مقالات

ولا سراة .. إذا جهالهم سادوا

د . طه حامد الدليمي

من مهازل التخبط السني في الانتفاضة الشعبية الحالية قبول زعاماتها بوساطة قادة التيار الصدري وجيش المهدي، واستقبالهم في الرمادي وسامراء والموصل مرحبين بهم ورافعين طلباتهم إليهم! علماً أن الكارثة التي حلت بسنة العراق بكل تفاصيلها كان جيش المهدي على رأس منفذيها والمتسببين بها. فإذا كان المجرم الأول هو الوسيط، وهو الذي يراد منه إحقاق الحق وإزالة الظلم، فعلى أي ظالم خرجت هذه الجماهير؟ وإذا كان المظلوم يبرئ ظالمه، بل يمجده ويرفعه فمن أين يأخذ حقوقه؟ وإذا كان أكابر سفاحي الدنيا ينفذون جرائمهم بنا ثم يجدوننا بعد ذلك نستقبلهم في كبار مساجدنا، ونرفع إلى (مقاماتهم) طلباتنا، ونشكو إليهم حالنا، ماذا سيقولون عنا؟ وماذا سيفعلون بنا يوم تنتهي الانتفاضة ويهدأ الحراك؟ ما من شك أنهم اليوم يتضاحكون فيما بينهم وعلى موائد سكرهم وعربدتهم قائلين: هل رأيتم في حياتكم سذجة خانعين كهؤلاء؟! وقد صرح بمثلها المدعو (محمد حسن الموسوي) ممثل أحمد الجلبي في لندن، بعدما حصل للسنة في بغداد من قبل مليشيا جيش المهدي والمليشيات المماثلة لها بإسناد من الحكومة من تفجير مساجدهم والاستيلاء عليها، والقيام بعمليات القتل الذريع والإبادة المنظمة ضدهم، وغيرها من الجرائم الجماعية. قال: ما كنا نظن السنة بهذا الهوان! ظنناهم سيثورون ويكون لهم موقف آخر. أما وقد تبين ضعفهم فاعملوا ما شئتم بهم.

filemanager

أحد وجوه جيش المهدي البارزة في هذه الوساطة، والذي كان من حصة سامراء هو المجرم الخطير (حاكم الزاملي) رئيس لجنة الأمن في مجلس النواب، وكيل وزارة الصحة أيام التطهير الطائفي في سنة 2006 قبل اعتقاله، وكان المشرف على جميع عمليات القتل والإبادة التي كانت تمارسها وزارة الصحة والدوائر والمستشفيات التابعة لها. وكانت الوزارة من حصة التيار الصدري، وتحولت في عهدهم إلى أوكار وأقبية للموت، ولها سجن سري خاص بها تمارس فيه عمليات التعذيب والقتل بحق أهل السنة!

كتبت مقالاً عن هذا المجرم بتأريخ (6/12/2011)، وكان بعنوان (وجوه المومسات). أورد لكم فيما يلي أهم ما جاء فيه:

من هو حاكم الزاملي ؟

هو حاكم عباس موسى الزاملي، من أبرز قادة فرق الموت التابعة لجيش المهدي، قضى سنوات في ايران وتلقى هناك دورات تدريبية في العمل الاستخباري. تولى منصب وكيل وزير الصحة في حكومة المالكي الأولى سنة 2006. المتهم الأول بتصفية مدير صحة ديالى النائب عن كتلة التوافق د. علي المهداوي والمرشح لمنصب الوكيل عند مجيئه إلى مقر الوزارة ببغداد لاستلام منصبه صباح يوم الاثنين 12/6/2006 فاختفى داخل مبنى الوزارة مع ثلاثه من مرافقيه أحدهم شقيقه، وفقد الجميع هناك ولم يعثر لهم من لحظتها على خبر!

باتت وزارة الصحة في أيامه تعرف لدى العراقيين بالوزارة الأمنية الثانية بعد الداخلية. تحولت مستشفيات بغداد في عهده، والمؤسسات والدوائر التابعة للوزارة إلى أقبية ومصائد للموت تتلقف أبناء السنة رجالاً ونساء، وأما سيارات الإسعاف فقابضة لأرواحهم وأجسادهم، تنقلها إلى أوكار القتل في حي الثورة وغيره من الأحياء الشيعية، موزعة إياها على المزابل ومجاري الصرف.

كان الزاملي يشرف على سجن تابع لوزارة الصحة، ولديه تنسيق مع النائب عن الائتلاف العراقي جلال الدين الصغير إمام جامع براثا الذي يضم معتقلا جرى تصفية عدد من العراقيين المناوئين للسيطرة الإيرانية فيه ودفنهم في مقبرة جماعية تحيط بالجامع.

اعتقال الزاملي

بعد أن فاضت جرائم حاكم الزاملي وأضحت روائحها تزكم الانوف، وبعد ان رفض نوري المالكي اعتقال هذا المجرم، قامت القوات الامريكية بدهم وتفتيش منزل الزاملي في 30/10/2006 واعتقاله ثم تسليمه الى القضاء العراقي بتهمة اختطاف العشرات من الأبرياء. ولكن توقفت الاجراءات ضده بتدخل المالكي لدى الامريكيين بعد تلقيه اتصالاً من مقتدى الصدر الذي يعد الزاملي عينه السرية في الاجتماعات التي لا يستطيع حضورها! أسفرت تحقيقات الجيش الامريكي عن حقائق خطيرة جاء بعضها في بيان له، منها:

  • قيامه بتعيين أعداد كبيرة من أعضاء ميليشيا جيش المهدي الموالية لمقتدى الصدر في وزارة الصحة.
  • تمويل ميليشيا جيش المهدي، وتحويل ملايين الدولارات الامريكية اليها. (وتابع البيان الامريكي: أفادت تقارير أن أعضاء الميليشيا هؤلاء يستهدفون مدنيين عراقيين مستخدمين منشآت وزارة الصحة وأجهزتها في أعمال خطف وقتل طائفية).
  • اعترف الزاملي بعد اعتقاله مباشرة بمشاركة وزير الصحة له في جرائمه، وقدم للمحققين الأمريكان أسماء (61) من قادة فرق الموت في بغداد والنجف والسماوة.
  • اعترف باستخدامه عربات الإسعاف لنقل الأسلحة والمطلوبين من قبل أفراد جيش المهدي، ونقل المختطفين الى منطقة خلف السدة (في حي الثورة) لقتلهم هناك. إ.ه.

وزير الصحة علي الشمري شريك حاكم الزاملي

ما من شك في أن المسؤول الاول في وزارة الصحة عن هذه الجرائم الإنسانية هو علي حسين الشمري وزير الصحة في تلك الفترة عن التيار الصدري. من جرائم هذا الشخص أنه وافق على استخدام جثث العراقيين المغدورين في ثلاجات الموتى على يد المليشيات في عمليات التشريح والدراسة لكليات الطب في بغداد والمحافظات، وأمر بالموافقة على الاستفادة من أعضاء هذه الجثث واخفاء اية معلومات عن ذوي الضحايا. حمل أمر الوزير الرقم 7598 في 17/9/2006 تحت عنوان “سري للغاية”، وتم توزيعه على دوائر الطب العدلي والمستشفيات العراقية. وكان هذا أحد أسباب استمرار ضياع جثث العراقيين المغدورين، وقد أسست لذلك شبكة لبيع الجثث، المتورط فيها الوزير ونائبه الزاملي اللذان يشرفان على شبكة أخرى استخبارية في المستشفيات لاصطياد الجرحى والمرضى وتصفيتهم على أساس طائفي. كما أنهما على صلة بشبكة استخراج الجثث من المشرحة مقابل مبالغ مالية حيث يضطر ذوو الضحايا الى استئجار عناصر من المليشيات التابعة لوزارة الصحة لتسليمهم جثث ابنائهم المقتولين والمرميين في المشرحة، التي يعني الوصول اليها من ذوي الضحايا تصفيتهم الفورية، وهي تجارة تدر مئات الآلاف من الدولارات على اصحابها شهرياً.

في وقتها شهد شاهد من أهلها؛ نتيجة صراعات بينية وليس حباً بالسنة ولا رغبة في إظهار الحقيقة، وإنما على قاعدة (اختلاف الحرامية) فكتب الصحفي الشيعي سمير عبيد على موقعه: “كشفت مداهمة الأمريكان لمقر الوزارة، واعتقال (الزاملي) عن تقارير وسجلات وخطط مرعبة كانت تقوم بها وزارة الصحة، ولصالح بعض القوى التي توالي إيران، حيث تبين أن وزارة الصحة عبارة عن مسلخ بشري، ودكان لبيع الأعضاء البشرية من خلال عصابات خاصة مهمتها المتاجرة بالأعضاء البشرية التي يتم سرقتها من الأبرياء قبيل وبعد قتلهم. ولقد اعترف الزاملي بأن وزير الصحة (الشمري) كان يقوم بتحويل الأموال، المخصصة رسمياً لميزانية الوزارة، إلى عصابات الموت التي تشرف إيران على توزيعها وانتشارها، من خلال مجموعات الحرس الثوري الإيراني المتسللة في العراق. واعترف كذلك بأن الوزير كان على علم بتوزيع الجثث على المستشفيات والمشرحة. وأنه كان على علم أيضاً بأن تلك الخلايا توالي إيران، وتنفذ توجيهات الحرس الثوري الإيراني حسب التصريحات التي أدلى بها لنا أحد نواب البرلمان العراقي المقرب من لجان التحقيق الخاصة بهذه القضية. لهذا شعر الوزير بالخوف فتمكن من الهرب ليلة الأحد المصادف 17/2/2007 الفائت نحو إيران، خوفاً من الاعتقال والتحقيق على ضوء المعلومات التي أدلى بها وكيله الزاملي، والذي ادعى أيضا بأن الوزير كان يوقع على شيكات كبيرة لصالح عصابات الموت”([1]).

وكانت سرعة اعترافه، وانتشار تفاصيل تلك الاعترافات جعل الأمريكان يعلنون عن أن لجنة تحقيق أمريكية برئاسة الكولونيل مارك مارتنيز أحالت حاكم الزاملي واللواء حامد الشمري قائد حماية وزارة الصحة، إلى محكمة علنية وصفت بأنها ستكون أهم من محاكمة مسؤولي النظام السابق. لكن لأن ميليشيات جيش المهدي تحكم سيطرتها على القضاء والمحاكم ومراكز الشرطة، فقد تم اسقاط التهم الموجهة ضد حاكم الزاملي ومن ثم أطلق سراحه بعد أن عجز الشهود وأصحاب الدعاوى عن الوصول إلى المحكمة للادلاء بشهاداتهم!

وهكذا تم اطلاق سراح حاكم الزاملي في أسرع عملية إطلاق سراح، حيث لم تتجاوز فترة اعتقاله السنة الواحدة، رغم أن أمريكان صرحوا بأن محاكمته ستكون “محاكمة القرن”! ورغم أن محكمة التمييز الاتحادية نقضت قرار الإفراج الصادر بحقه وجماعته، بقرارها التمييزي المرقم/141 /هيئة عامة /2008 في 30/3/2010 الذي يقضي بنقض قرار الإفراج الصادر من محكمة الجنايات المركزية في الرصافة! وها هو اليوم في مجلس النواب العراقي عضواً في مجلس الأمن والدفاع.

وفوق هذا وذاك، ورغم كل الجرائم التي مارسها بحق سنة العراق، يأتي بكل صلافة وغرور إلى سامراء مترئساً وفداً ممثلاً عن رئيس الإجرام الصدري مقتدى. ومن أجل ماذا؟ ليرفع مطالب المتظاهرين إلى (سماحة السيد… وإلى مجلس النواب). ويستقبله ممثلو المنتفضين دون حرج ولا خجل، متذرعين بما يسمونه (الحكمة) و(السياسة)، كما صرح لي بعضهم.

الظاهر أن أهالي سامراء والأنبار والموصل وديالى وكركوك وغيرها من المناطق الملتهبة في حاجة إلى وسيط لينقل مطالبهم.. ووسيط من (العيار الثقيل)، وإلا كيف ستنفذ تلك المطالب (الثقيلة)!

ترى! هل كان الشاعر ينظر إلينا من وراء سجف الغيب ليقول:

لا يصلحُ الناسُ فُوضى لا سراةَ لهم ولا سراةَ إذا جهالهم سادوا

؟؟؟

!!!

_________________________________________________________________________________

  1. – موقع سمير عبيد الإلكتروني، في 23/2/2007.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى