حادثة النخيب اليأس الشيعي واللعب على المكشوف
سرية الخطة والتكتم على العمل من القواعد الأساسية للخصومة والحرب. وعندما تتغير القواعد فيبدأ الخصم باللعب على المكشوف فهذا يعني أحد أمرين: الشعور بالقوة إلى حد الاستهانة بالخصم، أو أن اللاعب احترقت جميع أوراقه فما عاد لديه شيء يخسره.
الملاحظ في العراق أن الحكومة الشيعية في العراق، والأطراف المرتبطة بها باتت ترتكب جرائمها دون تحفظ، وبلا خطة تراعي التوقيت. لقد بات أغلبية العراقيين يعرفون أن ارتكاب عملية نوعية مثل تفجيرات متزامنة في أكثر من عشر مدن، لا يمكن أن تنفذ إلا من قبل الحكومة. أما إعلان تنظيم القاعدة – وفي كل مرة – أنه هو الذي قام بتنفيذها، وعادة ما يتأخر الإعلان يومين أو ثلاثة! فهذا لذر الرماد على العيون. وآخر العمليات المفضوحة مقتل الناشط المدني هادي المهدي.
في رأيي أن لا أبالية الحكومة من انكشاف أوراقها يعني الأمرين معاً وإن اختلفت النسب بينهما:
- فهو من ناحية تعبير عن غرور القوة، وذلك عائد إلى التركيبة النفسية الجمعية للشخصية الشيعية. وهو ليس أكثر من حماقة تضيفها الحكومة إلى رصيدها من الحماقات، التي ستؤدي بها إلى نهايتها المحتومة بإذن الله؛ فالسنة ليس صيداً سهلاً ولا أمة ميتة.. بل هم الأمة.
- كما أن الأمر يشير إلى علامات يأس واحتقان نفسي بسبب الشعور بمحاصرة الوقت، فهم يريدون ابتلاع كل شيء وبسرعة، مثلهم كمثل جائع لهفان وقع على مائدة منوعة الطعام في لحظة بدأ القطار فيها بالصفير إيذاناً بالرحيل! وهذا يتضح أكثر عندما نربط الوضع العراقي بما يجري في دول الجوار ذات العلاقة. فالأحداث الإقليمية – سيما في سوريا – تتجه إلى غير صالح الشيعة وحكومتهم. وإرهاصات سقوط الحكومة السورية بدأت بالتسارع والتراكم والتفاعل؛ وهذا – على ما يظهر – أطار صوابهم، وجعلهم يتعجلون خطواتهم بغية التهام ما يمكن التهامه من مقدرات البلد، وحيازة أكبر عدد من خيوط التحكم بأموره قبل انفلات الأمور من أيديهم.
ما الذي حصل ؟
أزمة كبيرة تعيشها الأنبار ومنذ خمسة أيام، بحكومتها المحلية ومؤسستها الأمنية وعشائرها وبقية مكوناتها أفراداً وجماعات. في مقابل الطرف الآخر من الأزمة كربلاء والحكومة المركزية.
بدأت الأزمة يوم الاثنين (12/9) باختطاف وقتل (22) مسافراً قادمين من سوريا إلى كربلاء، وذلك على بعد 60 كم من مدينة النخيب التابعة لمحافظة الأنبار والتي تبعد عن مركزها حوالي 400 كم. وقد استنفرت محافظة الأنبار جهودها رسمياً وشعبياً لملاحقة الجناة، لكن العمل الطائش الذي ارتكبته كربلاء اتجه بالأحداث وجهة أخرى.
فقد أقدم رئيس مجلس محافظة كربلاء على عملية طائشة لغزو للأنبار وتحديداً مدينة الرطبة ليختطف ثمانية من أبنائها بينهم اثنان من أئمة المساجد، أمام أنظار قائد الفرقة السابعة المسؤولة عن حماية المنطقة ورئيس المجلس المحلي، وأهالي المختطفين، ثم سوقهم مكبلين إلى كربلاء. وعند وصول الموكب إلى هناك صار أهالي كربلاء يطلقون العيارات النارية احتفالاً بـ(النصر)، كما أطلقت العيارات النارية بكثافة من مقر حزب الدعوة الحاكم احتفاء بالمناسبة! لم يكتف الطرف الشيعي بهذا فقد بثت قناة الشرقية شريطاً ظهر فيه أبناء الأنبار في سيارات عسكرية محاطين برجال مسلحين، يطاف بهم في شوارع كربلاء في حالة مزرية من الذل والهوان والتعرض للضرب وسط هتافات الجماهير المحتشدة ومظاهر الابتهاج وإطلاق الرصاص في الهواء!
استنكارات واحتجاجاجات وتظاهرات، وعشائر الأنبار تهدد بقطع الطريق الدولي لحين الإفراج عن المختطفين. رئيس مجلس المحافظة يأمر بمنع أي قوة أمنية خارجية من دخول المحافظة وإلى اشعار آخر. ثم تداعت الأمور أكثر فأصدر مجلس عشائر الأنبار إنذاراً للحكومة المركزية بإطلاق سراح المختطفين خلال 12 ساعة غير قابلة للتمديد تنتهي في الساعة الثانية بعد ظهر اليوم (السبت 17/9). وعلى إثر ذلك بدأت تتسرب أنباء متضاربة عن نقلهم إلى بغداد، والأمر بإطلاقهم جميعاً دون وجود ما يؤكد شيئاً من ذلك. وهناك خبر مؤكد عن إطلاق اثنين منهم.
دائماً اسأل : ( لماذا ) ولا تغرق في تفاصيل ( كيف )
كثيرة هي تفاصيل الحدث، ولكن قبل – وبدلاً من – أن تغرقنا بتفرعاتها وامتداداتها علينا أن نبادر بالسؤال الأهم والأذكى: لماذا؟
تأملوا هذه الأقوال التي صدرت من الجانب الآخر:
في مجلس النواب صرح ممثل ائتلاف “دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي قائلاً إن “خطف وقتل 22 مسافرا من محافظة كربلاء يحمل بعداً طائفياً”، مشدداً أنه “لا يمكن السماح للعشائر بأخذ الواجب الحكومي والتدخل بالقوانين”.
علماً أن من ضمن المغدورين أربعة رجال من أهل الأنبار (سنة)!
إن هذا التصريح يفصح عن نية مبيتة لإضعاف دور العشائر السنية في النخيب برئاسة الشيخ لورنس ابن هذال شيخ قبيلة عنزة([1]) في حماية منطقتهم. وهذه أول خطوة في طريق عزل النخيب عن الأنبار تمهيداً لإلحاقها بكربلاء.
أما رئيس مجلس محافظة كربلاء فقد أكد على وجود فشل إداري وأمني بقضاء النخيب، فيما كشف عن تقديم مشروع إلى الحكومة الاتحادية وللبرلمان لوضع حد لتلك المآسي والمجازر.
وهذا يعزز ما قلناه بوضوح، فالفشل الإداري والأمني يستلزم عزل المسؤولين الحاليين والإتيان ببدائل من كربلاء. وهذه هي الخطوة التالية، التي يريدون تعزيزها بتقنينات حكومية مشرعنة بالبرلمان.
خريطة من تخطيط محمد حسن الموسوي ممثل الجلبي في لندن([2])
لاحظوا كيف يخططون لوصل المنطقة الشيعية بالأردن، وعزل المنطقة السنية عن السعودية
بعدها يصدرون قانوناً يفصل النخيب عن الأنبار ويلحقها بكربلاء. وبذلك يتحقق حلم الشيعة وإيران بمد الحدود الإدارية لكربلاء إلى حدود المملكة العربية السعودية. ويتم لهم المقصود الأهم وهو عزل الأنبار وباقي المحافظات (السنية) عن إخوانهم السنة في بلاد الحرمين، ولكي تصل إيران من خلال أحزابها المتنفذة في العراق والتي تدين لها بالولاء المطلق الى الحدود السعودية، والاستيلاء على الثروات الكامنة لهذه المنطقة.
ليست هذه مجرد تحليلات أو تكهنات، بل أعلن التيار الصدري بكل صراحة أن المساحة الكبيرة للأنبار تستدعي ضم النخيب إلى كربلاء!
إنها حلقة في مخطط لتشييع العراق وإلغاء الوجود السني. وما يحصل في سامراء وتلعفر وبلد والطارمية والمحمودية والبصرة وغيرها حلقات في هذا المسلسل.
حماقة في صالحنا
ما من شك في أن العملية تعبر عن استهتار أخلاقي، وحقد طائفي، وخرق قانوني فاضح، فالحادث وقع في حدود محافظة الأنبار؛ فكيف تتدخل القوى المسؤولة في كربلاء بمعزل عن مسؤولي الأنبار وتتعامل مع الأمور بهذه الطريقة المتخلفة؟! علماً أن ما حصل – كما صرح نائب رئيس مجلس محافظة كربلاء لقناة الشرقية – كان بعلم رئيس الوزراء، ثم لا يتردد عن القول: إن العملية أمنية بحتة، والقضية قانونية. نحن إخوة لا تفرقنا الفتن. فدعوا القوات الأمنية تعمل من أجل الوصول إلى الجناة!
جميع الشواهد تدل على أن العملية بشقيها (قتل المسافرين وخطف الرجال) إنما هي من ترتيب الحكومة طمعاً في التوصل إلى الهدف المفضوح ألا وهو ضم النخيب إلى كربلاء. والمقاصد مكشوفة تماماً، بل عارية ولا يمكن سترها أو التستر عليها. وتعيد إلى الأذهان حادث تفجير مرقد سامراء في 2006 الذي نفذته حكومة الجعفري بالتعاون مع الأمريكان.
لهذا وغيره جاءت النتائج سريعاً لصالحنا، وبالضد من مصالح الشيعة.
لقد فتح هذا الفعل أعين السنة في الأنبار وغيرها أكثر على حقيقة ما يبيته الشيعة ضدهم كسنة، وأن الصراع ديني طائفي، وأنهم مستهدفون في هويتهم السنية. وهذا إنجاز كبير في طريق (القضية)؛ فإن الشعور بالهوية السنية أول عوامل النصر.
كما أن الحادث يعزز بقوة مشروع الفدرالية وإقامة إقليم الأنبار وبقية المحافظات السنية. لقد بات كل الناس في مناطقنا يقارنون ويتساءلون: لماذا بات السنة العرب ضعفاء هينين إلى هذه الدرجة؟ هل يمكن أن يرتكب الشيعة مثل هذا الفعل المذل السافر ضد كردي واحد في أي منطقة من مناطقهم؟ بل خارج إقليم كردستان؟
إن الإقليم هو الحماية الوحيدة الأكيدة والمضمونة لأبنائه بوجه خصم اجتثاثي معبأ بأحقاد تاريخية مؤطرة بالدين، استحوذ على أغلب مصادر القوة في العراق ليستعمل هذه القوة بصورة وحشية متخلفة لا تعرف للقانون ولا للأخلاق ولا للأعراف وزناً، وهو ماضٍ في تجريد السنة من أي مظهر للقوة أو مقوم حقيقي لها كي يتم له سحقهم وتهميشهم، ويتهيأ له عزلهم عن الوجود الحقيقي في بلدهم.
ورغم الألم الذي يجتاح النفوس للدماء التي تسفك، وللذل الذي وصل إليه العرب، لكنني أقول: أبشروا فإن ما جرى دليل يضاف إلى الأدلة التي تشهد على أن (مقتل الشيعة في حماقتهم).
ملاحظة/ ظهر على شاشة التلفزيون إمام وخطيب الرطبة الشيخ عبد العليم حامد الكبيسي الذي اختطف هو وأخوه الشيخ عبد الحكيم ثم أفرج عنه دون أخيه، ليقول: “إخوتي أبناء محافظة كربلاء…” ثم أضاف صفة (المقدسة) إلى كربلاء!
ولا أدري ما الذي جعل كربلاء مقدسة! وهو شاهد من شواهد الضعف الفكري السني أمام الفكر الشيعي. فهذا شيخ دين دارس للشريعة وأمام وخطيب مسجد بارز في قضاء سني، لم تمنعه كل هذه المقومات من أن يخطئ هذا الخطأ الديني والاجتماعي الفادح!
_________________________________________________________________________________
- – تقع النخيب غربي العراق ضمن حدود محافظة الأنبار الإدارية. جميع سكان المدينة من العرب السنة من قبائل البدو شبه الرحل. ومن أهم وأقدم عوائل المدينة المعروفة آل هذال شيوخ قبيلة عنزة. ينتمي أغلب سكان المدينة إلى قبيلة عنزة وبعض عشائر شمر والدليم والشريفات يبلغ عدد سكانها حوالي 40 ألف نسمة. تعتبر النخيب محطة استراحة رئيسة لقوافل الحجيج لدى ذهابهم إلى المملكة العربية السعودية للحج في مكة. وهي من المناطق الغنية بالثروات الطبيعية غير المستغلَّة بعد. ↑
- – راجع الرابط التالي http://www.brob.org/contact/200603/n2676.htm ↑