د. طه حامد الدليمي
في ليلة السابع والعشرين (27) من كل رجب يستعيد المسلمون في العالم الإسلامي ذكرى الإسراء والمعراج، إلا الشيعة فتجدهم مشغولين عن ذلك تمام الانشغال مستغرقين عن آخرهم بمناسبة أخرى هي وفاة موسى بن جعفر الذي يلقبونه بـ(الكاظم)، على عادتهم في تلقيب كل إمام من أئمتهم.
ولكوني مولعاً بالغوص وراء ظواهر الأفعال، والسباحة في لجة الدوافع النفسية؛ لأنني أؤمن أن الإنسان مخلوق نفساني لا عقلاني (لا أقصد نفي العقل، وإنما تغليب ناحية النفس) فهو يجنح بنفسه ثم يبرر بعقله. ويتأكد هذا الاتجاه ويبرز عندما يخرج من حيزه الفردي إلى مجاله الجمعي: لذا أود أن ألقي دائرة من الضوء على هذه المناسبة – التي يحضر لها الشيعة أنفسهم هذه الأيام من كل عام – من خلال المصباح النفسي دون بقية المصابيح: عقائدية كانت أم عبادية أم غيرها.
الشخصية الشيعية
الشخصية الجمعية الشيعية غريبة لا تشبهها شخصية أُخرى من كل شعوب الأرض. إلا الفارسية؛ لأنها مستنسخة عنها. وإلا اليهودية الطائر الثالث الذي وقعت عليه أو وقع عليها لا فرق. ولهذا يتوحل في المفارقة من يقيسها على غيرها حتى ولو في الخطوط العامة للتعامل البشري، بسبب الوقوع في مطب القياس مع الفارق.
الشخصية الشيعية مصابة بحزمة متشابكة من العقد النفسية. وبدافع من هذه العقد تفكر، تتكلم، تحدد موقفها، تتصرف، تسلك. كل شيء يأخذ شكله من خلال المرور بين أشواك هذه الحزمة.
فمن أراد تفسير أي فكرة أو موقف أو ظاهرة شيعية فعليه أن لايكتفي بإرجاعه إلى منطلقاته الفكرية، ما لم يقرنها بدوافعها النفسية. بل إن هذه الدوافع هي الأصل، وما تلك المنطلقات إلا نتائج ومبررات!
الحيل النفسية
يقول د. أحمد عزت راجح في كتابه (أصول علم النفس: ص453): (إن لم يوفق الفرد إلى حل المشكلة التي تواجهه بطرق إيجابية واقعية، ظل في حالة من التوتر الانفعالي الموصول، ما يجعله يلجأ إلى أساليب ملتوية سلبية خادعة تخفف عنه بعض ما يكابده من تأزم نفسي، وتقيه مشاعر القلق والعجز والفشل والخجل والرثاء للذات وغيرها من المشاعر التي تنشأ عن إحباط دوافعه. فإذا به يتجاهل المشكلة أو يتناساها أو ينكرها أو يستصغرها أو يموه عليها أو يتنصل منها بإلقاء اللوم على غيره لا على نفسه. كل ذلك للخلاص مما يعانيه من القلق بدلاً من مواجهته. لذا تسمى هذه الأساليب الملتوية بالحيل الدفاعية؛ لأنها تدفع عن الفرد غائلة القلق، وتهبه شيئاً من الراحة الوقتية، وإن تكن راحة وهمية حتى لا يختل توازنه).
حيلة ( الانسحاب Withdrawal )
ومن هذه الحيل النفسية الدفاعية (الانسحاب Withdrawal) وهو /كما يقول د. راجح، ص454/ (ابتعاد الشخص المتأزم عن المواقف التي يحتمل أن تثير في نفسه القلق… ومن صور الانسحاب الإذعان والامتثال والكف عن كل محاولة للتكيف مع الموقف المثير للإحباط، فيكون هذا بمثابة اعتراف من الفرد باستحالة الوصول إلى حل لأزمته. ويقترن الانسحاب هنا بالتبلد وعدم الاكتراث واللامبالاة… وفي مستشفيات الأمراض العقلية نماذج بارزة للانسحاب لدى الذهانيين، يلجأون إليه هرباً من الواقع الذي أصبحوا لا يطيقون مواجهته، وخلقوا لهم من الخيال عالماً يرضيهم ويقضي حاجاتهم).
ظاهرة ( الانسحاب ) الجمعي عند الشيعة
يمارس الشيعة حالة (انسحاب) جمعي من المناسبات الإسلامية. وهو استنساخ للحالة الفارسية انتقل إلى الشيعة عن طريق التقليد والحث والعدوى. وإغراقاً في الانسحاب جعلوا عند كل مناسبة إسلامية مناسبة بدعية تقابلها، يشغلون جمهورهم بها عنها.
ففي يوم تحويل القبلة – مثلاً – الذي يصادف يوم 15 شعبان من كل عام، ينشغل الشيعة بأسطورة مولد المهدي، الذي لن يلد ولن يولد. وهو حالة ( انسحاب ) جمعي من مناسبة إسلامية لا تتحمل الذاكرة الفارسية مرورها على صفحتها المتأزمة المتوترة.
ويتجاهلون ليلة القدر (27 رمضان) بالانشغال بمقتل سيدنا علي رغم أن بينه وبين ليلة مقتله الحقيقي في (17 رمضان) عشرة أيام! بعدد أيام محرم التي تفصل بين مطلع سنة الإسلام ويوم مقتل سيدنا الحسين!
ومن هذا الباب ففي ليلة السابع والعشرين (27) من رجب وبينما يستعيد المسلمون في العالم الإسلامي ذكرى الإسراء والمعراج، تجد الشيعة مشغولين بمناسبة أخرى هي وفاة موسى (الكاظم)، الذي يسمونه (باب الحوايج)!
وهكذا فإنك لو تتبعت الأمر فربما لن تجد مناسبة إسلامية أو عربية إلا وأشغلوا شيعتهم عنها بمناسبة مخترعة أخرى!
لقد تحول هذا الأسلوب عند الشيعة إلى عادة طبعت حياتهم. فما أكثر المناسبات المؤلمة في تاريخهم، التي لا يجدون حيالها سوى التجاهل والانسحاب علاجاً لما تثيره في نفوسهم المريضة من قلق ممض، يقض مضاجعهم، ويعكر عليهم صفو حياتهم.
هل ترى لمعركة القادسية من ذكر في كتبهم أو أحاديثهم؟ وهذا هو الذي دعاني لأن أسمي موقعنا باسم هذه الموقعة (القادسية)، كي أظل أنخس ذاكرتهم بكل ما يغيظهم، وينغص عليهم عيشهم، فلا يجدون مهرباً إلا الانسحاب، والانصراف لواذاً وراء التظاهر باللامبالاة، وعدم الاكتراث، وتبلد الإحساس؛ عسى أن نفوز بأجر المحسنين الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى فقال: (وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (التوبة:120).
وهل يذكرون معركة المدائن أو جلولاء أو نهاوند؟
أم هل يطيقون تذكر أيام العرب في ذي قار، أو ذات السلاسل، أو المذار!
بل قل: هل يذكرون فتح مكة؟ ولماذا يستقبلون سنة العرب أو الإسلام باللطم والنواح والبكاء؟ ويتجاهلون عيد الأضحى والفطر؟
وهذا يضع أيدينا على نوع العلاج المناسب لهؤلاء المرضى، وهو العلاج الوحيد المتهيئ في الوقت الراهن، ألا وهو المواجهة، تمهيداً لعزلهم العلاج الاستراتيجي الوحيد والناجع كما فعلت أوربا مع اليهود.
بل من الفرس من إذا سئل عن يوم غد، وكان يوم جمعة، لا يسميه ولا يذكره إنما يقول: بعد غد السبت، تجاهلاً ليوم الجمعة الذي ينخسه ويشعره بهوانه! لكنه يستقبل سنة المجوس بالأفراح والاحتفال وإشعال النيران مدة ثلاثة عشر يوماً متواصلاً! وقد صادف سنة 1998 يوم نوروز يوم العاشر من محرم، فلم يتنازلوا عن إعلان فرحهم في ذلك اليوم الذي يسبقونه في كل عام عشرة أيام معلنين بحزنهم، ولا يتنازلون يوماً واحداً احتراماً وفرحاً بذكرى يوم المسلمين، وذكرى هجرة خير الخلق أجمعين!
إنه مرض (الانسحاب)..! قد أصاب أمة بحالها!
ترى هل تشفق عليهم فتنصحهم بزيارة لـ(باب الحوايج) لعله يلتفت إليهم ولو يوماً من الدهر، أو مرة في العمر، فيقضي لهم حاجتهم التي أزمنت ويبست وأعسرت، وما لها إلى خروج من سبيل؟