مقالات

رسالة رمضان (3)

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم أيها الصائمون!

ويا أبناء القادسية!

بين آيات الصيام آية كالوردة الفواحة في الروض الجميل، تلك هي قوله جل في علاه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186). لنقف عندها قليلاً نتنسم عطرها في روية وهدوء.

ترسم الآية لنا العلاقة العضوية بين دعاء العبد واستجابته لربه، وبين دعوة الرب سبحانه وإجابته لعبده. وهنا يحتاج العقل إلى وقفة قصيرة يرى بها طريقه: من الداعي؟ ومن المجيب؟ من يدعو من؟ ومن يستجيب لمن؟ سبحانك ربي ما أعظمك! ما أجمل كلامك، وما أجلَّه!

آيات التقوى، التي هي الهدف من الصيام، ملخصة في قوله تعالى: (قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً) (المزمل:2)، وقوله تعالى: (قُمْ فَأَنْذِرْ) (المدثر:2).

  • تلك رسالتك إلى السماء، وهذه رسالتك في الأرض.
  • كلم طيب.. وعمل صالح يرفعه.
  • دعوة صالحة.. واستجابة طائعة.
  • باختصار: صلاة ونذارة، أو عبادة.. وقضية.

فإذا فعل العبد ما عليه منهما فقد قرب من غايته، ودنا من إجابة طلبته.

الدعاء أو العبادة وحدها لا تكفي لانتصار أهل الحق ما لم يحمل الداعي العابد على متنه معها تبعات القضية. والناظر في ما تلاه الله علينا في (سورة البقرة) من شأن بني إسرائيل أنهم ظلوا مغلوبين من أهل الباطل ما داموا ناكلين عن قضيتهم تاركين لجهاد أعدائهم الذين أخرجوهم من ديارهم وأبنائهم. لكنهم حين ينتفضون في بعض لحظات التاريخ فيكون لهم استجابة لمقتضيات تلك القضية يتحقق لهم النصر الذي يحلمون به.

كنا يوماً في جلسة عمل في مسجد المحمودية الكبير، وكان بيننا الأخ الشهيد إياد العزي رحمه الله، ما زلت أذكر تلك الكلمة النورانية التي خرجت من بين شفتيه، والتي لخصت لنا المشكلة كلها، حين قال: “أهل السنة عبادة بلا قضية، والشيعة قضية بلا عبادة”. رحمك الله يا أبا سارة! فما أكثر ما كنت أسمع منك مثل هذه الحكم العظيمة!

عندما تقرأ (سورة البقرة)، التي هي أم الكتاب بعد أمه الأولى (سورة الفاتحة)، تجدها قد لخصت الدين في شيئين اثنين: العبادة والجهاد. والجهاد مقسوم فيها على المال والنفس، وقد ورد ذكرهما مقترنين مرات في السورة الكريمة. وفيها أعطانا الله تعالى المثل البليغ للأمة التي نكلت عن أوامره؛ فماذا حل بها؟ وماذا كانت عاقبتها من التيه والخسران المبين؟! وذلك من أجل أن نحذر أن نكون مثلها؛ فلا تحل بنا العاقبة نفسها. تحدثنا السورة أن بني إسرائيل أخذوا بالدعاء أو العبادة وتركوا القضية أو الاستجابة: فعندما أمروا بذبح البقرة (المال) نكلوا ولم يستجيبوا إلا بعد أن أعيتهم سبل التفلت. ولما (كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (البقرة:246).

لكن…. هنا ملحظ لطيف يبعث في النفوس الأمل العريض، والفأل الحسن، والبشارة التي تنشرح لها الصدور. وهو أنه لا يشترط للنصر أن تتحقق الاستجابة من كل الأمة، إنما يكفي أن تقوم بالأمر ثلة أو قلة منهم تثبت عليه وتحرض الآخرين وتمضي في طريقها غير هيابة ولا آبهة بمخالفة الأعداء ولا خذلان الأقرباء. فإن الآيات التي تلت الآية السابقة بينت أن هذه القلة، بعد أن محصت وصُفِّيت، كان عاقبتها النصر على أعدائها: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (البقرة:251).

فيا أبناء القادسية!

لا يهولنكم ما ترون اليوم من تغول إيران وأشياعها! فنحن لا نحتاج إلا إلى قلة تثبت على الطريق، قلة عابدة مستجيبة، أدركت أن الدين عبادة وقضية، فجمعت هذه إلى هذه، وقامت بهما معاً؛ عندها سيجيب القريب المجيب دعاء المؤمن المستجيب، ويتحقق النصر بإذن الله تعالى، وما ذلك عليه بعزيز.

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى