مقالات

خيار واحد .. ومخرجان لا غير

د. طه حامد الدليمي

TAQATU

قبل كل شيء .. حديثي موجه للمسلم المتدين، الذي يهمه دينه الذي يوصله بآخرته، وتهمه دنياه التي تعمر وتطيب وتثمر في ظلال شرع الله جل في علاه. وإذ لا دين بلا تحكيم لشرع رب العالمين، فحديثي يشمل كل مسلم (سني بطبيعة الدين) في العراق وما شابهه من أقطار، وليس خاصاً بحزب أو جماعة؛ فليس الدين خاصاً بالأحزاب، ولا الأحزاب الدينية حافظت على (الإسلامية) بعد أن تحول معظمها إلى جماعات (حداثية) حسب التفصيلة الغربية. أما من لا يهمه أمر دينه وآخرته فقد لا يهمه حديثي كثيراً. لكن أقول له: نحن ندعو إلى (السنية). والسنية عندنا لها مفهومان: خاص وعام. فالخاص يعني (الهوية السنية) طبقاً للشريعة الربانية، فتتعلق بالمسلم المتدين على الشرط السابق. والعام يعني (الهوية) بعمومها الذي يفرضه الواقع، فقد صارت الهوية السنية في العراق سياسية وقومية. وهذه تشمل جميع السنة، لا سيما العرب منهم.

علمياً كلامي موجه لعلماء السنة. وعلى من يقرأه من عموم السنة أن يواجه به علماء الدين وشيوخه ليستخلص ممن أخذ الله عليهم الميثاق أن يبينوه للناس ولا يكتموه الجواب الصحيح الصريح.

حكم الشريعة

تحكيم الشريعة الإسلامية من أصول العقيدة: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65). وفي بلد مثل العراق يشكل فيه السنة والشيعة 96٪ من المجتمع. يبلغ السنة (عرباً وكرداً وتركمان) قرابة 60٪ منهم. فلا الشيعة أقلية بسيطة، ولا السنة كذلك حتى لو جزأناهم إلى عرب وكرد؛ فنسبة السنة العرب بين 42-45٪. في هذا البلد أريد أن أطرح سؤالاً طال انتظاره، ولا أذكر أن أحداً طرحه على الملأ، رغم أهميته القصوى، وكونه أهم سؤال على الإطلاق يمثل جوابه العلاقة الربانية بين المسلم ومجتمعه؛ فهل هان على الناس دينهم؟ أم غاب عنهم وعيهم؟ والسؤال هو…….

كيف يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية في العراق واقعاً لا تنظيراً؟

فالحكم بشريعة السنة يرفضه الشيعة، والحكم بشريعة الشيعة يرفضه السنة؛ فبأي شريعة يمكن أن يحُكم العراق؟ عند هذا المفترق يبدو الخيار العلماني مخرجاً مناسباً، وقد كان. لكن هذا الخيار يعاني من مشكلتين خطيرتين مزمنتين: أولاهما: أنه قد جرب فلم ينفع بل زاد الطين بلة، والمرض علة. وعلى هذا الأساس تمثل العلمانية: ديمقراطية أم استبداديةً في بلد سني – شيعي مثل العراق أسوأ خيار للحل! والثانية: أنه لا يستجيب لعقيدة المسلم؛ فهو لا يمثل حلاً إسلامياً.

إذن هو (خيار) شرعي واحد لا غير: تحكيم شرع الله تعالى. وهو خيار سني؛ لأن شريعة الشيعة باطلة: اعتقاداً وفقهاً وسلوكاً وتطبيقاً. بيْدَ أن الاعتقاد أو التوصل إلى الرؤية الشرعية للخيار الوحيد ليس هو نهاية المطاف، إنما هو كيف نتوصل إلى طريقة عملية لتنفيذه وتطبيقه على أرض الواقع؟ أي إلى (مخرج) من هذا النفق الذي وجدنا أنفسنا فيه بسبب الاختلاف الديني (السني – الشيعي)، يؤدي إلى مرضاة الله تعالى.

نتوجه بهذا السؤال أول ما نتوجه إلى علماء الدين الأفاضل الذين ينادون بالعراق الواحد حالهم حال أي سياسي علماني ليبرالي لا يهمه أمر دينه، ونقول لهم: هل عندكم من حل فتخرجوه لنا؟ ما هو المخرج باختصار؟ نريد – نحن السنة – تطبيق شريعة الله في العراق الذي فيه نسبة كبيرة من الشيعة تتجاوز الثلث. أم إن العراق انتهى أمره فلا يمكن إصلاحه ولا حكمه بشرع الله؟

لنتناقش بهدوء، ونبسط الخيارات على طاولة النقاش:

خياران للخروج من النفق

من المقطوع به جزماً أن الشيعة – على أية حال – لا يرضون لنا العمل بشريعتنا، ولا يسمحون به ونحن تحت حكمهم. ولكن لو أخذنا بخيار (الإقليم أو الفدرالية) فهذا يوفر لنا فرصة جيدة لتحقيق الهدف؛ إذ نحن أحرار – بحكم الدستور – في أن نختار النظام الذي يحكمنا، سيما وأن الدستور الحالي ينصص على بطلان تشريع أي قانون يخالف الشريعة الإسلامية. إنه مخرج مناسب ولا شك.

هناك مخرج ثانٍ هو تقسيم البلد. وهذا يجعلنا أحراراً في أن نفعل ما نشاء. لكن هذا المخرج لا أراه سالكاً دون قيام حرب بيننا وبين الشيعة.

إذن مخرج الإقليم أقرب وأيسر. وهو أفضل الحلول. فمن أصر على رفضه خوفاً من وهم التقسيم فإما أن يقدم لنا حلاً واقعياً قابلاً للتطبيق يقيم الدين، ويحفظ البلد من التقسيم، وإما أنه يتحمل المسؤولية أمام الله ثم أمام الناس عن المصير الذي لا بد منه ألا وهو الحرب وتداعياتها.

ثمت خيار ثالث هو أن نبقى تحت حكم الشيعة في وطن واحد، وليس أمامنا سوى أن نسحق ونذوب ونتحول إلى شراذم تعيش على هامش الحياة وأطراف البلد، كما هو حال سنة إيران بعد تولي الصفويين الحكم، وكما هو حال العرب الذين كانوا يعيشون على شفة الصحراء اللاهبة القاحلة قبل مجيء الإسلام. هذا هو الثمن الذي لا محيد عن دفعه للحفاظ على (وحدة الوطن). وأعظم منه تنحية الشريعة عن حياة المسلم التعيس الذي يعيش على رمق هذا (الوطن) البئيس!

هل من مخرج رابع يا علماء الإسلام؟!

يبدو أن الجميع لم يضعوا هذا الأمر الجليل في دائرة الاهتمام. والشاهد على ما أقول مطالب المتظاهرين وها قد مر عليهم شهر كامل ولم نجد بينها مطلباً واضحاً – إلا ما ندر – له تعلق بحق الله، مثل رفض تشييع المناهج الدراسية والمظاهر الحياتية. كل المطالب تدور حول رفض مظالم والمطالبة بحقوق و…. من (السيد) المالكي، وكأنه إذا رفعت المظالم وحققت المطالب فالعيش تحت حكم الشيعة حلال زلال، ولتذهب الشريعة والحكم بالإسلام إلى ما وراء الصحراء!

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى