مقالات

اسألوهم .. إن كانوا ينطقون

http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcSO3vn69-wsiOzCvYkjm-6h6M9o-iZMFCb8su7aojft4wI_dbDiY6GuyTw

ماذا تقول وأنت تقرأ معي هذا الخبر عن جلسة مجلس النواب العراقي لمناقشة قانون الانتخابات؟ يرفع النائب جلال الدين الصغير عقيرته بالاعتراض على مشاركة العراقيين المقيمين في الخارج في الانتخابات النيابية القادمة، مطالباً بمنع بضعة ملايين عراقي دفعتهم الظروف الى مغادرة وطنهم من ممارسة حقهم في الانتخاب؛ مبرراً اعتراضه بتوقعه تزوير الانتخابات في الخارج؟ وماذا تقول إذا علمت أن هذا الصعلوك شارك في الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي جرت قبل شهور، باعتباره مواطناً إيرانياً يحق له دستورياً الإدلاء بصوته الإنتخابي!

http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRFkQYb7X_VaERNf8xdZvV5enH9j-is9IzHt-OnJtPygsmFFE9cbTZBz1k

وشارك الصغير في هذه (النزاهة) وهذا (الحماس الوطني) النائب عبد الكريم العنزي الذي كان هو الآخر قد شارك في الانتخابات الإيرانية، باعتباره مواطناً إيرانياً؛ وكانت حجته أن فساداً مالياً يعتري انتخابات الخارج! علماً أن العديد من أعضاء مجلس النواب العراقي أدلوا بأصواتهم من داخل المنطقة الخضراء في الانتخابات الإيرانية أكثر من مرة([1]).

ولا أراه يخفى على الجميع أن السبب الكامن وراء هذا الحماس هو أن غالبية عراقيي الخارج من أهل السنة.

وتستطلع عيناك شاشات الفضاء فيشوش عليها مجال الرؤية هذا الشريط الذي يظل يدور ويدور كأنه سَير طاحونة تدق أعصابك وتلتهم شرايينك وتنثر دماك: (سعد اسكندر مدير دائرة الكتب والوثائق العراقية: ملايين الوثائق القديمة التي تتعلق بعلاقة العراق بدول الجوار هربت إلى هذه الدول)([2])!!!

و”دول الجوار” تعبير مخفف صار علماً إذا أطلق فلا يعني سوى دولة واحدة لا غير، هي جارة السوء… أتعرفها؟

وتذكرت أن العنزي هو وزير الأمن (الوطني) الذي تنتهي إليه كل أسرار البلد، ويشرف على دائرة تقع بنايتها في أحد الأحياء الراقية في جنوبي بغداد، مهمتها نسخ وتصوير كل ما يرد إليها من وثائق على أقراص مدمجة وغيرها، ثم إرسالها فوراً من دون تأخير، ويوماً بيوم إلى “دول الجوار”. ويظهر أن هذه “الدول” أتخمت بمثل هذه المعلومات، التي أمست مكررة، لاسيما ومصادرها تعددت وتنوعت، ولها سفارة وقنصليات وشبكات، وأولاد “فاعلات الخير” كثر ختر، والتومان تطاول واستطال لسانه في ربوع بلاد الرافدين فهو اليوم يمشي بمديد قامته، ويتكلم فيها بلسان فارسي مبين، لا يحتاج إلى بيان، ولا إلى ترجمان: فتطلعت “دول الجوار” إلى الوراء لتنهب الماضي بما فيه بعد أن أضحى الحاضر في كفيها تتكفأه كيف وأنى تشاء، بفضل أولاد الفاعلات العاملات أولئك.

وتطرق أبواب مؤسساتنا، التي أخذ الله على أحبارها الميثاق (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ) فتجد بيوتها خاوية ذاوية ليس فيها غير كلمة بكماء “لا فرق بين سني وشيعي، وكردي وعربي وتركماني، ومسلم ومسيحي ويزيدي” ولا أدري لماذا لم يضيفوا “ويهودي” إلى ذيل هذه الجوقة المتشاكسة المتناكسة؟! أليس اليهودي كالمسيحي من (أهل الكتاب)؟ وهو خير عقيدة من اليزيدي عابد الشيطان؟ ولم يذبح عمر وعثمان على الاسم والهوية كما فعل بي (أخي) الشيعي، الذي لا فرق بيني وبينه في شيء سوى قائمة طويلة عريضة من الفروقات الهائلة المائلة، ليس أولها أنه يتهم زوجات نبيي بالزنا والخيانة والخنا، ويلعن أبا بكر وعمر وجيل الصحابة، ويكفرني ويستبيح دمي ومالي وعرضي، وشردني من بيتي، وحرمني من داري وديرتي، وذبحني وأهلي وصحبي، وجلب على وطني الأعداء والبلاء والوباء، والفقر والتخلف، والعار والنار والدمار… ولا أوسطها الطعن بصحة الكتاب، ونبذ السنة التي نقلها خيرة الأصحاب، ولا آخرها بناء قبور الأولياء وعبادة الأصفياء، والطواف بها، والنذر لها والذبح على اسم ساكنيها حقاً كانوا فيها أم وهماً… هل تريد المزيد؟

هذا ولا من فرق! (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ).

وصدق من قال: (هانوا على الله فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم).

العراق اليوم تتحكم به جارة السوء، ويحكمه أذنابها، وسَير الخطة لتشييعه بتشيع إيران ماضٍ يدور، وخرافنا الضعاف إذا طمعوا في منصب ذهبوا إلى هناك ليتسلموا صك الموافقة والتوفيق، ويعودوا به مستأسدين متنمرين يحكون علينا قصة إنجازاتهم التي لم يحقق مثلها أحد سواهم. والمعنى في قلب الشارع بين معروف، ما عاد الشاعر في حاجة لإخراجه من قلبه إلى بيان ولا إلى ترجمان!

وخطابي إلى الجيل الإسلامي المتوزع على أبواب هذه المؤسسات الخاوية الذاوية، أن لا يظل يدور ويدور بين معالم الوهم ومعاطن البهم كما درنا سنين، ثم رجعناه من حنين فارغي اليدين، تهفهف من حولنا خفافه، وتمعمع علينا خرافه. كأننا لم نهرق على أعتابهم رونق شبابنا، ولم نسكب على غرسهم رحيق عمرنا، يعدوننا أن طارقاً سيحرق المراكب يوماً، ويدق على صدره وهو يخطب في الجموع: (البحر من ورائكم والعدو من أمامكم)، وصحونا فإذا طارق يركب ثبج البحر بزوارقه، تاركاً إيانا على الشاطئ البئيس: العدو من أمامنا والبحر من ورائنا، ولسان حاله يلامس أرنبة أنفه: لقد قلناها ولكنكم لا تفهمون.

عبارة واحدة وجهوها إليهم، الجواب عنها يكفي كل حليم، ويشفي كل سقيم: هل عندهم من حل لهذه الدواهي الدهياء؟ وأكرموا أسماعكم من أن يكرروا عليها للمرة المئة تلك العبارة البكماء الذلاء؟

فاسألوهم.. نعم! إن كانوا ينطقون!

_______________________________________________________________________________

  1. – موقع (شبكة دولة القانون)، 7/10/2009.
  2. – قناة الشرقية، 19/10/2009 ، والخبر أذيع أيضاً، إضافة إلى وروده في الشريط المتحرك.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى