مقالات

بيان ؟ أم بهتان ؟ .. قراءة في بيان المفكر الشيعي أحمد الكاتب (2)

مزيد من المغالطات

انظر إلى تهوينه من شأن الخلاف بين أهل السنة والشيعة حيث يقول: (إن الخلاف الطائفي الشيعي السني خلاف سياسي تاريخي.. وقد تجاوزه الزمن، وفَقَدَ مبرر وجوده اليوم.. ولم يبق منه سوى بعض الرواسب والمخلفات البسيطة التي لا تشكل مادة جدية للخلاف فضلاً عن التناحر بين المسلمين. وهو على أية حال ليس خلافاً عقدياً جذرياً.. إن الخلافات الطائفية لا تتعلق بمبادئ الدين الثابتة، أو ضروريات الإسلام، وذلك لأن الإنسان المسلم ملزم بالعقيدة الإسلامية الواردة في القرآن الكريم، وفيما عدا ذلك فان كل شيء ظني واجتهادي ومختلف فيه).

وما قاله مجافٍ للحقيقة التي يعلمها الكاتب قبل غيره. إن الخلاف بين الشيعة وأهل السنة هو في أصول الدين وأساسيات العقيدة، وفي الأمور القطعية قبل الظنية. نحن إزاء دينين مختلفين أصولاً وفروعاً، والكاتب يعرف ذلك جيداً، وليس هو ممن يخفى عليه مثل هذه الحقيقة الواضحة؛ فعلام هذا التلبيس؟ وما الذي يبغيه من ورائه؟

وإذا كان هذا هو مستوى تفكير صاحب المقال أو (البيان) جاهلاً أو متجاهلاً: فما قيمة ما يبنى على قوله؟ وكيف يمكن التعويل عليه وعلى مثله؟ إن العلاج لا يتم مع تجاهل الداء، أو الجهل به توصيفاً وتشخيصاً.

ومن مغالطاته الواضحة تقسيمه الشيعة إلى فريقين:

1. الغلاة، وهم الشواذ والبائدون.

2. والمعتدلين، وهم جل الشيعة وأكثريتهم والمعاصرون.

أي إن حال الشيعة المتأخرين قد تحول تماماً عن حال الماضين بحيث تحول الخلاف إلى خلاف تاريخي لا وجود له اليوم.

ومنها دعواه بأن المدرسة الأصولية الشيعية، وهي تمثل غالبية الشيعة اليوم، تمثل نموذج الاعتدال الذي قضى على الغلو والانحراف في الفكر والمعتقد الشيعي: (نقدر “المدرسة الأصولية” التي فتحت باب الاجتهاد، وأعادت إلى التشيع توازنه واعتداله، ورفضت الكثير من خرافات الأخباريين وأساطيرهم، ونطالب الفقهاء بممارسة مزيد من الاجتهاد في الأصول والفروع والرجال والحديث، ومكافحة الغلاة “المفوضة” الذين ينسبون إلى أئمة أهل البيت صفات الربوبية ويغالون فيهم ويدعون لهم مقامات عليا، وأدواراً فوق مستوى البشر، ومهمات من أعمال الله تعالى، كإدارة الكون أو الخلق والرزق وما إلى ذلك، تحت غطاء نظرية “الولاية التكوينية”). والخوئي والخميني مثالان قريبان ينقضان دعواه العريضة هذه من أساسها.

خلاصة القول: أن البيان أو المقال مليء بمثل هذه المغالطات والدعاوى والمجازفات. وهو لا يكتفي بالبيان والدفاع عن الشيعة، حتى يحول ذلك إلى هجوم واتهام لأهل السنة! ولو رحت أستقصيها واحدة واحدة لطال بنا المقام في غير طائل. ولكن أقف من كل هذا أمام حقيقتين اثنتين كبيرتين:

الكاتب ليس مرجعاً لطائفة ولا ممثلاً لجماعة

الأولى: ما قيمة هذه التصريحات – على ما فيها من مغالطات – على مستوى الطائفة؟ فلا أحمد الكاتب مرجعية دينية معتبرة يلتزم الشيعة بفتاواها ومقرراتها وتصريحاتها، ولا هو يمثل جهة سياسية مؤثرة لها أتباع بالملايين. إذن هو ليس مرجعاً، ولا يمثل جهة معتبرة يمكن أن يبنى على رأيها وتعهدها موقف. والنتيجة أن كاتب البيان لا يمثل إلا نفسه وقلة ممن يؤيدونه هنا وهناك في هذا العالم الواسع، حاله حال أي مفكر أو مصحح في داخل أي طائفة أو دين. فليقل هو وأمثاله ما يقولون، وليبيعونا من الكلام ما يرغبون: ما قيمة ذلك؟ نحن نريد موقف طائفة، لا رأي شخص. ومع كل هذا فهذا الشخص قدم من القرائن ما يكفي للتشكيك في قوله، وأنه غير واضح ولا صادق في دعواه!

أقول هذا لأني أجد كثيراً من أهل السنة يكادون يطيرون فرحاً بمثل هذه الفرقعات، ويعولون عليها كثيراً، ويبنون عليها مواقف، وقد يعقدون مع أصحابها اتفاقيات وتعهدات، لا يربحون منها شيئاً سوى الكلام، ولا تلزم الجهة الأخرى بشيء لأنها صادرة لا عن جهة معتبرة، ولا تؤثر في جمهور الشيعة لأنه محصن. عكس الجمهور السني. نعم يمكن الاستفادة مما يقول، ولكن في هذا الإطار، ولا يتعدى به إلى أكثر من هذا الحجم. ولا يبنى عليه موقف يخص الطائفة حتى يكون القول أو (البيان) صادراً من جهة تمثلها.

تعدد أدوار ووحدة هدف

الثانية: يلاحظ المتابع للمشروع الشيعي أن قادة الشيعة يتقاسمون الأدوار فيما بينهم إلى حد تناقض هذه الأدوار وتضاربها في الظاهر، المهم تلاقي نهاياتها البعيدة بما يخدم المشروع. وأنا لا أريد أن أستعجل لأسلك الكاتب في هذا المسلك، قبل أن أحاول إثبات كيف أن هذه التصريحات تصب في خدمة المشروع الشيعي، وتلتقي في نهاياتها البعيدة مع أطراف الغلو والشذوذ الطائفي. وعندها أترك الحق للقارئ في أن يرى ويحكم ويختار.

فمما دعا إليه الكاتب في مقاله أو (بيانه) ما جاء في قوله: (ندعو إلى دمج المعاهد الدينية والحوزات العلمية السنية والشيعية، من ناحية البرامج والطلاب والأساتذة، وخلق بيئة وحدوية للحوار والمقارنة والتفكير الحر. كما ندعو إلى الانفتاح الثقافي على الآخر وتوفير الحرية الإعلامية للجميع، وعدم فرض الرقابة على أي منتج ثقافي مخالف).

لو طبقنا هذه الدعوة في بلد كالعراق من سيكون الرابح: المشروع الشيعي الطائفي؟ أم أهل السنة؟ مما لا شك فيه أن الخاسر الوحيد لهذه الدعوة هو أهل السنة. وقبل أن يطالبنا الكاتب بهذا ليطالب إيران بالفعل نفسه، لتعطي شيئاً من الحرية لأهل السنة فيها. لتفتح مدرسة تدرس مناهجها باللغة العربية في الأحواز العربية، بل مدرسة لتدريس وتحفيظ القرآن هناك. ثم إن هذه الدعوة مرفوضة شرعاً سنياً وشيعياً فلا ديننا يرضى لنا بذلك ولا دينهم؛ فما الفائدة من وراء إطلاق هذه الدعوات؟ إنها دعاية إعلامية لتحقيق مقاصد معينة أقلها تخدير أهل السنة، وفيهم كثيرون سيحملون هذه الأقوال محمل الجد. أما الشيعة فلن يتأثر أحد منهم بها لحصانتهم الطائفية الذاتية أولاً، ولوجود المرجعية التي لا يصدرون إلا عن فتواها أخيراً، وهي تمنعهم من الانسياق وراء هذه التصريحات حتى لو افترضنا أن مصدرها صادق مع نفسه.

http://www.alqadisiyya3.com/arajm13/images/london/mothaharah2.jpg

أما قوله: (نؤمن بأن حل المشكلة الطائفية جذريا يكمن في قيام المؤسسات الدستورية والأنظمة الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة، والتي نعتقد أنها تحول دون انفجار الصراع بشكل عنيف، ولا تسمح باستيلاء العسكريين على السلطة بالقوة): فيصب المصب نفسه. إنه يريد للأقليات الشيعية أن يقووا ويتمكنوا في البلدان التي يشكلون فيها أقليات. وهذا لن يحول دون تفجير الصراع، بل سيزيده في المستقبل قوة واشتعالاً، وما يجري في البحرين شاهد؛ لأن الثقافة الشيعية لا تؤمن بوجود الآخر، ولا تعرف بسوى اجتثاثه وتهميشه وحذفه. وهم يتمشدقون بالديمقراطية والحوار واحترام الرأي والرأي الآخر، وإنما ينوون التمكن من مقاليد الأمور؛ حتى إذا وصلوا إلى بغيتهم مارسوا كل ما يستطيعون من الحجر على الرأي ومصادرة حرية الآخرين وتهميشهم وقمعهم ومطاردتهم وتهجيرهم وقتلهم كما يحصل الآن في العراق. وأوضاع أهل السنة في إيران، والعرب في الأحواز، وما يمارسه الشيعة في لبنان أوضح شاهد. إن هذا الادعاء مخادعة لإلهاء الحكومات عن العلاج الصحيح لمشكلة الشيعة في بلدانهم. وفي القول تهديد مبطن لهم. والأخذ به سيزيد من قوة الشيعة حتى يتمكنوا، وعند ذاك سيمسكون بأعناق أهل السنة ويذبحونهم كما فعلوا في العراق. فماذا ينوي بنا الكاتب وأمثاله؟!

احذروا الثعالب فإنهم أخطر

إني أحذر أهل السنة من الانسياق وراء هذه المراوغات الثعلبية، والدعوات الباطنية. وليعتبروا بالواقع المعاصر إن لم يسعفهم التاريخ؛ فأحمد الكاتب ليس ممن يجهل هذا السيل من المغالطات التي امتلأ بها بيانه؛ فليكف وأمثاله عن هذه الألاعيب، وبدلاً من أن ينتكس على رأسه كما فعل قوم إبراهيم عليه السلام، ويخلد إلى الأرض كبلعام بن باعوراء، كنا نأمل منه أن يواصل المشوار في اكتشاف الحقيقة الناصعة وهي بطلان دين الشيعة بالكلية، بعد أن اكتشف بطلان المهدوية والعصمة والإمامة والتقية والخمس والمتعة والشهادة الزائفة وغيرها من مبتدعات الفرقة الناعية؛ فإن هذه هي مرتكزات دينها وقواعده ومبانيه، فإذا انهارت بطل ما أسس عليها بالكلية. إن معرفة هذه النتيجة ليست اكتشافاً يعيي العقلاء، ولا اختراعاً يستعصي على الأذكياء، إنما هي نتيجة طبيعية تلقائية لتلك المقدمات؛ فليعترف أمام الملأ بما استيقنته نفسه، أو ليكف عن هذه المراوغات وينته عن تلك الألاعيب والمناورات. إن عقلاً اخترق هذه الحجب واكتشف بطلان هذه الأسس لا بد أنه يدرك جزماً بطلان ما وقع فيه من تلبيسات ومجازفات، هي عبارة عن ترديد ساذج ممل لما قاله ومارسه جميع فرسان التقية الشيعية في جميع أدوارها، وعلى طول تاريخها المشحون بمثلها من الأباطيل والحيل والترهات.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى