مقالات

أيها العرب السنة ..! أنتم أكبر

من الانخداع بوعود ( توسيع صلاحيات المحافظات )

د.طه حامد الدليمي

في الوقت الذي كنا ننتظر إعلان محافظة الأنبار إقليماً كامل الصلاحيات، وعلى رأسها الأمنية والسياسية، وجّه مجلس المحافظة في يوم (18) كانون الأول الجاري كتاباً إلى رئيس الوزراء نوري المالكي يتضمن مطاليب تتعلق بتوسيع صلاحيات حكومة المحافظة، يمهله فيها مدة أسبوعين، وفي حال عدم الاستجابة فإنهم سيلجأون إلى إعلان المحافظة إقليماً.

ذكاء ؟ أم ضعف ؟

قلت: هذا ذكاء من المجلس؟ أم هو تعبير عن ضعف، وما نحن بضعفاء؟

أما أنا فأرجح الاحتمال الثاني، سيما وفي الذاكرة القريبة أنهم فعلوا الشيء نفسه حين ذهبوا إلى رئيس البلد جلال الطالباني قبل مدة في مبادرة مشابهة، فلم يحصلوا على شيء! فكان المنتظر تصعيد الموقف بما يناسب الإهمال الذي لحق بمطاليبهم من قبل الرئيس العاجز من الأساس، في صورة تذكرني بقوله تعالى: (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (الحج73). فالمعروف أن المطالَب أولاً: توجه إلى مقتدر، وثانياً: تخلص إلى موقفين: إما (كذا) في حال الاستجابة، وإما (كذا) في حال الإهمال أو الرفض أو المماطلة.

بيدَ أن الرأي الأول يبقى صالحاً للطرح من حيث أن إخواننا في المجلس ربما قصدوا (امشِ ورا الكذاب لحد باب بيته). وفي ذلك تقوية لموقف خيار الإقليم، وإحراج المالكي وكشفه أكثر أمام العالم الداخلي والخارجي. وأنا أعلم أن الشيعة اليوم – وعلى رأسهم المالكي – يعيشون في هذه اللحظات نشوة الشعور بـ(غرور القوة)، وفي ذلك مقتلهم، فاحتمال مواجهة المطالب المذكورة بالرفض وارد. لكن من يضمن أن نوعاً من الذكاء لن يستعمله المالكي – سيما والأحداث الأخيرة ربما علمته أن اللعب على المكشوف، لتحقيق طموحاته المتخلفة في عالم مفتوح، ومع السنة العرب الذين هم في الحقيقة أقوى مكونات العراق، شيء أكبر من حجمه – فيوافق على توسيع صلاحيات المحافظات بأي صورة من الصور، وعندها سينسحب البساط من تحت أقدام المتذاكين؟! في وقت نحن في ديالى وصلاح الدين بأمس الحاجة إلى دعم الأنبار بإعلان شجاع لاختيار الإقليم، هذا ونينوى مشدودة النظر إليها متى تتقدم لتخطو بعدها خطوتها المؤملة.

حذارِ حذارِ من التفريط بمِلف الأمن ……….!

مما يؤيد التخوف السابق أن المالكي في زيارته لصلاح الدين قبل أيام قليلة، وللأنبار يوم أمس، قد وعد بتوسيع صلاحيات المحافظات، ووصف الأمر بأنه حق دستوري، لكنه استثنى (الأمن والصلاحيات السيادية)! وهذا – كما قيل – “أول الغدر”! هذا إن افترضنا أنه سيفي بما سواهما، وفي هذه الحال سينفذ الأمر إما على طريقة التسقيط باتباع أسلوب المماطلة دون تنفيذ أي شيء، أو على طريقة التقسيط وبعضاً من المطالب دون بعض؛ في عملية ليس المقصود منها سوى كسب الوقت، ريثما تسنح له الفرصة للالتفاف على المطالب جميعاً، بل وإقصاء السنة إلى أبعد حدود ممكنة. أي إن هذه الخطوة ستنقلنا من المطر إلى المزراب! ونكثه بـ(اتفاق أربيل) وتمييعه لما سمي بـ(مجلس السياسات الاستراتيجية) حتى أخرج أياد علاوي – على وزنه الذي هو عليه بين القوم – من اللعبة كلها (بلا حمص)! ليس منكم ببعيد.

لا يخفى عليكم أن مطلب (الأمن) هو الأساس وهو الرأس وهو المبتدأ والمنتهى في سبب جنوحنا لخيار (الإقليم)؛ فمن دون الإمساك بزمام الأمن بيدنا سنظل تحت رحمة القوى الأمنية الشيعية والعسكرية، وسبقى العراق بيد المالكي وأمثاله وأعوانه، ولن تنتهي كارثة الاعتقالات والاغتيالات والمطاردات ونقل أبنائنا ليعتقلوا خارج محافظاتنا، ولن ننتهي من مشكلة الجواسيس و(المخبر السري) الذي بات يسمى لدى الناس بـ(المخبر السني)! بلا أمن لن يكون استقرار ولا اقتصاد ولا تنمية. الأمن يجلب الرزق، بينما الرزق لا يجلب الأمن. هذه معادلة مهمة وأساسية في حياة الفرد والمجتمع. ثم إن الدستور فصّل هذه المسألة، وجعل المِلف الأمني بيد الإقليم. فإذا رضينا بإبقاء هذا المِلف الأهم والأخطر بيد المالكي فالأمر كما قيل: “وكأنك يا أبا زيد ما غزيت”!

نصيحتي الجازمة عدم التفريط بهذا المطلب مهما كلف الأمر، ليس هذا فحسب وإنما أن يكون ذلك تحت مظلة (الإقليم) لا سواه من العروض الفارغة؛ لأن البديل – وإن حاولنا – سيكون السحق أو الحرب في نهاية المطاف! فما عدا مما بدا؟

احذفوا هذه العبارة الخطيرة (إقليم إداري واقتصادي)

كما أدعو إلى حذف عبارة (إداري واقتصادي) من وصف الإقليم، هذه البدعة التي اخترعها مجلس محافظة صلاح الدين. ما قيمة إدارة واقتصاد تحت مطرقة الأمن؟!

ألعوبة (الصلاحيات السيادية)

وأما ما سماه المالكي بـ(الصلاحيات السيادية) فهذا – مع التفريط بملف الأمن – نفق مظلم سيجر مناطقنا إليه، ولن تخرج منه إلا بالدماء والأشلاء. ثم إن هذه الأمور مفصلة بنصوص الدستور، فما الحاجة إلى حشرها لولا أنه يريد التلاعب بتفاصيلها وفق هواه؟!

نريد إقليماً بكل استحقاقاته الدستورية

لا نريد صلاحيات تَمُنّ بها علينا حكومة المركز الشيعية الطائفية متى تشاء، وتسلبها منا متى تشتهي. إنما نريد (إقليماً) بكل استحقاقاته الدستورية.

الفرق بين ( توسيع الصلاحيات ) وبين ( الإقليم )

عندما نضع هذه الاعتبارات في دائرة النظر أجد نفسي منساقاً إلى تحذير أهلنا في الأنبار وباقي المحافظات: نخباً وجماهيرَ، من الانخداع بوعود المالكي التي أتوقع أنه سيعطيها مضطراً بعد المأزق الذي وقع فيه أيامه الأخيرة، وأذكرهم بالفرق بين توسيع الصلاحيات وبين الفدرالية أو الإقليم.

إن مبدأ (توسيع الصلاحيات) أمر معمول به حتى في أسوأ الأنظمة المركزية دكتاتوريةً؛ وهو شيء يقرره المركز بموافقته وأمره حسب حاجته وبإشرافه، ولا يضيره ذلك؛ فله أن يسحب هذه الصلاحيات جملة أو بعضها في أي وقت يشاء. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نعكس التسمية لتكون (تضييق الصلاحيات) بدل (توسيعها). علماً أنه يستحيل في دولة ما أن لا يكون للأطراف صلاحيات محددة، وإلا توقفت حركة الحياة وسقطت الحكومة والدولة. وقد كان المحافظون في العراق قبل الاحتلال يتمتعون – ضمن دولة قانون ومؤسسات – بصلاحيات لا تقارن بها صلاحياتهم في هذه (الدولة) التي لا أجد لتسميتها بـ(دولة القانون) باباً تدخل منه إلا باب تسمية الأشياء بأضدادها!

إن الفرق بين (توسيع الصلاحيات) أو (اللامركزية الإدارية) وبين (الإقليم) أو (اللامركزية السياسية) أو ما يعرف بـ(الفدرالية) هو فرق ما بين السماء والأرض! ذلك أن (توسيع الصلاحيات) – بمترادفاته المذكورة – حالة لا تتمتع بضمان حماية بالدستور، إذ أنها خاضعة لرغبات وقرار المركز يمنحها ويرجعها دون أن يتعرض إلى حرج قانوني مؤثر.

بينما صلاحيات (الإقليم) – بمترادفاته أيضاً – تتمتع بحماية دستورية تمنع المركز من التلاعب بها أو تغييرها. وإذا حاول شيئاً من ذلك فعليه أن يجتاز عقبات كبيرة منها أولاً: تغيير الدستور، وذلك يستلزم استفتاء شعب المحافظة! فكيف نفرط بهذا الضمان ومع حكومة طائفية بامتياز، لن يتغير من أمرها شيء سواء بقيت تحت ظل المالكي أم غيره؟!

أرى أن من يفعل هذا – لا سيما والظروف الحالية إلى جانبه، وأولها مطالبة الجمهور السني ووقوفه إلى جنب حكومة المحافظة – يرتكب حماقة، لا أقول: تضاف إلى بقية حماقاتنا على مدى السنين الماضية، بل أسميها (حماقة الحماقات)، وسيسجل العالم علينا، والتاريخ كذلك، أننا نتمتع بـ(موهبة) غباء لا نحسد عليها!

وثالثة أَخرى: من يرتكب هذه الفعلة فإنه يتحمل مسؤولية جر أهلنا المنكوبين إلى ميدان الحرب الأهلية، وعليه أن يستعد لـ(دفع الثمن)!

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى