إن لم تعرف ما ينفعك …
د. طه حامد الدليمي
أعجبتني عبارة في تعليق لأحد القراء على مقال (شكراً لكم أيها الشيعة على حماقاتكم) فقلت: تصلح عنواناً لمقال آخر مناسب للأحداث الجارية.
مهم أن نتعلم كيف نتفق، ولكن الأهم أن نعرف كيف نختلف؛ فللاختلاف آدابه، كما أن للاتفاق آدابه. وقد رأيت أكثر الناس لا يحسنون كيف يختلفون كما يعرفون كيف يتفقون. ليس من مشكلة في أننا نختلف، وتتعدد آراؤنا، ولكنها………. في اجتثاث الرأي الآخر، والحدة في رده إلى حد اتهام صاحبه بأسوأ ما يوصم به إنسان من أوصاف!
قناعتي، المستندة على الخبرة والدراسة والتحليل، أن هذا السلوك ليس أكثر من تعبير غير حضاري عن أزمة نفسية تجتاح صاحبه.
في هذه السطور أريد أن أقف مع هؤلاء الإخوة الاجتثاثيين وقفتين: أولاهما بيان الخلفية النفسية لهذا النوع من التفكير الاجتثاثي التطفلي، اعتماداً على ما تشير إليه الدراسات النفسية الحديثة. والثانية: توضيح مختصر لعنوان المقال الذي أعجبني معناه، شاكراً لصاحب العبارة فضله.
انظر ماذا يقول أحدهم ..!([1])
قبل أيام وأنا في (جدة) قرأت لأحد أصحاب هذا الفكر في صحيفة (الحياة) السعودية هذه العبارة: “إن المؤشرات كلها تشير إلى أن الشعب العراقي الصبور لم يبق له من محنته سوى الشوط الأخير، وأنه أوشك على قطف ثمرة صبره ومعاناته، والانتهاء من بقايا محتليه والمتآمرين عليه”! علماً أن الشخص المذكور رجل محترم يترأس تجمعاً عراقياً معروفاً، وقد جاءت عبارته في ثنايا رسالة مفتوحة إلى (الشعب) العراقي.
أفضل أن نناقش باختصار مضامين العبارة قبل الدخول في الموضوع لنرى: هل لتلك المضامين من مصاديق ميدانية تسندها؟
1. فأولاً: الكلام موجه إلى (الشعب العراقي) علماً أنه ليس هناك في الواقع من شعب عراقي واحد. العراق في حقيقته أرض تضم شعوباً مختلفة متخالفة، يؤسس أحدها مصلحته على مضرة الشعب الآخر. وهذا الوضع ليس طارئاً ولا مرتبطاً بعوامل خارجية، وإنما هو ذاتي أصلي قديم. والمشكلة أن نسبة أكبر شعبين متصارعين فيه متقاربة: [السنة العرب 42٪ والشيعة (العرب والفرس) 40٪] وليس الكرد عندنا أقلية قليلة (13٪). ومساعي كل شعب من هذه الشعوب الثلاثة مختلفة المبادئ والمنطلقات، متضادة الأهداف والغايات.
2. وثانياً: المؤشرات كلها تدل على أن محنتنا الحقيقية كسنة عرب إنما الآن ابتدأت.. الآن صرنا في مواجهة المحتل الحقيقي (الشيعة العرب)، وأن المعركة الحقيقية الآن ابتدأت. وكان على السنة أن يدركوا هذا من أول يوم للاحتلال، فإن كانوا من قبل يُعذرون بالجهل – ولا أراهم – فلا أقل من أن يسارعوا اليوم للعلم ويبادروا للعمل، وأن يقولوها في وجه الشيعة صريحة عساهم أن يقفوهم عن ارتكاب مزيد من الحماقات في حقنا وحق أنفسهم أيضاً فعاقبة المعركة التي قد تقع ليست في مصلحة الشيعة قطعاً بإذن الله.
3. ما زال هؤلاء الحالمون في منأى عن إدراك أنهم أضعف من أن يقطفوا الثمرة التي يتحدثون عنها، كما أنها ليست ساقطة في سلة السنة؛ لسبب بسيط هو أنه ليس لهم ولا للسنة من سلة أصلاً! لأنهم بلا عنوان ولا كيان. والدليل الذي لا يكذب هو الواقع الذي يصرخ بهذه الحقيقة: فالمستفيد الأول من الاحتلال والمقاومة والوضع ككل هو الشيعة وإيران ثم الكرد. والخاسر الأكبر هو السنة، دعك من أغبياء الأمريكان. وإذا كان لهؤلاء فئتهم ودولتهم التي انحازوا إليها، فليس للسنة – إن بقوا على ما هم عليه – سوى السحق والذوبان؛ لأنه ليس لهم من فئة يتحيزون إليها، ولا دولة ترعاهم، ولا حاضنة تؤويهم، سوى إقليمهم الذي يجب تكوينه كضرورة لا بديل عنها غير واحد من أمرين: الذوبان في داخل الجسم الشيعي، أو رفع السلاح كحل أخير.
4. أما (بقايا المحتلين والمتآمرين)، فهؤلاء هم سادة العراق اليوم رضي من رضي وأبى من أبى. وهم يستعجلون انسحاب المحتل للانتهاء من بقايا أهل العراق الأصلاء الشرفاء، وليس العكس كما يتوهم الواهمون ويتمنى الحالمون. لن تذهب هذه البقايا مع من جاء بهم. والزمن القريب أمامنا. ويومها ماذا سيقول الحالمون؟!
الفكر الاجتثاثي .. شيء عن الخلفية النفسية
لماذا إذن يفكر هذا الرجل وأمثاله بهذا الشكل؟ وبذلك الأسلوب الاجتثاثي؟!
تدل الدراسات النفسية على أن الكائن البشري – السجين مثلاً – حين يصل إلى حد اليأس يلجأ إلى الحلم لتجاوز الواقع اليائس المحيط به. وقد يصل الأمر إلى درجة المرض حين يعيش المرء الحلم كحالة واقعة! بعض النساء العواقر تلجأ إلى ادعاء الحمل الذي يسمى طبياً بـ(الحمل الكاذب)؛ وذلك من أجل أن تتجاوز معاناتها وتفادي نظرة الناس إليها، فتتخيل نفسها حاملاً وتبشر حاشيتها بذلك، وتبدو عليها أعراض الوحام والوهن. ثم عندما تأتيها الدورة الشهرية تحاول تأويلها بكل سبيل، حتى إذا استنفدت الحيل صارت تدعي أن الجنين تعرض لإسقاط، لتعود إلى توهم حمل آخر، وهكذا دواليك! يحدث هذا دون وعي من المرأة بحالتها! فهي تعتقد ما تقول، وكل العمليات النفسية تجري تحت مستوى اللاوعي!
إننا إزاء حالة مرضية إذن!
عادة ما يلجأ الإنسان إلى الحلم كحالة مرضية، حين يكون فاقداً للمشروع التغييري القادر على تحقيق النتائج، ويكون هو في موقع المسؤول الذي يطالبه الناس على أساس ذلك الموقع بهذا المشروع، ويسألونه: ما الحل؟ وما المخرج؟ وحين يجد نفسه عاجزاً عن الإجابة، وحتى لا يفقد موقعه ومنزلته، يلجأ إلى إيهام الآخرين بأن الفرج قريب، وأن النصر بات في متناول اليد، والأمور تبشر بخير. ولا يستبعد أنه صادق مع نفسه في ما يدّعيه من أوهام!
هنا يدخل مرحلة المرض.
وتنسحب الحالة المرضية تلقائياً على شخصية المريض فيصاب باختلال في التفكير فينشأ لديه مرض آخر يسمى في علم أمراض النفس بـ(التفكير الارتغابي Wishfull Thinking)، ذلك حين يبدأ بتصديق ما يرغبه من خيالات ويتمناه من أحلام. ويصم أذنيه عن سماع ما لا يعجبه من أخبار وأفكار، وينأى بنفسه عن تصديق كل ما يعاكس رغبته ويبدد أمنيته.
هؤلاء إذن – في الحقيقة – يائسون. وإذا أردتم أن تختبروا يأسهم فعرضوهم إلى هذا الاختبار البسيط: اسألوهم عن مشروعهم العملي القابل للتطبيق، وليس المشاريع الخيالية أو الحماسية من مثل: “على الشعب العراقي أن يتوحد لطرد المحتل، وحين يخرج المحتل سيخرج معه أذنابه ومن جاء معه فما بني على باطل فهو باطل” إلى آخر هذه الكلمات التي لا مصداق لها. عند ذاك يتبين للمتشككين أنهم إزاء شخصيات في حاجة إلى علاج نفسي لا إلى نقاش فكري. خلل في النفس نتيجة اليأس قاد إلى مثل هذه الأفكار أو الأوهام.
إذا لم تعرف ما ينفعك فاعرف ما يضر عدوك
هل رأيتم كيف صعق الشيعة من إعلان إقليم صلاح الدين، وكيف طار صوابهم واستطارت حماقاتهم؟! فالشيعة اليوم غيرهم بالأمس يوم كتبوا الدستور. وقد قلنا من مدة: إن الفدرالية إذا أعلنت فإن أول من سيقاومها الشيعة وإيران.
وتذكرون في نقاشي مع أحد معارضي الفدرالية على قناة (صفا) في رمضان الفائت لحظة قلت له: إن المالكي أول معارضي الفدرالية فقال: هذا غير صحيح. قلت له: ألم تسمع تصريحه الأخير؟ فلم يجد أمامه إلا أن يبرر ذلك بأن هذا ما يبديه في الظاهر، وأما الحقيقة فهو معها!
والآن ماذا تبين؟
أخيراً نقول للذين ما زالوا يرفض مشروع الفدرالية:
يا أهلنا! إن لم تعرفوا ما ينفعكم، فلا أقل من أن تعرفوا ما يضر عدوكم. وإلا فأنتم مقبلون على حرب لن يترككم الشيعة بحماقاتهم حتى تخوضوها، أو ترضوا بحال الأذلَّين: الجحشِ والوتدِ.
ولستم كذلك أيها التيجان التي تبحث رؤوس العالمين أجمعين عن أمثالها!
________________________________________________________________________________
- – د. حارث الضاري. ↑