مقالات

نحن لا نملك عيوناً .. لمن لا يرى في وضح النهار (1)

لم يكن أمامي إلا أن أُجيبه بكلمة واحدة: (عذراً.. فنحن لا نملك عيوناً لمن لا يرى في وضح النهار). كان يعظ ويعترض، ويتحدث بكلمات تنضح بالخيال، بينما شواخص الأرض تنطق بغير ما يتخيل ويقول! كان هذا في يوم من الأيام.

واليوم.. ما زال بعض الخائضين، يتغافل عن الواقع ليضرب – في وضح النهار – على معزوفة التهوين من خطر إيران، ويسفه المخاوف من مشروعها، ويقحم الإسلام إقحاماً في الموضوع. ولا يكتفي حتى يلمز المخالف بالسذاجة أو العمالة أو التطرف! ويرجع ذلك إلى تداخلات السياسة؛ فكل الذين يحذِّرون الأمة من خطر إيران، أو يستغيثون من جرائمها: مدفوعون من خارج ذواتهم، ينفذون أوراقاً سياسية أعدت لهم سلفاً. فهم إما عملاء مأجورون، أو ساذجون لا يعلمون، وإن رأوا الخطر بأعينهم، ولمسوه بأيديهم.

لماذا لا يكون العكس هو الصحيح؟ فالمتهِم أولى بالتهمة! لكنه يراوح بين حيلة فكرية أو أخرى نفسية، ليرمي بسيئاته خارج ذاته. أما الحيلة الأُولى فالهجوم خير وسيلة للدفاع، وأما الثانية فـ(الإسقاط)، تلك الخصلة النفسية التي بها يلقي المحتال بنواقصه ونواقضه على الآخرين.

نحمد الله تعالى أن الأمور تتكشف يوماً بعد يوم؛ فالثوب يتمدد كلما تقدم الزمن بحبَل غير مشروع، ما عاد التستر ينفع معه كثيراً. وإن أغمض المتغافلون أبصارهم، واستغشوا ثيابهم.

وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون

هل بقي أحد لم يسمع بالحزام الشيعي وهلاله الذي يكاد اليوم يصير بدراً؟ أم تخلف خائب لا يعلم بالكوارث التي ألحقتها جارة السوء بالعراق عموماً، وأهل السنة خصوصاً؟ لن أتكلم عن الحوادث أو الشواهد والتفاصيل؛ لأن الخلاف – كما قيل – خلاف نفوس لا خلاف نصوص. ولأني لا أملك عيوناً لمن لا يرى الواقع في وضح النهار. إنما أقول: هل بقي من البشر من لا يعرف هذه الحقيقة؟ وصدق الله إذ يقول: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ) (يونس:43).

المفارقة أن بعض هؤلاء صحفيون وإعلاميون! وإسلاميون ضمن خط (المقاومة) أيضاً! فهل هؤلاء في عصر أهل الكهف فلم يتابعوا أحداث العراق؟! اسأل اليوم أي عراقي من مختلف الصنوف والاتجاهات الدينية والعرقية والسياسية، عن إيران وعداوتها واعتداءاتها ضد العراق، التي يسميها البعض تخفيفاً بـ(التدخلات)، حتى إنه – قبل أيام – تشكلت حركة شيعية([1]) باسم (حركة تحرير الجنوب)! موجهة ضد الاحتلال الإيراني. حتى الحكومة العراقية – ورغم علاقتها الحميمة بإيران – تعترف وتتكلم اليوم عن (تدخلاتها) في شؤون العراق! والقصف الإيراني للحدود العراقية تجاوز المدفعية إلى الطائرات المروحية، والطائرات الموجهة عن بعد تسرح وتمرح في سماء البلد!

zaatra

أما المشروع الطائفي وعمليات التشييع فلا أظن أمثال الأخ (ياسر الزعاترة) يخفى عليه كيف تحولت البصرة خلال نصف قرن إلى مدينة شيعية بعد أن كانت سنية؟ وفي الفترة نفسها غزا التشيع بغداد! حتى يكاد اليوم يتغلب عليها. ناهيك عن مناطق أخرى. ودعك من تشييع إيران نفسها بعد أن كانت سنية.

ومع هذا وجدته يقول: “ما ينبغي أن يقال ابتداءً هو أن أكثر إخواننا الشيعة قد ورثوا مذهبهم، تماما كما ورث السنة مذهبهم. وأن قلة من بين الطرفين قد غيّر مذهبه، ما يعني أن كل طرف يؤمن بأنه الأقرب إلى الصواب، ولذلك فإن تكفير هؤلاء أو هؤلاء بالجملة لا يمكن أن يكون صحيحا بحال” (الدستور الأردنية: 26/4/2009). ما علاقة التكفير بالموضوع؟ هل كان الخوارج كفرة حتى يقاتلهم سيدنا علي فمن بعده؟ وهل يرضى السيد الزعاترة أن أقتل ولده وأحرق داره؛ فلا يقتص مني؛ بحجة أنني وإياه مسلمان لا يصح تكفيرنا بحال؟ ما علاقة هذا بهذا؟! إذا صار العاقل يزن الذهب بميزان البطيخ، فلا يلومن من وصمه بالجنون! أم يراد تحويل دفة الكلام إلى مسألة يكثر فيها الجدل ليضيع أصل الموضوع؟

التشييع الاجتماعي

يتكلم السيد الزعاترة عن طريقة واحدة من طرق تغيير الفكر والمذهب، ألا وهي الطريقة الفكرية الفردية. وفاتته الطرق الأخرى، وهي الأخطر! وليست هذه معضلة الرجل فقط، إنما هي معضلة فكرية مزمنة عند الدعاة، تناولتها في كتابي (لا بد من لعن الظلام) قبل أكثر من سبع سنين، وخطبي ومحاضراتي قبل حوالي عقد من الزمن.

تعتمد إيران على وسائل التغيير الجماعي لا الفردي، والتشييع الاجتماعي لا الفكري، ومن أخطرها وسيلة (التوطين) الشيعي في المناطق السنية. هكذا شيعوا كثيراً من مناطق عراقنا. بالتوطين! الذي لا يختلف عن توطين اليهود في مناطق العرب في فلسطين، رغم عدم تحول الفلسطيني إلى يهودي. بل المشكلة الفلسطينية ولدت أساساً بهذه الطريقة. وليست بطريقة الدعوة والتحول. هل يقبل مني السيد زعاترة أن أرد عليه بضاعته فأقول: إن أكثر (إخواننا) اليهود قد ورثوا دينهم، تماماً كما ورث الفلسطينيون دينهم. وأن قلة من بين الطرفين قد غيّر دينه، ما يعني أن كل طرف يؤمن بأنه الأقرب إلى الصواب؛ فعلام الخوف من التوطين اليهودي؟ وإن ذبحوا أبناءكم، واستحيوا نساءكم، وأخربوا دياركم. لا بأس فأنتم إخوة في أصل الخلقة، وعليكم أن تتعايشوا وتحلوا مشاكلكم بالحوار. ما مثل الوردة – يا سِيدي! – يقف في وجه الطلقة!

قبل أيام قليلة طالب محافظ كربلاء بسلخ قضاء النخيب عن الأنبار وضمها لكربلاء. ربما لن يتشيع أهل النخيب بالسرعة المنظورة، ولكن طبقاً لقاعدة (الأواني المستطرقة) ستكون إيران على حدود الأردن! وسيكون ضخ النفط من الجنوب الشيعي إليها مباشرة، وبعد مدة ستبدأ المساومات الاقتصادية لكسر الإرادة الأردنية. والتغلغل الاقتصادي الشيعي في الأردن محاولاته جارية، وله اليوم وجود. بهذا أيضاً يحققون عزل الأنبار عن السعودية! هذا مظهر من مظاهر الخطر الإيراني الشيعي! أما تشييع النخيب وما بعدها فآتيك لا تعجل! ومن مدة ليست بالقليلة سمعنا بمحاولات بناء مرقد سيدنا (جعفر بن أبي طالب) رضي الله عنه في مدينة (الكرك) الأردنية على الطريقة الإيرانية، وإقامة تجمعات شيعية للطم والنياحة في بعض المواسم. كما يجري توطين شيعي خفي في المنطقة.

هذه أخطار إيرانية شيعية تتهدد القطر الأردني الشقيق، مطلوب منك أن تتحسسها، وتنذر قومك منها، بدل التغاضي عنها، والتهوين من شأنها، حتى تقع الكارثة لتقول: ها؟ والله ما كنا ندري! كما قالها الكثيرون في بلدنا بعد الاحتلال، وقد أنذرناهم من قبل فلم يفيقوا!

التشييع الاجتماعي (بالتوطين والتحكم بالسياسة والاقتصاد) أخطر من التشييع الفردي. إنه بعد مدة – تطول أو تقصر – يؤدي إلى ظاهرة لم تنتبهوا إليها، وهي التحول الجماعي إلى المذهب الآخر، بدل تحول أفراد من المجتمع. على أن التحول الفردي موجود أيضاً. والطريقة الجماعية هي طريقة الإسلام، وقد اتبعها النبي صلى الله عليه وسلم، وإليها الإشارة بقوله تعالى: (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً) (النصر:2). عندما سيطر النبي على مكة (أم القرى) ومهوى أفئدة الناس، ومركز تطلعات العرب، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وصارت خاضعة لحكمه مباشرة، بدأ التحول الجماعي في عقائد الناس، بعد أن كان فردياً، وتحقق النصر أخيراً: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) (النصر:1)، النصر بتحول المجتمع ككل، لا كأفراد. وهي الطريقة التي طبقها الصفويون في إيران، وخلفاؤهم في جنوب العراق، وبغداد، وتطبق اليوم في سامراء وغيرها من مدن العراق. والمسلسل ماضٍ ما دام في الأمة (عباقرة) لا ينتبهون إلى الخطر حتى تصل النار إلى جلودهم.

طريقة التومان

وللنائمين أقول: تمعنوا فيما يجري اليوم في مدينة (6 أكتوبر) المصرية! والحبل على يد الجرار. والكارثة قريبة منكم يا أهل فلسطين. وعندها فقط ستدركون، ولكن بعد فوات الأوان، أن التومان الإيراني ملغوم بالسموم، وأن من ابتلعه من قياداتكم لم يكونوا يسعون في صالحكم وإن لم يكونوا يشعرون، أو كانوا ربما. يوم يتشيع في غزة حفنة آلاف لا أكثر، فتبدأ بين ظهرانيكم مسيرات جلد الظهور وتطبير الرؤوس وشتم الخلفاء وأمهات المؤمنين، كما هو الحال في بغداد وبيروت، بل والبقيع! ثم تظهر الخلافات العقائدية الحاقدة بين أبناء المجتمع الواحد… وبعدها يبدأ مسلسل الذبح بالعرض على شاشات الأرض. وحينها ستلعنون اليوم الذي أراكم فيه مشعل وشلح وجبريل وجه خامنئي وحسن نصر الله وعماد مغنية قاتل الطيارين والضباط العراقيين، الذين كأنهم ليسوا من العرب ولا يمتون للفلسطينيين ولا لفلسطين وغزة وجنين بصلة! ولا حموا بصدورهم بوابة الأمة الشرقية ثماني سنين! حتى إذا انهارت البوابة تفرعنت إيران واستطال أقزامها.

يا أسفاً على دينار العراق كيف غلبه تومان إيران! ولكن عذراً فقد كان صدام حسين يدفع لهم بالدولار، لا بالدينار؛ الظاهر أنه لم يكن يدري أن الجماعة في جبهة (ممانعة) ضد الأمريكان.

طريقة التومان أحد وسائل (التشييع الجماعي) الخطيرة!

_________________________________________________________________________________

  1. – كنت أعتقد أن رئيسها عوض عبدان شيعي، ثم تبين، كما هو الراجح أنه سني من البصرة.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى