مقالات

لا تبتئسوا يا سوريون

أنتـم فـي الوقت المناسـب

د. طه حامد الدليمي

إذا لم ينتفع العبد بنور الوحي تداعت عليه سياط القدر.

وكلما كان الابتعاد أكثر كانت العقوبة أشد. لكن إذا كان العبد ممن يريد الله بهم الخير ساقه بقدره إلى مرضاته، أما إذا كان غير ذلك فلا يبالي الله به في أي وادٍ هلك.

أكثر من ثمانين عاماً ونحن في العراق نكذب على الله تعالى وعلى رسوله وعلى الناس، ونخادع أنفسنا فنقول: لا فرق بيننا وبين الشيعة. وصنعنا دولة مارقة عن دين الله جعلنا من الشيعة فيها سوسة تنخر في مفاصلها حتى أسقطتها. وها نحن ندفع الثمن لهذا الذنب العظيم ومنذ تسع سنين، وما زلنا في أول الطريق!

وكنا في الشقيقة سوريا نناقش إخواننا السوريين في شأن إيران و”حزب الله” فكان الجواب المعتاد وبنسبة لا تقل عن 95٪ ممن التقيتهم: إيران دولة إسلامية تدعم الفلسطينيين، و”حزب الله” يجاهد اليهود، وكلهم إخواننا لا فرق بيننا وبينهم. وهذا – عند النظر إليه من خلال القدر – ذنب لا يقل عن ذنب العراقيين الذين دفعوا له الثمن من الدماء أنهاراً.

السوريين اليوم يقتربون من الاتجاه الصحيح، أ العراقيون فما زالت بوصلتهم تخطئ القبلة المنشودة. فبين أولئك وبين النصر رمية حجر. أما نحن فلنا قصة ثانية.. قصة نحن من أسدل الستار عليها، وتصرفنا بمضمونها بما يخالف الحق والحقيقة. وأرى أننا لن نبلغ بها ما بلغ السوريون بقضيتهم حتى نعدل المضمون، ونكتب عنوانها الصحيح ونظهره للعالمين.

ثمن قليل أمام مكاسب كبيرة

ونأتي إلى بعض أجزاء الصورة من الآخر:

دول مجلس التعاون الخليجي تسحب سفراءها من دمشق، وتطلب في الوقت نفسه من سفراء سوريا لديها مغادرة أراضيها! أمريكا وبريطانيا يفعلان الشيء نفسه، وألمانيا وليبيا كذلك. وتستعد لمثله دول أخرى كتونس.

رئيس الولايات المتحدة ورئيس وزراء بريطانيا يتكلمان عن فظائع النظام السوري ويطالبان الرئيس بشار الأسد بالتنحي!

حكام تركيا يهاجمون النظام ويقدمون الدعم والملاذ الآمن للمهجرين.

الجيش السوري الحر يجد له موطئ قدم على الحدود بين تركيا وسوريا، ويشن هجماته على قوى النظام النصيري في ريف دمشق وعموم أرض سوريا! وبدأوا باستعمال العبوات الناسفة التي هزمت جيش القوة العظمى في العالم وأخرجته صاغراً من العراق.

المعارضة تنظم صفوفها، وينبثق عنها مجلس انتقالي وآخر عسكري. ويستقبل وفودها دول كثيرة بما فيها روسيا.

الجامعة العربية ترسل مراقبين إلى سوريا، ومهما قيل عن ضعف المهمة فهي لصالح الشعب ضد النظام.

وترفع القضية السورية إلى مجلس الأمن، ويجري التصويت على قرار تقدمت به فرنسا وبريطاني وألمانيا والبرتغال يدين نظام الأسد في حملته القمعية ضد الاحتجاجات الشعبية. ويحظى القرار بتأييد تسعة أعضاء، وامتناع أربعة عن التصويت. ولا يحبط القرار إلا بفيتو روسي وصيني!

لقد نجح السوريون في تدويل قضيتهم…….!

المظاهرات الشعبية ماضية على قدم وساق ومنذ أحد عشر شهراً، ولا تزيدها الأيام إلا ضراوة وقوة واشتعالاً، رغم القتل والتنكيل!

النظام يترنح، يفقد أعصابه.. لا يدري ماذا هو فاعل بعد؟ ولا أي سلاح يستعمل، الحلقة من حوله تضيق، وقبضة عسكره و”شبيحته” ترتخي حتى إن بعض مدن ريف دمشق صارت تتفلت منها وتنقلب عليه!

الآلاف التي حشدها النظام من أتباعه لاستقبال وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف لا يعني مشهدها سوى شيء واحد.. التعبير عن خوف النظام ويأسه، وتطلعه لمخلص يأتيه ولو على متن طائرة روسية. وإلا هل حصل مثل هذا الاستقبال من قبل لوزير خارجية يزور دمشق حتى لو كان هو وزير خارجية روسيا نفسها؟

يأتي هذا في وضع إقليمي ليس في صالح النظام: فالدول العربية تنفض عنه شيئاً فشيئاً، وتنقلب ضده غير ناسية ما سبق من مواقفه الحمقاء منها. وحليفته إيران في وضع لا تحسد عليه، وقد بدأت العقوبات الاقتصادية تؤتي أكلها: فالعملة الإيرانية تنهار سريعاً، ولن تنفعها دولارات العراق التي تستبدلها بالعملة المزورة في عمليات قرصنة مكشوفة على الحدود بين البلدين. والعراق في وضع سياسي وأمني واجتماعي واقتصادي مضطرب ومتدهور، والعقوبات المفروضة على إيران تؤثر بقوة على اقتصاده، وقد صرح المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ بأن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران تشكل صعوبات على العراق بسبب العلاقات الاقتصادية المتينة بين بغداد وطهران؛ لذلك فان بغداد تعتزم الطلب من واشنطن اعفاءها من تلك العقوبات! ولا يستبعد أن تصطف الحكومة مع القرارات الدولية لاحقاً. أما “حزب الله” و”حماس” وغيرهما من الحلفاء الصغار فلن يملكوا للنظام شيئاً. فحماس تبحث عن بديل وتغسل أيديها مرغمة من ملمس التومان؛ لقد أمست رائحته عفنة! أما “حزب الله” فتنتظر خرزته دورها في سلك حبات العقد المنفرط.

هذا غيض من فيض ما حققه الشعب السوري الثائر من مكاسب. ورغم هذه الإنجازات، لم يبلغ الثمن المدفوع مقابله أكثر من بضعة آلاف من الضحايا!

ثمانية آلاف ؟ ليست بشيء

لقد جئتم على قدر يا سوريون! الظروف كلها في صالحكم، والأسباب إلى جانبكم، فأبشروا ولا تبتئسوا.

أقول هذا وأنا أعلم أن واحداً من إخواننا لو جرح فإنها خسارة يألم لها القلب وتتداعى لها الأعضاء بالشفقة والرحمة والدعاء. ولكنني أعلم أيضاً أن ثمن حرية الشعوب غال وغالٍ جداً! وقد يطول الزمن عقوداً من السنين. لقد وصلت تضحياتنا في العراق حد الأرقام المليونية حتى تحرر بلدنا من المحتل الخارجي، وما زلنا في أول الطريق كي نتحرر من المحتل الداخلي. والله وحده يعلم كم سنبذل من تضحيات إلى أن نتمكن من كسر قبضة الشيعة عن مناطقنا ونطهر بغداد من أرجاسهم وأنجاسهم! فثمانية آلاف قتيل منكم – أيها الإخوة في سوريا – لا يعد شيئاً مقابل ما وصلتم إليه في هذه المدة الوجيزة.

دعاؤنا لكم بالصبر والثبات، وقلة التضحيات حتى تحقيق النصر بإذن الله. أقولها بشعور سني عراقي يعلم أن مصيبتكم – على عظمها وألمها – ليست أعظم من مصيبته ، بل لا تقارن بها. وبيننا وبين أن تبلغ قضيتنا ما بلغت قضيتكم من نجاح ما الله به عليم.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى