الأمل شعبة جميلة رائعة من شعب الإيمان.. أما اليأس فباب كالح من أبواب الكفر.
والمؤمن يتطلع دائماً إلى الأُفق المتجه صعداً إلى السماء، وإن كانت رجلاه تخوض في وحل الواقع المرير؛ فالله تعالى يقول: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87].
صور من الحدث
حين أسترجع أحداث أمس (الجمعة 25 شباط/فبراير) لا أدري لم تلوح أمامي صورة خراطيم المياه التي تصدم المتظاهرين بسيول من الماء في ذلك الجو البارد، وتجبرهم على التفرق والتراجع دون نظام؟!
ثم تنتصب أمام ذاكرتي تلك الكتل الخرسانية الثقيلة العالية، التي وضعتها القوات الأمنية على مداخل الجسور والطرق المؤدية إلى ساحة (التحرير) في الجانب الشرقي من بغداد، المركز الرئيس لتجمع المتظاهرين؛ إذ تحاول الحكومة بكل وسيلة إفشال الحركة، من حظر للتجوال في مناطق عديدة في بغداد وغيرها من المدن، ومنع سير المركبات لعرقلة وصول الناس إلى الساحة، وسيارات حكومية تجوب الطرقات تحذر الناس من الاشتراك في التظاهرة.
ويأتي إطلاق الرصاص وقتل بعض المشاركين، وجرح آخرين، يكمل جوانب الصورة، ويطرزها بأجمل إطار لديمقراطية الطائفيين!
خطاب المالكي
خطاب رئيس الوزراء في اليوم السابق لانطلاق التظاهرات جاء ترجمة لهتافات كثيرة في مدن عديدة صدحت بها حناجر الجموع: “كذاب.. كذاب… نوري المالكي”.
وضحكت وأنا أستمع إلى نوري المالكي وهو يعدد إنجازاته (العظيمة!) التي حققها السنين الماضية في جانب الخدمات: الماء الصالح للشرب ارتفعت نسبته من (30٪) إلى (70٪)! أما الكهرباء…….؟ نعم.. الكهرباء! فقد زاد إنتاجها على الضعف مما كانت عليه أيام العهد السابق! واتسعت مساحة الضحكة عندما سمعته يبرر العجز الحاصل بزيادة الاستهلاك!!!
مما قاله المالكي في خطابه: اختاروا أي زمان ومكان للتظاهر غير زمان ومكان يوم الغد؛ معللاً ذلك بالخشية من اندساس البعثيين والصداميين بين صفوف المتظاهرين! والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما دام المالكي حريصاً على أرواح الناس، ويتحسب من خطف أصواتهم من قبل المندسين، فلماذا لا تظهر هذه الخشية في مواكب الزيارات التي لا تنقطع إلى المراقد؟ ثم ما الضامن من ذلك (الاندساس) فيما لو تأجلت المظاهرة إلى موعد آخر؟
أليسوا هم الذين انتخبوا ؟ وهو الذين رحبوا ؟
عندما أنظر إلى وجوه المتظاهرين في بغداد ومدن الجنوب الشيعي أقول: أليست هذه الجموع – في غالبها – هي نفسها التي انتخبت المالكي نفسه ولمرتين متتاليتين؟ فإن كانت أخطأت في المرة الأولى فعلام كررت الخطأ في المرة التالية؟ وإن لم تكن مخطئة فلماذا تخرج اليوم ضده؟! وإذا ذهب المالكي فهل لديها مرشح خير منه؟
ويتسلل إلى أذني هتاف: “بالروح بالدم نفديك يا عراق”!!! مع أن الوجوه نفسها.. في المدن نفسها.. في الشوارع نفسها، كانت تهتف مرحبة بجيوش المحتل فرحة راقصة لا تسعها الشوارع من الفرحة!
مئات ؟! أم ملايين ؟!
مما لاحظته صباح هذا اليوم (26/2) على قناة (البغدادية) تكرار مقدم الأخبار فيها، وهو يتابع أخبار التظاهر من مدينة إلى أُخرى، لعبارة “وقام مئات المتظاهرين في المدينة الفلانية”. وأسأل: لماذا “مئات” وليس “ملايين” كما هي عادتهم عندما يتحدثون عن أعداد زوار المراقد، مع أن الأعداد واحدة أو متقاربة؟!
ولي هنا ملحظان:
1. طبيعة التفكير الغوغائي الشيعي: فهم يضخمون ويحجمون الأشياء حسب ما يريدونه ويرونه مناسباً، لا ما كان واقعاً.
2. إن هذه القناة – وقد كتبت عنها ذلك يوماً – تمارس دوراً طائفياً موكولاً إليها ضمن خطة (تعدد أدوار ووحدة هدف).
من فضائح المرجعية الشيعية
وقوف السيستاني وكثير من العمائم الشيعية البارزة مع المالكي: تلميحاً أو تصريحاً في دعوة إلى عدم التظاهر دليل جديد على رضاهم وعدم مبالاتهم بما يجري في الواقع على الشعب من ظلم. وهو فضيحة أخرى تلحق بسجل فضائحهم المتضخم مع الوقت بأنواع الفضائح. وإذا أضفت دعوة مقتدى من مخبإه في إيران إلى تأجيل التظاهر ستة أشهر، يمكنك أن تستنتج أن إيران ما زالت عند اختيارها المالكي، وأنه ليس لديها من بديل له.
تجاهل الإعلام العربي ؟
استمعت إلى نشرة أخبار قناة (العربية) الساعة السابعة صباحاً بتوقيت مكة المكرمة، فلم أجدها تطرقت إلى ما جرى في العراق يوم أمس لا من قريب ولا من بعيد! فلا أدري لماذا هذا التجاهل للعراق؟! لماذا هذا الصمت وهذا التعتيم تجاه بلد بأهمية وعظمة هذا البلد الحيوي الكبير؟!
أعظم درس
من وجهة نظري أن أعظم درس ومكسب خرجنا به من هذا الحدث هو انكسار حاجز الخوف لدى الناس من الحكومة، وارتفاع معنوياتهم وانتعاش آمالهم في إمكانية التغيير، وهذا سيكون له ما بعده، وسيتجه انعكاس شعاعه إلى ناحيتين:
ناحية الشيعة: سيزدادون خلافاً واختلافاً وضعفاً بإذن الله تعالى.
وناحية السنة: هذه مقدمة جيدة لتململ ماردهم العظيم، كبداية لصحوته وانطلاق قوته الجبارة في وجه الاستهتار الطائفي الشيعي. تأملوا كيف كنت قبل شهر ونيف لا أكثر، بعيد أحداث تونس، أتكلم مع بعض أبناء قضاء سامراء عن ضرورة خروج مظاهرات ضد المؤامرة الحكومية في تشييع المدينة، فكان الجواب: حاولنا كثيراً مع الناس لكنهم لا يجرؤون على فعل ذلك أبداً. واليوم بعث إلي شاهد من هناك بالمشهد التالي:
(بعد صلاة الجمعة قام الشيخ الدكتور حسين الشيخ غازي السامرائي بقراءة مطالب أهل مدينة سامراء على المصلين. واثناء ذلك فوجئ الجميع بدخول قائد عمليات سامراء رشيد فليح بحذائه إلى المسجد ومعه النائب شعلان الكريم، وشخص شيعي بعمامة شيعية؛ ما اثار المصلين على قائد العمليات فقاموا بضربه وطرده مع اصحابه خارج الجامع).
من كان يتصور أن ذلك يمكن أن يقع؟! لكنه وقع! وسيقع مستقبلاً ما هو أدهى وأكبر بإذن الله.
ملاحظتي وسؤالي الأخير: أين الأمريكان مما حدث أمس؟