د. طه حامد الدليمي
الإفراج عن علي دقدوق
رغم هذا (التشديد) من الجانب الأمريكي على عدم إطلاق سراح دقدوق، تم تبرئته وإطلاقه من معتقله، وظهر عبد المهدي المطيري المحامي المتوكل بقضيته، وبتاريخ 16/11/2012 وأعلن أن السلطات العراقية قد أفرجت عن علي موسى دقدوق المتهم بقتل جنود أميركان اليوم الجمعة، وأنه وصل الى لبنان منذ ساعتين، وأن قرار الإفراج عنه قد اتخذ الليلة الماضية.
مهازل الإعلان عن تهريب علي دقدوق
بينما لم تعلن الحكومة العراقية عن إطلاق سراح دقدوق إلا بعد خروجه من العراق ووصوله الى بيروت، كانت تصريحات المسؤولين متضاربة إلى حد يدعو إلى القرف والسخرية:
- فبعد إعلان محامي الدفاع عن اطلاق سراح دقدوق، وفي اليوم نفسه نفى وزير العدل العراقي (حسن الشمري) إطلاق سراح دقدوق. وقال: إنه لا يزال مودعاً لدى وزارته، وإن القضاء العراقي هو المسؤول الوحيد عن ملف دقدوق. والتحقيقات جارية معه!
- لكن المتحدث الرسمي لوزارة العدل المدعو حيدر السعدي صرح في اليوم نفسه بأن دقدوق ليس بعهدة وزارة العدل، ولا مودعاً لديها، ولا نعرف طبيعة وضعه أساساً. وإن وزارته لا تعلم حقيقة الأنباء عن إطلاق سراحه ومصيره الحالي. وليس لها الحق بالحديث عن موضوعه!
- وأضاف أن وزارته قد سلمت دقدوق الى وزارة الداخلية قبل ثمانية أشهر لحساسية وخصوصية قضيته. مؤكداً ان دقدوق لم يخضع لأية محاكمة، وكان موقوفاً فحسب!
- أما وزارة الداخلية فقد أعلن عنها المتحدث باسم الوزارة المدعو سعد معن (بأن ليس لوزارته علم بوجود دقدوق لديها)!
- أما الخارجية الاميركية فقد اكتفت بالإعراب عن خيبة أملها لإطلاق سراح علي موسى دقدوق وقالت: سنتبع كل الطرق لمحاكمته إذ أننا كنا قد أبلغنا بغداد موقفاً صلباً بعدم إطلاق سراح المذكور. وقالت المتحدثة بإسم الخارجية فيكتوريا نولاند: كما هو الحال بالنسبة لإرهابيين آخرين نشتبه بأنهم ارتكبوا جرائم بحق أميركان فاننا سنتبع كل الطرق القانونية لمحاكمة دقدوق بحق الجرائم التي اقترفها، وان الولايات المتحدة تواصلت مع حكومة لبنان أي البلد الذي انتقل اليه دقدوق. مضيفةً: أنها تحترم نظام العدالة العراقي.
هذا وقد أطلق الحكومة الشيعية في العراق المجرم قيس الخزعلي وأخوه، والقضية واحدة. كما أطلق مجرم آخر اعتقل في الفترة نفسها هو الشيخ عبد الهادي الدراجي مفتي جيش المهدي. إضافة إلى (الدبلوماسيين) الإيرانيين.
إطلاق دقدوق مثال واضح على طائفية الشيعة
في الوقت الذي يعتقل فيه السنة بالجملة والمجان، وتكال لهم التهم تلو التهم، ويعلقون على أعواد المشانق، ويموتون تحت التعذيب، ويحكمون بالإعدام طبقاً لقانون (الإرهاب) دون تفريق بين إنسان بسيط أو مسؤول كبير كطارق الهاشمي نائب الرئيس، والنائب محمد الدايني، وقادة المقاومة وأفرادها، تجد عتاة المجرمين الشيعة يطلق سراحهم بمحاكمات صورية أو بلا محاكمات. وهذه دلالة واضحة على أن العراق اليوم هو عراق الشيعة، ولا مكان فيه للسنة. وقد ذهبت حيادية السنة و(وطنيتهم) التي سوقوها على مدى تسعين سنة أدراج الرياح.
إطلاق دقدوق ليس آخر شاهد على هذه الحقيقة الصارخة ولا أولها. ولكم أن تتمعنوا قليلاً في المعطيات التالية:
- لا يوجد أي مسوغ قانوني لإطلاق سراح مجرم كدقدوق، يعترف بأنه دخل العراق لقتل السنة، وهذه جريمة قتل منظمة. في وقت كانت المخابرات الإيراني مشغولة في العراق باستدراج السنة لمواجهة مسلحة مع الأمريكان. والمعلومات ثابتة بوثائق ضبطها الأمريكان في القنصلية الإيرانية بأربيل، كما مر بنا آنفاً.
- خاصة وأن دقدوق لبناني الجنسية ضُبط داخل الاراضي العراقية وقد دخل العراق بدون إذن قانوني من أية سلطة حكومية؛ وهذا مبرر كاف لاحتجازه وسجنه استناداً الى قانون العقوبات النافذ أسوة بالعشرات من العرب والأجانب المحتجزين في السجون العراقية منذ سنوات لهذا السبب.
- تم ضبط هذا اللبناني وهو يحمل سلاحاً غير مجاز برخصة رسمية. وهذا سبب آخر يبرر احتجازه وسجنه استناداً الى القوانين النافذة. كذلك فإنه ضُبط بعد أن قاتل قوة عراقية – أميركية، واعتقلته هذه القوة استناداً الى المادة (4/إرهاب). وهذا سبب كافٍ لإبقائه في السجن، أسوة بالمئات من الجنسيات العربية والاجنبية الذي ترفض الحكومة العراقية إعادتهم الى بلدانهم، بل وتنفذ الاعدام في الكثير منهم كما يحصل مع السعوديين وباقي العرب.
- فضلاً عن حيازته مستمسكات مزورة لأوراق ثبوتية عراقية.
- كل هذا ولا يمتلك المالكي سنداً قانونيا لإبقاءه في السجن (دخول غير شرعي، حمل سلاح، ممارسة القتل والإرهاب، تزوير وثائق … وغيرها).
- أن دقدوق قد أُعتقل داخل العراق بعد مشاركته بخطف وقتل عسكريين أميركان خلال عملهم على الأراضي العراقية بطلب من الحكومة العراقية، أي ضمن قوة تمتع وجودها في العراق بما يسمى “الشرعية الدولية”، والتي جاءت بالمالكي رئيسا لحكومتين متتاليتين. وفي هذا نقض لمزاعم بعض المصادر الغربية التي تقول: (إن العراق لا يستطيع الإبقاء على شخص قيد الاعتقال ما لم يكن هناك ما يدينه قانوناً، وأن “التخطيط لقتل عناصر أميركية أو قتلهم فعلاً لا يعد جريمة في العراق”.
- أطلق دقدوق دون رجوع المالكي إلى رئيس الجمهورية لاستحصال عفو خاص وفق الصلاحيات الممنوحة له.
- إدعت حكومة المالكي بأن القضاء العراقي هو من برأ دقدوق بعد سلسلة من المحاكمات والاستئناف والتمييز.
- ولنا أن نتساءل:
- هل كانت هنالك محاكمة لدقدوق أصلاً؟ متى وأين جرت هذه المحاكمة؟ عن أية جريمة تم ذكرها آنفاً قد جرت محاكمته؟
- وهل اقتصرت على خطف الجنود الأميركان؟ فأين حق العراق بدخول هذا المجرم غير الشرعي الى أراضيه، وتزويره الوثائق، وحمله السلاح، واعترافاته الأولية أمام الاميركان بأنه قد درب المليشيات التابعة لايران على القتل والعنف، وأنه لا يستهدف الأميركان بل جاء من أجل قتل السنة في العراق؟
- ولماذا لم يطلع الشعب العراقي على وقائع وتفاصيل هذه المحاكمات المزعومة؟
- ثم متى أُطلق سراح دقدوق؟ وقد رأيتم قبل قليل كيف تناقضت تصريحات المسؤولين العراقيين! بل أوردت صحيفة النهار اللبنانية معلومات تفيد بأن “علي موسى دقدوق الذي كان معتقلاً في بغداد موجود طليقاً في لبنان منذ نحو شهر وقد أدى فريضة الحج في الايام القليلة الماضية”!
لقد تصرف نوري المالكي بدافع طائفي لا غبار عليه؛ مغلباً تلك الطائفية على مصلحة العراق الوطنية، وتودداً لأسياده الايرانيين ضارباً عرض الحائط القوانين والأعراف التي لا تسمح له بإطلاق سراح هذا المجرم الخطير. وشيء طبيعي أن يكون المالكي قد تعرض لضغوط متعارضة كبيرة من الجانبين: الأمريكي والإيراني. لكنه في النهاية، وفي الوقت المناسب عمل بما تمليه عليه نوازعه الطائفية. وما إطلاق سراح المجرم علي دقدوق سوى شاهد لا أكثر من شواهد العراق الشيعي الجديد.