مقالات

فلا اقتحم العقبة .. دعوة إلى الجنة بالوقوف مع إخوانكم المنكوبين في العراق

لست موكلاً بحمل الأرض على قرنك، ولكنك مسؤول على قدر طاقتك. لا يمكن لك أن تحل مشاكل الدنيا، وليس هذا مطلوباً منك، إنما ستسأل يوماً: هل عملت بما استطعت مما أقدرك الله عليه؟ ولو بكلمة أو دعوة، أو كسرة خبز، أو قطعة قماش، إن لم يكن لك ما تستطيع سواها، أو لم يكن الواجب ما هو فوقها. حينها لك أن تتمتع بنعم الله مطمئن النفس هادئ البال، ومعها نقول لك: هنيئاً لك ما أعطاك الله تعالى من خير ونعمة. وإن كان في الدنيا فقراء ومنكوبون؛ لأنك أديت الذي عليك، وتلك المشاهد فبسبب غيرك من القادرين المقصرين. والحكمة تقول: (أدِّ الذي عليك.. وما عليك).

aadamya

في هذا السياق تقوم قناة (الشرقية) الفضائية بمبادرات تشكر عليها، تلتقي فيها بفقراء، وعوائل شهداء، وأرامل ويتامى، وأهالي معتقلين، وتعرض من ذلك مشاهد مؤلمة مؤثرة. وتقدم معها مساعدات مادية مناسبة. وكان من أشدها إيلاماً وتأثيراً ما عرضته قبل أكثر من أسبوعين عن نساء من مدينة الأعظمية تلك المدينة العظيمة المجاهدة، التي وقفت بصدور أبنائها تصد الهجمتين: الصليبية والصفوية، ثم يكون هذا جزاؤها..! وهذه نهاية أهلها وأبنائها..!! هذا ما يريد أن يقوله المحتل وأعوانه. فأين إخواننا منهم؟ بعد أيام عرضت القناة نفسها شريطاً تصور فيه توزيع مساعدات نقدية على النساء العشر اللائي ظهرن في اللقاء السابق.

عندما شاهدت العرض الأول تأثرت كثيراً، وكتبت مقالة (مدينة الأعظمية.. أيها العرب لن يشهد نبيكم على جور). وهذا كل ما أستطيعه، وفي بالي آيات بينات من كتاب الله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) (البلد:8-10).

بلى يا رب! لقد أعطيتني عينين أرى بهما حال الفقراء ومصائب البؤساء. وجملتني بلسان وشفتين بهما أقدر أن أكلم الأغنياء والأثرياء: أرقق قلوبهم، وأدلهم على إخوانهم المبتلَين. وخلقت لي فؤاداً يخفق، ونفساً ترق، وأنزلت لي كتاباً يهديني إلى ما فيه الخير، ويدلني على أقرب الطرق إليك. (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ) (البلد:11-16) هذه هي الطريق الصعبة التي بينك وبين الجنة فاقتحمها إن كنت صادقاً في دعواك الإيمان. هذه هي براهين الدعوى فقدمها أولاً. (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) (البلد:17،18).

كان من أثر تلك المقالة – ولله الحمد – أن اتصل بنا على بريد الموقع (القادسية) رجل من المملكة السعودية اسمه (أبو هاشم) يقول: أنا مستعد لإعانة أربع عائلات من عوائل الأعظمية بـ(100) دولار لكل عائلة. وترك لنا رقم هاتفه، فاتصلت به أشكره وأرتب الأمر معه. فرحت لهذه الاستجابة الطيبة، بغض النظر عن حجمها وأثرها على مجموع الحالة، فالموقف من الناحية المعنوية كبير، وفي ميزان صاحبه – إن شاء الله تعالى – عظيم. وقد ورد في الأثر: (غلب درهم ديناراً). فالحالة عند الله تعالى لها حسابها الخاص.

ونحن إذ نشكر الأخ (أبا هاشم) على مبادرته الأخوية الكريمة هذه، وندعو الله له أن يدخله المولى جل وعلا تحت ظل قول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا ينقص من أجورهم شيء): ندعو إخواننا الآخرين أن يحذوا حذوه كل حسب استطاعته، ونحن بدورنا سنقوم بتوصيل ما يرسله إلى مستحقه، وله علينا ما يطلب من ضمانات تطمئنه بسلامة الوصول.

ويا أيها الأخوة الكرام! لا يستقلن أحدكم ما يمكن أن تجود به يمينه وإن قل، فأنت لا تدري أي حسناتك تنجيك من النار وتدخلك الجنة. ولربما تساوت حسناتك وسيئاتك وتأرجحت كفتا ميزانك فجاءت هذه الحسنة فأنقذتك من عذاب لا يصبر على شدته الجبال الراسيات. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً). وتصدقت أمنا عائشة رضي الله عنها على سائل بتمرة، ورجعت وهي تقول: (كم فيها من مثقال ذرة)؟! تشير إلى قوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (الزلزلة:7)[1].

________________________________________________________________________________

  1. – أما أبو هاشم فحاصله أنه لم يرسل درهماً واحداً، وكثرت بيني وبينه المراسلات وهو يتشرط عليّ الشروط تلو الشروط، منها أن يصرف المبلغ على أفقر العائلات. كانت شروطه تذكرني بشروط بني إسرائيل في البقرة. ووافقت على كل شروطه رغم سطحيتها. وطالت المدة دون طائل. حتى خرجت عن طوري أخيراً فقلت: لأخابرنه ولألقنه درساً لا ينساه. لكن الله سلّم إذ وجدت خطه عاطلاً. ومن يومها انقطع خبره! وتذكرت قوله تعالى: (وأعطى قليلاً وأكدى)، لكن صاحبنا أكدى قبل أن يعطي شيئاً: لا قليلاً ولا كثيراً.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى