مقالات

سوريا – باختصار -تغيير أزلام وبقاء نظام

د. طه حامد الدليمي

news1.628139

لم يتغير رأيي في مآلات الثورة السورية وإلى أين هي سائرة منذ انطلاقها. كتبت في ذلك أكثر من مقال، وحاورت في أكثر من حلْقة على شاشة قناة (وصال)، وأذكر أنني ختمت الحديث عنها مغاضباً قبل حوالي عام بقولي “وداعاً أيتها الثورة السورية!”. لكن القلب ما زال هناك بالحب والخوف والولاء، واللسان مشدوداً بالمنافحة والنصيحة والدعاء.

جريمة ضرب الغوطة بالسلاح الكيميائي، تلك المجزرة – التي راح ضحيتها قرابة (1400) حالة وفاة معظمهم أطفال وشيوخ، سوى أعداد المصابين – تجبرنا على العودة إلى الحديث، خاصة بعد أخبار مؤكدة، تعضدها تحركات ذات دلالات مؤيدة، عن ضربات جوية وشيكة يقوم بها حلف الأطلسي.

يمكنني تلخيص رؤيتي الخاصة عن الثورة السورية بما يلي:

– التركيز على العمل العسكري أكثر من العمل المدني. أي على الجناح بعيداً عن الجسم. والعمل العسكري وحده في مثل ظروفنا الحالية – والمقاومة العراقية مثال واضح للعيان – غير قادر على الاحتفاظ بالأرض بعد تحريرها.

– الاهتمام بإسقاط رأس النظام، وضعف التركيز على المرحلة اللاحقة.

– لم أجد من المعارضة إلى الآن من أجاب على السؤال التالي: هل الهدف من القتال إسقاط الرأس أم إسقاط النظام كله؟ وإن كان هناك من أجاب، فإنني لم ألمس وجود أسس فكرية وآليات عملية تبنى عليها موصلة إلى ذلك.

– تأتي (الهوية السنية) في مقدمة الأسس الفكرية التي تحمي الثورة من الانحراف، وتحفظ للشعب (السني في غالبيته) حقوقه. لكن الإشكال الثقافي يقف عائقاً أمام تبني هذه الهوية من حيث عدم التفريق بين “الإسلامي” و”السني” أولاً، وعدم اكتشاف أهمية وقوة وتأثير (الهوية السنية) في بلد مختلط بين السنة وبقية الطوائف.

– لم تختلف الثورة السورية عن مثيلاتها من ثورات ما سمي بـ”الربيع العربي” في افتقاد حلقات ضرورية الوجود يأتي على رأسها الحلقة الواصلة بين القوى الفاعلة على الأرض والجمهور من ناحية، والحلقة الواصلة بين الثورة والعالم الخارجي من ناحية أُخرى. فالحلقة الأولى مفقودة بسبب ضعف أو انعدام المشروع المدني. أما الحلقة الثانية فلم أجد ما يمثلها سوى “المجلس الوطني السوري” سابقاً و”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” حالياً، وهما – في رأيي – وضعا أصلاً لخطف الثورة من أصحابها، وتحقيق إرادة المركز في الإبقاء على النظام في حال فشلهم في الحفاظ على رأس النظام. وهكذا يتم تلهية الشعب بهدف وهمي، ثم تبدأ تداعيات المرحلة الجديدة من صراع بين “رفاق الدرب والسلاح”، وتصنيف للمجاهدين إلى “إرهابيين” وملاحقتهم وتصفيتهم.

في هذه المرحلة يكون الشعب قد تعب تماماً واستنفد طاقته، ولم يعد له من هدف سوى البحث عن سكن آمن يؤويه ومورد رزق يبقيه. ولن يبالي كثيراً ولا قليلاً بمصير من قاتل عنه وبذل روحه في سبيله!

مجزرة الغوطة الكيمياوية والضربة الجوية الوشيكة

01AW24r 2208-6

يبدو أنه آن الأوان – بالنسبة لدول المركز – لإجراء التغيير المطلوب، وهو إزالة رأس النظام ممثلاً بالرئيس بشار والحاشية المقربة منه قبل أن تستفحل القوى غير المرغوب فيها وتتسلم مقاليد الدولة بنفسها فتغير النظام كله. كما يبدو أن رأس النظام غير مستعد لطاعة القوى الكبرى في التنازل عن السلطة وإن استلزم ذلك خوض القتال دفاعاً عن النفس. وإذا كان توقيت هذا الإجراء في هذه المرحلة قد بات ضرورياً، وأن تأخير إزالة النظام قد يؤدي إلى انفلات الأمور ووصول الآخرين إلى السلطة وتغييرهم النظام كلياً: فلا بد من إزاحة بشار في هذا الوقت بأي ثمن، وإن اضطرت تلك القوى إلى خوض الحرب بنفسها.

والاحتمال الآخر هو تنفيذ إزاحة النظام على مراحل ريثما تتم استعدادات تهيئة البديل الذي أوشكوا على تهيئته. فتكون الضربات الجوية لإضعافه أولاً من أجل توفير بيئة تساعد المقاتلين على إسقاطه ضمن التوقيت المطلوب ثانياً.

كانت مجزرة الغوطة إذن ضرورة لتبرير قيام دول المركز بعمل عسكري ذي غطاء أممي ومقبولية عالمية وإقليمية لإسقاط بشار أو إضعافه. لذلك لا أستبعد أن الأمريكان قاموا باستدراج النظام السوري إلى هذا الفخ، وقد تكون روسيا هي اليد التي استعملوها لإغرائه بعد أن حصلت على ضمانات لمصالحها في سوريا من أمريكا، وقد تكون زيارة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي لروسيا قبل أيام حملت هذا الملف.

وإذا كان هذا التحليل صائباً فإن الضربة الجوية المركزية واقعة وقريباً. هذا بعد مشيئة الله تعالى. وانسحاب السفن الحربية الروسية من المياه الإقليمية السورية تشي بذلك. كما أن زيارة قابوس سلطان عمان لإيران قد تكون من أجل إقناع الجانب الإيراني بالسكوت حيال الضربة المزمع تنفيذها.

ما من شك أننا سنفرح بذلك إذا وقع. ولكن هل ستطول الفرحة؟ وهل ستكون فرحة ذات قيمة جوهرية؟ بمعنى هل سيزول النظام بكليته؟ أم سيزول رأس النظام ويبقى كل شيء على حاله الذي كان عليه، كما هو الحاصل في ثورات “الربيع العربي”، وآخرها الحالة المصرية وقبلها اليمنية، وليس بعيداً عنها الحالة التونسية والليبية؟

الراجح عندي أن الثورة سائرة على خطى الثورات السابقة؛ فالمآلات نتاج المقدمات. والمقدمات التي ذكرتها آنفاً ليس من السهل أن تكون مآلاتها على غير الذي ذكرت. وهذا لا يلزم منه عدم وجود أو ظهور نتائج جيدة ونافعة لقضيتنا السنية تستصحب سقوط بشار مثل فصم الحلف السوري الإيراني، وما سيكون عليه وضع “حزب الله” في لبنان. وربما وصلت التداعيات الإيجابية إلى العراق فما سواه!

وتسألني: ما الحل؟ وأجيب: السؤال تأخر كثيراً. فلا بد من دفع ثمن التأخير. وهو غالٍ على أية حال.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى