مقالات

حرامية التاريخ والجغرافية والوطنية (5)

كيف استقبل الشيعة جنود المحتلين في محافظة بابل ( الحلة )

في المقال السابق تكلمت كيف استقبل الشيعة المحتلين في مدينتي المحمودية! ونسيت أن أبهج أنظاركم وأنا أقص عليكم كيف خرجت نساؤهم إلى الطرق الرئيسة يزغردن للأمريكان، وهن يحملن الأطفال مبتهجات، وينثرن مع الرجال الحلوى على الجنود، ويوزع الشباب عليهم أنواع المشروبات، مرحبين بهم، يسمعونهم أطيب العبارات، وأحر الهتافات؛ على أنهم خلصوهم من صدام! فرحين سكارى وماهم بسكارى لا تكاد الدنيا تسعهم من الفرح! وكان في مقدمة الرتل الأمريكي – كما ذكرت سابقاً – معمم شيعي يوزع علب الحلوى، وقناني البيبسي كولا على أبناء جلدته، الذين كانوا لحظتها يهتفون ترحيباً بجنود المحتل الى أرض الوطن!

وفي ناحية الرشيد – وهي إحدى نواحي المحمودية من جهتها الشمالية -خرج المدعو “أبو سعد” – كما روى لي أحد شيوخ الدين ممن شهد الواقعة – يحمل بندقيته يلوح بها في الهواء، وهو يرقص فوق النهر الذي يمر بالقرب من داره طرباً، ويهتف مرحباً بالأمريكان. قال له أحدهم متهكماً: “ماذا لو عاد صدام إلى الحكم من جديد”؟ فأجابه: “والله لن يردني شيء قبل حدود إيران”. هل تنبهت لما قال؟ “قبل حدود…. إيران”! عمل أبو سعد هذا على بناء حسينية في سوق المدينة، وأصر على ذلك رغم حساسية الأمر. ولقي مصيره بعد ذلك على يد (مجهولين).

لقد عبروا عن الحقيقة

أما كيف استقبل الشيعة جنود المحتلين في الحلة، التي عرفت فيما بعد بلقب (الدجاجة البيضاء) تعبيراً عن شدة استسلامها للغزاة: فقد كتب إلي أحد المعارف من أهالي الحلة يروي مشاهداته المؤلمة في اليوم الأول للاحتلال تحت عنوان “لقد عبَرّوا عن الحقيقة” يقول:

(دخلت القوات الأمريكية بدباباتها ومدرعاتها وطائراتها محافظة بابل، عن طريق محافظة كربلاء. كنا ننظر إليها من الشبابيك وشرفات البيوت، وقلوبنا يملأُها الأسى والحزن البالغ على ضياع البلد بأيدي اليهود والصليبيين. هذا ما كنا نشعر به نحن أهل السنة. وقد كنا أقلية تتوجس الخيفة من الشيعة، ومما سيفعلونه بنا.

أما الشيعة فقد خرجوا إلى الشوارع مهللين فرحين، يستقبلون القوات الأمريكية بالتصفيق والصفير. وأمام باب سينما الخيام وقف الأمريكان وهم يوجهون سلاحهم تجاه الجموع الغفيرة خائفين يترقبون. لكن الناس صاروا يرمون عليهم الأزهار مبتهجين بمقدمهم. ورأيت أحدهم يتقدم إلى أحد الجنود، يرجوه أن يقبل منه “باقة الورد هذي”، والجندي خائف منه يتوجس شراً، يصوب سلاحه باتجاهه يريد منه الابتعاد. لكن الرجل أبى إلا أن يصل إليه، ويسلمه الباقة يداً بيد!

أثارت هذه المناظر فينا نحن أهل السنة مشاعر الحزن والقهر والغضب. وبكت نساؤنا بكاء الثكالى. كل هذا كان متوقعاً أن يبدو من الشيعة. ولكن الذي لم يكن في البال، والذي أثار دهشتي واستغرابي الحادثتان الآتيتان:

  • الأولى: كنت واقفا في حديقة بيتي حينما دخلت علينا جارتنا – وهي امرأة سنية كبيرة السن – فسلمت علي وقالت لي وعلى وجهها أمارات الغضب: اصعد إلى سطح المنزل وانظر ما يحدث من مهازل! قلت: وما ذاك؟ قالت: صعدت النسوة الشيعيات على أسطح المنازل وقد نزعن حجابهن، ونثرن شعورهن، وهن يلوحن بأغطية رؤوسهن للطائرات الأمريكية، ويرقصن بغنج ودلال. قلت: ألا يوجد غير غطاء الرأس يلوحن به؟! ولكنهن عبرّن عن الحقيقة دون أن يدرين! لقد جاء المحتلون من أجل هذا! جاءوا لهتك الأعراض وإشاعة الفجور.
  • الثانية: بعد ساعة من دخول القوات المحتلة خرجت من البيت لأنظر ما يحدث في الخارج. وصلت في سيري إلى مركز البلد. وعند الجسر على النهر كان هناك جمع من المدرعات الأمريكية متوقفة وعليها جنود يلوحون للناس بأيديهم تعلو وجههم البهجة ويطرزها الحبور. كان الناس من حولهم متحلقين بالمئات، إن لم نقل بالآلاف، وهم يصيحون بأعلى أصواتهم “صل على محمد.. والوالي محمد”..!!!

كان يترجم كلماتهم، ويعطي الإرشادات عبر مكبرات الصوت رجل خليجي. وبينما أنا أنظر مذهولاً إلى هذه المشاهد! إذا بي أفاجأ بشاب قد كسر قفل أحد محلات بيع الخمور، ثم يدخل ويخرج حاملاً صندوقاً مليئاً بقناني شراب البيرة، وأخذ يوزع القناني على الجنود تحت هتاف الجماهير الذي يصك الآذان: “صل على محمد.. والوالي محمد”..!!! فقلت في نفسي: وهذه الثانية. لقد عبّروا عن الحقيقة مرة أخرى: (خمور وجنس).. هذا هو دينهم.. وهذا ما يريده الأمريكان واليهود ومن معهم من العملاء باسم الديمقراطية).

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى