من حقنا أن نفرح في العيد
د.طه حامد الدليمي
عيدكم مبارك، وأسعد الله تعالى أيامكم بما يسركم وينفعكم في أمور دنياكم ودينكم.
وبعد..
وأنا أكتب هذه السطور، قطع عليّ أحد الأحباب سلسلة أفكاري برسالة على (الآيفون)، تطورت إلى جواب ورد على الجواب! وبعد بضعة جوابات اعتذرت منه قائلاً: إنني أكتب مقالاً عن الفرح. وطلبت منه الإذن في أن أنصرف إليه. فرد عليّ مباشرة: أي فرح؟
هذا مع أننا في (عيد)!
نعم قد يثير هذا العنوان نوعاً من الاستغراب عند بعض القراء!
ما وجه الفرح وإخواننا في سوريا تهدم بيوتهم على رؤوسهم، ويشردون في أصقاع الأرض؟!
ما وجه الفرح وسنة العراق ذبحوا وما زالوا يذبحون ويطاردون ويعتقلون؟ وبغداد الرشيد يحكمها حثالات البشر؟
ما وجه الفرح والمسلمون في بورما يقدمون للحرق في الأخاديد؟
ما؟ ما؟ ما؟ … وفلسطين؟ والأحواز؟ وسنة لبنان؟ و و و؟!!!
وأقول باختصار يتناسب مع العيد:
الفرح حقّ وحمق
فرِحٌ من الحمق أن يفرح، وحزينٌ من حقه أن لا يحزن!
ولذلك زوايا نظر متعددة: أولها: أن الحزن شعور لم يرد في الشرع مدح له أو ترغيب فيه. كل النصوص تقول: (لا تحزن.. لا تحزنوا…). نعم هو شعور يجتاح النفس عندما تجد مسبباته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)[1]. ولكن لا ينبغي الانسياق معه، والسماح له بالتمدد والتعمق كثيراً في أغوار النفس.
غير أن أهم ما يؤسس للفرح عند المسلم أمران:
الأول: أن الله تعالى جعل للفرح سبباً دائماً هو ما لخصته الآية الكريمة: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58). وقد جاءت بعد قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ). ففي الآية إذن موعظة وشفاء لمن أشكل عليه فرح المسلم تحت أي ظرف.
هذا هو الفرح المطلوب عند المسلم. الفرح بفضل الله ورحمته، وإن فرح الفرحون بما يجمعون. وذلك لا يكون إلا بأدائه لواجباته تجاه ربه وتجاه مجتمعه. فمن فعل ذلك فمن حقه أن يفرح ونفرح معه مهما ادلهمت الخطوب، وساءت الظروف. وهنا تأتي الحكمة العظيمة في محلها: (أدِّ ما عليك، وما عليك). وإلا فمن قصّر وفرط، ثم فرح مع ما هو فيه من خذلان، فإنه أحمق يستعاذ من رفقته.
كن حسّاساً .. ولكن عاملاً متحركاً
وحتى لا يكون كلامنا عمومياً أضرب مثالاً قريباً جداً من حسِّنا وواقعنا: ما يجري في سوريا من أحداث كارثية تدعو إلى الحزن والبكاء والألم الحاد حد الاكتئاب. نعم نحزن والله ونبكي، ولكن إذا قدمت ما أستطيع لنصرتهم، فقد أديت ما عليّ، فيحق لي أن أفرح من هذه الناحية، أي بهذا الفضل الإلهي الذي وفقني لذلك. وإلا ما نفع البكاء؟ وما جدوى العويل؟
كل مسلم مطالب اليوم شرعاً أن يقف مع إخوانه في نكباتهم على قدر استطاعته، ويبذل في سبيل تحقيق هذه الاستطاعة كل المحاولات الممكنة، ولا يقنع بجهد بسيط ثم يقول: أديت ما عليّ؛ فإن الله تعالى أمر باستنفاد الجهد في تحقيق التقوى قائلاً: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) (التغابن:16). وبهذا نحول الحزن من حال سلبي إلى واقع إيجابي.
والثاني: أن الحزن الدائم الذي لا يقطع بمثل ما ذكرت وشبهه وما هو قريب منه، حالة مرضية تدعو إلى المسارعة في العلاج. وإلا فإنها ستؤدي إلى اليأس والقنوط، ثم اللامبالاة والقعود!
فعندما يزيد الألم عن حده تعجز الأعصاب عن تحمله فما يعود الجسم قابلاً ً لتحسسه. وهذا في المسائل الحسية والنفسية على حد سواء. هل جربت أن دخلت المطبخ فواجهك بـ(باقة) من روائحه! ثم بعد دقائق تجد نفسك قد فقدت القدرة على تشمم تلك الروائح، وتعتاد على (المشهد) وكأن شيئاً لم يكن؟! كذلك مثيرات النفس بأنواعها.
إذن من حقنا أن نفرح بالعيد.. إذا أدينا ما علينا، وواجهنا المحن بما يقلبها إلى مِنح. أو – على الأقل – سعينا في ذلك.
لذلك أنا أدعو إلى تجديد الإحساس بالحدث، وذلك بأداء الواجب تجاهه، ثم الفرح بهذا الفضل الرباني العظيم. وتنمية هذه الحالة الإيجابية من الإحساس والعمل، بما أسميه (فن مغالبة الحزن). وهو فن رفيع لولاه ما تمكنت – أنا شخصياً – من الاستمرار في هذا الحقل الشائك من الآلام والألغام.
_________________________________________________________________________________
- – متفق عليه. ↑