تاريخنا كيف يسرق أمام أعيننا ؟!
في مقالتي (عندما يكون التاريخ هو القضية) حددت خطين رئيسين لمسار سرقة التاريخ، هما خط السياسة وخط المقاومة. بينت في خط سرقة المقاومة كيف تجري اليوم عملية تمجيد (جيش المهدي) الإجرامي، وتلميعه على أنه رمز المقاومة، ومثال المليشيا الوطنية الباسلة، التي قاومت المحتل بقيادة جناحها السياسي (التيار الصدري). وأن العملية مبرمجة عن وعي وسبق تخطيط، وليست هي عشوائية أو عفوية.
وأنا حين أقول هذا إنما أقرر حقيقة قامت على إبرازها معطيات كثيرة، تتلخص في أصوات عديدة تنتمي لجهات متعددة تدعي تلك الدعوى، أخطرها تلك التي يسوقها بعض المخدوعين والمغفلين من أهل السنة؛ فإن هذا سيتخذه المزورون حجة يتعلقون بها لإثبات هذا الزور، وكذلك ما يقوله بعض القريبين من الإنصاف من الشيعة، ممن تهيأ لهم في العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة أن يعيشوا في حاضنات اجتماعية أو سياسية تمكنوا من خلالها أن يعلوا أو يتخلصوا إلى حد كبير من الروح الطائفية التي تغذيهم بها حاضنتهم الأصلية.
أحد هؤلاء الشيعة القريبين من الإنصاف كاتب اسمه د. كاظم عبد الحسين عباس، وجدته قد كتب مقالاً على موقع (الرابطة العراقية) بتاريخ (14/9/2008) يحاول في مقاله أن يسلط الضوء على (الحيرة التي تسود واقع أبناء الجنوب إزاء التوفيق بين إعلان إيران رفضها للاحتلال الأمريكي للعراق عند وقوعه، وبين ما يرونه في الميدان من دخول الاحزاب والمليشيات التى نعرف أنها أحزاب ومليشيات ايرانية بالهوى او بالجنسية او بكليهما الى العراق مع المحتلين, وفى ذات الوقت خرج على العراق مبشرون يروجون للولاء لايران باعتبارها الملاذ الوحيد للشيعة ضد “العرب النواصب والقومجية”).
ما يهمني هنا من مقاله أنه قسم المقاومة فيه إلى شقين: سني وشيعي، وبداية من العنوان: (إيران تقاوم الاحتلال في العراق! وجه للنفاق المكشوف واستماتة لإضعاف المقاومة العراقية بشقيها السني والشيعي). مما جاء فيه عن جيش المهدي والتيار الصدري قوله: (لمن لا يعرف شيئاً عن التيار وجيشه، نقول: إن التيار قد انشئ بمباركة الحكومة الوطنية العراقية عموما وبتوجيه مباشر من الرئيس الشهيد صدام حسين رحمه الله حين التقى مجموعة من علماء الدين فى النجف ودعا الى ممارسة صلاة الجمعة فى مسجد الكوفة، والى إظهار أعلمية رجال الدين العرب التى ظلت فى الظلال قرونا مقارنة مع علماء دين فرس وافغان وباكستانيين… فالتيار الصدرى ما هو الاّ بضع مئات من مصلي الجمعة حين وصلت جيوش الغزو الامريكية، وتم احتلال العراق عام 2003 ، وعندها تم الترتيب لهذا التيار لكى يطفو على سطح وواجهة الاحداث على انه تيار عروبي، خطط وأريد له ان يقف على الند من احزاب الطائفة القادمة مع الاحتلال من خارج حدود العراق). ثم قال: (ومع الاعلان عن دور جهادى قتالى لجيش المهدى ضد قوات الاحتلال انتهز رجال العروبة من الوطنيين والقوميين والبعثيين “ضباط وجنود وفدائيو صدام وجيش القدس”، انتهزوا عفوية الانتماء للجيش وعدم وجود تشكيلات معروفة لدى” التيار الصدري” بأسماء عناصر هذا الجيش فدخلوا فيه متخذين منه ستارا لمقاتلة المحتل خاصة بعد ان اصبح كل عربى عروبيا مسلما هدفا للتصفيات الجسدية التى ساهمت فيها مجاميع خاصة مدربة فى ايران من التيار الصدري).
كل هذا ليصل إلى الفكرة التالية التي عبر عنها نصاً: (وعلى هذا فان جيش المهدى ليس كله تيارا صدريا على الاطلاق). ثم قال: (وعلى هذا فان جيش المهدى هو جيشان فى جيش واحد: عروبيون جيروا فوضى التيار وفوضى تحركاته، الموسومة برغبة عارمة لاعتماد الكم الكبير فى تشكيلات هذه المليشيا، لكى ينفذوا ارادتهم الجهادية ضد الاحتلال.. وجيش آخر متداخل مع هذا بطريقة التشكيل العضوى التى حصلت فى حينها وهو ايرانى الاصل أو الهوى. وصار من الصعب او المستحيل فصل نقاط تداخلهما وعقد الاتصال بينهما. وكانت إيران موجودة فى صميم اللعبة فدفعت جيش المهدى العروبى المقاتل الى ساحات قتل مكشوف بقيادة مقتدى غير المجرب لا سياسيا ولا عسكريا… وهكذا أضعف جيش المهدى فى معارك غير متكافئة وتم التخلص من عناصر كفوءة اما بقتلها فى ساحات المواجهة او اعتقالها او بانسحابها تدريجيا خارج التشكيلات بعد ان اتضحت لها جوانب من اللعبة الايرانية… وهكذا تخلصت ايران بمقايضة مكشوفة من جزء جيش المهدى غير الفارسى وهو الجزء المقاوم والذى لا ينتمى الى التيار الصدري، الاّ من باب التستر ففككت عناصره بين قتيل ومعتقل وفار).
يظهر من اسم الكاتب وكلامه أنه شيعي يشعر بانتماء وطني وربما عروبي أيضاً، وأنه يميل إلى الإنصاف، وعدم الإيغال في المغالطات كثيراً. ومع ذلك ارتكب كل هذه المجازفات والدعاوى الافتراضية الكبيرة ليحاول إثبات فكرته أو رغبته في أن للشيعة مقاومة وطنية عروبية هي عبارة عن جزء غير منظور من (جيش المهدي). وفي النهاية تم التآمر على هذا الجزء وإنهائه تماماً! هذا والكاتب على الوصف الذي ذكرت، فكيف بحاملي راية التزوير، الذين صار الكذب والتقية أمهم وأباهم، وروحهم وهواهم.. ماذا كتبوا؟ وماذا سيكتبون؟!
افتراضات خيالية عائمة
إن محاولة الكاتب تصوير جيش المهدي (بأن فيه رجالاً عروبيين انتهزوا عن سابق تخطيط وتوجيه عفوية الانتماء فدخلوا فيه متخذين منه ستاراً لمقاومة المحتل) مجرد كلام افتراضي ليس له ما يسنده في الواقع من أدلة ثبوتية ولا حتى ظنية؛ إذ لم يقدم لنا أي معطى على الأرض يمكن الاستناد إليه لتقبل هذه الدعوى الكبيرة. إن هذه الفرضية غير العلمية استدعت منه تحليلاً افتراضياً آخر، أو ربما يكون قد وضع تلك المقدمة للوصول إلى هذه النتيجة أو (التحليل) ألا وهو (أن إيران دفعت بـ”التيار العروبي” داخل جيش المهدي إلى مواجهات مكشوفة مع قوات الاحتلال والحكومة لتصفيته والتخلص منه). إن ما يدحض هذه الفكرة – إضافة إلى كونها مجرد نتيجة مبنية على فرضية عائمة – هو أن القتال الحاصل كانت نتيجته القضاء على لفيف كبير من عتاة مجرمي جيش المهدي، وتخلص الناس والمجتمع من شرهم، فخف القتل الطائفي حتى كاد يختفي من الشارع، بل اختفى تماماً في أكثر المناطق. ولا شك أنه لو كان ثمة أعداد مؤثرة من العروبيين أو الوطنيين مخطط لها مسبقاً ولها ذلك التأثير الذي يجعل إيران في حيرة من احتوائه إلا بزجه في مثل تلك المعارك لكان القضاء عليهم يشارك في زيادة القتل والتخريب لا في تقليله. لكننا وجدنا العكس. أفبقتل الصالحين تنصلح الحال؟! اللهم إلا على قاعدة (إن كان الدين لا يثبت إلا بقتلي فيا سيوف خوووذيني)!
الظاهر أن الكاتب الفاضل من أولئك القلة القليلة من الشيعة الذي يحملون في داخلهم عناصر وطنية طيبة من جهة، وعناصر انتماء مذهبية من جهة: فهو يريد أن يضفي على انتمائه ما يؤهله للاعتزاز به من النوايا والأفعال الطيبة كالمقاومة وغيرها. وتستطيع أن تستشف هذا من خلال العنوان الذي (شق فيه المقاومة العراقية إلى شقين: سني وشيعي) دون تقديم دليل مادي يمكن الاستناد إليه سوى أنه افترض أن عناصر عروبية اندست خلال التيار… إلخ. وهذا دليل على عدم وجود مقاومة شيعية واضحة كما هو الحال عند أهل السنة لها اسمها ورايتها، وإلا لما اضطروا إلى التعبير عن عروبتهم بهذه الطريقة، التي صورتها فرضية الكاتب. ولا أظن أحداً يستطيع أن يقدم لنا اسم فصيل شيعي واحد – له اسمه وشعاره واستقلاليته وناطقه الرسمي وعملياته الثابتة المصورة – قاوم المحتل. كل الذين ادعوا هذه الدعوى إنما يتخذون من جيش المهدي دليلاً عليها. وما هو بدليل. بل هو دليل ارتدادي يحسب عليهم لا لهم. فإذا كانت هذه هي مقاومة الشيعة – وليس لهم غيرها – فليس لهم من اسم المقاومة سوى التخريب والطائفية والعمالة لإيران وأمريكا. و مما يؤسف له أن د. كاظم عبد الحسين نفسه لم يجد دليلاً يشير به إلى ثبوت عنوانه الخطير والكبير سوى افتراضه وجود عناصر عروبية ذات نوايا وأهداف وطنية اندست في التيار لتنفيذ أهدافها. فلم يجد في النهاية سوى جيش المهدي ملاذاً لدعواه!
نحن نتمنى أن يكون لكل عراقي نصيب في مقاومة المحتل مهما كان دينه أو مذهبه؛ فهذا واجب عليه وحق من حقوقه. ولكننا إزاء كتابة تأريخ لا يجوز لنا أن نتجنى فيه على دماء الذين انتخوا وقاوموا وضحوا بأرواحهم وأمنهم وديارهم وخبزهم لنفرض عليهم فرضاً أن يقاسموا القاعدين والعملاء والمتفرجين أو المشجعين – وهم قلة – دمهم ونتائج تضحياتهم. لا ينبغي للتاريخ أن تكتبه المجاملات ولا الدعاوى ولا الافتراضات، بل ولا الأماني أو النوايا مهما كانت طيبة خالصة[1].
_________________________________________________________________________________
- – تعليق من حامد العمري: العراق /الموصل – 11/03/20091. ورقة ادارة الصراع التي قدمت من هيئة علماء المسلمين التي تثني على الشيعة وتعتبر الخلاف مع ايران خلاف هامشي وتشتيت للجهود!
2. إن سرقة تاريخنا تتم من خلال مؤتمرات حول المقاومة وعلى لسان من يدعون اهم قياداتها وحاملي لوائها واخر تلك المؤتمرات (غزة النصر الذي عقد في اسطنبول) حيث لم يترك الشيخ حارث الضاري وعبد السلام الكبيسي ومثنى الضاري فرصة ولقاء ومنبر ألا وأكثروا المديح والثناء على جيش المهدي والتوافق معه والوطنيين وشجاعتهم والطعن باهل السنة ورموزهم.
3. المديح المفرط لكاظم عنيزان ووطنيته حتى بات الحضور من كل العالم الاسلامي يرون في العنيزان امام المجاهدين (وهو يتسكع في علب الليل ويعاقر الخمور والقمار)
4. حين سئل الضاري عن ان المقاومة في العراق سنية غضب اشد الغضب ورفض ذلك وأكد ان اخوانه الشيعة وعلى رأسهم الخالصي والعنيزان كلهم مقاومين. ↑