من دفتر الذكريات الأليمة (1)
اليوم السادس للغزو الصليبي للعراق
هيأتها للنشر في
هذا هو اليوم السادس للغزو الصليبي للعراق بقيادة أمريكا عدوة الشعوب. وقد ابتدأ في الساعة الخامسة والنصف من صباح يوم الخميس 17 محرم 1424 – 20/3/2003 .
يا لله..!
ثلاثٌ وعشرون سنة مرت ونحن من حرب إلى حرب، ومن مكان إلى مكان!
فمن أين هذه المرة؟ وإلى أين؟
إرهاصات الغزو
كانت ذريعة العدوان هي امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل حسب ادعاء أمريكا الذي لم تستطع إثباته رغم عمليات التفتيش والتجسس التي استمرت آخر جولة من جولاتها حوالي ثلاثة أشهر، لم يتركوا فيها شبراً واحداً من العراق إلا ونفضوه.
لم ينفع العراق تفجيره أكثر من سبعين صاروخاً نوع صمود/2 استجابة لطلب أمريكا بحجة تجاوزه للمدى المسموح به وهو 150 كم.
ورغم عدم تمكن أمريكا – مع محاولاتها المستميتة – من استحصال قرار من مجلس الأمن يخولها ضرب العراق بعد وقوف فرنسا ومعها روسيا والصين ضد القرار، بل هددت فرنسا باستعمال حق الفيتو ضده، وكذلك روسيا، رغم هذا ورغم المظاهرات المليونية التي عمت أرجاء العالم والتي شملت أمريكا وبريطانيا وإسبانيا التي تؤيد العدوان بقوة، وطاف شوارع لندن أكثر من مليوني متظاهر ضد الحرب، ورغم أمور أخرى كثيرة فقد ابتدأت أمريكا الحرب ومعها بريطانيا بضربات جوية بالطائرات وصواريخ كروز من السفن الراسية في البحر الأحمر والتي عبرت قناة السويس المصرية بحماية الحكومة المصرية!
توقيت مرتجل
كان توقيت الهجوم مرتجلاً وليد لحظة مفاجئة بناءً على معلومات استخبارية وصلت القيادة الأمريكية تفيد بأن اجتماعاً للقيادة العراقية – فيه الرئيس صدام حسين – قد رصد في مكان ما من بغداد، ولا بد من ضربة اقتناصا لفرصة قد لا تسنح أبداً.
وأعطى بوش الصغير أوامره بضرب العراق وهو يلاعب كلابه كما ظهر في شاشات التلفزة. لكن تبين أن المعلومات لم تكن دقيقة، أو أن توقيت الهجوم كان قد تأخر بعض الشيء فلم يصب أحد من القيادة!
إنزالات جوية فاشلة
مرت ستة أيام بكاملها من الحرب، وإلى الآن لم يتمكن الأمريكان من الوصول إلى أي هدف من أهدافهم مع أنهم كانوا يقولون إنهم سيحتلون بغداد خلال 24 ساعة، أو 48 ساعة وبعضهم يقول: أسبوع. أو يعممون فيقولون: إنها حرب خاطفة سريعة. لم يدخلوا فيها مدينة عراقية سوى ميناء أم قصر الذي ما زالت القوات العراقية فيه صامدة. حاولوا دخول البصرة فلم يتمكنوا، وكذلك الناصرية والنجف والمثنى وكربلاء كل ذلك عن طريق الصحراء الخالية أو عن طريق إنزالات جوية كما حصل في الأنبار في المناطق الحدودية.
هبت رياح وعواصف شديدة في صحراء الجنوب عطلت أو عرقلت الهجوم البري. وقد أبدى العراقيون من ضروب الشجاعة ما يثير الإعجاب!
وامتلأ العراق بالخنادق والسواتر وتحول العراقيون إلى جنود مسلحين ولكن بأسلحة غالبها شخصية خفيفة لا تغني كثيراً ولا قليلاً. لبست الزي الديني الرسمي وركبت سيارتي وذهبت إلى مركز المدينة حيث شعبة المحمودية (الجهة الوحيدة التي يمكن الاتصال بها ممن يمثل القيادة) وطالبت المسؤولين بتوزيع الأسلحة المتوسطة والقاذفات على الناس، ولكن لم يستجب منهم أحد!
وسقطت طائرات ودمرت دبابات وناقلات وتساقط قتلى ووقع أسرى منهم طيارون.
ما زالت القوات المهاجمة في الصحراء، وقد أعلنوا تغيير خطتهم وحولوها إلى حصار للمدن تجنباً للالتحام المباشر فكيف إذن سيدخلون بغداد الحبيبة وقد تحولت إلى خندق مرعب؟! وكيف سيحاصرونها وقد استعدت جيداً للحصار؟!
نقلت وسائل الإعلام العراقية أن فلاَّحاً من مدينة طويريج اسمه علي عبيد منكاش الفتلاوي أسقط طائرة (أباتشي) ببندقية (بَرْنَو)!
أكاذيب الأمريكان
ظهرت أمريكا أقوى دولة في العالم على حقيقتها، وظهرت أكاذيبهم ومن أول لحظة!
قالوا إن الفرقة /51 استسلمت مع قيادتها لكنهم لم يُظهروا على الفضائيات سوى أفراد لا يتجاوز عددهم المئة! ثم تبين كذبهم بعد يومين بعد أن ظهر قائد الفرقة /51 اللواء خالد الهاشمي على الشاشة ليكذب الخبر.
وقالوا – ومن أول يوم – أنهم سيطروا على ميناء (أم قصر) ولكن أظهرت الأيام التالية أن أم قصر تقاوم حتى الساعة!
وقالوا: سيطرنا على ميناء الفاو ثم تبين أنهم يكذبون. أكاذيب وإنجازات فارغة رغم قوتهم الهائلة سوى القصف بالطائرات والصواريخ على بغداد والموصل وغيرهما من المدن.
نزول السكينة
من مفارقات القدر أن الناس كانوا خائفين وجلين من وقوع الهجوم (الماحق الساحق) حتى إذا وقع فعلاً فكأن السكينة نزلت علينا وليس قنابل وصواريخ! لقد ارتفعت معنويات الناس مباشرة بعد الضربة الأولى وتجولنا بين الناس يوم الخميس فإذا هم كلهم مستبشرون، وانفجرت الفقاعة.
تركيا لا توافق على استخدام أراضيها لدخول الغزاة من الشمال
أما الهجوم من الشمال فلحد الآن لم توافق تركيا على دخول الأميركان من أراضيها. لهذا بدأت القوات الأمريكية التي كانت ترابط هناك أملاً بالدخول إلى العراق من شماله، بدأت أمس بالخروج من تركيا، وكما يبدو إلى الكويت.
عاصفة ترابية لم أرها من قبل
أما اليوم فقد هبت الريح شديدة عاصفة، ومنذ الصباح الباكر، وثار غبار شديد أظلمت له السماء قبل غياب الشمس بساعة ونصف حتى صار مدى الرؤية لا يزيد عن مئتي متر! والريح شرقية أي في ظهور العراقيين وعيون المعتدين. واشتد الظلام حتى كأنك بعد غياب الشمس بنصف ساعة!
لا أذكر طيلة عمري مرة واحدة أن الجو انقلب هذا الانقلاب !
واستبشرنا خيراً. وتذكرنا قدرة الله جل وعلا، وحاجتنا الماسة إلى الإيمان بالقدر. حقاً كنا نقول: هذا مع ضعف ديننا وبعدنا عن الله، فكيف لو كنا مؤمنين حقا، وكنا محكمين لشرعة الإسلام؟!
موقف الدول العربية
اجتمع أمس وزراء خارجية دول الجامعة العربية فخرجوا بقرار يدينون فيه العدوان وطالبوا مجلس الأمن بوضع حل للخروج من الأزمة. المملكة العربية السعودية ودول الخليج قالوا: إنهم سيعوضون النقص الحاصل في كمية النفط منعاً لارتفاع أسعاره! والأردن تطرد مجموعة من الدبلوماسيين العراقيين!
بعض إخواننا العرب شارك في العدوان علينا.
من المفارقات أن الخيام التي أعدتها حكومة الأردن لاستقبال اللاجئيين من العراق بالتنسيق مع الأمم المتحدة لم يدخلها عراقي واحد! بل على العكس صار العراقيون يتدفقون عن طريق الأردن للرجوع إلى بلدهم العراق.
وتدفقت عيناي بالدموع وأنا أسترجع هذه البطولات والمواقف التي تهز النفس من الأعماق.
أمور كثيرة وكثيرة يغص بها القلم، وتريد التدفق على الورق.. غير أنني أتوقف هنا لأسباب طارئة… ولكن إلى حين بإذن الله.
الثلاثاء
25/3/2003 – 7,30 مساءً
ريف المحمودية القديمة