د. طه حامد الدليمي
ليلة 27 رمضان 1434
أصبح بحكم المؤكد([1]) أن معتقلي سجن أبي غريب البالغ عددهم أكثر من (6100) أسير قد تم تحريرهم من الاعتقال، سوى (43) منهم اختاروا البقاء في السجن لأسباب خاصة مثل عجز بعضهم عن الهرب لمرضه، وقرب انتهاء محكومية بعضهم. وهذه المعلومة نقلت إلي من داخل السجن بواسطة مصدر على صلة مباشرة فيه.
السؤال الكبير: إن سجن أبي غريب من المواقع المحصنة البالغة التحصين، فكيف تمكن المهاجمون من اختراق جميع الدفاعات وإبطال مفعول الإجراءات التحصينية كلها، وتحرير المعتقلين أجمعين وترك السجن تصطفق أبوابه محترق القاعات تتصاعد من جنباته أعمدة الدخان تلعب بها الريح يميناً وشمالاً؟! وإذا كان هذا قد تم بالفعل فمن يضمن أن يتكرر الأمر نفسه ولكن في “المنطقة الخضراء” مقر الحكومة فيتلاشى حلم الشيعة في حكم العراق الذي ناموا له قروناً طويلة. ولكن هل سيُتركون هذه المرة ينعمون بنومهم الهنيء وأنين ضحاياهم في كل مكان؟
لهذا وغيره عم الرعب أوساط الشيعة في أنحاء العراق. وكان ذلك واضحاً منذ اللحظة الأولى التي سمعوا فيها بالواقعة. أما الذين شهدوها فكان لهم شأن آخر. وأنا لا أروي لكم إلا ما تحريت عنه فتأكد لدي. دخل ضابط صبيحة اقتحام السجن مستشفى أبي غريب يريد إخراج الجرحى الذين في عهدته، وعددهم أكثر من عشرة. كان الخوف والاضطراب بادياً عليه. ولما عرض عليه الطبيب إبقاءهم حتى إتمام الإسعافات الأولية أجابه: “كيف و(الإرهابيون) على وشك الوصول لقتلهم؟!”. وطلب أن يكون نقلهم في سيارات الإسعاف وليس بواسطة السيارات العسكرية خشية أن يعرفوا فيقتلوا. ولم ينس أن ينصح العاملين في المستشفى ويحذرهم قائلاً: “الإرهابيون على وشك الوصول”!
ووردني خبر متصل الإسناد إلى ابنه “حمادة” أن آمر لواء المثنى سيئ الصيت المرابط في منطقة “أبي غريب” ومجموعة من أصدقائه الضباط هرّبوا عوائلهم إلى إقليم كردستان. ويقال: إن صافرات الإنذار دوّت في “المنطقة الخضراء”، وإن بعض عوائل المسؤولين فيها نقلت إلى كردستان في الطائرات المروحية!
وتركت القوات الأمنية مواقعها في نقاط التفتيش على الطرق المؤدية والقريبة من السجن وأُفلتوا بأنفسهم، كما هرب المئات من أفراد الوحدات العسكرية في المنطقة. وكان بعض الضباط يروي ما حصل وهو يبكي والرعب يأخذ بحلاقيمه!
كما تواردت الأخبار أن الشيعة في بغداد نشطوا في شراء أسلحة الدفاع الشخصية خوفاً من (السلفية)، على حد تعبيرهم، الذين سيصبحونهم أو يمسونهم.
أمريكا تغلق سفاراتها
مما زاد طين بلة أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت، في الأيام القلية الماضية، عن إغلاق عدد من سفارتها وقنصلياتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثل مصر وليبيا والجزائر واليمن والكويت والسعودية وأفغانستان وباكستان، بالإضافة إلى إسرائيل بدءً من هذا اليوم (الأحد 4/8/2013) ولأجل غير مسمى؛ خوفاً من هجمات مرتقبة توعدت بها القاعدة. ولا يستبعد أنها جادة في الأمر، وأنه ليس من لعبة وتمويه لتمرير أمر معين مثل تغيير الأنظمة المعلوماتية والتجسسية السرية في السفارات بعد أن فضح أسرارها أخيراً “إدوارد سنودن” الذي كان يعمل محللاً للمعلومات لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وغادر أمريكا إلى روسيا ليمنح إذن إقامة فيها مدة سنة.
و .. ( طار جَريش ) الشيعة
كانت سفارة أمريكا في العراق من ضمن تلك السفارات التي أغلقت، فـ(طار جَريش) الشيعة خوفاً وهلعاً! كيف لا وقد أخذ الخوف بمجامع الربة أمريكا! وهكذا بدأت الأجهزة الأمنية الخميس الماضي بحملة إجراءات مشددة على محيط المنطقة الخضراء، التي تضم مقار الحكومة ومؤسسات عليا في البلاد. وانتشرت عناصر من الأجهزة الامنية على مداخل المنطقة وفرضوا إجراءات أمنية مشددة تمثلت بفحص العجلات والتدقيق في هويات المواطنين، بل وموظفي المنطقة الخضراء. وصدرت الأوامر العسكرية بقطع الإجازات الرسمية الممنوحة للعسكريين والالتحاق فوراً بوحداتهم. ورفعت القوات الأمنية العراقية، أمس السبت، درجة الإنذار إلى المستوى (ج) – وهو أعلى درجات الإنذار – ونزلت الدبابات والمدرعات إلى محيط المنطقة وداخلها، مع ورود أنباء عن هجوم محتمل يهدف إلى اقتحام المنطقة الخضراء، وانتشار سيارات مفخخة في العاصمة بغداد. وتحدثت بعض المصادر العسكرية عن معلومات شبه أكيدة حصلت عليها القيادات الأمنية تفيد بوجود مخطط لتنفيذ عملية اقتحام للمنطقة الخضراء المحصنة في سيناريو مشابه لحادث اقتحام سجن أبو غريب”، رغم أن مصادر أخرى هونت من الأمر وقالت إنه مجرد إشاعة.
كذلك قام العديد من المسؤولين بتهريب عوائلهم من المنطقة. كما قدم كثير من موظفي دوائر الدولة التي تقع حول المنطقة المحصنة طلبات إجازة رسمية خوفاً من إمكانية وقوع الهجوم المرتقب أثناء تواجدهم في دوائرهم.
ولمَ لا ؟
ولم لا يصاب الشيعة بالرعب والله تعالى يقول: (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) (آل عمران:151)! وهل ثمت شرك أكبر من شرك الشيعة؟ هل بلغ شرك المشركين واليهود والنصارى مبلغ شركهم؟
كما أن من عجيب قدر الله تعالى ورحمته أن جرد الباطل من أي قوة ذاتية، وجعل القوة كلها للحق؛ فلولا ضعف أهل الحق لما انتصر عليهم أهل الباطل. ولهذا عقب الله سبحانه على الآية السابقة مبيناً سبب خسارة أهل الحق معركة (أُحد) فقال: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ) (آل عمران:152).
فلنلتفت إلى صفنا ننقحه ونرصنه.. ونتمايز عن الشيعة فلا هم منا ولا نحن منهم.. نتحرر من عبادة الوثن الكبير الذي يسمى (الوطن) فلا وطن لا أحفظ فيه ديني وكرامتي وعرضي. لا وطن لا آمن فيه على نفسي ورزقي، ولا أسلم على عقلي وفكري.. نعمل ضمن مشروع يجمع بين الإيمان والنصرة، العبادة والقضية. عندها سيكون النصر حليفنا بإذن الله.
تداعيات مؤلمة
لا يعكر المشهد السابق سوى شيئين: الوضع العام لسنة العراق، وليس هو بمعزل عن حال الأمة بعامة. وما فعلته المليشيات والقوى الأمنية والعسكرية بإخواننا معتقلي سجن التاجي من مجازر وإعدامات جماعية انتقاماً لكرامتهم التي مرغت بوحل أبي غريب. فقد روي أن الانتقام ابتدأ بالصورة التالية:
تم فتح أبواب السجن الإلكترونية والحديدية وإيهام السجناء – وغالبيتهم من المعتقلين العرب – بأن السجن قيد الإقتحام؛ وقد تهاتف بعض الفارين من سجن أبو غريب وزملاء لهم في سجن التاجي وأبلغوهم بما حدث، فاعتقد الكثير من نزلاء سجن التاجي بأن تنظيم القاعدة حرر السجن بعد مهاجمته كما حصل في أبو غريب. وسادت الفوضى باحات وأروقة وأزقة السجن، وفتحت الأبواب وطلب بعض الحراس من المساجين المغادرة. وكان أمراً مريباً أدى إلى انقسام السجناء العرب إلى قسمين: الأول رفض الخروج ارتياباً من المشهد المفاجئ، والثاني: صدمته الفوضى وبعض المناوشات وصليات الرصاص بالهواء فغادر نحو 200 على الأقل منهم، وغالبيتهم من السعودية وتونس والجزائر والسودان والكويت وبعض دول الخليج، ليفاجأوا في الساحة الترابية أمام أسوار السجن بمئات من المسلحين وأفراد القوات الحكومية قد استعدوا لهم وصاروا يطلقون عليهم النار بشكل عشوائي وجماعي. فقتل ما لا يقل عن 150 منهم، ووقع نحو خمسين جريحاً ترفض السلطات علاجهم، بل توقع بهم أشد صور التعذيب.
تتفق جميع الروايات إلى الآن على عدم حصول عملية هروب فعلية من سجن التاجي، في الوقت الذي تحدثت فيه تقارير مريبة للحكومة العراقية عن مقتل عدد من السجناء أثناء محاولتهم الهروب! والحقيقة أن الإجراءات كانت مقصودة وانتقامية. يقول أحد الشهود – كما في بعض المواقع الإلكترونية – انقلوا عني للعالم.. سجن التاجي رائحته مفعمة بالموت فمن لم يسقط قتيلا من بين نحو 400 سجين عربي فيه يخضع حالياً لأبشع أنواع التعذيب وأضاف: إن موجة جنون اجتاحت قوات حراسة السجون وبعض الميليشات بعد نجاح عملية الهروب في أبو غريب، وانتهت بهجوم عنيف ودموي على نزلاء سجن التاجي. وقال أيضاً: إن الحكومة العراقية متكتمة على ردة الفعل الدموية التي حصلت في سجن التاجي حيث قتل كثيرون داخل أروقة السجن، ونقلت الجثث وهي مكبلة الأيدي فيما وجه نداء استغاثة باسم بقية النزلاء العرب خوفاً من تصفيتهم جسدياً.
نقول لأهلنا السنة: اصبروا وصابروا فالله تعالى يقول: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء:104). وأما الشيعة فنبشرهم بقرب زوالهم، ونقول لهم: هل عندكم غير السلاح؟ فقديماً قيل: كل شيء يمكن أن تفعل بالسلاح إلا أن تجلس عليه.
_________________________________________________________________________________
- – تبين أن هذا الرقم غير صحيح وأن العدد الذي تم تهريبه أقل من ذلك بكثير. ↑