مقالات

من نحن ؟ وما هي المشكلة ؟ وكيف السبيل ؟

ج جريدة_السبيل

في صحيفة (السبيل) الأردنية كتب الأخ جاسم الشمري يوم (19/5/2009) مقالاً بعنوان (إدارة الصراع في العراق)، وبعثه إلي كي أطلع عليه، وأعطيه رأيي فيه. والأخ الشمري رجل يحمل هماً، ويعيش حالة البلد بما فيها من آلام وآمال.. قلمه ثر، وريشته عفيفة المشق. بعد أن لبيت دعوته اتصلت به هاتفياً، وتبادلنا بموضوعية وجهات النظر المتفقة والمختلفة. رأيت من المفيد طرح الوجهتين على الجمهور، كما وجدت من الإنصاف أن أنشر مقاله إلى جانب مقالي هذا على صفحة الموقع، حتى يطلع القارئ عليه كاملاً؛ فذلك أقطع للعذر، وأتم للحجة.

وطنيون أم إسلاميون ؟

كتب الأستاذ جاسم مقاله بإطار وطني بحت، وطرزه بأحلامٍ وأمانٍ جميلة. مع أنه يعبر في كتاباته عن هيئة شرعية؛ وذلك يقتضي أن يكون الإطار الشرعي لمن يكتب باسمها حاضراً دوماً، وحاكماً لكل ما يرى ويكتب، إلا إذا كان هذا الإطار محكوماً لديها لا حاكماً. وهذا – على الأقل بحسب العنوان – يفترض عدم وجوده. لست أنكر أن الإطار الوطني يتداخل مع الإطار الشرعي في أكثر الأحيان، وقد يتطابق معه تماماً، ولكن ليس ذلك على الدوام، فإن هناك مساحات يفترقان فيها، بل يتناقضان. ويبقى الحكم لدى كل إسلامي عند كل نزاع في نهاية المطاف للشرع دون منازع؛ فشرع الله فوق كل تشريع، وقوله فوق كل قول (وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:40). أملي بأخي الشمري – وكل من يتخذ من (الإسلامية) عنواناً وهوية – أن يحلي هذه الوطنية بإطار الدين أولاً، ويكسر حلاوتها بشيء من مرارة الواقعية ثانياً؛ فذلك أجمل.. وأطيب، بل وأضمن للاستقامة باتجاه الهدف، وأحرى أن يحوز رضى الله سبحانه. أقول هذا للذكرى؛ فإنها تنفع المؤمنين من أمثال أخي أبي مروة.

ما هي المشكلة الأكبر ؟

استوقفني المقال أمام جملة علامات استفهام يمكن – تجنباً للإطالة – تلخيصها بالوقوف أمام الأسس الخمسة الواردة في المقال لحل أي مشكلة، أو الضوابط المطلوبة لأي مشروع يوضع للوصول إلى الهدف المطلوب. وإمعاناً في الاختصار أتوقف عند واحد منها فقط وهو المعبر عنه بسؤال معدل قليلاً عن المشكلة الأكبر (وأقول: “الأكبر” لأنني ابتداءً أعترف بأن المشاكل كثيرة، فتركيزي على واحدة لا أعني به إلغاء ما سواها): هل هي في الاحتلال الأمريكي المعلن، أم في الاحتلال الإيراني المبطن؟

هل صحيح أنه إذا خرج الأمريكان تنتهي مشكلة العراق، وتعود الصحراء أنهاراً ومروجاً وظلالاً؟ ماذا نفعل إزاء المحتل الآخر الذي هو أنكى وأخطر؟ أقول هذا وأنا أعلم أن كثيراً من غير العراقيين لا يوافقونني على هذا التقرير – ولا أريد منهم ذلك، ولا أحتاجه – لأنهم ينظرون إلى مشكلة العراق، كل بمنظاره الخاص. فالمشكلة كامنة في اختلاف المنظار، لا في اختلاف الأنظار (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (النور:40). وبعض العراقيين أيضاً.

الشق الآخر من المشكلة هو ما يمكن تشخيصه بالإجابة عن السؤال التالي: هل مشكلتنا الأكبر نحن أهل السنة في العراق تتعلق بالمحتل الخارجي، أم المحتل الداخلي؟ أعني لو خرج الأمريكان ماذا نفعل إزاء الخصم الطائفي الشيعي وهو يريد أن يلغينا من خارطة العراق؟ ما مشروعنا إزاء الحكومة المركزية الطائفية وهي تبسط سيطرتها شيئاً فشيئاً وبسرعة على أرض الوطن، في ظل تراجع عمليات المقاومة (السنية) حالياً، وفقدان مشروعية وجود المقاومة أصلاً في المستقبل القريب إذا خرج المحتل؟ إذ لا مقاومة بلا احتلال.

هل هيأ إخواننا أصحاب هذه الرؤية (الوطنية الحالمة) أنفسهم لهذه الواقعة الداهية:

  • حكم طائفي مركزي لا يؤمن بالتعايش، لم يحتمل أصحابه حتى شركاءهم في العملية السياسية (النائب محمد الدايني، والشيخ ناصر الجنابي، ووزير الثقافة سعد الهاشمي، وغيرهم أمثلة حية).
  • مشكلته معك – كمشكلة اليهود مع العرب – مشكلة عدم أو وجود .
  • متترس بقوى أمنية طائفية تطاردك باسم (دولة القانون)، تعتقل من تشاء، وتقتل من تريد، وتفعل ما تهوى وتشتهي.
  • لديه مشروع طائفي جاد لتشييع مناطق أهل السنة، وتغيير ديموغرافيتها وهويتها (إلحاق مرقد سلمان الفارسي وأوقافه السنية، ومراقد سامراء وغيرها بدائرة الوقف الشيعي أمثلة شاخصة).
  • والقوة الرادعة الوحيدة ستنتهي مشروعيتها بمجرد خروج المحتل، الذي يرى أخي كاتب المقال أن المشكلة ستنكمش بذلك الخروج.
  • هذا وليس لأية منظومة سنية مشروع سني للحفاظ على البقية الباقية من أرضنا وأهلنا!

من يرد عنا هذا الغول؟

في إطار هذه الرؤية لماهية المشكلة كيف يقنعني الأخ الفاضل بواقعية حله المطروح، القائم على أساس الالتقاء على الثوابت (التي لا خلاف عليها بين العقلاء في كل أرجاء المعمورة)، وأولها (إننا عراقيون بغض النظر عن الدين والعرق والطائفة والفكر)؟

ما هو الحل في ضوء الشرع والواقع ؟

ولدي هنا سؤالان أرجو من الأخ الفاضل أن يجيبني عنهما:

السؤال الأول أصولي شرعي: أين موقع تحكيم الشريعة من هذا (الثابت)؟ هذا إن كنا نتكلم في (إطار الشرع) باعتبار الكاتب يمثل هيئة دينية. وأنا أقبل منه أن يجيب بأن العراق فيه طائفة شيعية كبيرة لا تعترف بمرجعية الفقه السني أصولاً وفروعاً، وفيه علمانيون من الطائفتين يرفضون الحل الديني؛ فكيف يمكن لنا أن نلتقي على تحكيم الشريعة؟ فأي شريعة واحدة تحكم طائفتين مختلفتين في أصل الدين، وأصل الشريعة؟ وأي شريعة يرضى بها العلمانيون وهم يرفضون فكرة تحكيم الشرع من الأساس؟ وإذا أضفت هؤلاء إلى هؤلاء يمسي الناتج أغلبية تخالفك في مشروعك القائم على شريعتك.

وأقول له: لا بأس، ولكن بعد أن تقرروا أمراً عظيماً، وتقريره واجب على هيئة دينية المفترض أنها تتعامل بالسياسة في إطار الشرع، لا خارجه: ألا وهو: هل رفع عنا نحن المسلمين في العراق واجب تحكيم شرع الله تعالى للأسباب المذكورة آنفاً؟ نرجو – وبإلحاح – الجواب عن هذا السؤال حتى نحملكم المسؤولية الدينية تجاه شريعة الله، ونريح ونستريح. وإلا فنحن لا نفهم التوفيق بين عنوان ديني ومضمون علماني، ولا نقبل بهذا الازدواج المتناقض. بينوا لنا وجه الحق في هذه المعادلة ودعاؤنا لكم من قلوبنا بالتوفيق والسداد. وأن عسى أن تقنعونا برأيكم ورؤيتكم! فإن لم تفعلوا – ولن تفعلوا – فلا تلومونا عندما نعلن أننا نخالفكم في حلولكم، ولا نطمئن إلى نتائجها.

والسؤال الثاني واقعي سياسي: كيف لطائفي إلى حد النخاع أن يكون عاقلاً كباقي العقلاء في أرجاء المعمورة، فيتكاتف معي ويعاضدني لتحقيق أهدافي الوطنية، ومنها إخراج المحتل؟! وحتى لو التقى معي آنياً على هذا الهدف، فإنما لغايات تختلف عن غاياتي، بمعنى أن الرؤية بيننا مختلفة، وهي شرط – كما ورد في المقال – للاتفاق على أي حل بين أعضاء أي فريق نصب نفسه لذلك؛ وإذا اختلفت الرؤية وقع الاختلاف وانهار الاتفاق! ولو انتهى الأمر عند هذا الحد هان الخطب. ولكن هذه بداية لكارثة أكون فيها أنا الضحية لمشروع الخصم؛ والسبب أنه هو الأقوى في طرفي الصراع. والأقوى – وبالمواصفات التي نعلمها عن (شريكنا) الطائفي – لا يرضى بالشركة على أساس العدل، ولا على أي أساس آخر. هل ننسى مقولة الدكتور عدنان الدليمي، التي تنضح بالضعف والألم والمسكنة وهو يخاطب هادي العامري وجلال الصغير وغيرهم من نواب الشيعة في مجلس النواب قائلاً بالحرف الواحد: “اعتبرونا يهود، اعتبرونا مجوس”!!!

وإذا كانت القوة بيد خصم كهذا، أمسيت أنا الضحية حتماً!

البلاد – يا صاحبي! – إذن لن تعمر إلا على حساب حقوقنا! والخونة ليس من السهل أن يهزموا، وإن خرج المحتل الظاهري، من دون مشروع رباني، يشخص دون تحيز، وبلا عواطف، وبعيداً عن الأحلام:

من نحن؟

وما هي المشكلة؟

وما هي الرؤية، أو ماذا نريد؟

وهل نحن قادرون؟

وكيف السبيل؟

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى