المعادلة العراقية (2)
البيض الذي وضع في سلة واحدة …..!
في سنة 2006 كنت ممن باتوا يرون ويصرحون بضرورة مهادنة الأمريكان، والتفرغ لمواجهة إيران وشيعتها وأذنابها. لقد آن الأوان واستوت الأمور، وتبينت وجهتها لمن أراد النظر. ومنذ اليوم الذي وطئ فيه بسطال المحتل أرضنا العزيزة كنت أقول: التحدي الأول – كان وما زال – هو المحتل الحقيقي.. إيران وشيعتها، وليس أمريكا وأشياعها. وأرى أن من الخطأ الاستراتيجي للمقاومة العراقية أن تستفرغ جهدها في مقاتلة المحتل الظاهري. الصحيح أن تنقسم الجهود، ويبنى المشروع على رؤية أن الخطر ذو شقين: خطر مزمن (Chronic) وحقيقي ومطاول هو الخطر الشرقي، وخطر حاد (Acute) ظاهري زائل هو الخطر الغربي. ما معنى أن تحرر الأرض من شر أصغر قبل أن تتهيأ لمسكها حتى لا يحل محلك شر أكبر؟
يبدو أن الحماس سيد الساحة، وأن الثقافة الجمعية (الوطنية) هي السائدة في ميادين الجميع، والمانعة – في الوقت نفسه – من رؤية الأشياء كما هي عليه.
وفي سنة 2006 أيضاً قبيل تفجير سامراء في (22/2) بيومين أو ثلاثة، كنت في مجلس ذي شأن لعلية من القوم ذات أكثر من توجه فكري ضمن إطار أهل السنة والجماعة، طرحت فيه فكرة أدعو إليها منذ مدة مديدة، وهي أن يكون لنا خيار أو (بديل) نأوي إليه تحسباً لكل الحالات. وهذا البديل ألخصه بإيجاد مؤسسة مدنية جامعة، جنباً إلى جنب مع بقية الخيارات القائمة. فكان الجواب: لا حاجة لذلك ما دامت المقاومة هي الحل. قلت: وما الضامن أن المقاومة ستصل بنا في جولتها الحالية إلى أهدافنا؟ فاحتمال الفشل – إلى جانب النجاح – وارد. وأنا ألحظ أن قوة الشيعة في صعود وأجد أن الأمور تتعقد في وجه المقاومة، وأنها بدأت بالنزول. يبدو أنني هنا ارتكبت خطأً ما أدى إلى أن يعترض عليّ الجميع: كيف تقول هذا؟! وصاروا يطرحون من الدلائل والشواهد على عكس ما أقول.
ثمة صنف يؤكد ويجزم ويشدد على أنه بمجرد خروج المحتل الأمريكي ستنحل مشكلة العراق وسيخرج مع الدبابة من جاء معها. ويحتج بمقولة (ما بني على باطل فهو باطل)، وكأن العالم كله مبني على حق خلا العراق! وهؤلاء هم الخياليون الذين يرسمون المعادلات على الورق، ويتصورون علاج المسائل الحياتية المعقدة بوصفة من معادلات ورقية. مثلهم كمثل مريض ذهب إلى الطبيب متخيلاً أن مرضه سيشفى بمجرد استلامه لورقة العلاج من يده السحرية! ثم يطويها ليضعها في (جيب الصدر) إلى جنب قلبه! وهكذا تتكدس لديه الوصفات الطبية وهو لا يزداد إلا انتكاساً!
بربكم.. هل هناك من هو أكثر حمقاً من هذا الصنف؟!
وجهت يوماً سؤالاً لأحد قادة هذا الموكب: لنفترض أن الأمريكان لم يخرجوا حتى آل أمر بغداد والعراق وصار إلى يد الشيعة ماذا سيكون الموقف؟ وكيف سيكون الحل؟ فكان جوابه: نظر إليّ طويلاً ولم يجب.
وبربكم.. هل هذا جواب من يتصدى لحمل الأمانة الدينية التي عرضها الله جل جلاله (عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (الأحزاب:72)، ويستشعر المسؤولية أمام أهله وشعبه ووطنه والتاريخ؟!!
سُوقة في ثياب قادة
الداء العياء هو حين يستحجر الفكر، ويستحمر الذهن بحيث لا تزيده الأحداث إلا جموداً وتراجعاً وبعداً عن الواقع، وغلواً في التهويم الخيالي والرأي اللامبالي؛ لأن المفترض أن الناس صنفان: قادة وجمهور. أما القادة فيستشرفون الأمور العظيمة ويتخذون الرأي السديد حيالها قبل وقوعها ليستعدوا للتعامل معها. والجمهور يتعلم بالحدث. وكما أُثر عن سيدنا علي رضي الله عنه: (الفتن إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت نبهت). وفي لفظ (الأمور إذا أقبلت علمها العالم، وإذا أدبرت علمها كل جاهل). فوعي القائد يسبق الحدث، والجمهور وعيه يتخلف عنه. أما قادة لا يريدون رؤية الأمور حتى بعد أن يراها كل جاهل؛ لأن التنازل عن الرأي الباطل إلى الحق الواضح يسوءُهم. فهذا هو الداء الذي كما قيل:
لكلِّ داءٍ دواءٌ يُستطبُّ بهِ إلا الحماقةَ أعيت من يداويها
المعادلة في العراق اليوم
واليوم…….. أضعفت المقاومة المحتل حتى أجبرته على إعلان الانسحاب، وأضعف المحتل المقاومة إلى حد أنه لم يترك لها فرصة لأن تتمكن من مسك الأرض وهي على هذه الحال، فصارت الأرض بيد العنصر الثالث من المعادلة ألا وهو الشيعة.
في البدء كان الشيعة أضعف العناصر الثلاثة، واليوم صاروا أقوى العناصر، والأرض بيدهم من البصرة جنوباً إلى الموصل شمالاً، فرقهم العسكرية ونقاط التفتيش هي التي تهيمن على الجميع، سوى إقليم كردستان الكردي الذي يتمتع بحريته وخيراته ويضحك على العرب بشيعتهم وسنتهم، الذين ما زالوا يضعون النكت والطرائف على أبنائه من الكرد، بينما الواقع يقول: إنهم (العرب) أحق بها منهم. فالكرد فهموا المعادلة، والعرب ما زالوا في أفكارهم القديمة العقيمة التي أضحكت الأمم عليهم جميعاً، وليس الكرد فقط!
هذا وما زال البعض ينادي على (خردته) في سوق مهجور أقفلت أبوابه عليه منذ سنين، ويردد مقولاته وكأنه في سنة 2003! رافضاً – وبـ(ثبات) يضحك المجانين – أن يتزحزح عن موقفه قيد أنملة. كل هذا حتى لا يقال عنه: انظروا لقد غيّر فلان موقفه! وكأن تغيير الموقف – حسب مقتضيات الحال ومتطلبات الحل – من عيوب السياسة لا من صلبها.
يدعو لإخراج المحتل الأمريكي، وكأن المشكلة الأولى اليوم هي في الأمريكان، مع أن هؤلاء يلملمون أغراضهم الأخيرة! هذا وقد تبين للعميان وليس العوران فقط أن مشكلتنا اليوم وأمس وغداً تكمن في المحتل الداخلي: الشيعة، والباطني: إيران.
والسؤال المفصلي الذي يطرح نفسه اليوم: هل التحدي الأول في هذه المرحلة للعراقيين وأولهم السنة هو الأمريكان؟
والسؤال الآخر: ماذا أعد (الثابتون) من مشروع لما بعد الاحتلال الخارجي؟ غير الأناشيد والخطب الحماسية، وتبويس لحى الشيعة، وتطيير الشعارات من خارج الحدود؟
هل تعلمون أنه حتى إبراهيم الجعفري (العميل رقم واحد) صار يطالب بجلاء الأمريكان!
صحيح: “لقد هزلت”! ولكن……….
هل تعلمون لماذا؟ وما هي المتغيرات والمستجدات التي جعلت من عملاء الأمس ودواب المحتل ومطايا الأمريكان يطالبون برحيلهم؟ بل منهم من صار يقاتلهم مستعيناً بإيران؛ مستحثاً خروجهم إلى آخر جندي من جنودهم!
(فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) (النساء:78)؟!!!