عندما تطغى الحماسة على السياسة
في السنين الأولى للاحتلال كانت كل قوى الشيعة مجتمعة عاجزة عن أن تدخل قرية سنية صغيرة كاللطيفية أو جرف الصخر، وإن كانت تقع على تخوم الشيعة وقريباً من عرينهم!
واليوم..!
في عرين السنة.. مدينة “الفلوجة”، التي طردت الأمريكان – فضلاً عن خدمهم من الشيعة وأمثالهم من العملاء – كالجرذان في نيسان/2004 لتبقى عصية عليهم لا يجرؤون على دخولها ستة أشهر بأيامها ولياليها.. اليوم في مركز الفلوجة.. في وضح النهار، وعلى مرأى ومسمع الجميع تقوم شراذم الشيعة بدهم بيوت أهلها واعتقال شبابهم! بل وقتلهم.. ثم ينصرفون يتلمظون دون خوف أو وجل أو تحسب لعواقب فعلتهم!!!
في أحد أيام الشهر الماضي قتل أحد شباب المدينة على سبب تافه، بل بلا سبب! كان المجني عليه يقوم باستنساخ بعض الاوراق في أحد المكاتب. بعد خروجه من المكتب اعترضه احد الجنود (من قيادة عمليات الانبار الشيعية المرتبطة بالمالكي) وأخذ يوجه اليه الشتائم بصوت مرتفع بدعوى أنه ركن سيارته على جانب الشارع، بينما هم يريدون نصب سيطرة تفتيش في الشارع نفسه. ثم تطور الأمر الى الاعتداء عليه بالضرب والركل من قبل مجموعة من الجنود، ما اضطر المجني عليه إلى الدفاع عن نفسه محاولاً التخلص منهم دون جدوى. ثم تطور الأمر أكثر فتحول إلى الضرب بأخمص البنادق، حتى تقدم ضابط الدورية – وهو شيعي من أهل الجنوب اسمه (صالح) – ليقوم باطلاق رصاصتين في صدره فتوفي الشاب على الفور. بعدها قام الجنود (الشيعة) بسحب جثة الضحية الى وسط الشارع،
ووضعوا في يديه قنبلتين يدويتين ومسدساً، وصوروه على هذه الهيئة، وأشاعوا أنهم قتلوا إرهابياً حاول رمي متفجرات عليهم.
في غياب الوعي الرشيد والحراك السديد
حين يضعف عنصر السياسة في نسيج القوة مهما بلغت من التفوق والعنفوان، وتتحول السياسة إلى ضرب من الحماسة يفتقر إلى المشروع الممنهج والخطة المحكمة والعمل الممرحل، تفوت العقلاء وجوه للحل قد لا تصل كلفتها عشر معشار ما بذل أو نحتاج لبذله من دماء، وهدره من عرق، وحرقه من جهود!
عندما قرأت مواد الدستور العراقي المتعلقة بـ(الفدرالية) أو – حسب نص الدستور – (توزيع السلطات بين المركز والأقاليم والمحافظات التي لم تنتظم بإقليم)، قفز إلى ذهني هذا المشهد الطريف:
أحد أخوالي فلاح.. دخل يوماً (علوة) أو سوق الخضار ليبيع حاصله الزراعي، يقول: فرأيت أمامي نفراً من البقالين اجتمعوا على أحد الفلاحين يضربونه، والفلاح كلما جاءته ضربة من جهة التفت إليها ورفع يديه يريد اتقاءها ويصيح: ” آخ.. آخ “… وهكذا دوالَيك دون أن يجرؤ على تحريك يده ليضرب واحداً من أولئك البقالين، رغم أنه كان فارع الطول قوياً مفتول العضَل!
يقول: نظرت فإذا هو رجل أعرفه! فأسرعت أغيثه ودخلت وسط (الهوشة) وصرت أضرب هذا وأدفع ذاك. فالتفت البقالون إلي وتركوا صاحبي، فلما رآهم انشغلوا بي عنه أُفلت الجبان هارباً وتركني وحدي نهباً لأيدي الضاربين!
بطريقة أو أُخرى تمكن الخال من النيل من خصومه: ضرباً بضرب ولكماً بلكم ورفساً برفس، حتى أسعفه الله فتدخل الناس وانتهى الأمر على خير.
إن مثلنا نحن السنة العرب في ضعف الاستفادة من قوتنا وخطل التعبير عن سياستنا، ونحن نعاني من حكم الشيعة طيلة السنين الماضية، كمثل ذلك الرجل الذي ظل يتلقى الضربات ويتأوه دون أن يحرك يديه ليرد بالمثل. غني عن القول أنني لم أقصد المعنى الحرفي للكلام، أي أننا لم نقم برد الضربة بالضربة والاعتداء باعتداء مثله، وإنما قصدت أن الرد لم يكن مسدداً مخططاً له، قد درست منطلقاته ومآلاته بروية وتُؤَدة بعيداً عن لوثة الحماس، حتى وصلنا إلى حال من يتلقى الضربات ولا يقابلها بأكثر من التأوه والشكوى. إضافة إلى أن الدستور العراقي الذي كتبه الشيعة أنفسهم تعاملنا معه بأيدٍ مقيدة، وكان الصواب أن نطلق به تلك الأيدي (لنرد) به ضربات الشيعة، ولو فعلنا لكان الرد أقوى وأجدى. لكننا بقينا ننظر إليه وكأننا لا نبصر منه سوى أنه رجس من عمل الشيطان واجب الاجتناب، مع أن خصومنا لما رأوا إعراضنا عنه وجهلنا به، صاروا لا يتخيرون منه سوى رجسه ليصبوه فوق رؤوسنا. ولو أننا نظرنا فتبصرنا لكنا قد أجبرناهم على الكف عما هم عليه من ظلم وسفاهة.
المشكلة، التي لا يعيها أو – بتعبير أصح – لا يريد أن يعيها الكثيرون أن القوة لم تصل بنا إلى أهدافنا، والسياسة كذلك (وهذا ليس فيه ذم للقوة والسياسة من حيث الأصل؛ فأنا مع السعي في جميع الاتجاهات) ثم أنه ليس هناك من أحد ننتظره ليضارب عنا، ولا من ملجإِ لنا سوى بلدنا، ولا الحل بأن نستسلم للشيعة نتلقى ضرباتهم بالتأوه وإطلاق الصرخات بالآخات والاستغاثات باسم الأخوة.
فقه المقاصد وحاجتنا إليه في مشروعنا السياسي
لم تكن وثيقة صلح الحديبية (التي هي بمثابة دستور ينظم العلاقة بين الطرفين) كلها بجميع تفاصيلها خيراً محضاً. لقد كان فيها نسبة من الشر الذي تحمله النبي صلى الله عليه وسلم. وأول شرها عدم الاعتراف بنبوته، وذلك ما رفضه سيدنا علي رضي الله عنه – الذي كان يكتب الكتاب – رفضاً قاطعاً. ومن شرها التزام طرف النبي بإرجاع من جاءه مسلماً إلى قريش، دون إلزامهم بإرجاع من جاءهم مرتداً إليه. وهذا ما رفضه الجميع سوى أبي بكر رضي الله عنه! ولكن العاقبة والنتيجة في مجموعها كانت خيراً بصرف النظر عن تفاصيلها. وعندما تكون النتيجة كذلك، فهذا يعني أن الشر الجزئي ذاب في الخير الكلي.
إن الناظر في قواعد الشرع العظيم وسيرة المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم يجد أن قوة نبينا الأكرم ما كانت تمضي في مسارها إلا في ضوء السياسة، وما كانت سياسته تحبك بالحماسة وحدها، بل كانت خطواتها محسوبة، وتخضع لخطة باتجاه هدف أقرب يؤدي إلى هدف أبعد، وهكذا حتى وصل إلى غايته، وإن خالف – كما يبدو – في كثير من الأحيان مقتضيات العنفوان والاعتزاز بالذات، فقد كان أصحابه يضربون ويسجنون، ووصل الضرب وما هو أبلغ إلى ذاته الشريفة! غير أنه كان يأمر أصحابه بالصبر والتصبر، وإن أدى بهم ذلك إلى الهجرة والتغرب عن الأوطان. ولم يكن هذا من عادة العرب ولا يتفق مع شخصيتهم التي لا تصبر على ضيم. ولما مكن الله تعالى له، لم تفارقه السياسة الحكيمة رغم امتلاك أصحابه القوة والهمة والعزيمة، ورغم أن العروض المطروحة عليه من أعدائه ربما بدت أنها تجانف العزة، لكنه كان يقبل بها ما دامت مآلاتها تفضي إلى تحقيق الهدف الكبير.
يقول سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه: (ليس العاقل من عرف الخير فعمله، والشر فاجتنبه. وإنما العاقل من عرف خير الخيرين وشر الشرين). وعلماؤنا الأوائل فصلوا في هذه القواعد الأصولية كثيراً، فإنك لا تفتح كتاباً في أصول الفقه إلا ووجدت ذلك حاضراً بقوة ووضوح، لا سيما في باب (المقاصد الشرعية). والمتأخرون من علمائنا يدرجون الكلام عنه تحت مسمى (فقه الأولويات، وفقه الموازنات). وقد عُرف الفقه الحنبلي بهذا – على حد علمي – أكثر من غيره، وقد فصله شيخ الإسلام تفصيلاً في كتبه. وممن خدمه خدمة كبيرة العلامة الأصولي الشاطبي في كتابه (الموافقات).
نحن اليوم في حاجة ماسة إلى هذا الفقه الشرعي الأصولي في عملنا السياسي.
أبشروا فالظرف تحول إلى جانبنا
تأملوا……!
كيف أن كل ما يقوله الشيعة اليوم وما يفعلونه ينقلب إلى الضد مما يريدون ويخططون! تصريحات حسن نصر الله – مثلاً – وخطبه النارية الفارغة من دعوى المقاومة وما شابهها: هل بقي من عاقل يصدقها؟ أليست الأحداث الجارية والأوضاع المتحولة قلبته إلى أضحوكة؟!
أبشروا فالأحداث المتسارعة اليوم تسوق أوضاع المنطقة إلى صالحنا، والشيعة بحماقاتهم أيقظوا العرق (الطائفي) في أوساطنا، وهذه نعمة عظيمة ومنة جليلة، استثمروها قبل أن تفوت.