مقالات

نتائج الانتخابات .. وسقوط الشعارات

 

saleh_al-mutlaq

في يوم (18/6/2008) ظهر الأستاذ صالح المطلك على قناة “صلاح الدين” الفضائية، يعاتب العراقيين جميعاً، ويلومهم على موقفهم في الانتخابات النيابية الماضية (ديسمبر/ 2005) أن كان تصويتهم دينياً طائفياً. وهذا – كما يرى المطلك – هو أساس الداء والبلاء. لكنه أظهر تفاؤله الكبير في أن التجربة القاسية للاصطفاف الطائفي في السنين الماضية ستؤتي أكلها في انتخابات مجالس المحافظات القادمة، وأن العراقيين – بعدما جربوا بأنفسهم ويلات ذلك الاصطفاف – لن يكرروا التجربة، وسيكون تصويتهم قائماً لا على الأساس الطائفي الذي قام عليه أول مرة. ثم عقب وهو يضحك قائلاً ما معناه: وإلا فإن كل شريف عليه أن يهيئ جوازه ويخرج من البلد، ولا يبقى مع أناس بهذا المستوى.

بعد يومين كتبت مقالاً بعنوان (من الآن فهيئ جوازك)، قلت فيه: (الانتخابات القادمة قريبة، وواقعة بإذن الله. ومن الآن نقول: إن الاصطفاف الطائفي هو الذي سيحكم العملية من جديد. وعليه – أيها الأستاذ المطلك! – من الآن هيئ لك جواز سفر؛ فمن تتحدث عنهم لا يستحقون الحديث، وعلى رأيك: إن كل شريف عليه أن يهيئ جوازه ويخرج من البلد، ولا يبقى مع أناس بهذا المستوى).

بعد أقل من ستة أشهر جرت انتخابات المجالس، وفازت – كالعادة، وكما توقعنا – القوائم الطائفية وعلى رأسها قائمة المالكي التابعة لحزب الدعوة الطائفي – التي حصدت أكثرية الأصوات – ثم قائمة الحكيم والصدر في بغداد والمناطق الجنوبية، أما المناطق الغربية والشمالية فالاصطفاف الطائفي كان باهتاً كالعادة. وظهرت للعيان أوهام الأستاذ المطلك وكل الذين رفعوا – وما زالوا ولن يزالوا يرفعون – شعارات الوطنية من علمانيين و(إسلاميين)، رغم ما حاولوا أن ينفخوا ببعض الأمثلة التي تخدمهم ليثبتوا نظريتهم في إمكانية دمج الشيعة بالسنة على أساس المواطنة والترويج لمقولة (الشيعة العرب) والفرق بينهم وبين (الشيعة العجم). لقد طبلوا عالياً – مثلاً – لحصول يوسف الحبوبي على أعلى الأصوات في كربلاء، وكان مجموع ما حصده من أصوات (35000) خمسة وثلاثين ألف صوت، متناسين أن هذا الرقم لا يشكل شيئاً إلى مجموع الأصوات التي كانت من حصة غرمائه الطائفيين. يظهر أن (التجربة القاسية للاصطفاف الطائفي في السنين الماضية لم تؤت أكلها، وأن العراقيين – بعدما جربوا بأنفسهم ويلات ذلك الاصطفاف – ما زالوا مغرمين بتكرار التجربة، والتصويت على الأساس الطائفي الذي قام عليه أول مرة).

أليس كذلك يا أخ صالح؟

لكننا لم نرك تغادر البلد كما وعدت، رغم أن لديك جواز سفر ليس عادياً بل من النوع الدبلوماسي؛ فلست في حاجة إلى أن تهيئ أي جواز، إنما هي ساعة أو نصف ساعة في السيارة من بيتك وإلى المطار! وحسناً فعلت إذ لم تغادر وتترك محلك فارغاً لمن لا يستحقه. لكن قصدت التذكير لا أكثر، والمعنى البعيد، لا القريب، للعبارة.

الطائفية ولا شيء غيرها

ظللت تمارس العزف على وتر الوطنية المتهدل في العراق، وواصلت الضرب على دف (الشيعة العرب) المشقوق من يومه، والمخروم من وسطه – وهذه هي إحدى علل الفكر القومي المزمنة التي أعدت الفكر الإسلامي – إلى أن حل موعد الانتخابات النيابية التالية قبل أيام، فإذا الاصطفاف الطائفي هو هو! وكما هو! وليس إلا هو! ثالثة ورابعة، ولكن هذه المرة قد برز أوضح ما يكون، واستعلن أعلى ما يمكن سافراً مستهتراً، لا ينفع معه الترقيع والتلميع، وتمسيد اللحى وتبويس الذقون. واستشرى واستعهر واستطال فإذا أنت أول ضحايا هذا الاصطفاف، لا لشيء إلا لأنك كنت واضحاً في موقفك من إيران، سنياً ولو بمجرد الانتماء العام، وإن كنت – ربما وكما يظهر والله أعلم – خفيف الالتزام، علمانياً واضحاً في هذا الاتجاه، وطنياً لا تعرف شيئاً اسمه سنة أو شيعة أو إسلام أو مسيحية أو غير ذلك.

أخيراً هيأ الأستاذ المطلك جوازه

أخيراً لم يجد الأستاذ صالح المطلك إلا أن يهيئ جوازه ويتحسس جيبه ليتأكد من وجوده فيه، وينطلق ليخرج وبسرعة من العراق. لا إيفاء بما وعد من قبل طبقاً لما رأى ولمس؛ فإني أعلم بالتجربة المرة أن الإطار الذي تدور فيه أفكاره الحالمة لا يفله حتى الحديد. وإنما كما قيل: (مكره أخوك لا بطل). خرج لينفذ بجلده، كما خرج إخوة له من قبل.

هل أدركت الآن يا أستاذ صالح حقيقة المشكلة في العراق؟ وما هو التحدي الحقيقي فيه؟ ربما، ولكن كالحلم في سِنة من نوم سرعان ما يفيق منه صاحبه ليرجع إلى ما كان عليه.

صدقني لا يفل الطائفية إلا الطائفية. وإلا أُكلنا ونحن ننظر إلى جثتنا تقضم من أطرافها شيئاً فشيئاً حتى يأتي يوم لا ينفع فيه الصراخ ولا الندم.

ثمة علاج آخر هو أن يكون منا ذلك الحاكم الذي يمسك بالعراق مسكة قوية حازمة يضرب بيد من حديد رؤوس الطائفية، ويروض أتباعها ضمن خطة مدروسة لا تخجل من وضع مشرط الجراح على موضع الداء. وإلى أن يحصل هذا علينا أن نواجه الطائفية بالطائفية لنحافظ على الهوية، ونحفظ مناطقنا المرشحة للتردي إلى الهاوية، ونرقب الأحداث الآتية، ونقتنص الفرص المواتية.

كيف يمكنك التعامل مع هذا الصنف من المخلوقات ؟!!!

هل سمعت اليوم – يا أستاذ صالح! – ما صرح به الدعوجي علي العلاق من قائمة نوري المالكي، ذلك المعمعم ذو العمامة السوداء كليل العراق في سبعه العجاف، والوجه الأحمر كوجوه بني أصفهان، وكيف فسر وجود جلال الطالباني (رئيس العراق)! منذ عدة أيام ومعه وفود قيادات الشيعة وعلى رأسهم ممثلو حزب المالكي وحزب الحكيم وحزب الصدر، في إيران؟ لقد أنكر هذا المعمعم الشيعي بكل وقاحة أن تكون هذه الوفود ذهبت لغير المشاركة في أعياد نوروز، مع أننا اليوم في الثلاثين من آذار، وقد انتهت احتفالات الفرس بالنار منذ أكثر من أُسبوع! وأنه لم تجر أي محادثات بشأن العراق وانتخاباته وتشكيل حكومته المقبلة! في الوقت الذي تحدثت فيه جميع وسائل الإعلام عن تلك المحادثات الجارية هناك على قدم وساق بين هذه الكتل بإشراف وضغط مباشر من حكومة إيران لدمجها في كتلة واحدة مقابل كتلة علاوي لتفويت الفرصة عليه في نيل رئاسة الوزراء، وذكرت أن إيران قد نجحت في مساعيها.

كيف يمكنك التفاهم مع كذابين بهذا العيار؟!!!

أتريد مثالاً آخر؟ لنأخذه من غير أصحاب العمائم، رغم أنني ما عدت أفرق لدى هؤلاء بين عمامة وسروال، سوى أن العمامة تُدخل من فوق، والسروال يُدخل من تحت.

ظهر اليوم على قناة (الشرقية) المدعو حيدر سعيد المقيم في عمان، أتدري ماذا قال؟ لقد وصف قائمة علاوي بأنها طائفية لأن غالبيتها من أهل السنة، وفسر الاصطفاف الشيعي في القوائم الأخرى بأنه ردة فعل على هذا (الاصطفاف الطائفي)!!!

قل لي بربك: بأي لغة يتحدث هؤلاء القوم؟ وبأي لغة يمكنك التفاهم معهم؟!!!

ملاحظة طائفية مهمة/

اشترط إياد علاوي على حلفائه السنة أن تكون نسبة المرشحين في قائمته الانتخابية من الشيعة 51% مهما كان عددهم! علماً أن المرشحين السنة فيها أكثر من الشيعة.

أكرموا أنفسكم .. كفاكم بحثاً بين أكوام القمامة

لقد سقطت الشعارات، وها هي لافتاتها المهلهلة الممزقة تلعب بها الريح على الطرقات وفي مكبات النفايات. فهل يكرم أصحابها أنفسهم – وفي أولهم المحسوبون على الإسلاميين – ويطهروا أيديهم عن التقاطها من تلك المزابل، ليرفعوها مرة أخرى فوق رؤوس الغافلين والمغفلين؟!

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى