حينما ذكر عقيدته هو في القرآن الكريم. وكان المفترض فيه حتى يثبت مصداقيته، ويقنعنا بجدية دعوته أن يدعو علماء طائفته للانتهاء عن القول بالتحريف واتباعه في ما يعتقد، بدلاً من يجازف ليدعي أن هذه العقيدة التي يتبناها هي عقيدة علماء الشيعة قاطبة، وما خالفها فلا مستند له سوى روايات ضعيفة من وضع الغلاة وردت في حقبة غابرة ولت وانتهت. ثم تجاوز ذلك إلى أن حمل على الذين ما زالوا ينسبون التحريف إلى الشيعة ووصفهم بالخصوم الذين يكيلون التهم جزافاً: (نؤكد على سلامة القرآن الكريم من التحريف والتلاعب والزيادة والنقصان. وأن الله تعالى قد تكفل بحفظه حيث قال: (إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9). وأن كل ما قيل أو ورد في الكتب الغابرة هي أحاديث ضعيفة وضعها الغلاة في تراث أهل البيت. وقد قام علماء الشيعة عبر التاريخ بنقد تلك الأحاديث والتبرؤ منها. ونأسف لاستمرار بعض خصوم الشيعة بترديد أسطورة تحريف القرآن، واتهامهم بها عبر التاريخ، واستعمالها أداة لضربهم واتهامهم بالكفر وانحراف العقيدة).
لا يفوتنك أن الكاتب لم ينسب عقيدة التحريف حتى إلى علماء منهم بادوا وانتهى زمانهم، إنما جعل ذلك من نصيب أحاديث ضعيفة! وفرق شاسع بين الأمرين: بين أن ترد عقيدة على لسان العلماء، وبين أن ترد تلك العقيدة في أحاديث. وهو دقيق جداً في إدراك هذا الفرق والتعامل معه في دفاعه الجلد عن باطل قومه وطائفته. ومن الناحية العلمية فإن المعنى لا ينسب لأحد ولو جاء في حديث صحيح حتى ينطق به. فكيف وقد نسب تلك العقيدة لأحاديث وصفها بالضعيفة، لم يأخذ بها عالم من علمائهم، بل ردوا عليها وانتقدوها وتبرأوا منها؟! ولا يخفى على أحمد الكاتب أن هذا من نسج خياله، ومحض قاله! بل أنا أجزم أنه يعلم أن عقيدة التحريف هي عقيدة علماء طائفته قديماً وحديثاً؛ فالأدلة على هذه الحقيقة أكثر من أن تحصر، وأدهى من أن تخفى.
ثم انظر كيف استثمر هذه المغالطة في اتهام أهل السنة بأنهم غير حياديين ولا منصفين حينما يسقطون تاريخاً ولى وانقضى على واقع مغاير. وهكذا تمكن بشيء من التلاعب بالألفاظ واللعب بالمعلومات من أن يقلب الحقيقة فيجعل من الظالم مظلوماً، ومن العدل ظالماً. واتخذ من الدفاع هجوماً – وهي طريقة الشيعة: لا يدافعون حتى يهاجموا – وهذا تلبيس واضح يحملني على أن أشك حتى في عقيدته التي ادعاها، وأحتمل أنه إنما قالها (تقية)! وينسحب ذلك على مصداقيته في كل ما يقول ويدّعي.
وهكذا فعل مع بقية العقائد: فكل عقيدة فاسدة إنما هي من وضع الغلاة في حقبة غابرة ولت وانتهت؛ فمحاكمة الحاضر طبقاً لهذه العقائد اتهام بالباطل وتجنٍ بحق الشيعة من خصوم غير منصفين لا يقرأون الواقع، ولا يريدون رؤية المتغيرات الحادثة. دون أن يقدم لنا دليلاً على قوله سوى الدعوى وتقليم الحقائق والتهوين من العظائم لتأتي الأمور مطابقة لما يريد! فهل هذا فعل من يبغي البيان، ويريد الإصلاح؟
ومن مغالطاته اتهامه المبطن لأهل السنة بعدم معرفة هذا الفرق: (ندعو إخواننا من أهل السنة وسائر الطوائف الإسلامية إلى الانفتاح على إخوانهم الشيعة، والتعرف عليهم أكثر، والتمييز بين المعتدلين منهم (وهم عامة الشيعة) والغلاة والمتطرفين، وعدم الحكم عليهم بناء على أقوال الشواذ والسابقين، والنظر إلى واقعهم الجديد، وملاحظة التطورات الجذرية الفكرية والسياسية التي حصلت وتحصل في صفوفهم، وتأييد النشاطات الإيجابية والتضحيات الجسيمة التي قدموها ويقدمونها في سبيل تحرير بلدانهم من نير المستعمرين والمحتلين).
وهذا كله محض أوهام غايتها أن تكون أماني وتهويمات عائمة! ثم أين هذه “النشاطات الإيجابية والتضحيات الجسيمة التي قدمها الشيعة ويقدمونها في سبيل تحرير بلدانهم من نير المستعمرين والمحتلين”؟ الأمر بالضد تماماً. اللهم إلا إذا كان يعتبر إثارة الفتن والقلاقل الداخلية جهاداً وتضحية وتحريراً. وهذه هي نظرة الشيعة كلهم. إن الذي جاء بالمحتل إلى العراق هم الشيعة، وهم الذين خدموه وحموه ووقفوا ضد الجهاد السني لدفعه ومقاومته. وقد تضافر على ذلك حكوماتهم وأحزابهم وحوزاتهم وخواصهم وعوامهم – إلا القليل – ومليشياتهم وعلى رأسها جيش المهدي ومنظمة بدر، وقواهم الأمنية والعسكرية ومن ورائهم إيران وفيلق القدس والمجاميع الخاصة؛ ما شكل وصمة عار في تاريخ الشيعة لا تغسلها البحار السبعة ومثلها معها. وأما إذا كان يقصد لبنان فالشيعة هناك هم الذين تآمروا على المقاومة الفلسطينية وأخرجوها إلى تونس على يد منظمة (أمل)، ثم جاء (حزب الله) ليكمل المسيرة وليحكم قبضته على الجنوب ويقطع الطريق على أي مقاوم فلسطيني أو لبناني ضد كيان اليهود. وهذا بشهادة الأمين العام السابق للحزب صبحي الطفيلي. ومشروع (حزب الله) مشروع إيراني طائفي بامتياز أسسه الخميني ليكون ذراع إيران الضارب في المنطقة. أفبمثل هذا يفخر الكاتب افتخاراً؟ أم عليه أن يتوارى خجلاً وعاراً؟!
ألم يسمع الكاتب ويشاهد ما يفعله الشيعة بأهل السنة في إيران؟ وما يثيرونه من فتن في البحرين؟ ألم يصله خبر مظاهراتهم الغوغائية الأخيرة في البقيع، ومطالبات معمميهم بالانفصال، والتحريض على التمرد والقتال؟ وحسب علمي فإن الكاتب يقيم في لندن؛ فلا بد أنه علم بخبر تظاهر واحتجاج شيعته قبل أيام أمام السفارة السعودية في لندن، والشعارات الطائفية التي أطلقوها والتهديدات والمطالبة بانفصال المنطقة الشرقية وتكوين دولة شيعية ترتبط بشيعة العراق، واللافتات المكتوبة والتي تهاجم علناً فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتلعنه وتتهمه بالاعتداء على السيدة فاطمة رضي الله عنها! أم إن هؤلاء جاءوا استيراداً على ذمة التاريخ!
- () نشر (البيان) في جريدة “الوطن” البحرينية ، العدد 1184 الأحد 8 مارس 2009 ، كما نشر على مواقع ألكترونية عديدة مثل موقع منبر الحوار ، ومركز الشرق العربي . ↑