هذا هو حكم شيعة إيران .. فماذا أنتم فاعلون ؟
صحيح أنه منظر بشع، مغرق في البشاعة، يثير في النفس التقزز ويبعث الحزن، ويملأ حنايا الصدر بالأشجان والأسى!
صحيح أنني أعرف جيداً أنهم يقتلون الإنسان بدم بارد، ويتلذذون بتعذيبه، وإهانته..!
صحيح أن المنظر لم يضف إلى معلوماتي شيئاً مما قد يخفى على غيري، لا سيما ممن هم خارج العراق، أو ليسوا من سكنته.
لكنني لم أكن أتخيل أنني أعيش حتى أرى مثل هذا يعرض على شاشات الفضاء..! أن يرتكب الفاعلون جريمتهم أمام الكامرات، دون أدنى وجل أو حذر. دعك من كونهم لم يبد على وجه أي واحد منهم شعور بالقرف – ولا أقول الرحمة – والاشمئزاز. أو أنهم بعد ذلك راحوا يطلقون الهتافات والأعيرة النارية في الهواء، ويرقصون حول جثة الضحية، وكأنهم حققوا انتصاراً وإنجازاً ما كانوا يحلمون به!
عصابة من الشرطة بالملابس الرسمية في مخفر شرطة يرفسون سجيناً بأرجلهم في باحة المخفر، ويجلدونه والدماء تخرج من مناخره وفمه، وتنز من وجهه، وهو يتلوى حتى الموت!
لن أتوقف لأرثي مصاب الضحية، وإن كان يستحق ديواناً من الرثاء. ولكن.. أرثي من؟ ومن؟ ومن؟! وإذا كان هذا قد فاز بأن ظهرت مظلمته للناس، فإن آلافاً مثله قضوا نحبهم بصمت في زنازين زمر الخراب في إيران، التي انتقلت لتكمل دورها في العراق، يوم نامت نواطيره عن ثعالبها. ولولا بشاعة الحدث لتجاوزته دون تعليق، لا لكونه لا يستحق ذلك، ولكن لأن الكارثة – كما قلت – تعددت وطمت وعمت.
يبعث المشهد في النفس عشرات المعاني والصور والأحاسيس والتساؤلات. لا يتسع نطاق الكلمات لاحتوائها كلها ولا الشطر منها. غير أني أحاول أن أستخلص منها معالم عسى أن تسهم في إنشاء وعي جديد، أو تثير العقول نحو التفكير في حلول غير التي جربت فلم تنفعنا كثيراً ولا قليلاً، بل ما زادتنا إلا وهناً على وهن:
- إن كثيراً من أهل السنة في العراق – وخارجه – ينظرون إلى الأحداث وكأنهم لا يبصرون. والسبب هو تلك القيادات الخائبة (الدينية والعلمانية)، التي ما زالت تردد ببلاهة وتقليدية قاتلة مقولات أكثر منها بلاهة، وتسير على قواعد للسياسة تهرأت من كثرة الاستعمال دون جدوى. ومنها الإصرار على أنه (لا فرق بين السنة والشيعة)، وتصدير أسطورة (الشيعة العرب) التي لا تصدُق إلا على قلة لا قيمة لها من حيث العدد، ولا تأثير لها في تغيير الحدث. والأهم من هذين هو صعوبة التمييز عند التطبيق بين صادقها من كاذبها. وأكثر من يتظاهرون بها هم جواسيس يؤدون دورهم في لعبة (تعدد الأدوار ووحدة الهدف) ويضحكون على تلك الهيئات الهزيلة الساذجة، التي تستقبلهم وتسوق لهم، لا لشيء إلا لكي تثبت للناس صحة ما تدّعي وتقول، استكباراً وأنفة من الاعتراف بالخطأ، أو جهلاً وإصراراً عليه!
إن هذه المجموعة من الشرطة ليست زعنفة شاذة زائدة، أو خارجة، على المجتمع، تمثل نفسها ولا تعني غيرها بشيء. بل هي أنموذج حي للشخصية الشيعية السادية، التي عكفتُ على دراستها سنين، وخرجت عنها بكتابي (التشيع عقيدة دينية أم عقدة نفسية). إن الشيعة طائفة تقدس القوة وتعبدها: فإن كانت مغلوبة تملقت واستخذت وعبرت عن تلك العبادة بشتى ألوان الخضوع والاستعباد. وإن تغلبت تألهت وتقدست وبحثت عن ضحية تعبر لها عن طقوس العبادة والتقديس.
والشيعة طائفة تعاني من شخصية (اضطهادية). وهذه الشخصية تمتاز بالازدواجية من حيث أنها سادية ماسوشية في وقت واحد (سادو – ماسوشية). ولكن حسب الحال من القوة والضعف يكون التعبير: مرة هذه ومرة هذه. والسادي يتلذذ بتعذيب الضحية، أما الماسوشي فيتلذذ بالخنوع والخضوع وتلقي الإهانات والصفعات.
فما شاهدتموه في الصورة الحية المنقولة على الشاشة هو أصدق تعبير عما قلت وأقول.
فماذا أنتم فاعلون أمام هذا الصنف من الوحوش البشرية؟ وكيف تحمون منهم أنفسكم وعوائلكم ومجتمعكم؟
- ليست هذه الضحية هي الشخص الوحيد الذي انتهت حياته على أيدي رجال الحكومة بهذه الطريقة. مثله عشرات الآلاف من العراقيين، إن لم يكن هو أخف من الكثيرين منهم عذاباً وتعذيباً! لكن نهايته تميزت بأنها جريمة ارتكبت أمام أنظار الناس، في طقس بدا واضحاً أن مرتكبيه لم يكونوا يأبهون لانكشاف جريمتهم بكامل عناصرها! وهذا لا أجد له تفسيراً إلا قاعدة (من أمن العقوبة أساء الأدب). فلولا يقينهم من تواطؤ الجهات القانونية الحكومية معهم لما ظهروا بجريمتهم بكل راحة وانطلاق. أي إن (دولة القانون) بلا قانون! وأرجو أن لا ننسى أن المالكي تكرر منه تكريم مجرمين اتهموا بأقذر الجرائم، وظهرت اتهاماتهم على الفضائيات أيضاً، كجريمة اغتصاب (صابرين) في حي العامل من قبل عدة ضباط وجنود قام المالكي بتكريمهم بمبالغ من المال، ومنحهم إجازات استراحة من العمل في يوم ظهور جريمتهم وانكشاف سوأتهم في وسائل الإعلام!
إن من يعرف النفسية الشيعية يعرف أن للشيعة مفهوماً خاصاً بهم لكل شيء، لا يشبه مفاهيم غيرهم من الشعوب والطوائف والأمم. وهذا يشمل كل شيء: من الدين إلى الأخلاق والسلوك إلى السياسة وغيرها. فالقانون عندهم هو أن يفعل الشيعي بخصمه طبقاً لما يعتقده مستحقاً له، لا طبقاً لما تؤدي إليه إجراءات التحقيق، وتحوطات العدالة. ومن وقف بوجهه التزاماً بالقانون كان عنده هو الظالم المعتدي الخارج على القانون!
كيف يمكن التعامل مع هؤلاء يوم يبسطون ظل (قانونهم) على العراق بأجمعه؟
- قام الشرطة بعد القضاء على الضحية بالرقص حول الجثة والتهويس والهتاف وإطلاق النار. وهذا ديدنهم في جميع الحالات المشابهة. وكل العراقيين في الداخل يعرفون هذا التقليد. لكن تمكن جماعة من المسلحين من قتل شخص واحد أعزل لا يبعث على الشعور بالنصر والغلبة، والإحساس بالنشوة؛ فلا بد أن يكونوا، والحالة هذه، في حالة استحضار لصورة جهة ما، يتقصدونها بإظهار المشهد على التلفاز، لإيصال رسالة إليها أنهم قادرون على النيل من أبنائها، والتنكيل بهم إلى هذه الدرجة من العلنية والاستهتار! نحن هنا نفعل ما نشاء وننفذ ما نريد، وليشهد العام على ذلك، وافعلوا ما شئتم. اذهبوا فبلطوا البحر، أو ازرعوا الشوك في الهواء. (ألف طز فيكم، وتف عليكم)!
من هذه الجهة التي عليها يبصقون؟ وفيها يطزّون؟
إننا إزاء حرب دينية وحشية، وتصفية طائفية شاملة. تأخذ في كل مرحلة شكلاً وأسلوباً. الشيعة يعرفون فيها طريقهم المؤدي إلى هدفهم. والسنة فيها حائرون مبلسون، قد ابتلوا بقيادات متخلفة، ذات أفكار نمطية متخشبة، لا يمتلكون مرونة التغيير من أجل المحافظة على الاستمرار، وليس لديهم قابلية الانسلاخ المنظم من قيود الماضي. ويفتقدون إلى ثقافة الاعتراف بالخطأ، والإقرار بالفشل في سبيل البدء من جديد.
قال لي صاحبي: لن تنحل مشكلة العراق قبل أن تنحل مشكلة فلسطين. قلت: بل ستنحل مشكلة فلسطين ولا تنحل مشكلة العراق؛ ما دمنا بعيدين عن تشخيص أصل العلة، ومعرفة سر الصراع في هذا البلد المنكوب بأهله قبل غيرهم من العالمين.