إذا كانت الطائفية هي الحل.. فلْتكن .. ولْنكن ..!
شهد العالم كله بعد الانتخابات النيابية الأَخيرة التي جرت يوم (7/3/2010)، كيف أن المكون السني العربي كان أضعف المكونات الثلاثة الرئيسة في العراق (السنة العرب، الشيعة، السنة الكرد)، رغم أنه أكبرها حجماً، وأفضلها كفاءاتٍ، وأعرقها خبرةً في الحكم، وأوسعها امتداداً خارج الحدود (من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي).. وربما أكثرها غنىً وثروة!
ألم يأْنِ للسنة أن يسألوا أنفسهم: لماذا؟
ثم يجيبوا عليه بموضوعية تتخطى قيود الثقافة القديمة، وتصل إلى لب المشكلة، مهما كان مخالفاً للموروث الثقافي، والأَفكار النمطية المسبقة؟
ملاحظتان مهمتان
إليكم هاتين الملاحظتين:
- عمل الشيعة على خدمة كيانهم كشيعة – وإن سايروا التيار أحياناً بشعارات وطنية لا يؤمنون بها – وبرز هذا التوجه بوضوح بعد الاحتلال. كذلك عمل الكرد على خدمة كيانهم ككرد وتقويته والمطالبة بحقوقهم على هذا الأساس بلا مواربة أو تردد أو خجل.
أما أهل السنة فقد ساروا على النهج الوطني: شعاراً وتطبيقاً، قبل الاحتلال وبعده.
تلك هي المقدمة بكل اختصار..
- فماذا كانت النتيجة؟
- قويَ الشيعة حتى سيطروا على مقاليد البلد
- قويَ الكرد حتى صارت لهم حكومة وبرلمان محلي
- ضعُفَ أهل السنة حتى إنه ليس لهم اليوم من كيان أو جهة أو شخص يمثلهم
السؤال الأهم
السؤال الأهم : ” لماذا ؟ ”
والجواب يكمن في المقدمة. إذا كنت في بيت كبير مكون من ثلاث عوائل: عائلتان يعمل أفرادهما كل لعائلته، والثالثة يعمل أفرادها للجميع دون التركيز على مصالح العائلة الخاصة، ولا الانتباه أو الإحساس بذاتها.
ماذا ستكون النتيجة؟
حتماً ستؤول الأحوال إلى ضعف العائلة الأخيرة وذوبان جهودها وثمارها ضمن المجموع. فإذا سيطرت العائلة الأولى على قرار واقتصاد البيت وهي تتآمر وتضطهد وتستعبد العائلة الثالثة، والعائلة الثانية لا يهمها إلا ذاتها، وقد تتعاون مع الأولى على استغلال الثالثة.. هنا يصبح تصرف العائلة الأخيرة على أساس العمل للجميع نوعاً من السذاجة بل الحمق الكبير، الذي لا يفوقه حمق الحمير!
نعم، لو كانت هي المسيطرة الموجهة لكان لتصرفها نوع من القبول. وإن قالت: لا بد من ذلك للحفاظ على وحدة البيت، وإلا تعرض للتشرذم والتقسيم. قلنا: ما دامت الحال على هذه الحال، فليكن معلوماً لديها أنه لن يتوحد البيت إلا في حالة واحدة، ذوبانها (هي والعائلة الأخرى المترددة؛ لأن الدور القادم عليها) وانمحاؤها من الوجود في جسم العائلة الأولى، أو يكون لها وجود ضعيف ذليل، الموت خير منه. وهي نتيجة لا يرضاها (إلا الأذلانِ: الجحشُ والوتدُ).
إن وحدة البيت تبدأ من رجوع مقاليد الأمور في يدها مرة أُخرى. وهذا لن يكون ما دامت ضعيفة. وضعفها لن يزول ما لم تلتفت إلى نفسها أولاً لتقوي كيانها. وذلك لن يتم ما لم تترك الشعار الأحمق في هذه المرحلة: (العمل للجميع). إلا إذا تنازل الجميع عن طائفيتهم والعمل لكياناتهم الخاصة على حساب مصلحة الكيان المستغفل. وهذا لا وجود له اليوم.
فشل المشروع الوطني في العراق
على أننا نضيف فنقول: إن تجربة ثمانية عقود (1921-2003) أثبتت فشل المشروع الوطني في العراق إلى حد التصفير. وأنه لم يكن من أحد يعمل للوطن الواحد سوى السنة، فكانت النتيجة أنهم خسروا كل شيء؛ لأنهم لم يفرقوا بين الحلم (المبدأ) والواقع. ومن عاش الحلم كواقع خسر الواقع والحلم. وكان عليهم يوم كانوا يحكمون البلد أن يجدوا حلاً للمعضلة الطائفية (الدينية والعرقية) مهما كان مراً. لا أن يتعاملوا معها بالمبادئ الحالمة، والشعارات الواهمة. فالشوك مهما غطيته بالحرير ستظهر أشواكه عند أول ضغطة.
بين الحالمين والواقعيين
وإليكم هذين الشاهدين:
- حلم في ذهن كل عربي أن يتوحد العرب، وحلم المسلم أن يتوحد المسلمون. ولا تناقض بين الحلمين.
هذا حلم. أما الواقع فهو أن كل قطر له حدوده وقوانينه وقراراته وإمكاناته وثرواته. والجميع يتعاملون على أساس هذا الواقع، وليس على أساس ذلك الحلم. فلو أن دولة ما عاشت الحلم كحقيقة واقعة، ووزعت طاقاتها على جميع الدول ستكون نهاياتها الضعف والاضمحلال والزوال، وأول من يستولي عليها وينهشها أولئك الذين عملت من أجلهم، وذوبت كيانها في جسمهم. فإذا أرادت توحيد الجميع فعليها أن تكون واقعية مرنة توائم بين الحلم ومعطيات الواقع. فتلتفت إلى كيانها لتقوي نفسها أولاً ثم تنطلق من هذا الأساس للوصول إلى الهدف أو تحقيق الحلم. هكذا عمل النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا عمل خلفاؤه من بعده، وكل الذين كانت لهم جهود توحيدية في الأُمة كصلاح الدين وأضرابه. أما السنة العرب في العراق اليوم فحالهم كحال تلك الدولة الحمقاء المفترضة.
- السنة الكرد ما زالوا يعملون لكيانهم منذ تأسيس دولة العراق الحديثة (1921). وحتى اللحظة هم يتكلمون ويعملون ويصرحون ويتعاملون مع المكونات الأُخرى على هذا الأساس. انظروا إلى وضعهم اليوم! كيف يخطب الجميع ودهم، ويتزلف إليهم بالتنازل والمدارة وتفهم المطاليب، وحتى الاعتذار. ولم يقل أحد عنهم: إنهم طائفيون. ثم قارنوا بين حالهم وحال السنة العرب!!! تجدوا الفرق واسعاً لصالح الكرد، رغم أن السنة العرب يبلغ حجمهم العددي فقط أكثر من ثلاثة أضعاف الكرد!
فهل من معتبر؟
إن مثل السنة العرب اليوم بعد زوال سلطانهم، وتبنيهم لشعارات الوحدة الوطنية والعمل للجميع ظاهراً وباطناً، وتوهمهم بأنهم على الصواب سائرون رغم أنهم إلى الهاوية – لا سمح الله يتدحرجون – كمثل رجل غني عاش سحابة عمره في نعمة وثراء، ثم افتقر فجأة فلم يعد يملك حتى البيت الذي يسكنه. سيظل سنين يتصرف بوحي من عقله الباطن الذي يختزن المكنة والغنى والثراء، فلا يزداد إلا فقراً. إنه في حاجة إلى فترة من الوقت ليتغير خزين عقله اللاواعي الذي يحكم سلوكه، كي يتصرف بمقتضى واقعه لا مقتضى وهمه وحلمه. فإن استمر على ما هو عليه من قبل فسيفيق يوماً ليجد نفسه قد بلغت الهاوية!
إن السنة العرب ما زالوا يتصرفون تحت تأثير اللاوعي الجمعي السابق، وكأنهم ما زالوا كما كانوا يحكمون البلد، ويقودون الجماهير.
إن هذا هو الوهم عينه. وإذا كانوا يحلمون بعودة الأمور إلى سابق عهدها، فإن عليهم أن يبدأوا من نقطة الشروع، فيعترفوا بالواقع ويتعاملوا معه كما هو لا كما يحلمون. إن البلد مقسم طائفياً (الطائفية الدينية والطائفية العرقية)، والعمل يجري من الآخر على هذا الأساس. ولا مجال للحالمين في وسط العاملين.
وإذا كان هذا معناه (الطائفية)، فليكن! ولنكن..!
الطائفية – إذن – هي الحل في وسط الطائفيين، ما داموا كذلك، وما داموا هم المتحكمون المسيطرون، ونحن المحكومون المهمشون المطاردون، حتى تعود الأمور إلى نصابها. بذلك وحده يمكننا المحافظة على خط تأويل ذلك الحلم، وتحويله إلى واقع.
وإلا…..
فإن من عاش الواقع المؤلم بالحلم الجميل، عاد الواقع المرفوض حلماً يتمناه ولا يلقاه.