مقالات

أيها الشيعة ! معذرة .. لقد حضرتم متأخرين

د.طه حامد الدليمي

لشدّما أخشى الكتابة في الأمور الكبيرة لا سيما تلك التي تحتاج دفقاً إضافياً من دفء المشاعر ولهب العواطف؛ ولولا الحاجة ما اقتحمت سور الكتابة في هذه الموضوعات؛ ذلك أنني – مهما اجتهدت – أجد تعبيري دون استحقاقها.

C:\Users\f\Downloads\1323089458.jpg

الشعور نفسه يخالجني، ومنذ أيام ليست بالقليلة، حين فكرت بالحديث عن جلاء الغزاة عن بلاد الرافدين.. هذا الحدث الكبير الذي هو إنجاز عظيم تحقق على أيدي المجاهدين الأبطال من سنة العراق العرب وحدهم دون منازع. من كان يظن أن هذا سيكون قبل أن يتم الغزاة عامهم التاسع؟!

لقد جاء الأمريكان وفي بالهم أن القرن الحادي والعشرين هو قرنهم بامتياز ما داموا قد تمكنوا بهذه السرعة من دخول عرين الأسد! قال بعض كبارهم: سنبقى في العراق ثمانين سنة، وأعطى آخرون أرقاماً أَخرى، والمقل منهم كان يقول: سنبقى عشرين سنة!

من أي زاوية أنظر إلى هذا الحدث؟ ومن أي باب أدخل؟ حدث عظيم ومفارقة أعظم! هل هذه زاوية مناسبة للنظر؟

المفارقة الكبرى

المفارقة أن الأبطال الذين سطروا بدمائهم وتضحياتهم هذا الحدث، وحققوا هذا الإنجاز، هم اليوم بين مستتر بفعلته ليس في مقدوره أن يعلن عن نفسه، أو مطارد مستخفٍ، أو مهاجر تتوزعه البلدان هنا وهناك. وفي مقابل هذا نجد أن الشيعة الذين راودوا الغزاة عن أنفسهم وبلدهم حتى افترشوا أرضهم، ثم اصطفوا معهم علينا، وكانوا يأبون أشد الإباء أن يسموهم محتلين، ويسمونهم – بدل ذلك – محررين، ويطلقون على المجاهدين وصف المخربين والإرهابيين، صاروا اليوم يدعون شرف المقاومة، ويتلبسون بثوبها رغم أن آثار الخيانة بادية على وجوههم وأقفيتهم، وأيدي مليشياتهم عليها آثار الجريمة لما يغسلوا سكاكينهم منها! ومع هؤلاء عدد ليس بقليل من السنة أشباه الشيعة يتمولون مما ليس لهم وليسوا له. علماً أن هؤلاء لو ظفروا بواحد من المقاومة لصاحوا به من كل جانب: “إرهابي أمسكوا به”! وإلا لماذا هؤلاء (الإرهابيون) لا يعلنون عن أنفسهم ؟ ولماذا لا يمكنهم إقامة الاحتفالات والتجمعات والمسيرات فرحاً بجلاء الغزاة الذي تحقق على يدهم هم دون غيرهم؟ أليس خشية من هؤلاء الأدعياء على أنفسهم؟

انظروا إل الصدريين وقادة جيش المهدي كيف يطلقون في مجلس النواب تهديداتهم العنترية وتصريحاتهم النارية ضد أولياء نعمتهم، وأرباب نعيمهم، ويتعالى زعيقهم في تصرفات متشجنة وأصوات عالية وصرخات مزعجة لا تفسير لها سوى أنها محاولة تعويض عن الشعور بالخواء الداخلي من حقيقة ما يدعون.

بين الأسد والثعالب

قبل يومين هاتفني بعض الأصدقاء، يسألني عن قناة اسمها (الاتجاه)؟ قلت: إنها شيعية. قال: أرجو أن تفتح الشاشة الآن وترى دعاواهم في تحرير البلد، مع عرض لعمليات عسكرية ضد الأمريكان. قلت له: وما الغرابة في ذلك؟ ها هي الثعالب قد حضرت بعد أن انتهى الأسد من فريسته وتركها عظماً مكسوراً وجلداً ممزقاً، لعلهم يظفرون من ذلك بكسرة عظم أو مزقة جلد. لماذا تريد إخراج المخلوقات عن طبعها وطبيعتها؟!

كان يتحدث وفي نبرته أسى، وحلقه شجى. ضحكت وأنا أقول: اطمئن.. هؤلاء يعملون خارج الزمان والمكان. لقد ذهب ذلك الزمان الذي مكنتهم أوضاعه من التزوير والكتابة كما يشتهون، ووجدوا فيه حتى من (جماعتنا) من يتملق لهم، أو تدفعه بعض المقاصد ليوقع لهم على ما يكتبون. لقد ذهب الزمان الذي يستطيعون فيه أن يصنعوا لهم (ثورة عشرين) أَخرى يلبسونها ثوب الوطنية وإن كان فصالها عليهم لا يستقيم. هذا زمن الفضائيات، أو (الفضائحيات)! صدقني لن يسمعهم اليوم من أحد سوى شيعتهم، وشيعتهم كما قال ابن العاص قبل إسلامه وقد دعاه مسليمة إلى الإيمان به وأظهر له بعض مخاريقه: “إنك تعلم أني أعلم أنك كاذب”!

مساكين هؤلاء الشيعة..!

ما يبلغُ الأعداءُ من جاهلٍ ما يبلغُ الجاهلُ من نفسِهِ

لقد حضروا إلى ساحة اللعب بعد انقضاء الوقت الإضافي وإعلان النتيجة، وانفضاض الجمهور واللاعبين أجمعين! سوى أن كاميرات البث الحي ما زالت مسلطة على الساحة وهم في وسطها والناس من عبثهم يسخرون!

أيها الشيعة! وإن كنتم لا تسمعون ولا تعون، الحق أقول لكم: لقد جئتم متأخرين.

لستم في زمن الكليني ولا ابن العلقمي، حيث لا صحيفة ولا مذياع ولا تلفاز، بل ولا في زمن

الخميني حيث لا حاسوب ولا إنترنت ولا فضائيات! نحن اليوم في زمن متسارع بصورة عجيبة! اليوم فيه بجمعة، والجمعة فيه بشهر، والشهر بسنة!

مثال من سوريا

قبل تسعة أشهر – مثلاً – كان إخواننا السوريون ما زالوا مخدوعين بإيران وحسن لبنان، والرقعة التي بيد (حماس والجهاد) ومن تحالف من أمثالهم من السنة مع إيران لقاء دعم يفترض في الأباة أن يترفعوا عنه، كانت تكفي – ولو بعض الشيء – لستر سوءتها وظهورها لدى الجمهور المخدوع بمظهر المسلم المجاهد المساند لقضايا المسلمين ومنها فلسطين. وكان ذلك يكفي عند إخواننا لعدم سماع صوتنا نحن العراقيين وقولنا لهم: إننا ذبحنا على يد إيران وحزب الله قبل الأمريكان، ولغض الطرف عن مأساة الفلسطينيين أنفسهم في العراق على يد إيران وشيعتها، مع أن كثيراً من إخواننا الفلسطيين إلى اللحظة مازالوا مشردين على الحدود بين العراق والشام في خيامهم البائسة، ويمكن للسوري والأردني والعراقي ولكل من أراد من الناس أن يراهم، ويعرف السر الكامن وراء مأساتهم.

ولكن شتان شتان بين الدنيا قبل تسعة أشهر وبينها اليوم!

لقد حصل ما لم يكن في الحسبان

ما كنت أطمع أن أرى وأسمع أحداً من إخواننا السوريين الذين رأيتهم وعشت معهم قرابة عشرين شهراً في سوريا، يخرج يوماً على قناة فضائية ليتكلم عن جرائم جيش المهدي في سوريا! ولكن.. حصل هذا! حصل ما لم يكن في الحسبان!

وأكبر من ذلك حصل! فتوى من (رابطة العلماء السوريين) صدرت قبل أسبوع بقتل عناصر “جيش المهدي، أو قوات بدر أو قوات الحرس الثوري الإيراني، أو من حزب الله أو عناصر شيعية يؤتى بها من بلاد أبعد من ذلك، يتوافدون على سوريا ويعطيهم النظام وثائق سورية، ويشارك هؤلاء بعمليات القمع والقتل الموجهة ضد الشعب السوري الثائر، ويقومون بدور الشبيحة المستوردين” حسب ما ورد في البيان. ومما جاء فيه: ” والحكم الشرعي في هؤلاء العناصر أنهم شر من المرتزقة الذين جندهم النظام من أبناء جلدته. لأن هؤلاء جاءوا تنفيذا لمخططات استعمارية فارسية باطنية، وجاؤوا حاقدين يحملون عقيدة تستبيح دماء شعبنا. وبالتالي فإننا لا نتردد في اعتبا ر هؤلاء مجرمين، ما داموا على الأراضي السورية، ويقفون بجانب هذا النظام”. من كان يصدق قبل تسعة أشهر فقط أن هذا سيقع؟!

أيها الشيعة!

لقد حضرتم متأخرين.. فمعذرة!

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى