د. طه حامد الدليمي
عندما يشرع الله تعالى شيئاً، فليس شرطأً أن يبين معه مقصوده به. فقد يذكر بعض المقصود، وقد لا يذكر. وهنا ينبري العلماء ويتبارون في استخلاص الفوائد والدرر والحكم الظاهرة والباطنة لذلك التشريع الإلهي. وعادة ما تعود تلك الفوائد على العبد بالنفع في دينه ودنياه. وعليه – في كل الأحوال – أن يسلم لربه ويتبع أمره علم السر أم جهله، انتفع به في دنياه أم لم ينتفع. فإذا فعل ذلك نال كل خير وكانت عاقبة أمره يسراً. وإلا فإن له في الدنيا معيشة ضنكاً ويحشر في الآخرة إلى مصيره أعمى.
ليس في الإسلام مراقد
مما أمر الله تعالى به تعظيم الكعبة والحج إليها، وهدم ما سواها من كعبات وقبور ومقامات. وحتى لا يقع الناس في الشرك نهى أن يبنى على القبر وأن يتخذ مسجداً. روى الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ). حتى قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “يهدم المسجد إذا بني على قبر، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر”.
ومع هذا النهي الصريح انظر إلى بلاد الإسلام – عدا السعودية وبعض دول الخليج – لترى العصيان الفاضح لهذا النهي النبوي الواضح. ومما لا شك فيه أن لهذا العصيان آثاره من العقوبات: الفردية والجماعية. والعراق وسوريا مثالان لمن يفهم.
المراقد أوكار للتجسس والتآمر الإيراني
المشكلة أن الحقيقة تضيع على الناس في حومة المصيبة وأجواء الحماس. والغريب أنني حتى اللحظة لم أسمع أن أحداً من العلماء أو العامة نبه إلى دور المراقد والقبور في هذه الكوارث. إن هذه الأبنية تنشرها إيران في بلداننا لتتخذ منها أوكاراً للتجسس والاستخبار والتآمر محمية بستار الدين، ومن دون أن تكلفها شيئاً؛ فهي تمول نفسها بنفسها. ولا بأس أن يأمر السادن الأكبر في إيران أو النائب عنه في أي مكان – عند الحاجة – بهدمها أو تفجيرها، كعابد صنم التمر متى ما جاع أكله!
وإذا كان هذا الدور من الجانب الاستخباري التآمري، ومن جانبه العقابي القدري يخفى على الأكثرين، فإن العلاقة بين وجود هذه الأنصاب الشركية وما فيه العراقيون والسوريون وغيرهم من بلاء أصبحت مكشوفة. فالحرب الأهلية بين السنة والشيعة في العراق بلغت ذروتها عند تفجير المرقد المشؤوم ومقام المهدي الموهوم بسامراء في (22/2/2006). وقد اتخذت هذه المراقد المزعومة كمسمار جحا وسيلة للتوسع الشيعي في ربوع السنة بدءاً بوضع اليد عليها من قبل الوقف الشيعي ومروراً باتخاذ الإجراءات الرسمية لتحويل بعض المدن والأقضية السنية إلى محافظات شيعية. وحتى يتم لهم ذلك باسم القانون سنوا له القانون رقم 19 لسنة 2005 الذي ألغوا بموجبه ما سمي بنظام (العتبات المقدسة) رقم 25 لسنة 1948 وقانون إدارة (العتبات المقدسة) رقم 25 لسنة 1966 وقانون تعديله رقم 108 لسنة 1983. ومن بنود القانون الجديد تعريف المزارات الشيعية الذي شملوا به (الاولياء من المنتسبين الى مدرسة اهل البيت عليهم السلام في مختلف انحاء العراق)، كما جاء في نص القانون. وهذا يفتح الباب واسعاً أمامهم لبناء ووضع اليد على أي مرقد يفيدهم في مشروعهم الصفوي التوسعي وضمه إلى الوقف الشيعي في (مختلف أنحاء العراق)؛ بحجة أن صاحبه من (الاولياء من المنتسبين الى مدرسة اهل البيت عليهم السلام)! وقد وقع على القانون مجلس الرئاسة المتكون من اثنين من السنة هما رئيس الجمهورية الكردي جلال الطالباني ونائبه العربي غازي عجيل الياور، وواحد شيعي هو النائب عادل عبد المهدي. وبهذا يظهر غباء السياسة عندما تكون بمعزل عن الدين. ومما يدل على الغباء المزمن عند الوطنيين تظاهر السياسيين بتعظيم تلك المراقد لكسب الشيعة – زعموا – كما كان يفعل الرئيس صدام حسين وغيره من الرؤساء، دون أن يرعوا حق الله تعالى في دينه، ولا حق أنفسهم في سياستهم الخائبة، التي كانت نتائجها أن أكلتهم إيران وشيعتها باسم أهل البيت ومراقدهم المزعومة المشؤومة! وآخر من ظهر علينا في هذا النفاق السياسي ممثل الأمم المتحدة في العراق مارتن كوبلر في زيارته لمراقد الشيعة في كربلاء والنجف وطوافه بها وهو من دين لا يمت لدينهم بصلة!
الموتى في سوريا تأكل أحياءها
واليوم يتطوع آلاف الشيعة من إيران والعراق ولبنان واليمن والبحرين لقتال سنة سوريا بحجة حماية المرقد المنسوب للسيدة زينب في دمشق، وأخواته من المراقد في أرجاء سوريا مثل حجر بن عدي وغيره من (الاولياء من المنتسبين الى مدرسة اهل البيت عليهم السلام). وقد أسسوا لذلك ألوية مقاتلة تحمل اسماء شيعية مثل لواء (أبي الفضل العباس) في العاصمة السورية، المحددة مهمته بالدفاع عن مرقد (السيدة زينب) جنوبي دمشق([1]).
وفي خبر مؤكد أفادتنا به مصادرنا الخاصة قبل أسبوعين: أنه تم خلال (4) الأيام الماضية تطويع (8000) عنصر من (جيش المهدي) من كربلاء والنجف فقط للقتال في سوريا تحت ذريعة نصرة المذهب وحماية مرقد السيدة زينب. ويستلم كل فرد حال تطوعه منحة أولية قدرها (3000) دولار، وفي حال هلاكه يعطى أهله (30,000) دولار مشفوعاً براتب شهري. يتم نقل المتطوعين في طائرات مدنية من مطاري بغداد والنجف إلى بيروت ودمشق تحت إشراف وتنفيذ جزار منظمة بدر وزير النقل العراقي هادي العامري.
وقد استعرض ليلة 13/5/2013 (10,000) متطوع إيراني علناً في استاد الشهيد شيرودي بطهران لإرسالهم إلى دمشق؛ بحجة حماية مرقد السيدة زينب، وباسم (مدافعي الحرم). هذا مع العلم أن ما لا يقل عن 65٪ من الجيش السوري الحكومي هو من عناصر (الحرس الثوري) الإيراني.
فتأملوا كم جنى علينا ابتعادنا عن ديننا! وكم جنى السنة على أنفسهم ودفعوا من أثمان على مذبح الوطنية، وهُياماً بعيونها العسلية!
أيها السنة! تنبهوا إلى خطورة هذه المراقد الشركية الهزلية؛ إن لم يكن لله… فلأنفسكم.
_________________________________________________________________________________
- – انظر الرابط http://www.youtube.com/watch?v=d_6aj2SsQ3I ↑